نقيب الفلاحين بالبحيرة: الأسمدة المدعومة والمبيدات تباع فى السوق السوداء
الجمعيات الزراعية والإرشاد فى مرمى الاتهامات ومطالب بعودة الدورة الزراعية واستلام المحاصيل
قطاع التخطيط بالزراعة: المبيدات الفعالة والآمنة متوافرة والوزارة تركز على المحاصيل الرئيسية
تمر العصور وتتغير السياسات ويبقى صوت الفلاح حزينا متعبا، كانت الدولة في عهود سابقة تحدد له ما يزرعه وتمده ببذورها وتكافح عنه آفات أرضه ثم ترسل له مهندس الإرشاد الزراعي يتابعه ويوجهه ثم إذا حان الحصاد، فإن الجمعيات التي سلمته التقاوي والسماد تتسلم منه محصوله، وتحصل الدولة على مستحقاتها من ثمن المبيد والتقاوي والسماد وكل مستلزمات الزراعة، ويحصل الفلاح على ربحه من ثمن البيع، وظل الحال هكذا وصور البعض تلك السياسة على أنها تقييد لحرية الفلاحين وتتعارض مع آليات الاقتصاد الحر، حتى قررت الدولة في تسعينيات القرن الماضي منح الفلاح حريته في زراعة ما يشاء أينما يشاء، وأن يختار نوع المبيد الذي يستخدمه من الشركات المتعددة المتنافسة، وأن يبيع وفق أسعار سوق حر متغير، فلا دورة زراعية تحدد له زراعاته، ولا أسعار جبرية للمحاصيل.. وأصبح الفلاح تدريجيا فريسة للتجار والوسطاء فتكلفت زراعته أكثر من عائداتها وتعثر في سداد مديونياته.
ووقف الفلاح يصرخ متعلقا بطرف ثوب الدولة،لا يريد التحرر من قيدها ،حتى عادت الدولة وأصدرت قانون الزراعة التعاقدية عام 2015 والتى تبدو عودة إلى يد الدولة التى تحميهم من التجار.
فى مقر وزارة الزراعة فى القاهرة، توضع السياسات وفى المحافظات يجرى تنفيذها، والتجربة وحدها تضع هذه السياسات والآليات موضع التقييم ، فيبقى منها ما تثبت قدرته على تحقيق مصلحة الفلاح ، ومن إحدى هذه المحافظات، فى البحيرة عرفنا فلاحيها يريدون العودة إلى ما قبل سياسات يوسف والى التى حررت الفلاح من قيد الدولة. والحكاية يرويها عبد النبى دميس نقيب الفلاحين بالمحافظة ، قائلا إن مشكلة الفلاحين من خلال محصول البطاطس فيقول إن الفلاح ينفق ٥٠ ألف جنيه على الفدان الواحد الذى يحتاج إلى 8 شكائر من التقاوى سعر الواحدة 600 جنيه ، وحصل على 4 شكائر من الأسمدة المدعمة من الجمعيات، ويشترى 6 شكائر إضافية من السوق السوداء، الأمر نفسه فى المبيدات، فقد لا تكون الكمية المتاحة فى الجمعية كافية لتغطية أراضى الفلاحين، فيضطر للحصول على المبيد من الشركات بالأجل، منتظرا الحصاد، فيصطدم بقرارات وقف التصدير بسبب كورونا، ومع زيادة المعروض وتراجع الطلب انهارت أسعار المحصول واضطر الفلاح للبيع بأقل من سعر التكلفة لسداد ديونه للتجار والشركات.
دميس يقول إن الأمر نفسه يحدث فى محصول الأرز، فالطن يشتريه التجار من المزارعين ب 4 آلاف جنيه.. وحسب وصفه: "يعمل إيه الفلاح ب 4 آلاف جنيه؟.. هو الفدان ينتج كم طنا؟، ويضيف موسم حصاد القمح اقترب، فهل استعدت الحكومة بخطة تضمن تسليم الفلاح مستحقاته مع تسليم القمح؟ بدلا من الانتظار أمام الشون والصوامع لأربعة أيام حتى يحصل على أمواله، ما يضطره لتسليم محصوله للتاجر بدلا من شون التموين، فيشتريه التاجر بثمن بخس وبوزن أقل من الوزن الفعلى نظير أن يحصل على ثمنه بشكل فوري، والفلاح يستدين من التاجر ليستطيع شراء الأسمدة والمبيدات، والتاجر يجبر الفلاح على التوقيع على إيصالات أمانة للدفع فى ميعاد محدد، فإذا تعثر تعرض للحبس .
