قال خبراء إن أزمة كورونا الصحية فرضت واقعا اقتصاديا جديدا يتطلب من كافة الأطراف المعنية في الحكومة والقطاع الخاص الاستعداد له.
وأشاروا إلى أن الأزمة جاءت والاقتصاد المصري في وضع أفضل نتيجة للإصلاحات الاقتصادية، مؤكدين أن الفترة المقبلة تشهد موجة من الاستثمارات المهاجرة خاصة من الصين، وعلى الحكومة المصرية الاستعداد لذلك.
جاء ذلك خلال الندوة الثانية عبر الإنترنت والتي عقدها المركز المصري للدراسات الاقتصادية، بعنوان: «كيف نستعد للواقع الجديد؟»، لمناقشة استعدادات مصر لعصر ما بعد كورونا.
وقال حسين شكرى رئيس مجلس إدارة شركة اتش سى للأوراق المالية، إن الوقت جاء لإعادة النظر في أولويات الإنفاق الحكومى، حيث فرضت الأزمة الحالية الحاجة لتغليب الإنفاق على قطاعى الصحة والتعليم والاستثمار التكنولوجى وعمل نظام رعاية صحية شامل، وتحويل جزء من الإنفاق على المشروعات القومية حاليا إلى هذه القطاعات الحيوية.
وطالب شكرى بإعادة النظر في دور الدولة في النشاط الاقتصادى، والتركيز على الاستثمارات السابق ذكرها، وترك المساحة للقطاع الخاص، بحيث يكون دور الدولة واضحا ومحددا في الاقتصاد، سعيا لجذب استثمارات أجنبية مباشرة، لافتا إلى وجود فرص كبيرة أمام مصر لجذب استثمارات خارجية، حيث متوقع أن تخرج الكثير من الصناعات المتوطنة في الصين، وهى فرصة لجذب هذه الصناعات الوسيطة التي تخدم سلاسل التوريد العالمية، وذلك من خلال المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مؤكدا وجود فرصة أمامنا للبدء من جديد بشرط أن نحسن تقديم أنفسنا وجذب استثمارات خارجية.
وقال علاء سبع الشريك المؤسس لشركة BPE Partners، إن لدينا فرصة للبدء من جديد بعد الأزمة، من خلال محاولة إحداث التوازن بين سياسة جذب الاستثمارات الجديدة، وبناء شبكة رعاية اجتماعية متكاملة، وهو أمر غاية في الأهمية.
وأكد سبع على ضرورة البدء في خطة إعادة فتح الاقتصاد، لأن الغلق إذا استمر لمدة طويلة لن تتمكن فئات الشعب من التحمل خاصة فئات العمالة اليومية والعاملين بالقطاع غير الرسمي، وحتى العاملين بالقطاع الرسمي ممن تعرضوا لتراجع دخولهم نتيجة الأزمة.
وأثار مخاوف من تراجع تحويلات العاملين بالخارج، وهى أحد أهم مصادر الدخل من العملة الصعبة والتي توازى إيرادات السياحة وقناة السويس مجتمعة، حيث يتطلب هذا القطاع سياسة واضحة لتنميته والحماية من التقلبات التي تتعرض لها منطقة الخليج.
من جانبه، قال هشام الخازندار الشريك المؤسس والعضو المنتدب لمجموعة القلعة، إن الأزمة الحالية وهى صحية بالأساس تحولت لأسوأ أزمة اقتصادية منذ عام 1929، وهو ما يفرض واقعا عالميا جديدا يجب أن نستعد له، لافتا إلى أن مصر دخلت هذه الأزمة وهى في وضع اقتصادى أفضل نتيجة إجراءات الإصلاح الاقتصادى التي نفذتها مصر، وهو ما جعل التوقعات العالمية لنمو الاقتصاد المصرى بالايجاب.
وأشار الخازندار إلى أن مصر يمكنها اغتنام الفرص المرتبطة بالتحولات في الاقتصاد العالمى، ولكنه توقع أن تكون الأعوام الثلاثة القادمة صعبة للغاية، وأشاد بحزمة الـ100 مليار جنيه التي أعلنتها الدولة، ولكن من المهم أن تكون الأولوية في استثمار هذه الأموال هو الحفاظ على الوظائف على مختلف المستويات وتخفيض البطالة.
وأعرب الخازندار عن دهشته من عدم تحرك قيمة الجنيه أمام الدولار، في الوقت الذي انخفضت فيه قيمة الاحتياطي النقدى وتراجعت مصادر الدولار، وتراجعت عملات الشركاء التجاريين، وقال: «أتمنى ألا نكرر الخطأ السابق بحماية وتقوية العملة ثم خفضها بصورة حادة بعد أن نفقد جزء من الاحتياطي لأن هذا أثر بالسلب على النمو الصناعى ونمو الصادرات المصرية».
