ملف الزراعة والأمن الغذائى فى مصر يحظى فى السنوات الأخيرة باهتمام خاص ودعم كبير، وتعد منظومة الرى الذكى، من أهم المشروعات التى أطلقتها الدولة مؤخرا، حيث ينعكس تأثيرها بشكل إيجابى على الواقع الاقتصادى بشكل عام وعلى المواطنين بشكل خاص.
فى السطور التالية نبحث عن إجابات للكثير من الاستفسارات حول مدى إمكانية تطبيق وتعميم هذه الأنظمة الذكية فى الأراضى الزراعية والصحراوية فى مصر، وما هى تكلفة التحول للرى الذكى، وما هى مميزاته خاصة مع زيادة مساحة الأراضى الزراعية إلى 9.4 مليون فدان على مستوى الجمهورية عام 2020، مقارنة بـ 9.2 مليون فدان عام 2019 (وفقا لإحصائيات وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي)، وانعكاس تطبيق منظومة الرى الذكى على المحاصيل الزراعية وجودتها وزيادة إنتاجيتها وأيضا على المزارع والأسر الريفية.
إن إستراتيجية الدولة واتجاه القيادة السياسية تقوم على أن قطرة المياه تساوى حياة ، ومحصول لكل قطرة مياه ، كما يقول الدكتور أحمد جلال عميد كلية زراعة جامعة عين شمس ويضيف: لدينا مشكلة، محدودية المياه والطرق التقليدية لم تصل بنا إلى حلول كافية لتحقيق الأمن الغذائى فى مصر، ولذلك كان لابد من الاستغلال الأمثل للموارد المائية والوصول إلى أعلى إنتاجية وإعادة تدوير المياه من مياه الصرف الزراعى والصحى وإعادة استغلالها مرة أخرى. وقال جلال إن ذلك لن يحدث إلا باستخدام الطرق غير النمطية سواء فى الزراعة أو استخدام محاصيل ذات إمكانية وراثية عالية الإنتاج وإعطائها المقنن المائى المطلوب، لذلك كان توجيه القيادة السياسية باستخدام نظم الزراعة الذكية الحديثة، من خلال تكنولوجيا الرى المطور واستخدام أجهزة المجسات الحديثة للتربة التى ستوفر من ٢٠ إلى ٢٥ % من المياه المستخدمة فى الزراعة لأنها السبيل الوحيد الآن لاستغلال المساحة والمياه المحدودة عبر التقنيات الحديثة للوصول لأعلى إنتاجية.
لذا، والكلام للدكتور جلال ، أعتقد أن منظومة الرى الذكى إحدى أهم الأدوات التى نسعى لها، ونحاول تعميمها لترشيد استهلاك المياه، وعلى الجانب الآخر فهناك تطبيقات للرى الذكى متعددة ومتنوعة، تحاول الدولة تعميمه بين المزارعين ، وهو ما سيمكن المزارع من التحكم بشكل دقيق فى عملية الرى وترشيد استهلاك المياه.
خطة طموحة
ويرى الدكتور علاء عزوز رئيس قطاع الإرشاد الزراعى بوزارة الزراعة أن تحديث منظومة الرى أصبحت ضرورة حتمية فى ظل الزيادة السكانية، التى وصل معدلها إلى 2.6 مليون نسمة سنويا، مما يتطلب توفير الغذاء، وبالتالى زيادة الإنتاج من المحاصيل الرئيسية والتوسع فى استصلاح الأراضى سواء فى مشروعات مستقبل مصر أو الدلتا الجديدة، أوفى وسط وشمال سيناء، مما يتطلب توفير كميات كبيرة من المياه.
وأوضح الدكتور عزوز، أن خطة الإستصلاح والزراعات من خلال منظومة الرى الحديث، تهدف إلى ترشيد استخدام المياه وزيادة الرقعة الزراعية لتحقيق الأمن الغذائى للمواطن وزيادة الصادرات وتحسين معيشة المزارع و الأسرة الريفية وتوفير كميات الأسمدة، لأن نظام الرى الحديث يقلل من عمليات هدر المياه بنسبة من ٤٠ إلى ٥٠%، إضافة إلى تقليل العمالة المستخدمة فى الرى وتقليل الحشائش والإصابة المرضية والحشرية التى كانت تصيب النبات.
