مع زيادة حدة التغيرات المناخية والتدهور البيئى ومعاناة العالم من الظواهر الطبيعية والتقلبات المناخية الحادة والتى ترتبت على التوسعات الصناعية وأنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة ارتفعت حدة الضغط على الموارد المنهكة وأصبح العالم فى حالة استعداد قصوى لمواجهة التطورات المناخية والبيئية والبحث عن ممارسات مستدامة وخضراء على مستوى كل القطاعات الاقتصادية والانتاجية والاستهلاكية.
وتتبنى مصر قضية التحول الأخضر منذ سنوات ومع استضافتها لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-27) والمقرر عقده فى نوفمبر المقبل زادت أهمية هذه القضية، من خلال تعزيز مفاهيم النمو الأخضر والاقتصاد الدائرى ومنه مشروع «النمو الأخضر الشامل فى مصر» والذى يعمل على إيجاد ممارسات أكثر كفاءة للموارد وترشيد الموارد المهدرة والغير مستغلة، وتعزيز فرص إنشاء أسواق جديدة وفرص عمل وقيمة مضافة أعلى.
وشرعت مصر فى تنفيذ العديد من المشروعات التى تتناسب مع الأولويات الاقتصادية والبيئية للدولة، وتستهدف الحكومة تطبيق خطه لتحويل ٥٠% من مشروعات الوزارات والهيئات إلى مشروعات خضراء تتفق مع المعايير البيئية، مع العمل على دمج البعد البيئى فى مختلف القطاعات.
وتشمل خطة الدولة العمل على زيادة الاستثمارات العامة الموجهة للمشروعات الخضراء، من ١٥ % فى خطة العام الحالى (٢٠ /٢٠٢١)، إلى ٣٠% فى خطة العام المالى (٢١ /٢٠٢٢)، وأن يصل عدد المشروعات الخضراء، المدرجة بالخطة لنحو ٦٩١ مشروع بتكلفة كلية حوالى 447.3 مليار جنيه، و توجيه ١٤% من إجمالى الاستثمارات العامة لهذه المشروعات.
وبلغت قيمة محفظة مصر من المشروعات الخضراء المؤهلة ١٫٩ مليار دولار حتى سبتمبر ٢٠٢٠، منها ١٦% فى مجال الطاقة المتجددة، و١٩% فى مجال النقل النظيف، و٢٦ % فى مجال المياه والصرف الصحى، و٣٩ % فى مجال الحد من التلوث.
وتؤكد نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة تبنى الوزارة بكافة هيئاتها لقضية التحول إلى الاقتصاد الأخضر فى مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية والحد من الانبعاثات الكربونية ومواجهة ظاهرة الاحتباس الحرارى والتغيرات المناخية وتحقيق الاستدامة، ولا سيما فى ظل الاهتمام العالمى بالبحث عن بدائل تساهم فى الحد من الانبعاثات الضارة، لافتةً إلى أن استضافة مصر لقمة المناخ COP-27 خلال شهر نوفمبر المقبل يعد فرصة جيدة لاستعراض هذه الجهود التى تقوم بها الدولة خاصةً فى ظل الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ التى وضعتها مصر حتى ٢٠٥٠ والتى أطلقها مجلس الوزراء بهدف التصدى لآثار وتداعيات تغير المناخ بما يساعد على تحسين جودة الحياة للمواطن المصرى، والنمو الاقتصادى المستدام، والحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية، مع تعزيز ريادة مصر على الصعيد الدولى فى مجال تغير المناخ.
وأضافت جامع أن الوزارة تنفذ أيضًا بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية الـ«يونيدو» مشروع استخدام الطاقة الشمسية بديلا فى عمليات التسخين فى كافة الصناعات، وذلك فى إطار مبادرة الاقتصاد الأخضر، فضلاً عن دراسة إنشاء أول منطقة صناعية خضراء بالتعاون مع الـ»يونيدو» والهيئة الاقتصادية لقناة السويس، كما تدرس إمكان توفير تمويل لمساعدة المصانع على إحلال المحركات الكهربائية الحالية بأخرى ذات كفاءة فى إستهلاك الطاقة من خلال الجهاز المصرفى وجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، خصوصًا أن الجهاز لديه القدرة على الوصول إلى كل فئات المشروعات الصغيرة المستهدفة، فضلاً عن قيامه بتقديم خدمات تمويلية وغير تمويلية لهذه المشروعات. ويمثل مشروع النمو الأخضر الشامل فى مصر اهمية كبيرة وهو المشروع الذى تنفذه منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية الـ» يونيدو» بمحافظتى الأقصر وقنا بصعيد مصر بشراكة مصرية ممثلة فى وزارة التجارة والصناعة وهيئتها مركز تحديث الصناعة وجهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وزارة البيئة ومحافظتى الأقصر وقنا، وتصل مدة المشروع الى ٤ سنوات بتمويل من الحكومة السويسرية ممثله فى « الوكالة السويسرية للتنمية» بنحو ٥ ملايين فرنك سويسرى واليونيدو باكثر من ٤١ مليون دولار.