وينبه إلى أن الموظف المسئول عن استلام القمح في الصوامع أثناء المعاينة يصنفه على أنه '' محصول درجة ثالثة '' ، وهذه المشكلة يمكن حلها لو كانت الزراعة تتم تحت إشراف مهندس زراعى يكون مسئولا عن الإرشاد للحصول على أعلى رتبة للمحصول، ولذلك فمشكلات الفلاح كلها يمكن حلها عندما يحصل على كامل الأسمدة والمبيدات من الجمعيات الزراعية، دون الاضطرار إلى شرائها من السوق السوداء، ويكشف عن أن بعض الأسمدة المدعومة وعليها ختم (يحظر بيعها فى المحلات) تباع فى الأسواق بينما الجمعيات خالية منها.
الظهير الصحراوي .. حظ المستثمرين
ومن البحيرة نذهب إلى المنوفية، حيث المحافظة بلا ظهير صحراوي، تم إضافة مدينة السادات الجديدة لها مؤخرا، لكنها كانت من حظ المستثمرين، كما قال أبو المحاسن الفضل نقيب الفلاحين بالمنوفية، وبحماس مفرط قال: نريد أن نعيد تجربة الدكتور حلمى نمر فى الاسكندرية فى نهاية الخمسينيات حين أقام مشروعات أبيس الأول وأبيس الثاني، ووزع على كل فلاح ٥ أفدنة وبيتا، قاموا بتسديد ثمنها على أقساط، وتم استصلاحها، فنريد أن يحصل صغار الفلاحين على فدانين للاستصلاح الزراعى أيضا تسدد قيمتهما على أقساط .
ويلخص أبو المحاسن مطالب الفلاحين فى المنوفية قائلاً: نريد تخفيض سعر مستلزمات الإنتاج وأسعار الوقود حتى يصبح العائد من الزراعة مجزيا ، كما نريد تعميم الميكنة الزراعية ,التى لا تتواجد الآن سوى فى مدينة تلا، وهى تخفض تكلفة حرث الفدان الواحد من ٥٠٠ إلى ١٠٠ جنيه، وأن يرافق تبطين الترع تطهيرها أيضا، الترع الفرعية كالترع الرئيسية، إذ أن وزارة الرى تقوم بتطهير الرئيسية فقط، وأن يتم تخفيض قيمة إيجارات الأرض الزراعية وضريبة الأطيان الزراعية أيضا والتى وصلت هذا العام إلى ٧ آلاف جنيه للفدان سنوياً، كما نطالب بدعم الدولة لسعر الأعلاف خاصة أن الفلاح يقوم بدفع تأمينات على الماشية الخاصة به، ثم يحاسب بالسعر العالمى للأعلاف.
الدستور أنصف الفلاح ولكن!
الدستور الجديد الذى استفتى عليه الشعب مؤخرًا أنصف الفلاح، وكان موضع إشادة أكثر الفلاحين، لكن تعطل صياغة القوانين وأحيانا اللوائح، جعل القانون أيضا فى مرمى نقد الفلاحين، نجيب محمدى نقيب الفلاحين بالمنصورة، يقول إن هناك مواد عديدة فى الدستور تحمى الفلاح فعلا، لكنها لم تفعل حتى الآن، أهمها هى المادة ١٢٩ التى تلتزم الدولة بمقتضاها باستلام المحصول من الفلاح، بما يضمن تحقيق هامش ربح، فالفلاح فى الأغلب يكون مديونا ، فيريد أن يبيع المحصول من أجل سداد ديونه، والتجار يتربصون بالفلاح ويتفقون معا عليه، فطن الأرز خرج من الأرض ب ٣ آلاف جنيه فى المنصورة، واشتراه التاجر ب ٣ آلاف جنيه أيضا، ما يعنى أن ربح الفلاح من زراعة الأرز صفر هذا العام، وكان الأمر أسوأ لمحصول القمح، إذ أن الدولة تتسلم الاردب بـ٧٠٠ جنيه، وبمجرد أن تغلق الدولة صوامعها، يتسلمه التاجر بـ ٤٠٠ جنيه فقط، القطن أيضا التاجر يحصل على ٥٠٪ من ربح الفلاح، ففى ٢٠١٩/٢٠٢٠ بعنا القنطار بـ ١٩٠٠إلى٢٠٠٠ جنيه، وبعد أن جمعوا الأقطان من الفلاحين، وصل سعر قنطار