المصدرون : المبالغة فى الرسوم وغياب حوافز التصدير يحدان من التنافسية .
فرص واعدة لاحتلال المركز الثانى بعد الصين.. ولدينا أكبر شواطئ تصلح لـ «الملاحات الشمسية»
الملح أحد أكثر العناصر الموجودة فى الطبيعة، ومع أهميته يعتبر جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان، وتتنوع مصادر استخراجه من مناجم الملح الطبيعية سواء من الصخور الملحية أو مياه البحر، حيث يوجد أقدم منجم ملح معروف
فى العالم فى بولندا، الذى يعتقد أنه بدأ استغلاله فى القرن الحادى عشر، وعلى الرغم من أنه متوافر عالمياً بشكل كبير، إلا أنه لو دخل فى مرحلة الندرة، سيباع الجرام منه بسعر مرتفع.
وبالرغم من أن الاستخدام الأكثر شيوعا للملح هو ذلك المرتبط بالاستخدام البشرى وخاصة فى الطعام، إلا أنه لا يمثل سوى 5٪ من إجمالى الملح المستخرج فى العالم، أما الـ 95% الباقية، فتستخدم فى العديد من المجالات التى يمثل الملح عنصرا رئيسيا فيها، حيث يستخدم كمادة حافظة ومعالجة فى الأغذية البشرية والحيوانية وفى الصناعات المعدنية والكيميائية، وإنتاج الورق والأقمشة ومستحضرات التجميل والأصباغ ودباغة الجلود وفى المجال الزراعى كمبيد حشرى، وفى العقاقير الطبية، أما فى البلاد التى يسودها شتاء جليدى قارس فيستخدم لإزالة الجليد وتراكمه، كما يستخدم الملح أيضًا فى عمليات معالجة المياه وصيانة أنظمة ضخ حمامات السباحة.
وتعد مصر هى الأولى تاريخيا فى اكتشاف واستخراج وتكرير وتصدير الملح، ولكن على الرغم من كونها تمتلك أكبر رصيد من الملح فى العالم فى منطقة الصحراء الغربية، وخاصة فى منطقة سيوة ومنخفض القطارة، فإن عدم تفهم اقتصاديات نشاط استخراج وتصدير الملح جعلها تحتل درجة لا تتناسب مع مكانة الملح المصرى، الذى يعد الأجود على مستوى العالم بشهادة الخبراء.
وتعتبر شركة المكس للملاحات هى الأولى تاريخيا فى الشرق الأوسط وإفريقيا لإنتاج الملح من الملاحات الشمسية والتى تمتلك منها اثنتين، هما «المكس» بإنتاجية سنوية تصل إلى مليون وربع مليون طن، والأخرى فى مدينة بورسعيد بإنتاج 200 ألف طن، ورغم تدنى حجم المستخرج من الملح فى مصر، يصل قيمة ما تقوم الشركة بتصديره إلى 600 ألف طن لأغراض إذابة الجليد والأغراض الصناعية، بالإضافة إلى ذلك يتم إنتاج الكلور وحمض الهيدروكلوريك وكلوريد الكالسيوم والصودا الكاوية والصودا وهى من المواد المتداخلة فى العديد من الصناعات، علاوة على المحلول المر الذى ينتج من الملاحات الشمسية وهو مصدر العديد من المواد الكيماوية والأملاح التى تمثل عماد الصناعات الحديثة، مثل: ملح كلوريد الماغنسيوم المتوافر بكميات ضخمة جدا وهو من المواد المستخدمة حديثاً فى معالجة مياه الصرف وكذلك فى أغراض إذابة الجليد فى الدول الغنية لما له من تأثير إيجابى وصديق للبيئة، وكذلك عنصر البروم وعنصر بروميد الصوديوم وهى من العناصر النادرة الوجود فى الطبيعة ومطلوبة بشكل عاجل للصناعات الدوائية والصناعات الأخرى، وكذلك كميات ضخمة من كبريتات الماغنيسيوم وكبريتات البوتاسيوم والتى تدخل فى جميع صناعات الأسمدة والمنظفات.
