الدخول فى مجال الزراعة الذكية والدقيقة التى تعتمد على استخدام التقنيات الحديثة مثل الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية وإنترنت الأشياء ونظم الذكاء الاصطناعى أصبح سمة العصر، وذلك بهدف رفع كفاءة الإدارة الزراعية للمحاصيل ابتداء من تجهيز الأرض وحتى عمليات الحصاد، وبالعلم الحديث تتم عمليات مراقبة المحاصيل والتعرف على الآفات ونوعيتها، وتحديد الكميات والتوقيتات المناسبة لاستخدام الأسمدة والمبيدات ومواعيد الرى، حيث إن توفر المعلومات المناسبة فى الوقت المناسب للقائمين على إدارة المزرعة يحقق أعلى كفاءة للإدارة الزراعية من خلال اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، مما يسهم فى رفع الإنتاجية، وانخفاض التكاليف وتحقيق الجودة المطلوبة للمحاصيل، وتوفير المياه والحفاظ على التربة وغيرها من الفوائد .
تعكف الهيئة القومية للاستشعار عن بعد بالتعاون مع معهد بحوث الإلكترونيات على إنتاج المستشعرات التى تعد من الأدوات الأساسية للزراعة الذكية، كما تعمل حاليا على تطبيق نظم الزراعة الذكية على مساحة 150 فدانا من البطاطس تمهيدا للتوسع فيما بعد فى كافة المناطق بعد نجاح التجربة.
ويوضح الدكتور محمد بيومى زهران رئيس الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، أن التحول الرقمى للقطاع فى الوقت الحاضر من الأولويات الضرورية فى مجال الزراعة لمواجهة التحديات العديدة فى مجالات المراقبة البيئية والتحكم عن بعد، والتى تتطلب تطوير أنظمة وأدوات زراعية أكثر إنتاجية وتنافسية، فالزراعة الدقيقة أو الذكية تعمل على دمج التقنيات المتقدمة والتقليدية فى الإدارة بصورة دقيقة.
وأكد أن استخدام الزراعة الدقيقة أو الزراعة الذكية قائم على التقنيات الحديثة مثل الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمواجهة المشكلات الزراعية التى قد تحدث أو لتحقيق الأمن الغذائى من خلال رفع كفاءة الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية المتاحة ومتطلبات الإنتاج.
الثورة الرابعة
وقال زهران، إن الزراعة شهدت العديد من النقلات النوعية على مستوى العالم لزيادة الإنتاج الحيوانى أوالنباتى مثل استخدام الدورة المنتظمة للمحاصيل، وإضافة التحسينات فى الإدارة الزراعية أو «الثورة الخضراء» مثل استنباط أصناف جديدة والاستخدام الواسع للأسمدة والمبيدات، وحاليا تمر الزراعة بثورة رابعة ناجمة عن الاستخدام المتزايد بشكل كبير لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستخدام نظم الذكاء الاصطناعي.
واستطرد أن التقدم فى تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات قد أدى إلى التحول المحورى فى إدارة العمليات الزراعية والتحكم الآلى من خلال استخدام الروبوت والطائرات بدون طيار التى تستطيع التحليق بارتفاعات منخفضة وحمل كاميرات حرارية ومتعددة الأطياف ومستشعرات لمراقبة حالتى المحاصيل والرى والتى تمكن صاحب القرار من اتخاذ القرار السليم وفى الوقت المناسب.
وأردف أنه مع ظهور مفهوم الذكاء الاصطناعى ونظم المعلومات الجغرافية أصبح اتخاذ القرارات أكثر دقة، مما يؤدى فى النهاية إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق أعلى ربحية وتقليل التلوث مع الحد من الاعتماد على العامل البشرى فى العمليات الزراعية.
الذكاء الاصطناعي
وأشار إلى أستخدام الذكاء الاصطناعى فى الزراعة لإزالة الأعشاب والحشائش الضارة، إضافة إلى تقنين استخدام الأسمدة والمبيدات ورى المحاصيل حسب حاجة النبات فقط، كما أن التطور الذى حدث مؤخرا للطائرات بدون طيار، مع تطوير الكاميرات خفيفة الوزن والقوية فائقة التعدد الطيفى التى يمكن استخدامها لحساب التطور فى الكتلة الحيوية والحالة الصحية للمحاصيل مما يؤدى إلى سهولة الإدارة الذكية للمزارع، علاوة على ذلك تتوفر نماذج ذكية لمتخذى القرار تسمح للمزارعين بالتفريق بين النباتات المصابة بالآفات وغير المصابة بناء على بيانات الاستشعار عن بعد الذى يستخدم أيضاً فى إدارة قطيع الماشية بناء على إشارات أجهزة الاستشعار أو المحركات المتصلة بالماشية المراد متابعتها.