القطن إلى ٢٩٠٠ جنيه، إذن التاجر حصل على ٥٠٪ ربحا من الفلاح، وعليه نحن بحاجة لأن تتسلم الدولة المحاصيل الحقلية من الفلاح وأن توفر له التقاوى والمبيدات الفعالة والآمنة فى الجمعيات حتى لا يترك الفلاح فريسة للشركات التى تبيع مبيدات مغشوشة وللتاجر المتربص بالفلاح، وأن يتم تفعيل قانون التأمين الصحى الخاص به، وأن تكون سن المعاش له ٦٠ عاما كجميع العاملين بالدولة وليس ٦٥، أما بالنسبة لصندوق موازنة الأسعار فالدولة لم تتسلم من الفلاح المحاصيل حتى الآن لتوازن له الأسعار، والفلاحون يريدون عودة الدورة الزراعية، وأن تحدد الدولة احتياجاتها ليزرعها الفلاح حتى لا تغرق الأسواق بمحصول أكثر من احتياجات المستهلكين، وأن توفر مراكز البحوث الزراعية تقاوى ذات إنتاجية عالية كما فعلت فى تقاو القمح، فالصوب الزراعية الآن تنتج ثلاثة أضعاف الفدان العادي، ما يجعلنا بحاجة إلى تقاوى ذات إنتاجية أعلى حتى يكون العائد مجزيا . ويضيف محمدى أن التعاونيات الزراعية لديها أرصدة مالية كبيرة، وقادرة على تغيير واقع الفلاح لكنها لا تفعل، ولابد من تعديل قوانين الجمعيات الزراعية بحيث توضع شروط مناسبة لاختيار أعضائها بما يخدم الفلاح.
لن نكلف الدولة جنيها
'' الفلاح يعرف ويقدر أن الدولة مثقلة بأعباء كبيرة، وليست هناك إمكانية لتحقيق كل آماله، لذلك يبحث عن حل يرضيه ولا يكلف الدولة جنيها من خزانتها '' .. بهذه الآلية يسوق عربى مجاهد نقيب الفلاحين بالإسماعيلية بعض الحلول ومنها عودة الرش الإجبارى على أن يدفع الفلاح التكلفة للجمعية الزراعية بعد بيع المحصول، فالتعاونيات تمتلك ملايين الجنيهات، وهى فى الأصل أموال الفلاحين ، كما يمكن أن تبادر كل جمعية بتعيين مهندس زراعى وتتحمل هى راتبه، إذ أن هناك أزمة إرشاد زراعي، فأصغر مرشد زراعى بمديرية الإسماعيلية عمره ٥٨ عاماً ، وعدد المرشدين لا يتجاوز الـ ١٠ بالمحافظة، فى حين أن هناك ٣٦ جمعية بالإسماعيلية، الأمر الآخر أن بعض الجمعيات تتسلم الأدوية من مصانع بير السلم وتوزعها وفقاً لمصلحتها.
مطلوب شركة للتسويق
هناك حلقة مفقودة بين إنتاج الفلاح وعائده، هناك مشكلة دائمة فى التسويق، حسين عبد الرحمن أبو صدام نقيب عام الفلاحين بالقاهرة، يقول : لا يوجد تسويق مناسب، ودائما الأسعار أقل من المتوقع، بل إنه فى فترة كورونا صار العائد أقل من سعر التكلفة، لذلك نحن بحاجة لتفعيل قانون الزراعات التعاقدية والذى أصدره الرئيس السيسى فى ٢٠١٥ وهو يحل هذه المشكلة، لكنه لم يفعل حتى الآن بسبب عدم صدور لائحته التنفيذية ، ووزارة الزراعة تتعلل بحاجتها للتعاقد مع شركة تنظم التعاقد بين الفلاحين والشركات والتجار الذين سيقومون بشراء المحصول، والأمر الثانى هو أنه فى حال حدوث كوارث مثل حريق يشب فى الزرع أو آفة تدمر المحصول، فليس هناك أى تعويض للفلاح، وبالرغم من أن قانون صندوق التكافل الزراعى صدر فى ٢٠١٤، إلا أنه لم يفعل بسبب عدم صدور لائحة تنفيذية حتى الآن. ويضيف أبو صدام، أن الفلاح بحاجة إلى تسويق جيد وإنشاء أسواق مركزية فى المحافظات، لتقليل التكلفة.