إنتاج محلى وتصدير
وعن حجم إنتاج مصر حاليا من الملح، يقول أيمن خميس - رئيس القطاع التجارى والمعامل بشركة المكس للملاحات: إن حجم إنتاج الملح فى مصر الآن يتراوح مابين 2.5 إلى 3.5 مليون طن، يتم استهلاك حوالى 1.5 مليون طن محلياً سواء للأغراض الغذائية أو الصناعية، ويتم تصدير الباقى إلى دول أوروبا وأمريكا ومعظمه يستخدم فى أغراض إذابة الجليد، مشيرا إلى أن الملح من المنتجات الاقتصادية المهمة المساهمة فى أى نهضة اقتصادية فى العالم الحديث، فقد قامت الصين بتطوير هذه الصناعة بعد أن كانت فى مرتبة متأخرة فى إنتاج الملح والملاحات الشمسية، لتصبح فى السنوات العشر الأخيرة الدولة الأولى لما تنتجه من أملاح كيميائية تدخل فى جميع الصناعات الحديثة، مؤكداً أن مصر قادرة لأن تكون الأولى عالمياً خاصة مع امتلاكها أكبر شواطئ على البحرين الأحمر والمتوسط، كما أن هناك العديد من الأماكن التى تصلح لإنشاء الملاحات الشمسية وما يتبعها من مشروعات متكاملة قائمة على هذه الملاحات.
عقبات التصدير
ويتابع خميس: الملح المصرى - للأسف - غائب عن قوائم تحفيز الصادرات للحصول على المزيد من العملة الصعبة وللمنافسة مع دول شمال إفريقيا ودول أمريكا الوسطى، ولابد من تقنين الرسوم المفروضة على الملح، ولاسيما المخصص لأغراض التصدير وإعطائه حافز تصدير، وكذلك يجب الاهتمام بإنشاء العديد من الملاحات الشمسية للحصول على الأملاح العديدة المتاحة، مثل: كلوريد الماغنيسيوم وكبريتات الماغنيسيوم وكبريتات الصوديوم وكذلك البروم وكل هذه من المواد ذات القيمة الاقتصادية المرتفعة.
خام الملح ثروة قومية
عمران الكيلانى شيخ قبيلة الظنانين وأقدم مستخرجى الملح بسيوة يقول: إن إنتاج الملاحة الواحدة يتراوح من (10 – 50) ألف طن شهريا حسب كفاءة كل مستثمر وما يملكه من الحفارات واللوادر والمعدات، مشيرا إلى أن الملح تتعدد أنواعه، لكن أقلها جودة هو ملح الطرق وهو الموجود فى الطبقة الأولى من الملاحة ويحتوى على نسبة عالية من السيلكا (الشوائب) والأتربة، ولا يصلح إلا للطرق لإذابة الثلوج أو بيعها لشركات البتر وكيماويات، يليه ملح التربية أو(القطفة الثانية)، «فبعد تنظيف الملح الخام، نقوم بعمل أحواض لملح أكثرجودة ونقاء، ويمكن بيعه كملح طعام أو لشركات الأدوية».
ويضيف الكيلانى: أن خام الملح ثروة قومية، تتدنى قيمتهاعند تصديرها بشكلها الخام، لأنه يباع بخسارة فادحة، فإذا بدأنا بالتصنيع للسوق المحلية لملح الطرق بدلا من بيعه خاما، يمكن الحصول على مجارش وهزازات وغرابل للحصول على المواصفات العالمية، حيث إن كل دولة تشترط جودة معينة على سبيل المثال أمريكا وكندا تحتاج من كود 012، بينما الاتحاد الأوروبى يستورده بكود من (010) أو (08) إلى (03)، وتلك الأكواد نتعامل بها بيننا كتجار ودول تستهلك الملح حسب جودته، لافتا إلى أن الملح المغسول أو المجروش فيتم توريده لمصانع البتروكيماويات ومصر يوجد بها 3 مصانع رئيسية فى أبو رواش بالقاهرة وبورسعيد والعامرية والتى يتم فيها تصنيع الكلور والشبة، واليوم يباع ملح الفاكيوم كلوريد الصوديوم بـ1800 جنيه ( تحت الضغط المخلخل) ليصبح عالى النقاوة ويدخل فى صناعة المواد الغذائية والنسيج، كما أن هناك مركب كبريتات الصوديوم والذى يصل سعره إلى 2700 جنيه ويدخل فى صناعة المنظفات والورق والزجاج والصباغة، وبذلك نحقق إنتاجا محليا بمواصفات عالمية.
