الأرز المصرى.. رصيد أوشك على النفاد

الأرز المصرى.. رصيد أوشك على النفاد

أثار قرار الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية، رقم 28 لسنة 2018 الخاص بترخيص زراعة الأرز «استياء» المزارعين الذين حرموا من زراعة الأرز هذا العام، بحيث يبلغ إجمالى المساحة المصرح بها 724 ألفا و200 فدان، وحظر زراعة الأرز فى المناطق غير المصرح لها طبقاً للمادة 38 من قانون الرى والصرف، فى محاولة للحد من زراعة المحاصيل الشرهة للمياه مثل الأرز، وتوقيع الغرامة المنصوص عليها فى المادة 94 من نفس القانون على المخالفين، كما تحصل قيمة مقابل الاستغلال للمياه الزائدة عن المقررة لزراعة الأرز بالمخالفة طبقاً للمادة 53 من اللائحة التنفيذية للقانون، وما تلاها من تعديلات، وقرارات وزارية منظمة لفئات المياه الزائدة.


ووصف المزارعون قرار الحظر بـ«المتعسف» والصادم، لأنهم اعتادوا على زراعة محصولهم كل عام، مؤكدين أن أراضيهم ذات طبيعة لا تصلح إلا لزراعة الأرز، خاصة أنهم يعتمدون عليه كمحصول اقتصادى، بجانب أنه أحد أنواع السلع الأساسية داخل بيوتهم والذى يعتمدون عليه بشكل أساسى فى غذائهم.


تُشير الإحصائيات الرسمية إلى أن زراعة اﻷرز تتطلب كميات من المياه أكبر من أى محصول آخر، بمتوسط 9.500 إلى 11 ألف متر مكعب من المياه لكل فدانين ونصف وتقريبًا.


وتزامنت هذه العقوبات على زراعة الأرز مع انخفاض نصيب المواطن من المياه إلى 663 متر مكعب سنويًا بعدما كانت 2.526 متر مكعب فى 1947، وتتوقع اﻷمم المتحدة أن ينخفض نصيب المواطن إلى 500 متر مكعب فى عام 2025، وهى المرحلة التى تصفها بمرحلة الأزمة.


والسؤال عن أن سد النهضة وراء الأزمة، ينفى وزير الرى، محمد عبدالعاطى، فى تصريحات صحفية، علاقة تقليص زراعة الأرز بسد النهضة قائلًا: «نسعى قبل بداية أزمة سد النهضة لتخفيض مساحات الأرز لتوفير مياه الرى حفاظًا على مقدرات مصر من مياه النيل خاصة مع الزيادة المستمرة فى السكان، فمحصول الأرز للأسف يستهلك مياها كثيرة يمكن الاستفادة منها فى زراعات أخرى، ولذلك تم تقنين زراعة الأرز وتحديد مساحات زراعته لعدم إهدار المياه».


النائب خالد مشهور، نائب منيا القمح بمحافظة الشرقية، تقدم بطلب إحاطة إلى الدكتور محمد عبدالعاطى، وزير الموارد المائية والرى، حول قرار الوزارة تقليص المساحات المنزرعة من الأرز فى محافظة الشرقية، لأنه محصول يعتمد على المياه بنسبة أكبر من المحاصيل الأخرى، مشيرا إلى أن قرار الحظر ليس حلا وإنما على الدولة توفير بدائل أخرى أمام الفلاح.


وقال مشهور: «تعتمد البيوت المصرية على الأرز بشكل أساسى فى غذائها، وحظر زرعة الأرز وتقليص مساحاته المنزرعة سيخلق عجزا شديدا فى الأسواق، مما سيؤدى إلى رفع سعره وهو الأمر الذى لا يستطيع المواطن محدود الدخل استيعابه، لذلك نطالب بإعادة النظر فى السياسات المتبعة تجاه زراعة الأرز، مثل الاتجاه إلى تطوير زراعة الأرز بالتكثيف عن طريق الشتلات بدلا من البذور، واستهلاك كميات أقل من المياه، واتباع نظم وأساليب جديدة فى الزراعة تحافظ على كميات المياه المستخدمة».


