الفلاح يتفوق

الفلاح يتفوق

الدول تبحث عن الاستفادة من الميزة النسبية لمواردها الطبيعية فى الإنتاج والتصنيع والتصدير، والبشرية فى إدارة هذه الموارد بكفاءة عالية، وفى مصر يحدث العكس، يتنافس أصحاب المصالح فى الاستفادة الشخصية من هذه الموارد بدرجة تهدد مستقبل الدولة، أو عرقلة تطوير أداء الموارد البشرية بسياسات قتل الإبداع، حيث تتحول الطاقة البشرية إلى طريق مظلم تتوه معه البحوث العلمية لتصبح «نظرية»، تفتقد الإدارة الجيدة للابتكار، ويصبح الاتجاهان فى مواجهة رياح التغيير، رغم تأكيدات الرئيس بأهمية أن نحلم بدولة علم تتحول إلى واقع.

كيف نقيم القطاع الزراعى المصرى، وإنتاجية وحدة المياه الاقتصادية أقل من مثيلاتها فى دول مجاورة، وكيف نتجاوز حدود الصواب فى الحصول على أعلى عائد من الموارد المائية ودولة جارة تحقق قيمة لمنتجاتها الزراعية 5 أضعاف قيمة الإنتاج الزراعى المصرية بقدر أقل من الموارد المائية، وكيف تتقدم البلاد ولاتزال المراكز العلمية تعمل بمنطق الموظف، وتبحث عن رفع المرتبات دون أن تكافئ المبدع حتى أضحى الإبداع وسيلة لقهر العلماء والمركز الوظيفى هو وسيلة للنفاق الإدارى لضمان وظيفة أفضل.

كل هذه الهموم ترتبط بأحد أهم القطاعات الإنتاجية فى مصر، وهو القطاع الزراعى، وبدلا من أن يكون طريقا لتقدم الأمة المصرية، انشغلنا بقائمة من المحظورات تسببت فى عرقلة تطوير القطاع الزراعى وإدارة الموارد المائية، وهو ما انعكس على حزمة من العقوبات لمخالفات زراعات الأرز والموز وقصب السكر والمحاصيل البستانية الأخرى بالدلتا ووادى النيل، بينما نجد أن فكر الفلاح والمنتج الزراعى أصبح أكثر إبداعا من فكر البحوث العلمية المصرية حتى أضحى الفلاح يستنبط أصنافا تناسب موارده المائية والأرضية، وباحثون اكتفوا بموضوعات تقترب أو تبتعد عن التطبيق.

والسؤال هو: كيف تطلب الحكومة من المزارع الالتزام بينما تتسارع وتيرة مافيا التعديات على الأراضى الزراعية تحت سمع وبصر الحكومة، وكيف تطلب الدولة من الفلاح تقليص مساحات من التركيب المحصولى للزراعات الشرهة للمياه، وهى لا تجد له بديلا يحقق له أعلى عائد من الزراعة بدلا من الهجرة إلى المدن أو تحويل أخصب الأراضى إلى كتل بناء عشوائية تفتقد التخطيط حتى داخل كل قرية مصرية.

ليس ذلك فحسب.. الدولة متهمة بأنها لا تبحث عن نماذج حقيقية وواقعية للزراعة المصرية تعتمد على التخطيط وقاعدة بيانات واقعية، ودراسة للأسواق الدولية والمحلية، وتحديد النمط الاستهلاكى الأمثل أو الأفضل أو الأقرب للتطبيق بما يحقق مصلحة الدولة والمواطن ويرفع من شأن أهم قطاع مصرى وهو القطاع الزراعى، وقاعدة بيانات تخشى الدولة أن تخرج إلى النور بسبب مصالح لفئات معينة أو شخصيات تقلل من جهود آخرين تحقيرا لأدوار محترمة واحتراما لآراء باطلة.

كيف نحاسب مراكز علمية على تراجع مكانتها، وكيف نعود خطوة لتقييم أدوار هذه المراكز، ولماذا تصمت الدولة على صراع المراكز العلمية وتبادل الاتهامات دون التركيز على أن العلم مسؤولية جماعية للتأكيد على الحقائق العلمية وليست أسلوبا تضعه النخبة على جلسات الكوفى شوب أو مؤتمرات تتحدث أكثر ما تفعل.. والخاسر الأكبر دول تبحث عن مجدها بين الأمم.

العلم هو طريق مشترك يجمع بين رؤية للدولة وتطبيق للعلوم واحترام للعالم وتجاهل فكر الروتين.. والبقاء سيكون لخلية نحل جمعت بين ملكة ونظام يحترمه الجميع ويحقق له الانضباط فتكون النتيجة تحقيق تنمية تليق بالمكانة للدولة المصرية.