«الأرز».. أزمة كل موسم بين «التجار» و«المزارعين»

«الأرز».. أزمة كل موسم بين «التجار» و«المزارعين»

الأرز» من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية الهامة، ويعد الوجبة الرئيسية لدى جميع الأسر، وفى ظل الإقبال على زراعته، وارتفاع التكلفة بدءًا من أعمال تجهيز الأرض واستخدام التقاوى والأسمدة والمبيدات والأيدى العاملة، إلى جانب استهلاكه لكميات كبيرة من المياه، يقع الفلاح فريسة لتجار السوق السوداء فى ظل عدم وجود سعر عادل يفى بتكاليف الإنتاج، خاصة أن سعر الطن يقدر بنحو 3 آلاف جنيه فقط.


التقت «المصرى اليوم» عددًا من المزارعين، للوقوف على أهم المشكلات التى تواجه زراعة الأرز، وسط مطالب من الخبراء بدعم الفلاح وزيادة سعر المحصول، فى ظل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بالتوسع الرأسى والأفقى فى الزراعة، وتقديم كل الدعم للمزارعين.


وقال محمد عبدالستار، النقيب العام للفلاحين الزراعيين، إن محصول الأرز يعد ضمن أهم المحاصيل الزراعية الصيفية لأهميته الغذائية وما يحققه من عائد اقتصادى، ولا يستطيع الفلاح الاستغناء عن زراعته؛ كونه المقوم الأساسى للحياة، ويعد وجبة أساسية فى كل بيت، لافتًا إلى أن أهم مشكلات زراعة الأرز فى مصر تتمثل فى عملية التسويق، وترك الحكومة للفلاح فريسة تحت أنياب التجار ممن يتلاعبون بأسعاره ويقومون بتخزين المحصول لتحقيق أرباح شخصية، دون النظر إلى تكلفة زراعته.


وأضاف «عبدالستار» أن سعر طن الأرز يتراوح من 3200 إلى 3300 جنيه للمحصول الجيد ذات الحبة الرفيعة، وهو لا يفى بتكاليف زراعته، الأمر الذى أدى إلى امتناع البعض عن بيع المحصول فى الوقت الحالى، نظرًا لعدم تحقيق هامش ربح، فيما قام البعض ممن لديهم التزامات وعليهم ديون ببيع المحصول ذات الحبة الرفيعة مقابل 2800 جنيه للطن، مؤكدًا أن الفلاح يواجه معاناة كبيرة فى تسويق المحاصيل الزراعية، ولا بد أن يكون هناك لجنة مختصة تعمل على دراسة تكلفة المحصول كل عام، حتى يتم وضع سعر عادل يتناسب مع تكاليف الزراعة، وعدم ترك الأمر بيد التجار.


ولفت «عبدالستار» إلى أن سعر «شيكارة الردة» المستخلصة من تبييض الأرز الشعير والتى تستخدم كعلف للماشية وصل إلى 200 جنيه، فى الوقت الذى يصل فيه سعر «شيكارة الأرز» إلى 170 جنيهًا، ولذا فإن فتح باب التصدير يعتبر أحد الحلول التى يمكن من خلاله الاستفادة من الكميات الوفيرة من الأرز، حتى لا تحدث أزمة للمزارعين جراء تدنى الأسعار، فى ظل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى، بالتوسع الرأسى والأفقى فى الزراعة، وتقديم كل الدعم للمزارعين، خاصة شباب الخريجين وحل مشكلاتهم وإزالة جميع العقبات التى تواجههم.


وأشار مجدى محمود، أحد المزارعين، إلى أن محصول الأرز هو المقوم الأساسى فى حياة أى فلاح، فهو عصب الغذاء المصرى وضيف دائم لدى جميع الأسر، خاصة فى الأرياف، مضيفًا: «الأرز من المحاصيل الاستراتيجية الهامة، لكنه من الزراعات المستهلكة للمياه، وبالتالى نحتاج دعما ومساندة من الدولة، لأننا جميعًا أصبحنا عرضة لتجار السوق السوداء فى ظل عدم وجود سعر عادل يفى بتكاليف الإنتاج، حيث يقدر الطن بنحو 3 آلاف جنيه، وهو سعر لا يتناسب مع تكاليف الزراعة من حرث وتجهيز للأرض وتقاوى وأسمدة ومبيدات وأيدى عاملة وغيرها من مقومات الزراعة، الأمر الذى أضر بالآلاف من مزارعى الأرز كانوا يضعون آمالًا كبيرة فى تحقيق هامش ربح».


وطالب «محمود» بضرورة دعم ومساندة الفلاح، ووضع سعر عادل للأرز، فى سبيل تحقيق هامش ربح يفى بمتطلبات الزراعة والحياة المعيشية الصعبة، إلى جانب إعادة الدورة الثلاثية وتوفير مقومات الزراعة من أسمدة وأدوية ومخصبات زراعية بسعر مناسب، حتى لا يلجأ الفلاح لشرائها من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، بالإضافة إلى إعادة التخطيط من قبل الجهات المعنية لاتخاذ قرارات تتناسب مع ظروف الفلاحين البسيطة، فى ظل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى للنهوض بالقطاع الزراعى وتحسين أحوال المزارعين.