قانون الرى والنقابة
مجدى ملك عضو لجنة الزراعة بالبرلمان المصرى يقول إن البرلمان انتهى من مناقشة مشروع قانون الرى الذى يهدف لتحقيق استراتيچية مصر المائية 2017 / 2037 ، مع تطوير منظومة الرى والتحول للرى الحديث، كما أن البرلمان فى طريقه لإصدار قانون نقابة الفلاحين خلال أيام والذى يهدف لتوحيد كافة النقابات الموجودة حاليا للفلاح فى كيان واحد قانونى يستطيع المشاركة الفعالة فى كل ما يخص الفلاح من تشريعات وتوفير مظلة صحية عن طريق اشتراك النقابة فى العروض الصحية مع المستشفيات المختلفة وإمكانية توفير الاقتراض من البنوك بضمان النقابة لأعضائها، ويعكف أعضاء لجنة الزراعة الآن على مناقشة تعديل قانون الزراعة المقدم من الحكومة يأتى هذا بعد قرار الرئيس بإسقاط مديونيات الفلاحين المتعثرين حتى 25 ألف جنيه مع إسقاط 50٪ من أصل الدين للمديونيات الأكبر.
ندعم التقاوى ب ١٥٪
توجهنا إلى الدكتور عباس الشناوى رئيس قطاع هيئة التخطيط بوزارة الزراعة ونقلنا إليه هموم الفلاحين فقال إن الدولة تدعم الفلاح فى مستلزمات الإنتاج من تقاو وأسمدة ، إذ إن جميع التقاوى التى تنتجها وزارة الزراعة من خلال الإدارة المركزية تقل أسعارها بنحو ١٥٪ عن مثيلاتها التى تنتجها الشركات الوطنية المنافسة، كما أن أسعار الأسمدة تكون جبرية يحددها رئيس مجلس الوزراء والوزراء المعنيون بأقل من سعر نظيرتها فى السوق الحرة بـ٥٠:٦٠ جنيها على الأقل للشيكارة الواحدة، هذا بالإضافة إلى مبادرة ال ٥٪ للبتلو، والتى أطلقها الرئيس لتمكين الفلاح من الحصول على قرض لتربية البتلو بفوائد ٥٪ فقط، والتى أدت لاستقرار أسعار اللحوم فى السوق حاليا، بالتوازى مع خطة أطلقتها وزارة الزراعة لتطوير مزارع الدواجن. ويضيف: هناك دعم غير مباشر تقدمه الدولة ربما لا يلتفت إليه الفلاح فى مكافحة الحشرات.
الإرشاد والأسمدة
سألناه عن الآليات التى يقدمها الإرشاد الزراعى لدعم الفلاح، خاصة أن كثيراً من الفلاحين يشتكون غياب مهندس الإرشاد الزراعى عن دوره فى توجيههم، فقال الشناوى إن الإرشاد الزراعى ينبغى أن يواكب التقدم التكنولوچى ووسائل الاتصال الحديثة، حيث ان منظومة كارت الفلاح ستجعل كل البيانات الخاصة بالفلاح موجودة على هذا الكارت الذكى ضمن خطة التحول الرقمى للدولة المصرية، وأى مشكلة ستواجه الفلاح سيتم التعامل من خلال الكارت وستصله المعلومة، كما يوجد حاليا أكثر من ٥ منصات زراعية وقنوات تلفزيونية تقدم معلومات سريعة فى الإرشاد الزراعي.
أخبرناه أن الفلاحين يشتكون من كون كمية الأسمدة المدعومة التى تصرفها الجمعية للفدان ليست كافية مما يضطرهم لاستكمال مشترياتهم من الأسمدة من السوق الحرة، فقال الشناوى : نحن لسنا مع الإفراط فى استخدام الأسمدة، ولا ننصح الفلاح بأن يفرح باخضرار الزرع ويقوم بزيادة الأسمدة عن المقرر، فهذه الإضافة يمكن اعتبارها غير اقتصادية، أما بالنسبة للمبيدات فمبيدات القطن متوفرة دائما، ومن العام الماضى والحالى بدأنا فى توفير مبيدات القمح وحشائش القمح فى الجمعيات، والوزارة تركز على المحاصيل الرئيسية الكبيرة فى توفير المبيدات الآمنة والفعالة.
بيت الفلاح
وعن رغبة الفلاحين فى استلام وزارة الزراعة المحاصيل، قال الشناوى إن دور وزارة الزراعة إرشادى للنهوض بزيادة الإنتاجية، واستلام المحاصيل دور وزارات أخري، لكن جرى العرف أن وزارة الزراعة هى بيت الفلاح ونحن لن نخيب آمال الفلاحين، ويجرى حاليا التنسيق مع الوزارات الأخرى المعنية للوصول إلى أفضل شيء يرضى الفلاح، وهناك م