المهندس علاء عفيفى وكيل وزارة الزراعة بالشرقية، قال إن المساحة المقرر زراعتها بالأرز هذا العام بلغت 27 ألفا و850 فدانا بنطاق المحافظة، وتم تحديدها طبقًا للحصة المائية المتاحة والمقررة للمحافظة بما لا يؤثر على مياه الشرب أو يتسبب فى مشكلات بنهايات الترع.


وأوضح وكيل الوزارة أنه تم حظر زراعة الأرز هذا العام عن مراكز «الزقازيق- القنايات- منيا القمح- مشتول السوق- ههيا- الإبراهيمية- ديرب نجم- القرين- الصالحية- القصاصين شرق»، مؤكدًا استمرار الحملات لمواجهة زراعة الأرز فى غير المناطق المصرح بها وتوقيع الغرامة المقررة على المخالفين مقابل استغلال المياه الزائدة عن الحصة المقررة لزراعة الأرز بالمخالفة للقانون.


لا يختلف الحال لدى المزارعين فى محافظات الأرز فعلى أطراف رقعته الزراعية بقرية «ميت يزيد» بمحافظة الشرقية، وقف أحمد محروس، الرجل الخمسينى، يتجاذب أطراف الحديث مع مجموعة من المزارعين حول «وقف حاله» هذا العام، بسبب قرار حظر زراعة الأرز داخل مركز منيا القمح، ووصف القرار بـ«المتعسف» مشيرا إلى أن الأرز محصول له طبيعة خاصة حيث يعتمد عليه المزارع كسلعة غذائية فى بيته.


وقال محروس: «كان من باب أولى أن توفر الدولة للمزارع بدائل أخرى بدلا من حظر زراعة الأرز، خاصة أننا نعتمد فى زراعة المحصول على مياه الترع والطلمبات التى تحمل الفلاح وحده تكلفتها، وجاء اليوم الذى لا يستطيع الفلاح توفير احتياجات أسرته ويشترى فيه شكائر الأرز من المحال، ولا ندرى الزراعات التى ستقوم الدولة بحظرها الفترة المقدمة بحجة عدم إهدار المياه».


الفلاحون فى محافظة الدقهلية أعلنوا رفضهم قرار حظر زراعة الأرز داخل محافظتهم بالدقهلية، وتقليص المساحة المزروعة من 300 ألف فدان العام الماضى إلى 182 ألف فدان هذا العام بتراجع 45%، ما دفع بعض المزارعين إلى أن ضربوا بقرار الوزارة عرض الحائط وزراعة المحصول، إلا أن قرارهم قوبل بإزالة شتلات الأرز من أراضيهم عنوة.


يقول أحمد جاد، مزارع بمركز السنبلاوين: «قرار حظر زراعة الأرز أضر بمصلحة المزارع البسيط، الذى يعانى طول الوقت من غلاء الأسمدة وجفاف الترع وبيع المحاصيل بأبخس الأسعار التى لا تتناسب مع تكلفة إتتاجها، ويواجه وحده جميع المصاعب التى تواجهه فى الزراعة، فقرار الحظر يعنى حرمان الفلاح من رزقه ومحاربته فى أكل عيشه».


وأكد محمود حسنى، أحد تجار المحاصيل الزراعية، أن زيادة أسعار الأرز هذا العام نتيجة تراجع مساحته حيث سجل طن الأرز فى الموسم الماضى 6 آلاف جنيه فى ظل توافر الأرز ووصول الإنتاج المحلى إلى 4 ملايين طن، وتوقع أن يرتفع إلى 9 آلاف جنيه خلال السنة الجديدة.


ويؤكد المهندس سعد موسى، وكيل وزارة الرى بالدقهلية، أن قرار تحديد مساحات زراعة الأرز سيادى ويهدف للمصلحة العامة فحجم المياه لا يسمح بزراعة أكثر من 750 ألف فدان فقط، والقرار سيطبق على الجميع بعدالة بدون استثناء وفقا لقاعدة ثلث المساحة الزراعية بالمحافظة وسيتم معاقبة أى مخالف بالقانون.


وطالب وكيل وزارة الرى الفلاحين بتفهم الإجراءات وزراعة محاصيل بديلة مربحة وفى ذات الوقت قليلة استهلاك المياه، حيث إن فدان الأرز الواحد الذى ستتم زراعته يستهلك 6500 متر مكعب من المياه، مشيرا إلى أن دور الرى يقتصر على توفير كميات المياه، التى تحتاجها الأراضى الزراعية.


