المبيدات المغشوشة تدمر الزراعة

المبيدات المغشوشة تدمر الزراعة

4 آلاف محل للبيع و25 مصنعا لإنتاج المبيدات ليس للدولة حصص مساهمة فيها

 أصحاب شركات المكافحة : استثمارات بعشرات المليارات من الجنيهات فى مهب الريح وعقوبة الغشاش 100 جنيه!

مشروع قانون أمام مجلس الوزراء لتغليظ العقوبة على المخالفين

غش المبيدات قضية تهم الأمن الزراعى والصحة العامة، وضعتها وزارة الزراعة على قائمة أولوياتها بعد أن سادت السوق حالة من الفوضى بعد تحريره كان من نتائجها إدخال 8 أمراض نباتية مستحدثة، والإصابة بأمراض سرطانية لارتفاع معدلات الغش وتهريب مبيدات محظورة دولياً وإصرار الفلاح على تفضيل الوصفات البلدية العشوائية فى المكافحة بدلاً من الأساليب العلمية، إضافة الى العقوبة الهزيلة مما شجع مصانع بير السلم التى تعمل فى شقق وبدرومات بالمناطق العشوائية على المكشوف تلقى بسمومها ومخلفاتها فى الأسواق.

بين سطور هذا التحقيق أنين وشكاوى الضحايا مما آلت إليه هذه النتائج السلبية للانفلات فى هذه الأسواق، ومجهودات المسئولين على أرض الواقع لإيقاف نزيف الصحة والموارد.

المشكلة باختصار يلخصها وجيه عيساوى نقيب الفلاحين سابقاً فى وجود حالة من الاستخفاف بالعقوبات وضعف الإجراءات الرقابية على المبيدات المستخدمة فى مكافحة الآفات الزراعية، فهى سوق خصبة للغشاشين الذين يستغلون الفلاح أبشع ألوان الاستغلال ..حيث وصلت درجات الغش إلى بيع مبيدات مصنعة من الماء والخميرة والنفط ومواد أخرى اكتسبت الآفات الزراعية المناعة منها، فالتهمت محاصيل الفلاحين ودمرت زراعاتهم فتعرضوا للاستدانة لسداد تكلفة هذه المبيدات المغشوشة، ولم يجدوا أية معاونة من الجهات الرقابية المسئولة عن مواجهة هذه المافيا.

ويضيف أن هذه المشكلة أثيرت مرات عديدة منذ عام 1999 واستمر الحديث عنها مع المسئولين حتى عام 2003 بلا جدوي، وطالب بتغليظ العقوبة إلى السجن الوجوبى لكل من يقوم بغش المبيدات لأن الغشاشين يقلدون العبوات التى تنتجها الشركات الكبرى المتخصصة فى إنتاج هذه المبيدات من حيث الشكل والبيانات المدونة على العبوة من الخارج، سواء كانت محلية الصنع أو مستوردة مما يسبب الإساءة لسمعة هذه الشركات، وبات المزارع فى حيرة من استخدام مبيدات ليس لها جدوى فى المكافحة.

والأدهى من ذلك أن الغش امتد إلى المبيدات المستخدمة فى مكافحة الحشرات والقوارض التى تغزو الريف وتعيش ملازمة للفلاحين فى منازلهم والمنازل المجاورة للحقول، بل وانتشرت فى المدن الحضرية نتيجة غش هذه المبيدات لتنقل إلى الإنسان أخطر الأمراض التى تدمر صحته.

ويحذر من غياب الرقابة ونشاط المافيا التى تسيطر على هذا المجال نظراً للمكاسب الخيالية التى يحققونها مع تدنى العقوبة إلى الغرامة الهزيلة، ويطالب بتوزيع منتجات الشركات الكبرى التى تصنع المبيدات على الفلاحين من خلال الجمعيات الزراعية مع زيادة العرض لتلبية الطلب المتزايد.

رش الفدان

يروى فرج أبو شعيشع داود - مزارع من كفر الشيخ - معاناته مع المبيدات حيث يشترى للفدان الواحد مبيدات بـ 300 جنيه فى المرة الواحدة للرش مع تكراره 3 مرات خلال فترة بقاء المحصول فى الأرض ثلاثة أشهر، مشيراً إلى أن أسعار المبيدات ارتفعت 40% ولا يجد من يشكو له، مؤكداً أن المبيدات تستخدم حالياً فى كل المحاصيل التى يجرى زراعتها بعد أن كان استخدامها يقتصر على زراعة الطماطم والبطاطس، مشيراً إلى أن هذه المبيدات كثيراً ما يكتشف بعد شرائها أنها (مغشوشة) فيذهب الفلاح أو مستخدمها إلى التاجر الذى يقوم باستبدالها بعد معاناة وشجار معه لتغيرها بعد التهديد بإبلاغ الجهات الرقابية.

