«الأمن الغذائى وتحقيق الكفاية منه من القضايا الشائكة، التى تواجه كثيرا من المعوقات يتصدرها الافتقار لمصادر المياه وتقلص رقعة الأرض الزراعية الناتج عن استنزافها بالزحف العمراني، بالاضافة الى زيادة ظاهرة التصحر، فضلا عن الزيادة المطردة لتعداد السكان، ومن خلال «تحقيقات الأهرام» حاولنا رصد جوانب هذه القضية والمعوقات التى تعترضها، والاطلاع على التجارب الواقعية والجهود التى تبذلها الدولة للتعامل مع هذه القضية والحلول التى يقترحها الخبراء لتفادى جميع المعوقات.
فى البداية أوضح الدكتور هانى الكاتب عضو الهيئة الاستشارية برئاسة الجمهورية للشئون الزراعية: أننا تأخرنا طويلا عن ركب التقدم لفترات تفوق 40 عاما فى مجالات التعليم والبحث العلمى والتصنيع والزراعة، لكن المبشر فى الأمر أننا نمتلك الإمكانات التى تساعدنا للحاق بركب التطور، والتى تتجسد فى الشمس ومياه البحر والصحراء الشاسعة، وهذه الموارد فى قدرتها المساهمة فى حل الكثير من مشكلاتنا والرقى بالبلاد، وأن نصل إلى المستوى الذى نبتغيه من تقدم حضارى واستعادة أمجاد حضارتنا العريقة والمتأصلة فينا.
فما نملكه من موارد طبيعية كفيل بتحقيق تنمية فائقة للبلاد إذا تم استغلالها بشكل تقنى دقيق، فالشمس التى نحظى بها فى بلادنا وتفتقر لها دول الغرب فى إمكانها توليد طاقة وفيرة تكفى احتياجاتنا الإنتاجية والاستهلاكية ويفيض منها للتصدير للخارج، ومياه البحار التى تتمتع مصر بوفرتها وإطلالها بمساحات شاسعة على البحرين الأحمر والمتوسط يمكن استغلالها بعد تحليتها، فى استزراع الأرض بمساحات أكبر، تصل الى 4 ملايين فدان، لملاحقة تزايد معدلات احتياجاتنا فى المستقبل، حيث يتوقع أن يصل التعداد الي150 مليون نسمة فى سنه 2050، ويجب العمل من الآن على توفير المياه المستخدمة فى الزراعة التى تفوق 84% من المياه المستهلكة فى كل مصر، وهذا أسلوب ونهج خاطئ فى رى الأراضى الزراعية، ولابد من تغييره، بحيث نعمل على تقليل هذه النسبة الضخمة من مواردنا المائية والتى يتم إهدارها، ولذا لابد من أن نستخدم تقنيات تسهم فى تقليل المياه المستهلكة فى رى الأرض الزراعية، وهذه نقطة مهمة فطن لها أجدادنا المصريون، فمثلا استخدموا الرى تحت سطح التربة وليس بالضخ كما نفعل نحن، وبتلك الآلية لم يهدروا المياه، واستزرعوا الأرض بأقل قدر من المياه.
بدائل لنقص المياه
ويجب أيضا أن نجد بدائل لنقص المياه، سواء عن طريق جمع المياه من الغلاف الجوى من المناطق عالية الرطوبة، أو من مياه الندى والأمطار فى المناطق الممطرة، وأهم البدائل تحلية مياه البحر، ولكن تحقيق ذلك يلزمه وقت أطول نظرا لارتفاع قيمة تكلفة تقنياتها، وهذا لا يعنى أن مشكلاتنا أساسها الافتقاد للإمكانات المادية، على العكس، لأننا إذا امتلكنا الفكر السليم والاختراع الصائب فحينها لن تمثل المادة مشكلة، ولن تكون العائق، ولدينا فى مصر عباقرة فى الاقتصاد ولديهم القدرة أن يجدوا لنا مصادر تمويل متنوعة.