من جانبه، قال عبدالحميد الدمرداش، رئيس المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، أن اتخاذ هذا القرار يرتبط بشكل رئيسى باستهلاك محصول الأرز لكميات كبيرة من المياه، موضحاً أن أكثر ما يستنزف المياه من المحصولات الزراعية فى مصر الأرز والموز.


وبدأت الحكومة فى فبراير الماضى خطة لترشيد استهلاك المياه، تستهدف تقليل المساحات المنزرعة من ثلاثة محاصيل شرهة للمياه وهى الأرز، قصب السكر، والموز، عبر تقليص مساحة الأرز المزروعة إلى 723 ألف فدان، بدلًا من مليون و70 ألف فدان فى العام الماضى.


وأضاف، فى تصريحات ل«المصرى اليوم»، أن منع زراعة الأرز ستمتد آثاره إلى مضارب الأرز والمستهلكين بالنهاية، وليس فقط للمزارعين وأسرهم، متوقعاً أن تستورد مصر بعد تمرير هذه التعديلات نحو مليون و500 ألف طن من الأرز.


وتابع الدمرداش أن مصر تحتاج إلى مليون ونصف طن أرز أبيض هذا العام، بعد قرار تقليص مساحات زراعة الأرز، متسائلا: «هل الحكومة تعلم هذه الأزمة؟»، مؤكداً أن هناك العديد من الحلول لمواجهة أزمة نقص زراعة الأرز، ومن بينها الحفاظ على المياه.


بدوره، قال حسين عبدالرحمن أبو صدام، نقيب عام الفلاحين، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم»، إن هذه التعديلات الجديدة فى القانون الذى جرى تمريره وعقوبة الحبس ستدمر زراعة الأرز، وليست فى محلها، موضحاً أن هناك محاصيل عدة تصنف باعتبارها مستهلكة للمياه غير الأرز، كالقصب والذرة.


وطالب أبوصدام بإعادة النظر فى التعديلات الجديدة على القانون وإلغاء عقوبة الحبس، موضحاً أن السلطات كانت تحتجز الفلاحين فى العام السابق حتى يدفعوا الغرامات بسبب زراعة الأرز من دون تصريح، لكن بعد التعديلات الأخيرة بات الحبس عقوبة قانونية.


وأوضح أن الفلاحين أصبحوا أمام خيارين، إما زراعة الأرز ومخالفة القانون الذى يعاقب بالسجن، وإما البحث عن بديل آخر يكون فيه مكسب، وأن الضرر الأكبر سيقع على صغار المزارعين، بينما كبار المزارعين سيتمكنون من التحايل على عقوبات القانون، مؤكداً أنه بعد تقليص المساحة المنزرعة سيجرى زراعة 700 ألف فدان فقط، ما سيدفع إلى الاستيراد من الخارج.


وأشار إلى أنه توجه للمسؤولين الرسميين فى وزارة الزراعة لسؤالهم عن أسباب صدور هذا القرار؛ لكنهم أجابوا بأن وزارة الرى هى من اتخذت هذا القرار، موضحاً أن مسؤولى وزارة الرى أبلغوه أن القرار بسبب سد النهضة.


بدوره، قال الدكتور جمال محمد صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى فى جامعة القاهرة، لـ«المصرى اليوم» إن السلطات الرسمية تعاملت مع القرار من منظور اقتصادى يتعلق بالأخذ فى الاعتبار ندرة المياه، خصوصاً مع التأثيرات المحتملة لسد النهضة الإثيوبى، موضحاً أنه فى السنوات الماضية كان يزرع ما يقارب المليون ونصف المليون فدان أرز، وأن ذلك كان يتسبب فى استنزاف كميات كبيرة من المياه تُقدر بحوالى 5 مليارات متر مكعب، وأضاف صيام أنه بعد التقليص يتم توفير ما يقارب 2 مليار ونصف متر مكعب للمياه وهذه أرقام كبيرة.


مع صدور القرار الخاص بحظر زراعة الأرز فى بعض محافظات الوجه البحرى والقبلى، فى محاولة لمنع إهدار مياه النيل، تسبب ذلك فى حدوث تخوف شديد لدى ربات المنازل والسيدات المصرية من ارتفاع جنونى فى أسعار الأرز، والذى يعتبر مكونا أساسىيا فى الوجبة اليومية للأسرة المصرية.


