يلعب الفلاح دورا كبيرا في توفير معظم المواد الغذائية والسلع الإستراتيجية، فهو الحلقة المهمة فى عمليات الانتاج وهو المنوط به تحقيق الاكتفاء الذاتى من الخضراوات والفواكه وجميع السلع الحيوية مثل القمح والأرز والذرة والفول وغيرها.
ورغم أن القيادة السياسية والحكومة الحالية وضعت مشكلات الفلاحين في مقدمة الاهتمامات، لا يزال الفلاح يشعر بأنه خارج الحسابات، خاصة المزارع البسيط الذي يمتلك مساحات صغيرة وكذلك الذين يعملون بالأجرة، فهؤلاء يحتاجون إلي مد يد العون والاهتمام بهم .
«تحقيقات الأهرام» تطرح مشكلات الفلاحين في الوقت الراهن وتبحث المقترحات لإيجاد حلول لمشكلاتهم.
بداية يشير المهندس سامح حمدى عبد الحكيم، مشرف على عدد من المزارع ومسئول بإحدى شركات التنمية الزراعية بأسيوط، إلى أن هناك أزمة كبرى ومعاناة شديدة، حيث يدفع الفلاح ثمن كل شيء من غلاء الأسعار وصعوبة توفير الأعلاف، وكذلك العمالة ونقل المحصول وكل ما يتعلق بعملية الزراعة، فمثلا المزارع التى تقام على الطرق الصحراوية تعانى صعوبة توفير السولار والكهرباء والعمالة أيضا، فالعامل الزراعى لا يوجد حاليا.
ويقول محمد أحمد خضر، من قرية برطباط بالمنيا، إن الفلاح يعانى صعوبة توفير السماد، خاصة بعد زيادة الأسعار، كما أن الزراعة دون سماد لا تنتج محصولا جيدا، كذلك أصبحت تكاليف الزراعة أعلى من إيراد المحصول، وبالتالى فالفلاح يعتبر نفسه يعمل دون مقابل وأحيانا يخسر نتيجة تعرض المحصول للتلف بسبب الحر الشديد أو الصقيع، وفيما يخص الأراضى الصحراوية التى تم تقنينها فالمزارع يعانى عدم توفير مستلزمات الزراعة، ولذلك فالجميع يفكرون فى بيع الأراضي، كما أن بعض الفلاحين يرفضون تأجير الأراضى نظرا لارتفاع التكلفة.
وحول مشكلات الفلاحين يقول ممدوح حمادة، رئيس مجلس إدارة الاتحاد التعاونى الزراعى المركزى الممثل لأكثر من 8 ملايين فلاح تضمهم 7 آلاف جمعية زراعية: إن مساندة الحكومة الفلاحين ضرورة لمصلحة الاقتصاد الوطني، ولذلك يجب على أجهزة الدولة تنفيذ عدد من الالتزامات وفى مقدمتها مشاركة المزارعين فى وضع الإستراتيجية الزراعية، وأن يكون لهم رأى فى الخريطة الزراعية لحل مشكلاتهم.
وينبه إلى أن ما يشهده السوق من ارتفاع أسعار اللحوم هو نتيجة غياب التنسيق، وبالتالى فإن الفلاحين منتجى اللحوم مثلا يشكون عدم السيطرة على أسعار الأعلاف وغياب الرقابة تجاه ذبح إناث الماشية خارج المجازر، بالإضافة إلى ضعف الرقابة على الأدوية البيطرية والأمصال وإحجام المربين عن استخدامها وعدم قيام مديريات الطب البيطرى بالمحافظة بواجبها فى هذا الشأن. ويضيف ممدوح حمادة أنه رغم كل الجهود المبذولة فإن هناك مشكلات مازالت مستمرة مثل ضعف السعة التخزينية للمحاصيل، وعدم وجود صوامع بالعدد الكافى لاستيعاب الإنتاج من المحاصيل الزارعية خاصة محصولى القمح والذرة وزيادة نسبة الفاقد من المنتج الزراعى نتيجة سوء التداول ومشكلات النقل بالاضافة الى عدم وجود مصانع كافية فى مواقع الإنتاج الزراعى أو بالقرب منها مما يترتب عليه إهدار الناتج القومى وزيادة حجم الفاقد والتالف.
وأضاف رئيس الاتحاد التعاونى ان مشكلة ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج الزرعى (أسمدة - تقاوى - مبيدات) تمثل ازمة حقيقية يعانيها الفلاح وكذلك ما يتعلق بتوفير البنزين و السولار بالاضافة الى عدم وجود رقابة حقيقية على صناعة المبيدات وتسويقها.
ايضا هناك مشكلة تتعلق بعدم إعلان أسعار المحاصيل الاستراتيجية قبل زراعتها بوقت كاف بالمقارنة بما يتم استيراده وتمشيا مع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي، كالسماد والتقاوى والمبيدات، وتسرب بعض مستلزمات الإنتاج غير المطابقة للمواصفات إلى الأسواق مثل المبيدات والأسمدة الورقية والتقاوى وضعف الرقابة عليها مما يضر بالإنتاج الزراعى والصحة العامة، بالإضافة إلى أن الزيادة السكانية أدت إلى تفتيت الملكية الزراعية إلى مساحات صغيرة، وعليه يجب تطبيق نظام الدورة الزراعية من خلال تشجيع عمل تجمعات زراعية يسهل توفير الخدمات اللازمة لها خاصة بالنسبة للسلع الإستراتيجية.