أمراض مستحدثة

أما المهندس على أبو زامل - تاجر مبيدات زراعية - فيقول : دخل المهنة أشخاص ليس لهم صلة بالزراعة، هدفهم الأساسى الربح السريع مما أفسد هذا المجال، والمفروض أن توقع وزارة الزراعة عقوبات مغلظة على كل من يمارس هذه المهنة بلا تراخيص، حيث تشترط أن يكون صاحبها من خريجى كليات الزراعة، وتنظم لهؤلاء دورات متخصصة فى التعامل مع المبيدات وتشخيص الأمراض للنبات وتحديد العلاج المناسب، لأن المبيدات المغشوشة أضافت إلى البيئة الزراعية المصرية 8 أنواع من الأمراض المستحدثة بسبب فقدانها المادة الفعالة فى المكافحة، وللأسف فإن أعدادا كبيرة من المزارعين يقبلون على شراء الخامات المقلدة لأن أسعارها منخفضة وتحقق هامش ربح كبير للتاجر الذى يفضلها عن منتجات الشركات الكبرى بل ودخل هذا المجال تهريب بعض المبيدات المستوردة والممنوع تداولها دولياً من خلال التهريب عبر الحدود من الصين نظراً لتدنى أسعارها وهى تسبب أمراضا سرطانية خطيرة لدرجة أن 70% من تجار المبيدات ليس لهم علاقة بهذه المهنة والدافع الاساسى لهم هو المكسب.

المبيدات المنزلية

أما المبيدات المستخدمة فى نظافة المنازل والمنشآت المختلفة فحظها أكثر سوءاً من الغش والتقليد _كما يقول الدكتور أسامة كمال رئيس احدى شركات المكافحة_ فالمبيدات المغشوشة من الصعب التعرف عليها من المعاينة الظاهرية لعبوات تحمل أسماء شركات وعلامات تجارية لشركات كبرى مصنعة لهذه المبيدات، والتعرف على المنتجات سواء كانت سليمة او مغشوشة يتم اكتشافه أثناء استخدام المبيد فى المكافحة مما يجعل العملاء يفقدون الثقة فى نشاط شركات المكافحة التى تكون ضحية لهؤلاء الغشاشين، ويتساءل : أين دور الأجهزة الرقابية فى وزارتى التموين والزراعة، وشرطة المسطحات المائية المنوط بها مواجهة هؤلاء ؟!

ويطالب بتغليظ العقوبة إلى السجن وجوبياً وإغلاق المحل التجارى الذى يطرح هذه المبيدات المغشوشة للبيع لمدة 5 سنوات بحد أدنى حتى يمتنع تماماً التعامل مع مصانع (بير السلم) التى تستخدم مواد شديدة الخطورة تسبب السرطان.

مصانع عشوائية

ويضيف المهندس نادر فاروق رئيس شركة لمكافحة القوارض والحشرات أن وزارة الزراعة عليها مسئولية التوعية المستمرة للعاملين فى مجال مكافحة الحشرات والقوارض والآفات الزراعية بنوعية المبيدات المغشوشة وخطورة استخدامها وإبلاغ الجهات الرسمية ضد اى منتج مغشوش، حيث تكثر هذه المصانع فى شقق بالمناطق العشوائية وفى البدرومات حيث يلصق على العبوات المخالفة (استيكر) يحمل أسماء شركات عالمية ومحلية معروفة بل وتكتب المواصفات الصناعية للمنتج بالمخالفة لتصنيعه.

أما هانى نعيم رئيس احدى الشركات المتخصصة فى مكافحة الحشرات فيؤكد أن المنتجات المغشوشة تكون مخلقة بلا أسس علمية، مما يجعلها بلا جدوى فى مكافحة الحشرات والآفات ويجعل العملاء يفقدون الثقة فى شركات المكافحة، فهؤلاء الغشاشون يدمرون سوقا كبيرة لشركات المكافحة ومصانع استثماراتها بعشرات المليارات من الجنيهات وتستوعب عمالة متخصصة علمياً فى هذا المجال.

ويقترح أن تقوم مديريات الصحة والزراعة فى كل محافظة بتوزيع هذه المبيدات وبيعها لشركات المكافحة بدلاً من ترك السوق بلا رقابة لمافيا مصانع بير السلم.