وتقول اناكيرا اسكاندونى ممثلة منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية الـ»يونيدو» ان مشروع النمو الأخضر الشامل فى مصر يضم حتى الآن ٤٤ شركة صغيرة ومتناهية الصغر، ومن المخطط أن يتم دعم ١٣٥ شركة جديدة والحصول على تمويل يصل إلى ٥٠ مليون جنيه. وأوضحت أن المشروع يستهدف قطاعات اقتصادية محددة أهمها الزراعة المستدامة،والانتاج الغذائى، وإدارة المخلفات، والطاقة المستدامة مع التركيز بشكل خاص على رفع قيمة تدفقات الكتلة الحيوية من المجتمعات الزراعية،وقطاع الصناعات الزراعية،مثل الغاز الحيوى والطاقة الشمسية وسلاسل القيمة والتكتلات الرئيسية فى الأقصر وقنا بما فى ذلك قصب السكر والطماطم والنخيل.
وتضيف ان من أهدافنا الترويج للفرص الخاصة بهذه الأعمال التجارية والاستثمارية الخضراء من خلال ١٠ مؤسسات مالية وغير مالية وتقديم ١٠ خدمات مطورة من مقدمى خدمات التدريب والتوظيف بما يتماشى مع طلب السوق واعتماد ٤ سياسات جديدة منقحة من واضعى السياسات وتطبيق ١٥٠ من المؤسسات ممارسات ادارية محسنة واكتساب ألف من الفاعلين فى سوق المعرفة واصحاب المهارات اللازمة للتوظيف.
وفى لقاء مع عدد من شباب محافظة قنا من اصحاب المشروعات والأفكار حول النمو الأخضر الشامل، أكدوا أن أهم مشكلة تواجه مشروعاتهم التسويق والترويج لمنتجاتهم،موضحين ان أفكارهم ومشروعاتهم تساهم فى التنمية الاقتصادية والحضرية للمجتمع المحلى من خلال إعادة تدوير المخلفات والتى تسهم فى تنمية دخل الأسرة والحفاظ على البيئة.
واشار الشباب الى ان احد المشروعات التى يعملون على تنفيذها هو إعادة تدوير مخلفات قصب السكر، موضحين انه بدلا من حرق المزارع تلك المخلفات وتلويثها للبيئة يتم تحويلها لسماد عضوى فتقل التكلفة وتعم الفائدة والأهم فى إعادة تدوير مخلفات القصب أن إنتاجية المحصول تزيد وتنمو. وقالوا ان جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة يحاول جاهدا أن يقدم مزيد من التسهيلات للأفراد والشركات الناشئة لدعم مشروعاتهم المتعلقة بالمنتجات الزراعية كقصب السكر والطماطم والتمور، وإعادة تدوير المخلفات الزراعية، وتدوير القمامة، والطاقة الشمسية.
ويقول بركات عباس محمد أحد منتجى المخللات بقرية دنداره بجرجا ان منتجاته تعتمد على ما تخرجه الأرض الزراعية من محاصيل منها الخيار والجزر والليمون والبصل والزيتون حيث تحضرها الفلاحات حوله ويقوموا بتنظيفها وتقطيعها وتوريدها له بالكيلوجرامات ويقوم هو من خلال معامل مجهزة بتحويلها الى « مخلل» ويشير إلى انه يعمل لديه ٣٠ أسرة،موضحا انه يحتاج إلى المساعدة فى التسويق لمنتجاته خارج بلدته والاشتراك فى المعارض المختلفة لعرض منتجه المتميز جودة وسعرا، مشيرا الى انه يحلم بأن يتوسع مشروعه ويتمكن من التصدير للخارج. وتضيف السيدة أم نور، التى أسست مشروع لانتاج البلح والمربى والعجوة والأعلاف الداجنة بقوص بمحافظة قنا، أن ما تحلم به هو ان تصل منتجاتها الى كل مكان نظرا لجودة منتجاتها والتى لو اتيحت أمامها فرص التسويق المناسب والتشابك مع كبار الموردين والمصدرين ستكون علامة فى صناعة التمور.
ويوضح صاحب منحل لعسل النحل بمدينة الأقصر انه ينتج عسل النحل من البرسيم ونوع أخر من السدر الجبلى بدون أى إضافات ويتحدى منتجى الداخل بل والخارج من حيث جودة العسل ويحتاج إلى موردين للحصول على كميات كبيرة بما يمكنه من تنمية تجارته.