وكشف رئيس قطاع الإرشاد الزراعى، بوزارة الزراعة عن أن الرى بالغمر يزيد من نسبة الرطوبة، ويجعل النبات أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، وبالتالى فإن الاعتماد على الرى الحديث والذكى يؤدى الى تحسين جودة النبات، وزياة إنتاجية المحاصيل ورفع القدرة التنافسية للمنتج المصرى فى التصدير للخارج لمطابقته المواصفات العالمية.
وأكد عزوز أن نظم الرى الحديثة تؤدى إلى الاستفادة من كل مساحات الأرض المنزرعة، لأنه لن توجد مراوى فى الأرض وسترفع من نسبة خصوبة التربة وتقليل نسبة الفقد من المياه وتقليل التلوث، وأيضا استخدام الطاقة الشمسية فى تشغيل طلمبات المياه عبر طرق الرى الحديثة، مشيرا إلى أن هناك خطة طموحة لتوعية وتدريب المزارعين على تشغيل شبكات الرى الحديثة وصيانة الشبكات بالتنسيق والتعاون مع الجهات المعنية.
مشروع قومى
وأكد المهندس محمد غانم، المتحدث الرسمى باسم وزارة الرى، أن مشروع تحديث نظم الرى أحد أهم المشروعات المصرية، التى تحظى باهتمام كبير من القيادة السياسية وأن منظومة الرى المصرية ستشهد طفرة تكنولوجية كبيرة فى نظام الرى الحديث والرى الذكى خلال ٣ سنوات، مشيرا إلى أن فكر الرى الحديث موجود منذ سنوات طويلة، والاختلاف الآن فى تعميمه على كل الأراضى الزراعية على مستوى الجمهورية.
وأوضح أن الدولة تدعم الفلاح والمزارعين وتسعى إلى تمصير وتوطين وتطوير تكنولوجيا الزراعة والرى الحديث والذكى باعتباره مشروعا قوميا يلقى دعما من القيادة السياسية التى وجهت ببدء التنفيذ باستخدام أنظمة الرى بالتنقيط فى الأراضى القديمة من خلال الاعتماد على الوسائل الحديثة والذكية والتى ثبت أهميتها الكبيرة فى ترشيد المياه، بالإضافة إلى فوائد اقتصادية تعود على الفلاح نفسه.
وأضاف المهندس محمد غانم، أن وزارة الموارد المائية والرى نجحت بأيدى مهندسيها فى إنتاج جهاز يدوى لقياس درجة رطوبة التربة الزراعية. وعن مميزات التوجه لنظام الرى الذكى، أوضح أنه على المستوى القومى يساعد بصورة كبيرة على ترشيد استخدام المياه فى الزراعة وينعكس على تحسين جودة المحاصيل الإنتاجية بزيادة الإنتاجية من ٣٠ إلى ٤٠ % وبالتالى زيادة فرص التصدير للخارج كما أنه يساهم فى تخفيض تكاليف الزراعة سواء على حجم كميات الأسمدة المستخدمة التى ستنخفض بنسبة ٦٠%.
الرى الذكى
وأوضح المهندس محمد غانم، أن نظام الرى الذكى، هو عبارة عن جدول رى يعمل آليا يستخدم المعلومات الخاصة بالظروف البيئية لضمان حصول النبات على كمية المياه المثالية مشيرا إلى أن عمل منظومة الرى الذكى أدخلت نظم حديثة من خلال جهاز قياس رطوبة الأراضى الزراعية أو مجسات تعطى مؤشرات بحالة الأرض ومدى احتياجها للرى حيث ترسل المجسات إشارات بأن الأرض جافة أم مشبعة ومدة الرى التى تحتاجها الأرض ويستطيع المزارع الحصول على كل المعلومات على تليفونه المحمول سواء بدء الرى أو ايقاف ماكينة الرى.
وكشف المتحدث الرسمى باسم وزارة الرى، عن المساحة المستهدفة لنظام الرى الحديث والذكى والتى تبلغ ٤ ملايين فدان بتكلفة ٤٠ مليار جنيه، ومشروع تبطين الترع تكلف ٨٠ مليار جنيه فى إطار الاستخدام الأمثل لنظم الرى بالأراضى القديمة بالوادى والدلتا، والتى من شأنها أن تسهم فى زيادة الانتاجية المحصولية للفدان، موضحا أن تكلفة التحول للرى من الغمر للرى الذكى تبلغ ٧ آلاف جنيه للفدان فى المتوسط. وتقوم الدولة بدعم الفلاح والمزارع من خلال تسهيلات ائتمانية وتوفير قرض ميسر من البنك الزراعى وبعض البنوك الوطنية على فترات سداد طويلة، مؤكدا أن العائد الناتج من التطوير سيغطى تكلفة القرض وتحقيق فائض ربح.