أسلوب علمى رشيد

ويكشف الدكتور محمد عبد المجيد رئيس لجنة المبيدات بوزارة الزراعة وأستاذ المبيدات بزراعة عين شمس عن أن المبيدات مضاد حيوى قاتل للأمراض والفيروسات، ولابد من التعامل معها بأسلوب علمى رشيد، والمشكلة الجهل بهذه الأساليب من قبل التاجر والفلاح الذى يفضل الوصفات البلدية العشوائية البعيدة كل البعد عن الأسلوب العلمى فى المكافحة بالرغم من أن المبيدات المصرح بتداولها مدون عليها التركيب وكيفية استخدامها فى المكافحة والمرض الذى تستخدم ضده، واسم المحصول الذى يصاب به، ويبدأ سوء الاستخدام من لحظة غياب الوعى بكيفية التعامل معه، مشيراً إلى أن الدولة كانت بالأمس القريب تقوم بتوزيع هذه المبيدات من خلال الجمعيات الزراعية لكن بعد سياسة السوق الحرة التى تدعم انتشارها وترك السوق لآليات العرض والطلب رفعت يدها عن التوزيع الاجبارى للمبيدات على الفلاحين واقتصر دورها على إصدار التراخيص لمحلات بيع هذه المبيدات التى يصل عددها الى 4 آلاف محل على مستوى الجمهورية، حيث يشترط الترخيص أن يكون فى المحل المرخص له مدير مسئول عنه مثل الصيدليات، يكون حاصلا على بكالوريوس الزراعة إضافة إلى اجتيازه لبرنامج تدريبى متواصل فى وزارة الزراعة على كيفية استخدام وتخليق المبيدات وتشخيص الأمراض النباتية ولا يمارس المهنة الا بعد هذا البرنامج التدريبى ليقتصر دور الدولة على الرقابة والتفتيش على المحلات التى تتاجر أو المصانع التى تصنع المبيدات وعددها 25 مصنعاً كلها استثمارية وليس للدولة اى حصص مساهمة فيها أما عمليات الاستيراد فتبلغ الكميات المستوردة 10 آلاف طن سنوياً من المادة الفعالة، وتفرض شروط دقيقة للغاية لاستيراد ودخول هذه المواد، وأى خلل فى الشروط المحددة يتم رفض هذه المواد وإعادتها إلى بلد المنشأ وعلى رأس هذه الشروط أن يكون للمبيد مرجعية دولية ومسجل فى بلد المنشأ، ويسجل على عبوات المبيدات الجاهزة التى يتم استيرادها، وتكون جاهزة مباشرة للاستخدام، مع كتابة بيانات التركيب وطريقة الاستخدام والتوصيات والتحذيرات من إخطار هذه المبيدات، أما المبيدات التى يتم خلطها مع مكونات أخرى أو تخلق فلا يسمح مطلقاً للمحلات التجارية بذلك أو ببيعها، لكن أصحاب هذه المحلات يلجأون إلى القضاء لإلغاء قرارات الغلق ويدفعون الغرامة الهزيلة التى فرضها القانون رقم 53 لسنة 1966 الذى فرض غرامة على كل من يخالف بيع أو تصنيع أو تداول المبيدات تتراوح بين 30 إلى 100 جنيه، أو الحبس سنة مع الشغل أو إحداهما، وفى كل الأحوال تكون الغرامة السائدة عند التطبيق.

لذا فإن اللجنة تقدمت من خلال وزير الزراعة الدكتور عبد المنعم البنّا بمشروع قانون لتغليظ العقوبة على المخالفين إلى رئاسة الوزراء لجعل العقوبة السجن الوجوبى 5 سنوات وغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه مع مصادرة الأدوات والمبيدات المضبوطة ويجوز إغلاق المحل، وفى حالة تكرار المخالفة تضاعف العقوبة.

ويؤكد رئيس لجنة المبيدات ان الجهات الرقابية كثيرة مثل وزارتى التموين والزراعة وشرطة المسطحات المائية والبيئة ويكفى للإشارة إلى أعداد هذه المحاضر خلال شهر ابريل الماضى فقط انها أسفرت عن ضبط 12723 عبوة مخالفة بها مبيدات ومختلفة الاحجام بما توازى 6361 كيلو جراما من المبيدات المخالفة وتمت إحالة العديد من هؤلاء المخالفين إلى النيابة العامة.

50 ألف مطبق للمبيدات

ويقول إن لجنة المبيدات فى وزارة الزراعة وضعت برنامجا قومياً لطمأنة الفلاح بعد تحرير السوق وتركه لآليات العرض والطلب وهو مشروع إعداد (مطبق المبيدات) وهى مهنة زراعية جديدة يحترفها خريجو المؤهلات المتوسطة من خلال عمل برنامج تدريبى لهم على مدى 30 ساعة لمدة أسبوع كامل ويشمل التدريب كيفية التعامل مع المبيد وتخليقه واستخدامه والتعرف على أمراض النبات واختيار المبيد المناسب، وهذه الدورات تفاعلية عملية على أرض الواقع وتم بالفعل إعداد 2000 مطبق مبيدات فى معظم المحافظات، والمستهدف من الخطة إعداد 50 ألف مطبق مبيدات خلال 3 سنوات لتعميم هذه الوظيفة على كل محافظات مصر، حيث بدأت التجربة بالأقصر ثم محافظات الصعيد والوجه البحرى ويحصل المتدرب على مكافأة 50 جنيهاً يومياً طوال فترة التدريب، وتقوم الوزارة بنشر أسماء هؤلاء على (الانترنت) بل وترسل الأسماء إلى الجمعيات والشركات الزراعية، ونشر أسمائهم على شبكات المحمول للاستعانة بهم فى رش المحاصيل.