وأضاف نسعى حاليا إلى تطوير الفكر الزراعى وتطبيقه على أوسع نطاق فى مصر، الذى يهدف لزراعة محاصيل متعددة فى آن واحد، كما اعتاد الفلاح المصرى أن تضم قطعة الأرض الخاصة به العديد من المحاصيل فى موسم واحد، وهذا كان من أفضل وأجود أنواع الزراعات التى تفيد التربة والبيئة وصحة الإنسان أيضا، ولتنفيذ هذا الفكر الزراعى لابد أن نأخذ فى الاعتبار أننا نعيش بمنطقة صحراوية، تعصف بها الرياح المشبعة بالأتربة، ومن الضرورى حماية الزراعة من تلك العوامل، ولذا نعمل على إقامة مصدات الرياح بالتشجير لحماية الأرض والمساعدة فى تحسين المناخ بالمنطقة الزراعية، وتقليل الفرق بين درجات حرارة النهار والليل، والذى تنخفض فيه درجات الحرارة تحت الصفر وصولا لدرجة التجمد، مما يؤدى لموت النبات، وهذا إلى جانب دور التشجير فى خفض درجة الحرارة فى الصيف، مما يقلل من المياه المستخدمة فى الرى ويساعد فى تحسين إنتاجية الفدان، وهذا فكر زراعى متكامل نقوم حاليا باستخدامه وتطبيقه فى مصر، بحيث ندمج فى الزراعة بين العديد من أنواع الزراعات، بالإضافة للاستزراع السمكى داخلها، وهذا أفضل من استزراع الأسماك على مياه الصرف الزراعي، وعلينا تغيير هذه الأساليب الخاطئة والمضرة صحيا، واستبدالها بالمفيد للصحة والبيئة والتربة، هذا بجانب تربية الماشية، وأن يرتبط الفكر الزراعى بالاقتصادى لحل مشكلاتنا بالزراعة، من خلال تقليل استخدام المياه وحماية الأراضى الزراعية من الرياح والأتربة، هذا كله بالإضافة لزيادة الإنتاج، وذلك بجانب استخدامها كعلف للحيوان أو كأخشاب.
التصنيع الزراعى
وأضاف: ويجب أن نستكمل الفكر الزراعى والاقتصادي، بالعمل على ربط هذه المزارع بالتصنيع الزراعي، بحيث نضيف قيمة لمنتجاتنا وتشجيع التصنيع أيضا، وهذه النماذج نعمل فيها حاليا، بحيث نستهدف أن تكون نموذجا يطبقه جميع المزارعين والمستثمرين بالأراضى الزراعية فى مصر، ونهدف من خلال هذه النماذج الى أن نبعث رسالة للشباب وللباحثين الزراعيين، أن بإمكاننا تغيير الزراعة إلى الأفضل، حتى لا تضر صحة الإنسان ولا بيئته.
وقال: إن مصر فى حاجة لزراعة 20 مليون فدان لتحقيق الأمن الغذائي، وستواجهنا بعض المشكلات ونحلها بالتشجير أو بمصدات الرياح وتوفير مياه الرى والاتجاه للتنوع والادماج فى الزراعة، أما بالنسبة للصوب الزراعية التى نعمل فيها حاليا وتنفذ بتقنيات عالية، فالصوب بالعالم معظمها أحادية التنوع، بينما نحن نستهدف صوبة فيها تعددية ومتنوعة الإنتاجية لمجموعة من الزراعات، فأقمنا صوبات على التربة، وأخرى على المياه وثالثة على الهواء بتقنيات مختلفة ذات عائد إنتاجى لمحاصيل متعددة، يمكن أن يعيش فيها النحل فى حالة احتياجه للتلقيح، وهذه النماذج تستهدف الوصول لأعلى إنتاجية بتقنيات علمية تراعى سلامة البيئة والصحة.