"المصري للدراسات الاقتصادية" يدعو لتبني نموذج جديد للتعاونيات الزراعية

"المصري للدراسات الاقتصادية" يدعو لتبني نموذج جديد للتعاونيات الزراعية

أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية اليوم الاثنين، تقريرا تحليليا جديدا بعنوان: "نموذج جديد للتعاونيات الزراعية في مصر يحقق الانطلاق التنموي المطلوب"، ضمن تقارير رأى في أزمة التي تركز على محاور العمل الإستراتيجية لمرحلة ما بعد الكورونا، من خلال التركيز على مجموعة من محركات التغيير، أي القضايا التي يتوقع إذا تم تناولها بالشكل السليم، أن تحدث طفرات تنموية كبيرة للاقتصاد المصرى.

وتعد التعاونيات نموذجا للاقتصاد التشاركي- الاجتماعي الذي يعظم من مكاسب الفرد خاصة الصغير سواء كان منتجا أو مستهلكا أو من رواد الأعمال من خلال ضمه لكيان أكبر ينظم الجهود ويمكنه من الاستفادة من اقتصاديات الحجم وبالتالي استفادة الفرد من هذا الكيان في تحقيق أهدافه الإنتاجية والتسويقية وكذلك زيادة القوة التفاوضية مع الفاعلين الآخرين، وتعتبر التعاونيات أحد مداخل ضم القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم.

واستعرض التقرير عدد من المؤشرات الخاصة بالتعاونيات على المستوى الدولى، حيث تعد فاعلا رئيسيا في اقتصادات العديد من دول العالم، حيث تنتشر في نحو 98 دولة عالميا، وينتمى إليها ما يقرب من 3 مليار عضو أي نصف سكان العالم تقريبا، ويقدر عدد التعاونيات بنحو 3 مليون تعاونية ونحو مليار عضو، وتحقق إيرادات تقدر بـ3 تريليون دولار، ووفقا لتقديرات منظمة العمل الدولية، فإن عدد الوظائف التي تولدها التعاونيات أو التي تضمن استمراريتها تصل إلى نحو 280 مليون وظيفة لما لا يقل عن 10% من إجمالي المشتغلين في العالم.

وأكد التقرير أن التعاونيات نجحت عالميا في تقديم مبادرات فعالة في مواجهة أزمة كورونا، سواء من خلال المساهمة في رفع الوعى بالفيروس، أو توفير احتياجات للمصابين، أو توفير تمويل ميسر للمشروعات المتضررة، لافتا إلى أن مصر في أشد الحاجة إلى التعاونيات كنموذج تنموى في ظل تضخم حجم القطاع غير المنظم وعدم وجود كيانات تنظم جهود صغار المنتجين والمستهلكين ورواد الأعمال، أو وجود كيانات هشة لا تعمل على تحقيق مصالحهم بالكفاءة والفعالية المطلوبة.

ورصد التقرير أفضل الممارسات الدولية في مجال التعاونيات من خلال دراسة تجارب عالمية عدة بالتركيز على التعاونيات الزراعية والتي تعد من أكثر التعاونيات نجاحا في العالم، وقام بمراجعة منظومة التعاونيات وتحديدا الزراعية كنموذج لها في العديد من الدول من أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية والولايات المتحدة، والتركيز على الملامح الأساسية للتعاونيات الزراعية في هولندا كأحد أشهر التعاونيات الناجحة على مستوى العالم، بالإضافة إلى دراسة نظام التعاونيات المتبع في مصر منذ الخمسينات والأطر المنظمة له، ومقارنته بالمتبع في أفضل الممارسات العالمية.

وانتهى التقرير إلى وجود فجوة كبيرة بين النموذج المصرى وأفضل الممارسات الدولية، حيث تعد التعاونيات الزراعية في مصر كيانات حكومية ذات هيكل تنظيمي معقد يحكمها قانون يخالف المباديء العالمية للتعاونيات مما يجعلها أذرعا تنفيذية للحكومة، وهو الأمر الذي يفقدها التوجه الاستراتيجي الذي يعكس تطلعات أعضائها والديناميكية والكفاءة المطلوبة في الأداء ويحد من فرص تطويرها ويفقد الأعضاء الإحساس بالملكية، ويجنبهم المشاركة الحقيقة في الإدارة والتطوير. كذلك تبين من توصيف التعاونيات في مصر أنه بالرغم من انتشارها ومنطقية دوافع نشأتها، إلا أنها لم تعمل في أي وقت بالمفهوم السليم لها وبالتالي أصبحت كيانات حكومية موجودة إلا أنها هامشية في خدمة القطاع الزراعي وتحسين مستوى معيشة المزارعين.

وشدد التقرير على حاجة مصر إلى نموذج جديد للتعاونيات يحقق الانطلاق التنموي المطلوب يتم بنائه بالاستفادة من أفضل الممارسات العالمية وبما يراعي خصوصية الحالة المصرية، ويعزز هذه الانتقال وجود نص دستوري يوجب على الدولة رعاية التعاونيات ودعمها بكل صورها، وينطلق النموذج الجديد من نظرة عصرية مختلفة للتعاونيات باعتبارها شريكا تنمويا أساسيا بجانب الحكومة والقطاع الخاص، وفاعلا رئيسيا يساهم في تنمية المجتمعات المحلية اقتصاديا واجتماعيا وفي تحسين مستوى معيشة الأفراد والخروج من دائرة الفقر والعمل غير الرسمي.

وبين التقرير أهم مقومات النجاح التي يجب أن تتوفر في النموذج الجديد الذى يجب الانتقال إليه تدريجيا، والتي تتمثل في مراجعة لنظرة الدولة للتعاونيات باعتبارها شريكا تنمويا رئيسيا يساعدها في تحقيق الأهداف الوطنية على المستوى المحلي، ويتطلب نجاح هذا النموذج إفساح المجال له للعمل بحرية ومرونة؛ مما يعني حد أدنى من التدخل الحكومي.

وأشار التقرير إلى أن مقومات نجاح هذا الانتقال تتطلب أيضا وجود دور داعم من الدولة للنموذج الجديد يقوم بدور تنظيمي بالأساس يتضمن: وضع الخطوط العريضة فقط لهذه الكيانات دون الدخول في تفاصيل إدارتها، وضمانات توازن العلاقات الداخلية بين كبار وصغار الأعضاء، وحوافز لتشجيع كبار المنتجين على الانضمام للتعاونيات ومساعدة صغار المنتجين، وتنظيم العلاقة بين التعاونيات وباقي الفاعلين الآخرين في السوق بما يحقق التنافسية ويمنع أي ممارسات احتكارية، وتقديم تسهيلات في إنشائها ودعم فني ونشر النماذج الناجحة.

كما دعا التقرير إلى استكمال الأطر التشريعية التي تضمن نجاح هذه الكيانات وتحديدا تطبيق اللامركزية من خلال الانتهاء من تعديلات قانون الإدارة المحلية، مع تغير جذري في القانون المنظم للتعاونيات بما يحقق لها الاستقلالية والكفاءة والفاعلية بحيث تكون مهمته تنظيم العلاقة بين التعاونيات وباقي الفاعلين مع ترك قواعدها التنظيمية لتوضع داخليا مع الالتزام فقط بالمبادئ العامة التي تضمن التوازن في حقوق الجميع كبار وصغار الأعضاء، ونشر الوعي التعاوني من خلال وسائل الإعلام والإرشاد الزراعي لتثقيف المزارعين بالنموذج الجديد للتعاونيات والفرص التي يمكن تحقيقها من خلاله وآليات ممارسة العمل التعاوني ومقومات نجاحه.