ويشير الكيلانى إلى أن عددا من المستثمرين العرب دخلوا مجال إكساب الملح المصرى القيمة المضافة، بأن أقاموا 10 مصانع فى منطقة برج العرب لتصنيع ملح الطعام وأقراص الملح التى تستخدم فى الغسيل الكلوى وفى غسالات الأطباق ومنتجات عديدة مثل الجاكوزى وحمامات السباحة ويصدر بكميات كبيرة لألمانيا بمواصفات وجودة عالمية تختلف عن الخام البدائى الذى يتحايل مصدروه على الجودة لتقليل الخسائر وتحقيق بعض الربح، فى حين أن المصريين مازالوا بعيدين عن هذا المجال بالرغم من أن الملح الخام المصرى يصدر للصين بمواصفات مطلوبة قياسية ويدخل فى صناعات التكنولوجيا الحديثة.
وفى هذا السياق يؤكد الشيخ الكيلانى أن بُعد النظر يقتضى وضع ذلك فى مقدمة أولوياتنا لتحقيق سمعة نستحقها فى الأسواق العالمية، فمصر قادرة على أن تكون رقم 2 عالميا فى إنتاج الملح بعد الصين، فى الوقت الذى نقف فيه حاليا عند رقم 34 عالميا.
طوق النجاة
وطالب الكيلانى بمد مظلة مبادرة القروض الميسرة لتشملهم بقروض الـ 5% المتناقصة لإنشاء مشروعات قومية ومساعدة أصحاب الملاحات لإنشاء مغاسل ومجارش وهزازات وغرابل كمصنع مصغر يرفع من كفاءة الملح وتعظيم استغلاله لأنه يدخل فى أكثر من ألف صناعة، وبذلك يستطيع صاحب الملاحة بالمعدات البسيطة التى ذكرتها تنمية إنتاجه من الملح ليباع بـ 100 جنيه بدلا من 30 جنيها للطن، مشيرا إلى أن عدم دراسة السوق العالمية ووضع أعباء إدارية ومالية على أصحاب الملاحة فوق طاقتهم لا تتناسب مع آلية السوق وطبيعتها كفرض رسوم وغرامات دائمة إضافة إلى الارتفاع الطبيعى فى أسعار النقل والعمالة كل ذلك دفع الكثيرين إلى التوقف عن العمل لمنع نزيف الخسائر وترتب على ذلك تشريد أكثر من 200 عامل مباشر و500 آخرين عمالة غير مباشرة كلهم أصحاب أُسر، مطالبا الدولة بدعم تصدير الملح ومنتجاته وإعادة النظر فى الرسوم والضرائب المفروضة وإيجاد فرص عمل تسهم فى خفض معدلات البطالة عبر إنشاء مجمع صناعات.
ملاحات شمال سيناء
أما موسى محمد سليم من بئر العبد بشمال سيناء فيقول: مشكلة الملح تتمثل فى توقف التصدير من خلال ميناء العريش بسبب عدم توسعة الميناء والزيادة فى تكلفة النقل مقارنة بملاحات التفريعة وملاحات المكس القريبة من الموانى، وهو ما يجعل التنافس معها صعبا للغاية، إضافة إلى أن غاطس الميناء لا يتحمل أكثر من ٨ آلاف طن، مطالبا الدولة بإعادة النظر فى وضع ميناء العريش بسبب بعُد أماكن الملح عن الموانى الأخرى، خاصة أن عدد العمالة فى قطاع الملح يصل إلى ١٥٠ ألفا بشكل مباشر أما العمالة غير المباشرة تتخطى المليون عامل.
اكتشاف كنز سيوة
أما الدكتور أحمد لطفى مكتشف كنز مصر من الملح فى سيوة، فيقول إنه حين قام برحلة علمية لاستكشاف الملح فى أواخر 2009 شملت الجزائر وتونس والمغرب بالإضافة إلى مصر لتطابق الطبيعة الصحراوية تقريبا، أكد أن ملح سيوة يعتبر أكبر كشف حجرى فى العصر الحديث تلك المنطقة الحدودية التى كانت تقوم على الزيتون والتمور، والملح الصخرى من صحارى قديمة أو مياه جوفية جفت تكوّنت تحت مستوى البحر والملح البحرى فوق مستوى البحر وهو قائم على التبخر من مياه البحر، وكانت سيوة تحت سطح البحر بـ20 مترا ومنخفض القطارة تحت سطح البحربـ 70 مترا، وعثرنا على كميات مهولة من الملح الصخرى فى سيوة ومنخفض القطارة وكان المخزون الاستراتيجى فى سيوة قد تم تقديره من قبل هيئة الثروة المعدنية بـ15 مليار طن، وقررنا العمل هناك وأصبح الملح السيوى اليوم «براند» على مستوى العالم (ملح إذابة الثلوج) وكنا أول من صدر إلى إيطاليا وأمريكا وكندا وأوروبا و26 دولة على مستوى العالم، ووردنا للحكومة مباشرة. مشيرا إلى أنه تمت مضاعفة حجم صادرات مصر إلى 6 أضعاف.