ومن المشكلات تعدد القرارات الخاصة بحماية الأراضى وعدم استكمال الأحوزة العمرانية مما أدى إلى زيادة التعديات على الأراضى الزراعية بالبناء عليها بصورة سافرة، وكذلك نقص وتلوث مياه الرى فى مناطق عديدة خاصة مناطق شمال الدلتا والإسكندرية التى لا تصل المياه اليها ويتم الاعتماد فيها بشكل رئيسى على مياه الصرف فى الري، وتأثير ذلك على الإنتاج الزراعى والصحة العامة، كما أن عدم تطهير المصارف الرئيسية والفرعية أدى إلى ارتفاع مستوى الماء فى الأراضى وتدهور التربة، وطالب بضرورة حل مشكلات المتعثرين من الفلاحين مع البنك الزراعى وأهمية وجود تعليم زراعى حقيقى علمى وأكاديمى يؤهل الفلاح للتعامل مع أرضه وتنمية الثروة الحيوانية. حيث يتولى رعايتها بالوراثة عن أجداده معتمدا على خبرات سابقة، وطالب بإنشاء شرطة خاصة لإزالة التعديات على الأراضى الزراعية.
ويرصد السيد عبدالفتاح سراج عضو مجلس النواب أن هناك مشكلات يواجهها القطاع، ومنها مشكلات الأراضى المستصلحة خاصة بطء اتخاذ إجراءات تمليك الأراضى إلى اصحابها الذين قاموا باستصلاحها وسددوا ثمنها بالكامل ولم يتسلموا العقود النهائية، وعدم تمليك الخدمات كالمبانى والمخابز المؤجرة للغير منذ عقود طويلة لشاغليها وتوقف الهيئة العامة لمشروعات التنمية والتعمير عن تسجيل أراضى أهل النوبة بأسوان والممنوحة لهم وعدم إعمال القرارات الوزارية ومنها القرار رقم 317 لسنة 2010 بشأن تقنين أوضاع من حل محل المالك الأصلى طبقا للقرار الوزارى وارتفاع أسعار الكهرباء لمحطات الرى والصرف بالأراضى الجديدة وعدم تعامل البنك وفروعه بالمحافظات فى صرف السلف النقدية والقروض والخدمات الزراعية المستخدمة فى الإنتاج على غرار المتبع مع جمعيات الائتمان.
تسويق القطن
أما المهندس وليد السعدنى رئيس احدى الجمعيات الزراعية فيقول: هل من المعقول أن مصر السباقة فى زراعة القطن المتميز فى أسواق العالم لأكثر من 200 عام يتعرض منتجوه سنويا لمشكلات تسويقية، وهذه الأوضاع وغيرها أدت إلى هروب الفلاحين من القرى بحثا عن مصدر رزق آخر .
ويؤكد أننا قادرون على تلبية احتياجات مصر من الغذاء إذا تدخلت الحكومة واستمعت لشكوانا وحل مشكلاتنا فمصر من أكثر الدول استيرادا للغذاء رغم أنها مهد الزراعة، ومصر من أكثر الدول استهلاكا للمياه رغم خطورة هذه القضية، وهناك امور اخرى تتعلق بأصحاب الحيازات الصغيرة «أقل من فدانين».
خريطة الاحتياجات
ويحذر السعدنى من خطورة غياب خريطة الاحتياجات من الغذاء وغياب الرقابة على المبيدات والتقاوى والعشوائية فى إقرار أسعار الحاصلات رغم ارتفاع تكلفة الانتاج سواء من الأيدى العاملة أو الوقود، وكذلك عدم توافر المياه اللازمة للرى خاصة فى نهايات الترع .
وأشار السعدنى إلى أن الجمعيات تعانى مشاكل التمويل، والحل إنشاء بنك للتعاون وهناك حاجة لتعاونيات متخصصة لقدرتها على حل المشاكل، ولابد من الاستفادة من الميزة النسبية من انتاج القطن وعلاج مشكلة الجنى التقليدى الذى يكلف الفلاح أكثر من 4 آلاف جنيه للفدان بينما تتكلف الميكنة 500 جنيه فقط، وأقترح انشاء شركات استثمارية لديها قدرة على استخدام وتوفير الميكنة الحديثة لصغار المزارعين.
التهميش وغياب التنسيق
ويشكو مجدى الشراكى رئيس احدى جمعيات الإصلاح الزراعى محاولات تهميش المنتجين الزراعيين وعدم وجود تنسيق بين الوزارات والهيئات المختلفة الأمر الذى أدى إلى غياب السلع الزراعية وارتفاع أسعارها ومن أمثلة ذلك أن حجم انتاج البيض سنويا يصل إلى 250 مليون بيضة، ومع ذلك لايجد المزارعون أى جهة حكومية تستفيد من هذا الانتاج الذى يمكن عرضه بأسعار تقل أكثر من 35% مما هو فى السوق وقال ان هناك معوقات فى التسويق ولو تعاونت الجهات المختصة مع المنتجين فإن الوسيط سيختفى وتعرض السلعة بأسعار معقولة.
وقال الشراكى إن غلاء أسعار المنتجات الزراعية بشكل كبير قد يتصور البعض أن عائده يصل إلى جيوب الفلاحين، لكنه يصل إلى الأباطرة من كبار التجار والسماسرة بينما يضطر الفلاح للرضوخ للكبار نظرا لأن انتاجه يتعرض للتلف فى حالة عدم بيعه.