وجوه سمراء لونتها حرقة الشمس .. شعارها «العمل» .. يكفيها من عرق يومها كسب جنيهات قليلة تسد بها احتياجات بسيطة لعائلاتها .. هناك فى الحسينية بمحافظة الشرقية وجدت هذه الوجوه، ولكنها اليوم قلقة لا لشيء إلا لأنها زرعت وحصدت وتخشى على نتيجة محصول بنجر السكر، الذى بدأت عملية حصاده قبل أيام وينتظر مزارعوه تحميله ونقله الى مصانع سكر البنجر، فرغم أنه محصول استراتيجى ونحن لازلنا نعانى من نقص شديد فى تحقيق اكتفائنا الذاتى منه، إلا أنه يظل ملقى على الأرض لا يجد من يحمله، ويتحكم فيه بعض مندوبى الشركات الذين يقدرون درجة شوائب عالية ونسبة سكر جزافية .
تحت حرارة الشمس قابلته وأبناءه ينقون البنجر من الطمى والشوائب .. محمد على عبد القادر .. فلاح بسيط .. يزرع 3 أفدنة من بنجر السكر، إنتاجية الواحد من 22 الى 25 طنا، يباع الطن بـ600 جنيه تقريبا، قال: المشكلة إن نسبة الإنفاق على البنجر عالية جدا من بذور وكيماوى وغيرها، والجمعيات الزراعية لا توفر لنا إلا ربع الكمية فقط ونشترى الباقى من السوق السوداء، ونعانى ارتفاع أجرة العمالة التى نحاول أن نوفرها بأن نعمل نحن وأبناؤنا بأيدينا.. ويأتى فى النهاية مندوب الشركة ويأخذ المحصول ويحاسبنا على نصفه فقط بحجة أن الباقى شوائب وتالف .
ويلتقط الحاج عبد الحميد الليمونى - فلاح - طرف الحديث مؤكدا انه متعاقد مع احدى الشركات المنتجة للسكر والتى ترسل لهم التقاوى مع مندوبيها، ولكنها هذا العام رغم ارتفاع أسعار السكر لكن سعر توريد البنجر لم يزد جنيها واحدا عن العام الماضي، وظل كما هو 620 جنيها للطن وفق نسبة السكر فى البنجر، والتى تحلله الشركة بمعرفتها دون تدخل أو حتى حضور لنا، فنحن نسلم المحصول للمندوب دون وزن أو تحديد للشوائب أو أى شيء، ولكننا مضطرون للتعامل على هذا النحو لأن أراضى «الحسينية» مالحة ولا تزرع فيها الا محاصيل محدودة جدا، والبنجر منها حيث تزيد نسبة السكر فيه كلما زادت ملوحة التربة .
تكاليف النقل
ويشير السيد محمد - فلاح - إلى أن إنتاجية الفدان فى كثير من الأراضى 20 طنا فقط وتتكلف زراعته من 5 الى 7 آلاف جنيه من رش وكيماوى وعمالة وغيرها، ولا تتم محاسبتنا عليه إلا وفق ما تراه الشركة التى ترسل لنا المبلغ بعد 15 يوما وفق ما تحدده، حيث تخرج نصف الحمولة تقريبا شوائب، ومن يرفض لا تشترى محصوله، بخلاف ما ندفعه للسائقين - ويتراوح بين 200 و 500 جنيه - حتى يتم نقل المحصول ولا يظل ملقى على الأرض، لأن المنتظرين أكثر .. كما أن الحمولة إذا لم تكن كاملة ندفع فرق حمولة يصل الى 700 جنيه أحيانا.
لا يوجد بديل
ويضيف مصطفى سرحان - أحد موردى البنجر للشركات - انه يورد البنجر من الفلاحين الى إحدى الشركات الحكومية، وكانت هناك مشكلة كبيرة العام الماضى فى التوريد، حيث كان المحصول يظل على الأرض فترة طويلة لا يجد من يحمله ولكنها اختفت هذا العام ... كما أن الطرق إلى سهل الحسينية غير ممهدة، ولكننا مضطرون للتحمل لأنه لا يوجد بديل.
ويقول أنور عبد الرحمن السهوى - مزارع - إن الجمعية الزراعية تعطينا كيماوى للفدان الواحد 3 شكائر بسعر 150 جنيها للثلاثة، ولكن الفدان الواحد يحتاج 10 شكائر سعر الواحدة بالسوق السوداء 250 جنيها، وبالنسبة لمندوب شركة السكر فهو الحاكم بأمره لأنه هو الذى يتعاقد معنا والشركة تحسب نسبة الشوائب والسكر كيفما ترى لدرجة أن هناك حمولة تخرج من نفس الارض على نفس الجرار والمقطورة، ويحددون لنا نسبة سكر للجرار بشكل مختلف عن المقطورة رغم أنهما خرجا من ذات الأرض .. حتى الوزن لا يتم أمامنا، لذلك نطالب بأن يأتى مندوبو الشركة الينا ويزنوا المحصول أمامنا ويخرجوا نسبة الشوائب فى وجودنا أيضا لأن هذا حقنا حتى لا يسمحوا لضعاف النفوس بالتلاعب بأرزاقنا، فالفدان نصرف عليه 7 آلاف جنيه ويأتى لنا بـ10 الى 12 ألفا طول العام، لكننا مضطرون للاستسلام للموردين.
