«ع المشمش السلام».. محصول العمار «كلته الدودة»

«ع المشمش السلام».. محصول العمار «كلته الدودة»

«فى المشمش» تعبير يعود أصله لأهل قرية العمار بمركز طوخ بمحافظة القليوبية، وخارج هذه القرية يدل استخدام هذه الجملة على صعوبة أو استحالة الأمر، أما بين أبناء العمار فالأمر على النقيض تماما، إذ نجد أن حياتهم كلها قائمة على صدق هذه المقولة، أى موعد حصاد المشمش من شهر مايو لمنتصف يونيو، لأنه نتاج المحصول ومدى جودته يعد أساس معاملاتهم المادية.

الظروف المناخية، التى شهدتها البلاد، مؤخرا، وسوء الرش، تسببا فى انهيار المحصول هذا العام مقارنة بالعام الماضى، وأصبح وعد «فى المشمش» خيل ومستحيل داخل القرية، ما أضاع فرحة الأهالى بالموسم، وأصابهم بحالة من الحزن والهم بعد ضياع مصدر رزقهم الأهم.


عادل عيسى، أحد أبناء قرية العمار، قال إن موسم المشمش هذا العام «مضروب» بسبب الآفات والتغيرات المناخية، مشيرا إلى أن المحصول لم يعد موجودا بالكميات التى كانت فى الماضى عندما كانت القرية بها نحو 3 آلاف فدان مشمش، بينما الآن لا يصل العدد إلى 500 فدان.


ويضيف «عيسى»: «فى الماضى القريب عندما كنت أورد 200 طن مشمش يوميا للمصانع، خلال حصاد المشمش فى القرية التى يقوم اقتصادها بالكامل على هذا المحصول»، لافتا إلى أنه فى الماضى كانت مقوله «فى المشمش» تصدق فى القرية فقط، وكان كل شىء مؤجلا لحين جمع وبيع محصول المشمش، سواء الزواج أو البناء أو حتى الأمور المعيشية البسيطة.


ووجه مسعد محمود قطقوطه، مزارع، رسالة إلى وزارة الزراعة قائلا: «رش المحصول لم يأت بأى نتيجة، وأغلب المحصول وقع على الأرض قبل نضجه بسبب الذبابة، رغم رشه 5 مرات لقتل الذبابة والعنكبوت الأحمر، وعلى وزير الزراعة والحكومة الاهتمام بالفلاحين، والتعامل مع محصول المشمش باعتباره محصولا قوميا وتوفير مبيدات مضمونة».


ونوه «قطقوطة» بأن زجاجه الرش ثمنها نحو ١٠٠ جنيه، موضحا أن «التحضيرة» الواحدة تتكلف نحو 150 جنيها، لكن رغم ذلك ضاع المحصول هذا العام.


سلامة أبوزيد، مزارع، يقول: «الرش هذا العام كان ضارا بشكل كبير، ويبدو أنه من إنتاج (بير السلم)، وكان كلمه السر فى تدمير محصول المشمش هذا العام»، مطالبا بإقامة منفذ بالقرية لتوزيع المبيدات يكون تابعا لوزارة الزراعة، وأن يكون للجمعية الزراعية بالقرية دور فى توعية المزارعين وتوفير المبيدات المضمونة لنجاح المحصول الذى ننتظره كل عام ويعيش من ثمنه طوال العام.


وأوضح: «الجمعية الزراعية لا تقدم للمزارعين أى خدمات، كما أن وزارة الزراعة لا تتابع المحصول بأى شكل من الأشكال، خاصة مع تغير المناخ الذى كان أحد عوامل تدمير محصول المشمش، وبالتالى لو قارنا محصول هذا العام بمحصول العام الماضى، لوجدنا أن نسبته أقل 1%، وهذا معناه خراب بيوت للناس المقترضة من البنوك وملتزمة بسداد أقساط فى أوقات محددة، والضربة القاضية للمشمش كانت فى عهد يوسف والى، وزير الزراعة الأسبق، بسبب الرش الإجبارى عام 1990».


ويقول محمد عبدالعليم الذكى، أحد أبناء القرية: «المشمش دخل العمار فى عهد محمد على، وموطنه الأصلى تركيا وسوريا، ولا يحتاج إلى المياه بشكل كبير، وكان يعتمد فى البداية على السماد البلدى ومخلفات المواشى والرى بالسواقى قبل ظهور مواتير الرى الحديثة والمبيدات الحشرية والأسمدة»، منوها بأن المشمش يعد فاكهة برية لا تغسل عند الأكل، ولذا لا يجب استخدام المبيدات الحشرية للثمر حفاظا على صحة المستهلك.