السوق العالمية
وأوضح « لطفى»، أن الملح على مستوى العالم يوجد فى كل مكان مثل المكسيك والبرازيل، ويقوم على أساس لوجيستى بحت بمعنى كيفية توصيل الملح بتكلفة أقل للمكان وإلا الخروج من السوق، كما أن المواصفات الكيميائية تم العمل عليها إلى أن وصلنا بالمنتج للمواصفات المطلوبة فى الدول. متابعا: مصر صدرت فى 2009 ( مليون طن) وفى 2021 صدرت 6 ملايين طن، وحجم الإنتاج تضاعف وأصبح هناك طفرة كبيرة فى هذاالمجال، وإذا زاد إنتاج مصر إلى 10 أضعاف سيكون الإجمالى 10 ملايين طن، وعلى هذا الأساس فإن الـ15 مليار طن التى حددتها الثروة المعدنية كاحتياطى الخام سوف تكفى 1500 سنة.
ويضيف: كل دول العالم تعلم أن مصر من أكبر المصدرين ولا يوجد منتج فى مصر تضاعف 6 مرات خلال 10 سنوات نهائيا، وتقليل التكلفة يزيد التصدير فالنقل بالسيارات الكهربائية وقطار السكة الحديد يقلل التكلفة ونحصل على ميزة تنافسية فى السوق، وكلما زادت كميات التصدير أصبح الدخل أعلى لمصر ونحصل على تثبيت الأسعار وغزو سوق أكبر وتوفير فى القيمة المضافة.
الجودة العالمية
ويؤكد وائل نور خبير صناعة الملح أنه بعد حضوره العديد من المؤتمرات فى أمريكا لتسويق الملح المصرى. لفت نظره عامل الجودة بشهادة شركات التحليل العالمية فى أمريكا وكندا، وبالتالى أصبح بمثابة دفعة كبيرة للتجار الأمريكان لدخول المناقصات والحصول عليها ومنافسة الجودة والسعر مع الدول المصدرة الأخرى، وأيضا سرعة تحميل المراكب وطفرة التطور فى الموانى جعلت لمصر أولوية عن تركيا وتونس والمغرب فى التصدير لأن أملاحهم نسبة الرطوبة فيها عالية جدا، وبذلك أصبحت مصر ثانى دولة على مستوى العالم فى التصدير لأمريكا الشمالية.
وأكد أن حجم التصدير كان ضعيفا قبل عام 2015 وبعد ذلك زاد حجم التصدير جدا، لكنه اقتصر على ملح الطرق (الكرشيف) وهو الطبقة الأولى للملاحة والناتج من تجفيف مياه البحر منذ آلاف السنين، ولونه غامق وغير نقى ولابد من التخلص منه، ويستخدم للنثر على الطرق فقط.
وعن المعوقات التى واجهها، قال: الموانئ كانت أكبر عقبة نواجهها بسبب عُمق المراكب ذات الحجم الكبير والانتظار الطويل .وساعدتنا الدولة كثيرا فى هذا الشأن بتعمّيق موانى الإسكندرية وأبو قير البحرى والدخيلة وفتح ميناء شرق التفريعة، وأيضا ميناء ٣ يوليو البحرى كل هذه الأمور ساهمت فى زيادة التصدير بكميات كبيرة، لذلك حرصا على مصلحة مصر نناشد الجهات المعنية توفير الدعم لصادرات الملح.
الملح فى مصر القديمة .
بالرغم من الاختلاف حول من سبق من فى اكتشاف الملح وبدأ فى استخدامه، فإن غالبية العلماء اتفقوا على أن المصرى القديم هو أول البشر الذين اكتشفوا الملح واستخدموه قبل أن يلحق بهم الصينيون بمئات السنين. فقد تم العثور فى صحارى مصر قديمًا على بعض المومياوات المحفوظة فى الرمال التى تتكون من مزيج من الملح ونترون النترون ويعود تاريخها الى 3000ق.م.
ويرى بعض المؤرخين أن قدم