المبيدات الزراعية المغشوشة.. عندما يتحول الأخضر إلى «سم قاتل»

المبيدات الزراعية المغشوشة.. عندما يتحول الأخضر إلى «سم قاتل»

محاصيل تندثر تحت التراب، وأشجار تحوّلت من اللون الأخضر للأسود، بداية مؤلمة داخل مزارع، تحمل عنوانًا واحدًا "الدمار مرّ من هنا" لتكتمل بها مآسي المزارعين، وهم يتحدثون بألم حول منابع الخير التي لم تعد قادرة على الإثمار، وعجزهم عن توفير مبيدات صالحة لمقاومة هذا المرض. 


"الدستور" اقتحمت عالم المبيدات التي تُصنع تحت «بير السلم» والتي لا جدوى منها سوى النصب على المزارعين الأسواق، كما تحدثت مع عدد من ضحايا تلك المبيدات التي أوتت بمحاصيلهم الزراعية إلى الهلاك، والخسائر الفادحة.


في البداية قال محمد دهشان، أحد المزارعين بالإسماعلية، إن المزارعين يقومون برش أشجار المانجو قبيل طرح ثمار المحصول لتحقيق مكاسبهم، دون التأكد من جودة المبيد المستخدم، مما يساهم في تكون بقعة سوداء على أوراق أشجار المانجو، موضحًا أن مزرعته لم تنجو من المبيدات المغشوشة التي خسر خلالها آلاف الجنيهات.


وتابع "دهشان"، لـ"الدستور" أنّ المبيدات المغشوشة مماثلة الشكل الخارجي، لكن المادة الفعالة مختلفة وأقل تركيز، قائلا: "من المفترض أن المبيدات تقتل الحشرات حفاظًا على المحاصيل الزراعية لكنها تدمر جسم الإنسان من خلال إصابته بالكثير من الأمراض التي يتمثل أخطرها في السرطان".


فيما يحكي الحاج ياسر إبراهيم، أحد المزارعين المتضررين بالقليوبية لـ"الدستور" أنه من المعتاد أن يشتري مبيدات حشرية لمقاومة الآفات والحفاظ علي الزرع، قائلا: "بنتعب كتير في عملية الزراعة خاصة في مرحلة ما قبل رمي البذور"، موضحًا أنه يقوم بالحرث والتسميد والتأكد من سلامة المعدات اللازمة لري الأرض، ويكلفه الكثير من الوقت والمجهود، وعندما فوجئ بإصابة النبات بآفة، قام برش المحاصيل، لكن دون.


وأشار "إبراهيم"، إلى أنه ذهب إلى التاجر الذي اشترى منه، وقام بإستبدال العبوات بنوع آخر، ليضيع ذلك الغش مجهوده، منوهًا أنه لابد من توفير أماكن آمنة يشتري منها الفلاح مبيداته وكل ما يلزم أرضه، ويمكن أصحاب المصانع الموثق منها وضع علامات مميزة على المنتجات الأصلية، مطالبًا بمعاقبة كل من يُفسد الزراعة ويقوم بغش المبيدات الزراعية.


أُصدر مؤخرًا تقرير لجنة مبيدات الآفات الزراعية بوزارة الزراعة، والذي كشف عن ضبط 15 ألفًا و440 عبوة مبيدات مختلفة الأحجام والسعات غير مسموح بتداولها وغير مطابقة للمواصفات ومغشوشة ومجهول المصدر.


الحاج رأفت أمين، يحكي أنه اشترى هذا العام عبوة مبيد من أحد التجار في القرية بسمالوط، لكن دون جدوى وما زالت الآفة تأكل المحاصيل الزراعية، فذهب إلى التاجر وأخبره أن العبوة فاسدة ويريد استبدلها، فرفض معللًا ذلك بأن هذه الشركة عالمية، وحدثت مشادة بين صاحب المتجر والمزارع، واتجه للشراء من مكان أخر.


وأوضح "أمين"، أن هناك طرق كثيرة لمواجهة غش المبيدات الزراعية، ومراقبة الحكومة والبرلمان، متسائلًا أين دور وزارة الزراعة؟ فـالفلاح رجل غير مقتدر ماديًا، وفي أمس الحاجة للمال.


"المحاصيل فسدت وبلّغنا الجمعيات الزراعية ولكن دون جدوى"، بهذه الجملة بدأ محسن أبوزياد، أحد ضحايا المبيدات الزراعية المغشوشة بالشرقية حديثه، حيث أنه فوجئ فور رش المحاصيل الزراعية أنها لا تقوم بقتل الآفات، بل زاد انتشارها في الثمار فقتلت المحاصيل.


وأوضح "أبوزياد"، أنه من المفترض أن تقوم الجمعيات الزراعية بمواجهة تلك المبيدات، والحد منها، وزيادة المبيدات الزراعية في الجمعيات، منعًا لاستغلال أو قيام المصانع المحلية بغش المبيدات. 