وأشار ضياء أبوشعير، من أبناء القرية، إلى أن مساحة العمار ١٠٠٠ فدان، وزمامها 4 آلاف فدان، ومساحة المشمش حاليا فى حدود 300 فدان، وأن بداية تراجع المحصول وتدميره كان بالرش الجائر الإجبارى عام 1990، وبعدها ظل المشمش يقاوم حتى عام 2007، وفى هذا العام فقد المزارع الأمل فى الشجر، وبدأ فى تقطيعها، لافتا إلى أنه بعد الثورة بدأ الأهالى يعيدون زراعة، المشمش أملا فى عوده المحصول لسابق عهده.


وأوضح عبدالعليم كامل، مزارع، أن أغلب أهالى القرية يعملون فى محصول المشمش، لأنه مصدر الدخل الرئيسى للقرية، إضافة إلى وظائفهم وأعمالهم الحرة، لافتا إلى أن موسم المشمش يبدأ أول مايو حتى منتصف يونيو، ويسمى بـ«شهر المشمش».


وأعرب محمد عفيفى، من أبناء القرية، عن حزنه لأن الأهالى كانوا فى انتظار أن يتناوله الصائمون فى رمضان كفاكهة طبيعية بدلا من تصنيعه قمر الدين، لتزامن حصاد المحصول مع بداية شهر رمضان، لكن انهيار المحصول بدد كل هذا الطموح، موضحا أن القرية بها بورصة، حيث يحصد الفلاحون حبات المشمش التى تنضج رغم كل الظروف وتعبأ فى كراتين من الورق أو أقفاص من الجريد ثم يتم عمل مزاد عليها.


من جانبه، قال الدكتور عبدالله مرزوق، وكيل وزارة الزراعة بالقليوبية، إن أزمة مشمش العمار قائمة منذ 10 سنوات، ودفعت الكثيرين إلى اقتلاع مساحات كبيرة من الأشجار، ورغم ذلك لاتزال هناك مساحات موجودة تتم زراعتها حاليا.


وأضاف، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، أنه تم إرسال لجنتين من الوزارة وأخرى من المديرية، الخميس الماضى، لبحث شكاوى الأهالى بسبب انهيار المحصول هذا العام، مشيرا إلى أن المديرية تتابع المحصول كل عام، لكن المشكلة أن عددا كبيرا من الأهالى قلع الأشجار ما قلل المساحات المزروعة من أشجار المشمش منذ سنوات.


وأوضح «مرزوق» أن هناك عوامل كثيرة أثرت على المحصول هذا العام، من بينها التغيرات المناخية، لكن الرأى النهائى متروك لتقرير اللجنة، باعتبارها المتخصصة فى الأمر.


فيما أكد الدكتور محمود مغربى، عميد كلية الزراعة بمشتهر التابعة لجامعة بنها، استعداد الكلية للمساهمة فى النهوض بمحصول المشمش بقرية العمار والقرى المجاورة لها، باعتباره محصولاً قومياً، والتعاون مع أى جهة سواء وزارة الزراعة أو مراكز البحوث أو الجمعيات فى هذا الشأن.


وقال الدكتور أحمد رزق، رئيس قسم البساتين بكلية الزراعة بمشتهر، إن التغيرات المناخية سبب تضرر محاصيل الفاكهة بوجه عام، وأن الكلية قامت أكثر من مرة بدراسة السبب المباشر لتراجع انتاج مشمش العمار، ومن بينها أن الأشجار معمرة ووصلت لمرحلة الشيخوخة وبالتالى تأثر الانتاج، مطالباً بضرورة اعادة تطعيم الشجر على أصول جديدة، لان معظم اشجار العمار بذرية بخلاف الاصناف الاخرى الجبلية، مع بقاء الأشجار القائمة كما هى بمعنى أن نأتى بأصل ونطعم عليه صنف العمار للتجديد من حويته.


وأضاف أن إحدى مشاكل محصول المشمش فى العمار، أن المزارعين يأتون بالمبيدات من مصادر غير موثوقة، وبالتالى لا يأتى الرش بالنتائج المنتظرة، ويتأثر المحصول، كما أن تفتت المساحة يؤثر على الإنتاجية بشكل ملحوظ.


ودعا «رزق» إلى إنشاء جمعية للمشمش مثل جمعية البطاطس والموالح فى قرية العمار، لمتابعة الأشجار والمحصول وتوعية المزارعين.


يذكر أن فاكهة المشمش تحتوى على مركبات مفيدة للصحة تعرف باسم «كاروتينويدات» التى يوجد أكثر من 100 مادة منها فى مختلف أنواع الخضر والفواكه، إلا أن أشكالها الموجودة فى المشمش تمتاز بأنها الأقوى.


وأوضح خبراء التغذية أن مادة بيتا- كاروتين المتوفرة فى المشمش تتحول فى الجسم لتمده بفيتامين (أ) الذى تحتاجه العين للتخلص من المركبات الكيماوية الضارة التى تؤذى أنسجة العين، مسببة حدوث مرض المياه البيضاء.