رغم محاولات السيطرة على أسعار الدواجن فى الأسواق، خاصة فى المواسم الكبيرة مثل شهر رمضان، فإن القلة من الحلقات الوسيطة والتجار الجشعين تسعى دائما إلى تحقيق ثروات على حساب الأغلبية، كما أن إقبال المواطنين على تخزين اللحوم بأنواعها يؤدى إلى ارتفاع الأسعار.
حيث وصلت الزيادة فى سعر الكيلو للدواجن المذبوحة المبردة إلى ١٥جنيها، و٨ جنيهات للدواجن الحية، خاصة أن الطلب على اللحوم البيضاء يتصاعد خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر الكريم بنسبة ٤٠٪، لتتناقص هذه النسبة تدريجياً مع نهاية رمضان، حيث تنشغل الأسر باحتياجات الأبناء من ملابس العيد.
تحقيقات «الأهرام» تعرضت لهذه الظاهرة التى تتكرر كل موسم مع منتجين وتجار وخبراء صناعة.
ارتفاع أسعار النولون البحرى
يتفق د. نبيل درويش رئيس اتحاد منتجى الدواجن سابقا مع آخرين على أن المسئول عن ارتفاع أسعار الدواجن هو تكالب المستهلك على شراء كميات كبيرة من الدواجن لتخزينها فى الثلاجات، مما يتسبب فى ارتفاع الطلب بنسبة كبيرة تجبر التاجر على رفع الأسعار، لأنه يعتبر ذلك موسما لتحقيق هامش ربح كبير يعوضه عن الخسائر التى أصابته خلال الدورات السابقة للتربية.
ويضيف درويش أن أسعار المدخلات زادت كذلك، نتيجة زيادة أسعار النولون البحرى بسبب الإجراءات الاحترازية لكورونا، ووصلت هذه الزيادة إلى ٢٠٪، مما أدى إلى ارتفاع أسعار توريد الذرة وفول الصويا والأدوية البيطرية واللقاحات والكتكوت المستورد.
زيادة النفوق
ويكشف د.حسن أيوب أستاذ تربية الدواجن بزراعة عين شمس، والمستشار الفنى لعدد من شركات الإنتاج الداجنى الكبرى، عن أن نسب النفوق بين الدجاج مرتفعة هذه الأيام، بسبب فيروسات متنوعة وقاتلة تصيب الدواجن فى أثناء تربيتها، لذلك فإن تكلفة الدجاجة تصل إلى ٢٨ جنيها للكيلو، وتقوم المزرعة ببيعها بـ٣٠ جنيها، بينما كانت هذه التكلفة لا تزيد على ٢٥ جنيها للكيلو. ومنذ ٥ أشهر كان التجار يبيعونها بـ٢٠جنيها، ويخسرون ٥جنيهات فى الكيلو، بل استمرت هذه الخسائر أكثر من خمسة أشهر، مما أدى إلى خروج عدد من المنتجين من السوق، خاصة الشركات المتوسطة الإنتاج، بينما لجأت الشركات الكبيرة إلى طرح الدواجن الحية على أعمار وأوزان كبيرة، مما يكلف المستهلك عند شراء الدجاجة، وأيضا الشركة المربية.
وطالب أيوب بتسعير عادل للدواجن يراعى تكلفة كل مرحلة من مراحل التربية، مع تكثيف الجهود البيطرية لتقليل أعداد النفوق، وحل مشاكل الأعلاف بتحقيق الاكتفاء الذاتى، من خلال التوسع فى زراعتها فى الأراضى الجديدة المستصلحة، خاصة أن تكلفة العلف تعادل ٦٩٪ من تكلفة الدجاجة.
مزارع جديدة
أما خبير صناعة الدواجن بدر الملوى فيعترض بشدة على فتح الاستيراد لتخفيض سعر الدواجن، خاصة أن هذه العملية ستضرب صناعة كبيرة تزيد استثماراتها على ٤٠ مليار جنيه، مشيرا إلى أن هذه الصناعة تمر بمراحل ضعف تحتاج تدخلا مباشرا من الحكومة لإنقاذها.