رطوبة التربة
وأشار المهندس محمد غانم الى أن نظام الرى الذكى صالح لجميع الأراضى الزراعية فى قبلى وبحرى، وأن تحويل أنظمة الرى من الرى بالغمر إلى نظم الرى الحديث، بلغت مساحتها ٢٦٤ ألف فدان على مستوى الجمهورية، وأن وزارة الرى تلقت ٧١ ألف طلب من المزارعين الراغبين للاشتراك فى المنظومة الجديدة للرى الذكى، مما يعد مؤشرا على زيادة الوعى لدى المزارعين كما قامت الوزارة بتصنيع عدد من أجهزة المجسات لقياس رطوبة التربة وتوزيعها على عدد من المزارعين لتجربتها فى أراضيهم وتم التعاقد مع وزارة الإنتاج الحربى والهيئة العربية للتصنيع لإنتاج خمسة آلاف جهاز مجسات للأراضى الزراعية لتوزيعها على المزارعين أصحاب التجارب الناجحة فى الرى الحديث كنوع من التشجيع، علما بأن تكلفة الجهاز لا تتعدى ١٠٠ جنيه للجهاز، وتقوم وزارة الرى بالتعاون مع وزارة الزراعة بإعداد برامج إرشادية وتوعية إعلامية من قبل الجمعيات الزراعية موجهة للفلاحين والمزارعين، للتعريف بفوائد وعوائد نظم الرى الحديث والذكى.
الرى الحقلى
ويتفق الدكتور حسن شمس مدير وحدة تطوير الرى الحقلى بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى على أهمية التوسع فى تطبيق منظومة الرى الحديث والرى الذكى لمميزاته العديدة من أهمها توفير ٢٥ إلى ٥٠ % من المياه مقارنة بالرى بالغمر موضحا أن نظم الرى الحديثة مطبقة فى مصر منذ ما يزيد على ٢٠ عاما والرى الذكى منذ شهور قليلة، وأن نجاح هذا النظام مرتبط بنوع الأرض رملية أو طينية ونوع المحصول الحقلى وجودة الإنتاجية للمحاصيل المزروعة.
وأوضح أن الدولة تقوم بنشر طرق وأساليب الرى الحديثة والتوسع وتنفيذ مشروع تطوير الرى الحقلى فى الأراضى القديمة بالوادى والدلتا لتغيير منظومة الرى بالغمر إلى الرى الحديث فى مساحة مستهدفة ٥ ملايين فدان.
وأضاف مدير وحدة تطوير الرى الحقلى بوزارة الزراعة، أن هناك خطة لتطبيق الرى الذكى فى الأراضى القديمة ستبدأ يوليو المقبل، حيث تتعدد أنظمة الرى من الرى الحديث والمحورى والرى بالرش والرى بالتنقيط والرى الفقاعى والنافورى والرى الذكى يركب على الرى الحديث بشكل إتوماتيكى، ويتم استخدام المجسات التى تعطى الحساسات مؤشرات بنسبة رطوبة الأرض الرى الطبيعى، أن تكون النسبة ٥٠ % واذا كانت أقل من ذلك فالأرض تحتاج الى الرى ويقوم جهاز «السنوسر» بإرسال رسائل للتليفون المحمول للمزارع بهذه المعدلات والمؤشرات، كما تعكس أنظمة الرى كميات المياه المضافة وكفاءة كل نظام مستخدم فالرى بالغمر نسبة كفاءته تصل الى ٥٠ % والرى بالرش نسبة كفاءته ٧٥ % والرى التنقيط ٩٥ %، والرى الذكى يقلل كميات المياه المستخدمة فى الزراعة لأنه يفتح ويغلق الكترونيا حسب الحاجة، كما أن المحاصيل منها من يتحمل الجفاف ومنها من يستهلك كميات كبيرة ونظام الرى الذكى، أكثر نفعا وايجابية فى المساحات الكبيرة لأنه يعتمد على آبار ومياه جوفية متوافرة طوال الوقت.