وأضاف عبدالعزيز حميدة، مزارع، أن عدم وجود سياسة سعرية للمحاصيل الاستراتيجية يضر بمصالح الفلاح البسيط، خاصة أن محصول الأرز من المحاصيل التى تحتاج إلى تكلفة عالية، إذ تتراوح من 3 لـ 4 آلاف جنيه للفدان، وطالب بوضع سعر عادل لشراء المحصول من الفلاحين، حتى لا يقع الفلاح فريسة لجشع التجار.


وأوضح جمال أحمد كمال، مدير عام إدارة الإرشاد الزراعى فى الشرقية، أن مساحة التجمعيات الإرشادية التى تم زراعتها بمحصول الأرز تقدر بنحو 500 فدان بمراكز (الزقازيق، ديرب نجم، الإبراهيمية، ومنيا القمح)، وهى تابعة لمشروع ترشيد استخدام المياه ومزروعة بأصناف (107، 108، وجيزة 179)، لافتا إلى أن هذه الأصناف حديثة ومقاومة للأمراض والآفات، وتتحمل الظروف البيئية المعاكسة وذات إنتاجية عالية ومبكرة فى النضج، إلى جانب توفير مياه الرى، كما أن إنتاجية الحقل الذى تم حصاده (صنف سخا 108) بلغت 4.75 طن، غير أن طرق الزراعة تتم بـ«الشتل أو التسطير».


وأضاف «كمال» أنه يتم زراعة الفدان بمقدار (3 شكائر - 60 كيلو تقاوى أساس)، إذ تم تنظيم ندوات إرشادية ومدارس حقلية بالاشتراك مع مركز بحوث الأرز والمراكز البحثية خلال الموسم، للتوعية بالتوصيات الفنية للمحصول خلال مراحل نموه المختلفة حتى الحصاد، وأهم الأصناف الحديثة ذات الإنتاجية العالية والمقاومة للأمراض والآفات والتى توفر فى مياه الرى، مؤكدًا أنه تم عمل يوم حصاد مكبر بمركز الإبراهيمية، ودعوة المزارعين والقادة الريفيين والمرشدين للحضور بمشاركة محافظات (كفر الشيخ، الغربية، الدقهلية، والبحيرة) تم خلالها تكريم وكيل وزارة الزراعة بالشرقية، ومدير عام الإرشاد بالمحافظة، ومديرى الإرشاد والمرشدين والمزارعين المتميزين بتلك المحافظات.


وقال على لاشين، وكيل وزارة الزراعة بالشرقية، إن المديرية مع بداية موسم زراعة المحاصيل الصيفية، حرصت على تنفيذ ندوات إرشادية حقلية بصفة مستمرة، فى إطار مشروع ترشيد استخدام المياه فى الأنشطة الزراعية، بالتعاون مع الباحثين بأقسام بحوث الأراضى والمياه والإدارة المركزية للإرشاد الزراعى، وبحضور عدد من المزارعين، بهدف توعيتهم بكيفية الوصول إلى تحقيق أعلى إنتاجية للمحاصيل الزراعية، والتعريف بطرق حماية المحاصيل من الآفات الضارة ومكافحتها، وطرق الفحص المستمر للزراعات، كما تم مناقشة أهم التوصيات الفنية للنهوض بإنتاجية المحاصيل الصيفية، بينها (الأرز)، فى إطار حرص الوزارة بالتعاون مع مركز البحوث الزراعية لاستنباط أصناف جديدة ساهمت فى زيادة الإنتاجية وترشيد استخدام مياه الرى، منوهًا بانتهاء موسم حصاد الأرز بالمحافظة بنسبة 100%، إذ تم حصاد 235 ألفًا و176 فدانًا، وتجهيز 214 نقطة تجميع لاستلام وكبس 470 ألفًا و352 طن قش أرز من المزارعين.


وأضاف «لاشين» أن غرف العمليات المركزية بالمديرية تابعت خلال الموسم حصاد محصول الأرز، والعمل على مواجهة ظاهرة السحابة السوداء من خلال توعية المزارعين بمدى خطورتها وأثرها على صحة الإنسان والبيئة، إلى جانب كونها إهدارًا لأحد مصادر الثروة التى يمكن الاستفادة منها كعلف للماشية فى ظل ارتفاع أسعار الأعلاف، كما وفّرت المعدات اللازمة لنقل وفرم وكبس المخلفات الزراعية وتوزيع المكابس الخاصة بكبس قش الأرز على مراكز التجميع بنطاق المحافظة، فضلا عن التعاون المثمر مع جهاز شؤون البيئة والجهات المعنية من خلال تشكيل لجان، وغرف عمليات فرعية بكل مركز ومدينة، بالتنسيق مع غرف العمليات الرئيسية بالمديرية والمحافظة والوزارة، لمواجهة نوبات تلوث الهواء الناتجة عن حرق القش والقضاء على ظاهرة السحابة السوداء.