كشف تقرير رسمي أعده الدكتور محمد عبد المجيد، رئيس لجنة المبيدات بوزارة الزراعة أن الصين تعد أكبر دولة مصدرة للمبيدات إلى مصر بكمية قدرها 2000 طن عام 2018، يليها الهند 1700 طن، ثم ألمانيا 1200طن، وأنّ عدد الدول التي يتم استيراد المبيدات منها حوالي 27 دولة، وأن مصر أصبحت دولة مصدرة لمستحضرات المبيدات.


يقول حسين صدام، نقيب الفلاحيين إن المبيدات المغشوشة محظور تداولها ومحرمة دوليًا والتي يتم تهريبها من الخارج، ولم يكن في مصر مبيدات غير مطابق للمواصفات الدولية، لكن هناك أنواع يتم تصنيعها تحت بير السلم، وطرق تصنيعها مخالفة للقانون، وعند معرفة أماكن صنع تلك العبوات بيتم القبض عليهم، وتعرضهم للمسألة القانونية.


وتابع "صدام"، خلال تصريحه لـ"الدستور" أن المبيدات المغشوشة تسبب خطورة على الزراعات والإنسان والبيئة، وتضر المزارع اقتصاديًا، لا تؤدي المبيدات المغشوش الغرض منها، وتقوم بنقل الأمراض، والبعض منها يحتوي على مواد سامة تضر المزارع والمواطن، منوها أنه يسعى على الإلتزام برش المبيدات المطابقة للمواصفات الدولية.


وصل إجمالي المنتجات المغشوشة على المستوى العالمي إلى حوالي 1.5 تريليون دولار، وانخفضت حجم التجارة غير المشروعة للمبيدات في مصر من 19 إلى 14% من حجم المبيدات المستهلكة طبقًا لتقرير رئيس لجنة المبيدات بوزارة الزراعة.


من جهته، يقول الدكتور سيد خليفة، رئيس قطاع الإرشاد الزراعى بوزارة الزراعة واستطلاح الأراضى، إن أزمة المبيدات المغشوشة ليس لها علاقة بالمرشد الزراعى وغيابه، فالمرشد الزراعى دوره هو نقل المعلومات والإرشادات الزراعية من مركز البحوث الزراعية للفلاح، وليس له أى دور فى اختيار المبيدات له، وإنما يرشد الفلاح على الطريقة المثلى للتعامل مع الآفة، أو المغذيات التى تحتاجها الأرض وطريقة الري.


وأضاف خليفة أنّ «مكافحة المبيدات المغشوشة هى مهمة إدارة المكافحة فى وزارة الزراعة وشرطة المسطحات المائية»، مشددًا على ضرورة وجود تشريع يغلظ العقوبات الخاصة بتداول المبيدات المغشوشة، لأن العقوبات الحالية ضعيفة مقارنة بالجرم المرتكب.


بحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن مصر تستخدم أكثر من ٨ آلاف طن سنويًا من المبيدات، بتكلفة نحو ٩٠٠ مليون جنيه، وأكثر من ٢٦ مليون إنسان يتعرضون للتسمم بالمبيدات سنويًا، يموت منهم ٢٢٠ ألف فرد سنويًا، ويصل حجم الإنفاق على المبيدات، مقارنة بمستلزمات الإنتاج الزراعى فى مصر حوالى ٦٪، بتكلفة قدرها ٦٠ جنيهًا للفدان.


ووفقًا لدراسة حديثة صادرة عن وزارة الزراعة، فإن عدد المركبات المسجلة في مصر، بناء على الاسم العام، ٢٠٥ مبيدات، و٥٧٣ مستحضرًا تجاريًا، وتسود المبيدات الحشرية ذات السمية الحادة الأعلى فى الدول النامية، بينما تسود مبيدات الحشائش في الدول المتقدمة، وتصل كمية المبيدات الرواكد في قارة إفريقيا ١٠٠ ألف طن تصل تكلفة التخلص منها ٥٠٠ مليون دولار.


وتستورد مصر المبيدات من ٢٧ دولة، وتصل حالات التسمم بالمبيدات في الدول النامية إلى ١٣ ضعف الدول المتقدمة، والتي تستهلك ٨٥٪ من الإنتاج العالمي، ويرجع ارتفاع حالات التسمم الحاد بالدول النامية، ومنها مصر، إلى ضعف نظم الرقابة والنقص في التدريب والوعي وانخفاض مستوى أدوات الحماية الشخصية، بالإضافة إلى قصور التشريعات، كما أن المحافظات التي سجلت أعلى نسبة في الإصابة بمتبقيات المبيدات على زراعتها، فهي الإسكندرية والبحيرة والقاهرة والجيزة، التي سجلت أعلى معدلات في تلوث الزراعات بالمبيدات ومتبقياته، وفقًا لتقرير لجنة المبيدات بوزارة الزراعة.