تنقل «المصرى اليوم» تجربة فريدة من نوعها للمرأة الصعيدية، من خلال عملها فى المزارع، ومدى قدرتها على تطوير نفسها واستيعابها التكنولوجيا الحديثة، وشغفها بالتعليم من أجل تطوير نفسها، وهو ما أثر على حياتها المنزلية، وانعكس على أفراد أسرتها.
سمر حمدى تستغرق ساعتين ذهابًا وعودة، يوميًا، من قرية بنى مزار إلى المزرعة التى تعمل بها فى مدينة سمالوط بمحافظة المنيا. بدأت «سمر» العمل بالمزرعة، عاملة لربط طراحات العنب منذ عام ٢٠١٦ من أجل تربية ابنتيها «ياسمين»، ٩ سنوات، و«آلاء» ٥ سنوات. وتروى «سمر»، من بين ٣٥ سيدة عاملة داخل المزرعة، قصتها، قائلة: «أعتمد على نفسى فى تدبير سبل المعيشة وتربية ابنتىَّ، بعد انفصالى عن زوجى، حيث تعلمت فى المزرعة، وسط الصحراء، كيفية تربيط طراحات العنب وحصاد المحصول من زميلاتى والقائمين على العمل«، موضحة أنها تخرج من منزلها الساعة ٥ فجرًا، وتبدأ العمل من الساعة ٧ صباحًا حتى ١ ظهرًا، ثم تلتحق بفصل محو الأمية، داخل المزرعة، لاستكمال تعليمها من أجل مساعدة ابنتيها فى التعليم، عبر برنامج لتعليم العاملات، تتبناه الشركة، وتتلقى التدريب على آليات ربط الطراحات وكيفية استخدام أساليب الرى الحديث وصيانة مُعَدّاته. »سمر«، التى تبلغ من العمر ٢٧ عامًا، تمثل إحدى السيدات المصريات الرائدات، وتؤكد أنها بدأت العمل وهى خائفة، باعتبار أن هذا أول عمل لها، وبعد ٣ سنوات عمل ترى أنها اكتسبت الخبرة والتعليم والثقة بالنفس والصبر وتعلُّم كيفية ترشيد استهلاك المياه، حتى فى الاستخدام اليومى المنزلى.
تمثل المرأة المصرية فى المجتمع المصرى، وفقًا لتقرير المجلس القومى للمرأة، لعام ٢٠١٧، نسبة ٤٨.٩% من عدد السكان، ما يعكس أهمية الاستفادة من مجهوداتها، باعتبارها نصف المجتمع، وأن التنمية الشاملة لا يمكن أن تتحقق دون مشاركتها الإيجابية.
وتمارس ميزونة توفيق- وشهرتها وسط زميلاتها فى المزرعة «أم محمد»- مشاركتها بإيجابية فى المجتمع، من خلال ممارسة دورها فى توعية العاملات بالتقنيات الفنية، الخاصة بربط الطراحات وصيانة طرق وأساليب الرى الحديث داخل المزرعة، وأعمال التعبئة والتغليف للمنتج بعد الحصاد، فضلًا عن التوعية المجتمعية. وتقول »ميزونة«، التى تبلغ من العمر ٤٦ عامًا: «بدأت العمل بالمزرعة منذ ٤ سنوات عاملة بربط الطراحات، ثم تقدمت بمقترح إنشاء فصل للتعليم من أجل معرفة التقنيات الفنية المتعلقة بالعمل، ومحو أمية العاملات، وتطورت فى العمل، وأصبحت كبيرة العاملات، أتحدث باسمهن، وأطالب بحقوقهن، وأوعيهن بكيفية ترشيد استخدام المياه والحفاظ عليها، وحماية أنفسهن من مخاطر العمل». وتضيف «ميزونة»، التى تقطع كل يوم مسافة ٥٠ كم للذهاب إلى المزرعة: «إن مال عليك الزمن مَيِّل على دراعك، أنا الأم والأب لـ٦ أولاد، أكبرهم ٣٠ عامًا، عملى ساعدنى على تربية أولادى وتعليمهم وزواج بعضهم، وأنا فخورة بدورى كامرأة ناجحة فى عملى وتربية أبنائى».
«نجاح العامل والحفاظ عليه، خاصة السيدات، هدفنا داخل المزرعة»، وهو ما أكده أحمد السيسى، مهندس مزرعة فى مركز سمالوط بمحافظة المنيا، قائلًا: «تلتزم مزرعتنا بتطبيق أهداف التجارة العادلة، التى وضعتها بعض الدول الأوروبية»، موضحًا أن التجارة العادلة هى شراكة تجارية تستند إلى الحوار والشفافية والاحترام، وتسعى إلى تحقيق قدر أكبر من المساواة فى التجارة الدولية، وتسهم فى التنمية المستدامة، من خلال توفير ظروف تجارية أفضل، وتأمين حقوق المنتجين والعمالة الدائمة والمؤقتة.
ويضيف «أحمد»: «هناك نسبة أرباح من الشركة تُوجَّه لخدمة العاملين والعاملات من أجل رفع مستوى الحياة الاجتماعية وتقديم امتيازات وفرص تدريب لرفع كفاءة العاملين والعاملات وتمكين المرأة من خلال زيادة فرص العمل للمرأة بالمزرعة وحصولها على الامتيازات نفسها التى يحصل عليها الرجال من راتب وترقية وظيفية، وتوفير فرص للتعليم، من خلال فصول محو الأمية».
ويقول عن الهدف من إنشاء فصل محو الأمية داخل المزرعة: «كانت عملية نقل التعليمات الفنية الخاصة بزراعة محاصيل العنب والرمان والزيتون إلى العاملات صعبة جدًا بسبب عدم قدرتهن على القراءة والكتابة، ونظرًا للعادات والتقاليد فى الصعيد بالنسبة لصعوبة خروج المرأة للتعليم، فقمنا بإنشاء فصل لمحو الأمية داخل المزرعة، وبدأنا بـ١٠ عاملات، إلى أن زادت نسبة الاستجابة للتعليم حتى وصلت إلى ٢٧ عاملة».
«التعليم زاد من ثقة العاملات بأنفسهن، ويسّر من تعاملهن مع المشرفين والمهندسين، واستيعابهن التعليمات الفنية الخاصة بالزراعة وترشيد استهلاك المياه»، وهو ما أكده «أحمد»، موضحًا أن المردود كان إيجابيًا على تعامل العاملات مع أبنائهن وتربيتهم، كما كان لمحو أمية العاملات مردود على المنتج، وزيادة معدل الإنتاج، واستخدام أساليب الرى الحديث، والحفاظ على صيانة مُعَدّاته.
يُذكر أن التجارة العادلة هى أكثر من مجرد شهادة، أثبتت أن تحقيق قدر أكبر من العدالة فى التجارة العالمية أمر ممكن، وتسلط الضوء على الحاجة إلى تغيير قواعد وممارسات التجارة التقليدية، وتُظهر كيف يمكن للأعمال التجارية الناجحة أن تضع الإنسان فى المقام الأول، وأنها إسهام ملموس فى مكافحة الفقر وتغيير المناخ الاجتماعى والاقتصادى.