وذكر أن الهيئة القومية للاستشعار عن بعد تعكف حاليا على تطبيق تكنولوجيا الزراعة الذكية باستخدام إنترنت الأشياء وتكنولوجيا الاتصالات لمحصول البطاطس من خلال تطوير مستشعرات لتتبع خصائص التربة والنبات بالتعاون مع معهد بحوث الإلكترونيات وتطبيق نظام الموبايل فى الإدارة الزراعية، مما سيكون له بالغ الأثر فى توفير التكاليف لاستيراد تلك المستشعرات والاعتماد على المنتج المحلى، حيث يعتبر أهم محددات تطبيق الزراعة الدقيقة فى مصر هو الاعتماد الكلى على استيراد المعدات والبرامج المستخدمة بها ومن العوامل التى تعوق تطبيق الزراعة الذكية نقص الخبرات التى تقدم إرشادات للممارسين فيما يتعلق بالمكونات الضرورية التى تشكل أنظمة المراقبة الخاصة بها، وجار أيضا تطوير برنامج لدعم متخذى القرار يعتمد على البيانات المأخوذة من المستشعرات.
ونتيجة لاهتمام الهيئة ووزارة التعليم العالى والبحث العلمى بتطبيق مثل هذه التقنيات الحديثة فى مجال الزراعة نظمت الهيئة مؤخرا المؤتمر الإفريقى الأول للزراعة الذكية فى الفترة من 8-10/12/2020.
تطور صناعة المستشعرات
وأوضح الدكتور محمد أمين أبو الغار رئيس قسم التطبيقات الزراعية بالهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء، أن الزراعة الذكية هى مجموعة من النظم المتخصصة التى تعتمد على التقنيات الحديثة فى جمع وتحليل البيانات البيئية المتعلقة بالإنتاج الزراعى داخل الحقل وخارجه، بهدف تسهيل اتخاذ القرارات المتعلقة بإدارة المزرعة بناءًً على معلومات دقيقة باستخدام معادلات رياضية وبرامج محاكاة رقمية بغرض زيادة العائد الإقتصادى مع ضمان استدامة الموارد الطبيعية، لافتا إلى أن مصر لديها من الإمكانات ما يؤهلها للدخول بقوة فى هذا المجال الحيوى فمن تقنيات الزراعة الذكية التى يمكن استخدامها بشكل فورى فى مصر هو التوسع فى استخدام مستشعرات أرضية يتم تثبيتها فى أماكن موزعة بعناية لتغطى كل التباينات المحتملة فى الظروف البيئية داخل الحقل لقياس مؤشرات التربة مثل مستويات النتروجين والفوسفور والمحتوى الرطوبى وكمية الكلوروفيل فى النبات.
ولفت إلى أن حال تجميع هذه البيانات بشكل دورى ضمن نظام دقيق لتخزين وتحليل واسترجاع البيانات تؤدى إلى التفعيل الفورى لمنظومة الزراعة الذكية، لأنها تساعد على اتخاذ القرار الأمثل فى الوقت المناسب لضمان جودة المحصول وتقليل تكلفة الإنتاج واستدامة الموارد، وأيضا تمكن هذه التقنيات المزارع من تحقيق الإدارة المائية المثلى وضبط معدلات الرى بما يحقق أقصى إنتاجية مع توفير الموراد المائية، مؤكدا أن مصر قد بدأت بالفعل فى خطوات تصنيع المستشعرات المستخدمة فى الزراعة الذكية بالتعاون بين الهيئة القومية للاستشعار عن بعد ومعهد بحوث الإلكترونيات وبالمشاركة مع بعض الشركات الزراعية الخاصة، بهدف إنتاجها بكفاءة تعادل مثيلاتها المنتجة فى الخارج.