وأشاد بإجراءات الحكومة المصرية بحظر التجول لعدد من الساعات دون وقف النشاط والإنتاج، وهو اتجاه يراه جيدا رغم تأثيراته الاقتصادية، إلا أنه من الخطأ الإسراع بالتغاضى عن الإجراءات الاحترازية حتى لا تحدث كوارث صحية.
وقال المهندس طارق توفيق نائب رئيس مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، إن أهم الدروس المستفادة من الأزمة يتمثل في أنه لا يمكن بناء اقتصاد دولة على مقومات بها تقلبات عالمية، كالسياحة وقناة السويس، وأثبتت الأزمة أن الصناعة والزراعة ركيزة أساسية وهامة في بناء الاقتصاد خاصة وأنها الأقل تأثرا ومازالت تعمل رغم الأزمة، وهو ما يتطلب أن توليها الدولة اهتماما وحل مشاكلها.
وطرح توفيق تساؤلات تتعلق بوضع الاحتياطي النقدى، حيث نعتمد على استيراد حجم كبير من مدخلات الإنتاج، وهناك مخاوف من العودة إلى السوق السوداء للدولار، وتساءل: «ما هي سياسة الدولة في المرحلة القادمة فيما يخص الاحتياطي النقدى وسياسة إدارة العملة؟».
وأعرب عن مخاوفه من تصريحات صندوق النقد حول عدم طلب مصر تمويلا جديدا من الصندوق لمواجهة الأزمة، وهو ما ينذر باحتمال استنفاذ الاحتياطي النقدى من العملة الصعبة في وقت مازال الاقتصاد المصرى «هشا».
من جانبها أكدت الدكتورة عبلة عبداللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز، إن الأزمة وضعت كل من مجتمع الأعمال والعمالة في خندق واحد جعلتهم مصيرهم متربطا بشكل وثيق باستمرار كليهما، وهو ما يتطلب النظر إلى شبكة الرعاية الاجتماعية باعتبارها جزءا أساسيا من الأولويات والسياسات الاقتصادية وليست مجرد دعما اجتماعيا.
وأشارت عبداللطيف، إلى أنه ليس من المنتظر عودة قطاع السياحة قريبا، خاصة وأن مصيره مرتبط بالخارج، وهى سلعة رفاهية.
وأضافت عبداللطيف أن الفترة المقبلة ستشهد منافسة كبيرة على جذب الاستثمارات المهاجرة، وحتى تحصل مصر على نصيبها من هذه الاستثمارات الأجنبية، يجب مراجعة الأولويات ووضع خط فاصل بين دور الدولة ودور القطاع الخاص.
وعقب الدكتور محمود محيى الدين الخبير الاقتصادى المصرى، بقوله إن هناك ثلاثة مصادر رئيسية للنمو الاقتصادى تتمثل في الصادرات وأرقامنا فيها متواضعة جدا، والاستهلاك، والاستثمار، لافتا إلى أن التقديرات العالمية لتراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر – وذلك قبل الإعلان الرسمي لدخول الاقتصاد العالمى مرحلة الركود- كانت تقدر بنحو 30- 40 %، لافتا إلى أن 50% من هذه الاستثمارات ستأتى من الأرباح المحتجزة، وقال أن زيادة حجم وارداتنا يمكن تحويلها إلى فرصة لجذب استثمارات أجنبية في سلاسل الإمداد، وهو ما يحتاج تعاونا كاملا بين الحكومة والقطاع الخاص ويعتمد على تعاون الطرفين.
وأشار محيى الدين إلى أن مصر يمكنها استهداف نحو 30 مليار جنيه استثمارات أجنبية مباشرة إذا أحسنت استغلال الفرص وبذلت مزيد من الجهود، وهو ما يتطلب وجودا قويا للدولة في مجالات محددة تتمثل في التعليم والرعاية الصحية والمنظومة التكنولوجية، ولفت إلى نوع آخر من الاستثمارات المطلوبة للدولة والتي أطلق عليها استثمار «الصمود والتصدى» لمواجهة الأزمات وتغيرات المناخ مثل الزراعة والطاقة المتجددة والقوى البشرية.
من جانبه، علق عمر مهنا رئيس مجلس إدارة المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، بقوله إن فك عقدة البيروقراطية هو تحدى رئيسى، لافتا لوجود فرص كبيرة لدينا لجذب جزء من الاستثمارات التي ستخرج من الصين، وهو ما ستفعله دول أخرى، ويجب أن تكون أعيننا على هذه الاستثمارات.
وشدد مهنا على أنه عندما تكون العملة واقعة تحت ضغوط، فإنه لا يجب اللجوء إلى الاحتياطي النقدى حتى لا يتم استنفاذه، وفى النهاية يتم تخفيض العملة مرة أخرى.