العائد ضعيف جدا
أما على أبو سرحان مزارع، فأكد أنه رغم أن البنجر محصول مهم جدا لأنه مصدر للسكر، إلا أن العائد منه ضعيف جدا لأن المندوب إذا حصل منا مثلا على 50 طنا يخرج منها أكثر من 15 طنا شوائب، وفقا للمسجل فى إيصال الاستلام الذى نحصل عليه ولكن هذا الفرز أو الوزن لا يتم أمامنا.
أما محمد وحمدى سرحان- مزارعان - فيؤكد ان نفقات زراعة البنجر باهظة خاصة الحفار الذى يتم إيجاره مقابل ألف جنيه لجمع البنجر، ويعمل 3 أشهر فقط فى فبراير ومارس وابريل وكل فدان يحتاج 8 عمال على مرتين اجرة العامل 120 جنيها بخلاف التقليع (الحصاد) الذى يحتاج من 10 الى 12 عاملا، ولذلك فزراعة البنجر تتكلف كثيرا وتنتج قليلا.
ضرورة قومية
وقال السيد حسن موسى وكيل لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب إنه من الصعب زيادة مساحات زراعة قصب السكر بسبب شراهته للمياه و إن هناك خطة لوزارة الزراعة للتوسع فى زراعة بنجر السكر فى محافظات الوجه البحرى والدلتا، لزيادة الإنتاج المحلى من السكر وسد الفجوة بين الاستهلاك والإنتاج واعتبر أن التوسع فى زراعة البنجر «ضرورة قومية» خلال الفترة المقبلة حيث يؤدى الى تقليل الاستيراد وتخفيف الضغط على ميزانية الدولة فى ملف استيراد السكر من الخارج وكذلك تأمين احتياجات مصر من السكر باعتباره سلعة إستراتيجية وعدم حدوث أى أزمات متعلقة به مستقبلًا..وهذا التوسع يتم ذلك من خلال الأراضى المستصلحة حديثًا ولن يتحقق سوى بإقرار حوافز من جانب وزارة الزراعة مثل توفير الأسمدة والمبيدات لمن يقوم بزراعة محصول بنجر السكر حتى يقبل عليه الفلاحون .
..ومدير المحاصيل السكرية السابق : العينات عشوائية والوزن إلكترونى يتم فى حضور ممثلى المزارعين
ويوضح الدكتور عبد الله الشافعى المدير السابق لمعهد المحاصيل السكرية أن إنتاجنا من السكر العام الماضى بلغ 2.4 مليون طن منهما 1.3 مليون طن من بنجر السكر و900 الف طن من قصب السكر و200 ألف طن من محليات عسل الجلوكوز، والهاى فركتوز المستخرج من الذرة السكرية والذى يتم انتاجه فى مصانع العاشر من رمضان، ولكن استهلاكنا من السكر يتراوح بين 3.2 و3.3 مليون طن، أى أننا نستورد سنويا من 900 ألف إلى مليون طن تزيد سنويا بمعدل 70 ألف طن بسبب الزيادة السكانية.
وأوضح أن مساحة الأراضى المنزرعة من القصب 320 ألف فدان غير قابلة للزيادة بسبب محدودية المياه، أما بالنسبة للبنجر فالمساحة المنزرعة تتراوح مابين 420 و450 ألف فدان، والبنجر يمكن زراعته فى كل أنواع الأراضى لقدرته على التخلص من الملوحة، ويعطى نسبة سكر من 20 و22 % فى الأراضى الأكثر ملوحة، بينما تبلغ نسبة السكر فى الأراضى الخصبة فى المتوسط من 16 إلى 18 %.
ويحذر من أن الشركات التى يتم توريد السكر إليها إذا تأخرت فى الإعلان عن أسعار البنجر وحوافز إنتاجه قبل أن يبدأ موسم زراعته فتزيد منافسة المحصولين الشتويين (القمح والبرسيم) ويلجأ الفلاح لزراعتهما ويدير ظهره للبنجر، ولذلك فمن أهم مميزات البنجر أنه محصول تعاقدى أى أنه يتعاقد مع الشركة على التوريد قبل زراعته فلا يكون بحاجة إلى البحث عن مشتر للمحصول فى نهاية الموسم بعد إنتاجه .
وأكد الشافعى ان المزارعين لهم من يمثلهم أمام الشركات، وعملية الوزن فى الشركة تتم من المقطورة من خلال الكمبيوتر، والعينة يتم أخذها بجهاز أوتوماتيكى بشكل عشوائى لتحديد نسبة السكر ويتم ايضا تنظيفها وحساب نسبة الشوائب والأتربة والطمى والرمال والأوراق بها لأنه ليس هناك حاجة الا للجذور الممثلة لثمار البنجر، بعيدا عن أى تشعيبات ليفية ناتجة عن عملية الشتل وتطبق نتائجها على الناقلة المسحوبة منها، ونصح الفلاح بعدم تحميل البنجر من الأرض من الأكوام باللودر لأنه يحمل معه الأتربة من قاع الكومة.