المساحات الكبيرة أفضل
وقال الدكتور أبو الغار«مما لاشك فيه أن المساحات الزراعية الكبيرة من شأنها تيسير تطبيق منظومة الزراعة الدقيقة وتقلل بشكل ملحوظ من تكلفة تطبيقها، لذلك يمكن إقناع المزارعين فى الحيازات المتجاورة ممن يستخدمون طرق الرى الحديث بتوحيد التركيب المحصولى، وذلك إذا ما استشعر المزارع بالفعل أهمية الموضوع وجدواه الاقتصادية، ويمكن تحقيق ذلك من خلال إدارة جمعيات أراضى الاستصلاح والجمعيات والتعاونيات الزراعية ومن خلال مسئولى الإرشاد الزراعى».
تدريب المزارعين
وأكد أهمية تدريب المزارعين وإقناعهم بهذه التقنيات الحديثة من خلال تجارب ميدانية حقيقية على أرض الواقع، بحيث يشاهدون تطبيق النظام بالفعل ويتحقق من جدواه وسهولة تطبيقه، فهذه التجارب الميدانية يمكن أن تجرى فى مواقع إنتاجية تختار بالتنسيق بين الجهات المعنية، ودعوة أكبر عدد ممكن من الشركات والمزارعين لصقل خبراتهم فى هذه المجال الحيوى.
توفر المياه والتكاليف وتحقق أعلى جودة للمحاصيل والإنتاجية
يقول الدكتور عبد العزيز بلال رئيس شعبة التطبيقات الزراعية والتربة وعلوم البحار، إن مشكلة ندرة الغذاء والتراجع المستمر فى مساحات الأراضى الزراعية تعد من المشاكل التى تثير قلقا عالميا فيما أولتها الحكومة المصرية اهتماما كبيرا، حيث أدت التغيرات الاقتصادية والسياسية والبناء على الأراضى الزراعية خلال السنوات الماضية إلى استنزاف الأراضى الزراعية فى الوادى والدلتا.
وحدد أن المشكلتين الرئيسيتين اللتين تسببتا فى استنزاف الأراضى الزراعية هما الزحف العمرانى والنقص المتوقع فى حصة المياه فى مصر بسبب بناء السد الإثيوبي، ولذلك فإن دور صانعى القرار وبدعم من العلماء، تقديم حلول للنظم الزراعية لتحسين كفاءة استخدام الموارد الأرضية والمياه المتاحة لإنتاج ما يكفى من الغذاء وأيضا زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية فى نفس وحدة المساحة، وبناء على ذلك يمكن اتخاذ العديد من التدابير لضمان الأمن الغذائى فى مصر بما فى ذلك زراعة المحاصيل الإستراتيجية فى البلدان المجاورة، ومع ذلك من الضرورى اتخاذ تدابير فعالة لإدارة الأراضى الزراعية مثل استخدام أدوات الزراعة الذكية لزيادة الإنتاجية .
ويشير إلى أن استخدام العالم الطائرة بدون طيار فى الزراعة الذكية يعمل على تسهيل مهام الإشراف على المزارع من خلال قدرتها على تغطية مئات الأفدنة فى رحلة واحدة باستخدام الأشعة تحت الحمراء، والصور متعددة الأطياف وقدرتها على تجميع مجموعة متنوعة من المعلومات حول حالة الأرض والمحصول، واحتياجات الري، ونمو المحاصيل، وتشخيص مسببات الأمراض وتسميد كل قطعة أرض حسب خصائصها المحددة وتوقعات الطقس، وفى حالة الماشية، يمكنها تحديد عدد الحيوانات ووزنها وخصائصها الظاهرية، مما يساعد فى القضاء على الجوع مستقبلا .
ويوضح أن من أهم التقنيات التى تستخدم فى الزراعة الذكية بيانات الاستشعار عن بعد لدراسة الموارد الطبيعية مثل التربة والنبات والمياه والتنبؤ بالإنتاجية وتحديد التراكيب المحصولية المثلى، ومراقبة المزرعة بشكل افتراضي، وحماية المحاصيل من الآفات والأمراض، ومراقبة الجفاف..
وأضاف أن الزراعة الذكية أصبحت ممكنة نتيجة استخدام معدات تحديد المواقع وربطها بالكمبيوترات الموجودة على أجهزة الاستشعار المحمولة والمتحركة، والتى ساهمت فى رسم خرائط المحصول، واستخدامها فى تحديد المعدلات المتغيرة من البذور والأسمدة والمبيدات حسب الحاجة.
وأوضح الدكتور عبد العزيز، أن تطبيق نظام الموبايل يمكن أن يوفر للمزارعين معلومات دقيقة تساعدهم فى تحسين الإدارة، تتضمن أفضل الطرق فى الرى والتسميد والتنبؤات الجوية والأوبئة والأمراض.