«الأرز هو الأكلة الوحيدة إلى بتسند معايا.. وكلنا بناكل رز عشان نشبع» بتلك العبارات وصفت منى محمود، أهمية وجود الأرز كعنصر أساسى فى الوجبة الرئيسية لأسرتها فتقول «ربة المنزل» لـ«المصرى اليوم» إنها تستهلك بمعدل 20 كيس أرز فى الشهر، بقيمة 220 جنيهًا شهريًا، لتوزعه على جميع وجباتها اليومية، وتفضل منى استخدام الأرز الفلاحى لأنه من وجهة نظرها طعمه أفضل ويتم استخدامه فى العديد من الوجبات.


وتكمل أنها بمعدل أسبوعى تقوم بعمل «3 حلل محشى» لأنه الوجبة المفضلة لدى أسرتها، وتساءلت عندما تقوم الدول بمنع أو حظر زراعة محصول الأرز، سوف ينطبق عليه زيادة فى الأسعار وبالتالى سوف يستهلك الأرز أكثر من 500 جنيه شهريًا من ميزانية أسرتها، وترى «منى» أن قرار الحكومة ليس فى محله لأن الأرز وجبة أساسية، مستشهدة بدول آسيا التى تعتبر الأرز وجبة أساسية لها.


ومن جانب آخر ترى «سعاد محمد» موظفة حكومية أنها مع قرار حظر زراعة الأرز، لأنه من وجهة نظرها المحافظة على المياه أفضل بكثير من إهدارها فى زراعة محصول، يوجد له بدائل عديدة، فالأرز عنصر غذائى من النشويات والتى يمكن الاستغناء عنها بالمكرونة، أو الفريك، والعيش، وأنواع الأرز المستوردة «كالأرز البسمتى والهندي»، قائلة: «الأرز بيتخن وقلته أحسن».


عقب محمود أحمد، أحد عمال جمعية استهلاكية بمنطقة وسط البلد، أنه حتى الآن لم يتم رفع أسعار الأرز منذ الزيادة الأخيرة، والتى صاحبها كتابة الأسعار على المنتجات، لكنه أشار إلى أن هناك زيادة مفرطة فى شراء الأرز بكميات كبيرة، ويرى أن هناك العديد من الأسر قررت أن تخزن الأرز بالسعر القديم، حتى تتفادى الزيادة القادمة عقب حظر الزراعة.


ويقول «محمود» إنه لا غنى عن الأرز، وأن بدائله لا تغنى عنه، فالأرز البسمتى على سبيل المثال يبدأ سعر الكيلو فيه من 25 جنيهًا، لكن الأرز المصرى يتراوح سعر الكيلو منه بين 7 جنيهات و12 جنيهًا باختلاف الجودة، وأضاف: «المطبخ والأكلات المصرية لازم يكون فيها رز».


وتشير الدراسات الطبية إلى أن الأرز ترتفع فيه نسبة تركيز السيروتونين والتربيتوفان اللذين يلعبان دورا مهما فى حدوث النوم ومكافحة الأرق.


وتؤكد الدراسات أن الأرز طعام سهل الهضم ويعطى الإحساس بالشبع لاحتوائه على ألياف نباتية ويوجد فيه بروتينات تعد أفضل من القيمة الغذائية لبروتينات الحبوب الأخرى لأنها تحتوى على نسب أعلى من الأحماض الامينية الأساسية وهو مصدر جيد للطاقة.


وحظر الأرز لن يصبح مؤثرًا فقط على ربة المنزل المصرية، إنما سوف يؤثر على الشباب والعاملين بالأجرة الذين تعتبر وجبة الكشرى وجبة أساسية فى حياتهم، لأنها الأوفر والأسهل وغنية بالعديد من العناصر الغذائية «بعد كده الكشرى.. هيبقى مكرونة وعدس بس» فى حالة من الاستنكار عبر أحمد حسن، صاحب محل كشرى بمنطقة فيصل بحى الجيزة، عن غضبه من القرار الصادر من الحكومة بحظر زراعة الأرز فى العديد من محافظات الوجه البحرى والقبلى.