وأشار «لاشين» إلى أنه فى إطار تفعيل منظومة العمل وإدخال البعد البيئى بجميع خطط التنمية لمواجهة المشكلات البيئية التى تواجهها المحافظة، تم اتخاذ الإجراءات القانونية نحو المخالفين لمواجهة الحرق المكشوف والحد من التلوث، حفاظًا على نظافة البيئة.


فى السياق ذاته، حذر خبراء فى زراعة وتسويق الأرز بمركز البحوث الزراعية من مشكلات تسويق المحصول هذا العام، بسبب مخاطر تجميع وشراء الأرز بأسعار متدنية وقت الحصاد وتخزينه، تحسبًا لارتفاع الأسعار فى نهاية الموسم، حيث ينخفض السعر لأدنى مستوى فى أثناء الحصاد لجنى أرباح طائلة تحقق مصالح محتكرى تجارة الأرز بدلًا من توريد المحصول لصالح الدولة ممثلة فى وزارة التموين، مطالبين بتصدير 300 ألف طن أرز لحل مشكلات تسويق المحصول.


وقال الدكتور عبدالعظيم طنطاوى، الخبير الدولى فى الأرز، رئيس مركز البحوث الزراعية الأسبق، إن هذه الممارسات ستؤدى إلى تخزين الأرز لدى التجار ومضارب القطاع الخاص التى تبلغ نحو 3 آلاف مضرب، حتى بداية شهر يناير المقبل، بحيث ترتفع الأسعار بنسبة كبيرة ويحقق المحتكرون والتجار أرباحًا خيالية، دون مشاركة مضارب قطاع الأعمال العام.


وطالب «طنطاوى» بضرورة تشغيل مضارب قطاع الأعمال العام لمنافسة القطاع الخاص فى شراء الأرز من المزارعين، بما يكفى لتغطية احتياجات البطاقات التموينية نحو 50 ألف طن أرز أبيض شهريًا، لمنع احتكار السلعة وإحداث توازن فى الأسعار خلال الموسم، معربًا عن أسفه لوجود (7 مضارب معطلة) تتبع وزارة قطاع الأعمال العام، ويتبع كل واحد منها 4 مضارب فرعية بجملة 28 مضربًا، يعمل بها نحو 8 آلاف عامل، إذ تعتبر طاقة تصنيعية وبشرية معطلة بقطاع الأعمال العام، وهو ما يتطلب التأكيد على أهمية تشغيل هذه المضارب لاستيعاب الإنتاج الحالى من الأرز. وشدد «طنطاوى»، على ضرورة إعلان أسعار توريد الأرز لصالح وزارة التموين على أن يكون السعر عادلًا بما يحقق هامش ربح مناسبا للفلاح، مقترحا أن يتم تقديره بنحو 5 الآف جنيه لطن الأرز الشعير عريض الحبة و4 آلاف و500 جنيه لطن الأرز الشعير رفيع الحبة، على أن تشارك مضارب قطاع الأعمال العام شراء الأرز من المزارعين مستفيدين بتلك الأسعار لتحقيق متطلبات بطاقات التموين وإحداث توازن فى الأسعار ومنع الاحتكار، وعدم حدوث أزمات نقص الأرز فى نهاية الموسم التسويقى كما يتم سنويا منذ 2008 وحتى الآن.


وأشار «طنطاوى»، إلى ضرورة تواجد احتياطى استراتيجى على الأقل 250 ألف طن أرز مصرى، بناء على توصية رئيس الجمهورية، وحظر الاستيراد للأرز من الخارج لسوء جودته مقارنة بالأرز المصرى، وطالب بفتح باب التصدير للأرز الأبيض لنحو 300 ألف طن أرز تساهم فى توفير الاعتمادات المالية لاستيراد مليون طن قمح أو 1.5 مليون طن ذرة صفراء لإحداث توازن فى سوق الأرز، مشيرا إلى أن مساحة الأرز التى تمت زراعتها هذا العام تقترب من 1.8مليون فدان وتلك المساحة عبارة عن 1.074مليون فدان قرار وزارة الرى بمساحات الأرز المقرر زراعتها هذا العام بالإضافة إلى حوالى 700 ألف فدان تمت زراعتها بالمناطق غير المصرح بزراعتها أرز.


وأوضح «طنطاوى» أن كميات الأرز الأبيض المطلوبة لتغطية الاستهلاك المحلى تقدر بنحو 3.3 مليون طن أرز أبيض؛ تكفى لتلبية احتياجات مصر من الأرز، ويمكن توفير رصيد استراتيجى بنحو 250 ألف طن.