تكنولوجيا الرقمنة
ويرى الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة، أن منظومة الرى الذكى جزء من تكنولوجيا الرقمنة التى تعتمد على وسائل حديثة ومتقدمة والعائد الاقتصادى منها ينعكس على المجتمع ككل من خلال تخفيض الاستهلاك والفائض من المياه وتوفير جهد وتكاليف وعمالة للمزارع، وكل ذلك ينعكس على الربح الذى يجنيه الفلاح، وأكد أن نجاح هذه المنظومة ستؤدى إلى زيادة الإنتاجية للمحاصيل الزراعية بنسبة ٣٠%، فعلى سبيل المثال محصول القمح الذى يستهلك ٢٠٠٠م مكعب من الرى بالمياه بنظام الغمر فى الموسم ينخفض إلى ١٤٠٠م مكعب من المياه باستخدام الرى بالرش ويقل الى ١٠٠٠م مكعب من الرى الذكى أى أننا نوفر ٥٠% من المياه المستخدمة، وبالتالى تخفيض التكاليف الآلات الميكانيكية المستخدمة فضلا عن انخفاض نفقات الصيانة. وأشار الدكتور جمال صيام إلى نجاح تجربة الرى الذكى مع صغار المزارعين فى الهند والبرازيل والصين، وأيضا دول افريقية مثل غانا وكينيا لديهم تجارب ناجحة فى هذا النوع من الرى للأراضى الزراعية.
منظومة متكاملة
تقول الدكتورة إيمان سيد رئيسة قطاع التخطيط بوزارة الموارد المائية والرى، ان الرى الحديث يصلح لكل الأراضى، فيما عدا الشريط الخاص بشمال الدلتا والتى تبلغ مساحته ٢ مليون فدان لأن لديهم ريا مطورا والدولة لديها خريطة متكاملة حول تطوير وتحديث الرى فى كل منطقة من خلال شبكات الرى على الترع والمساقى على مستوى الجمهورية،وأكدت رئيسة قطاع التخطيط بوزارة الموارد المائية والرى، أن الرى الذكى إضافة للرى الحديث وأن المزارع يستطيع ان يخفض حجم استهلاكه من المياه بنسبة من ٢٠ إلى ٣٠ % من خلال استخدام مجسات قياس الرطوبة للتربة وتعطى رسائل الكترونية على التليفون المحمول فى حالة التشبع والجفاف للأرض الزراعية. كما أن نظام الرى الذكى يصلح لكل المساحات سواء صغيرة أم كبيرة وتوجد أنظمة مختلفة تتناسب مع المستثمرين الكبار فى مجال الزراعة من خلال شبكات المياه والمميزات الناتجة عن هذا النظام ايجابية للمزارعين سواء تخفيض استهلاك المياه وتوفير الأسمدة وتحقيق أفضل إنتاجية للمحاصيل وتوفير نفقات عماله وتحسين التربة ووقاية النبات من الأمراض وأضافت أن وزارتى الموارد المائية والرى، والزراعة تسعيان إلى استخدام المياه فى زراعة أكثر كفاءة وإنتاجية وتحويل الأراضى الزراعية بها إلى رى حديث يحقق منظومة متكاملة لترشيد استهلاك المياه وتحسين إدارتها بشكل كبير.
قروض ميسرة
ويرى أحمد إبراهيم المستشار الإعلامى لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى، أن منظومة الرى الحديث، تعتبر من أهم المشروعات التى أطلقتها الدولة، والرئيس عبدالفتاح السيسى يتابع منظومة الرى الذكى باهتمام كبير، وقال إن التحول من الرى بالغمر إلى نظم الرى الحديثة سيتم على مرحلتين الأولى، تستهدف مليون فدان مناصفة بين وزارتى الموارد المائية والرى ووزارة الزراعة ومخطط الانتهاء منها فى شهر يونيو المقبل، أما المرحلة الثانية تستهدف ٤ ملايين فدان فى الأراضى القديمة والدلتا فى إطار خطة التوسع الأفقى لاستصلاح الأراضى لزراعة المحاصيل الإستراتيجية وتحقيق الأمن الغذائى مشيرا إلى أنه يتم حاليا التنسيق مع البنوك الوطنية لتوفير التمويل اللازم لدعم المزارعين لتطبيق التحول من نظم الرى القديمة إلى نظم الرى الحديثة من خلال توفير قروض ميسرة حوافز تشجيعية للمزارعين