وأوضح الملوى أن هناك فيروسات عديدة تهاجم صغار الطيور، مثل فيروس «نيو كاسل» وهو أشد فتكاً بالطيور، لهذا تصل نسبة النفوق إلى ١٥٪، مما يرفع التكلفة النهائية للدجاجة، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار أن الأدوية البيطرية واللقاحات تكون مستوردة، وبعضها يفقد فعاليته فى أثناء الاستيراد، لعدم اتباع القواعد الصحية خلال النقل.
ويقول الملوى إن نسبة من المربين تتراوح بين ١٠و١٥٪ قد خرجت من السوق، بعد أن تعرضوا لخسائر وصلت إلى ٥جنيهات فى الكيلو للدجاجة الواحدة، خلال الفترة السابقة، لذلك فإنه يطالب الحكومة بإعادة النظر فى مواقع مزارع الدواجن الحالية، والتوسع فى إنشائها فى الظهير الصحراوى والمدن المستصلحة الجديدة، للتخلص من هذه الفيروسات فى المزارع القديمة، والقضاء على ظاهرة تفشى العدوى بين المزارع نتيجة تقارب المسافات بينها.
جشع الحلقات الوسيطة
ويلقى د.علاء رضوان رئيس رابطة مستوردى اللحوم والدواجن والأسماك، بالمسئولية على عاتق المستهلك فى ارتفاع الأسعار، لأن الطلب يتزايد فى الأيام العشرة الأولى من رمضان بنسبة ٤٠٪، ويتناقص حتى يصل إلى الصفر أواخر الشهر الكريم.
ويضيف رضوان: صحيح هناك ارتفاع فى أسعار مدخلات هذه الصناعة الإستراتيجية مثل ارتفاع أسعار الكتكوت بنسبة ٥٠٪، كذلك ارتفاع أسعار الأعلاف ٢٠٪، لكن تكالب المواطنين على شراء كميات كبيرة من الدواجن وتخزينها فى الثلاجات، دفع بالتجار الجشعين إلى زيادة الأسعار لتعويض خسائرهم التى أصابتهم خلال الـ ٥ أشهر الأخيرة، بسبب تراجع الطلب بشكل حاد.
ويؤكد أن المزارع لديها كميات كبيرة من الدواجن، لكن زيادة الطلب تحت مسمى أنه موسم إقبال الصائمين على تناول الدواجن، دفع بالتجار والحلقات الوسيطة إلى رفع الأسعار بشكل فيه احتكار وجشع، فأسعار الدواجن الحية من المزرعة تتراوح بين ٣٠ و٣٢ جنيها للكيلو، ويباع بـ ٣٨ جنيها فى الأحياء الشعبية، بينما فى الأحياء الراقية يباع الكيلو بـ ٤٠جنيها، أما الدواجن المذبوحة المبردة، فيتراوح سعرها بين ٥٠ و٥٥ جنيها للكيلو.
وأوضح رضوان أن الاتحاد العام لمنتجى الدواجن كان يوفر الإنتاج بسعر يتقارب مع أسعار الدواجن المستوردة من ٢٥ إلى ٣٠جنيها للكيلو، وكان الفارق بينهما لايزيد على ٣ جنيهات فى الكيلو، لكن بعد الزيادة الأخيرة أصبح الفارق يصل إلى ١٥جنيها، مما يؤكد ضرورة أن تتدخل الحكومة لإنقاذ المستهلك من جشع هؤلاء، وتفتح باب الاستيراد لتوفير هذه السلعة بأسعار فى متناول المستهلك، تتراوح بين ٣٠ و٣٥ جنيها فى منافذ جهاز الخدمة الوطنية وأمان، لأن صناعة الدواجن سلعة استراتيجية، فى ظل النقص الواضح للحوم الحمراء.
٧٥٪ من المدخلات مستوردة
يعرض د. عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة تجار الدواجن بغرفة تجارة القاهرة، الزيادات التى تعرضت لها مدخلات هذه الصناعة، قائلا إن: سعر الكتكوت ارتفع من ٦جنيهات إلى ١٢جنيها، والأعلاف من ٦ آلاف و٣٠٠ جنيه للطن إلى ٨ آلاف و٣٠٠ جنيه للطن.
ويضيف السيد أن تكلفة الكيلو من الدواجن الحية حاليا تصل إلى ٢٩ جنيها للكيلو لدى المزرعة، وعلى التاجر أن يبيعها بـ٣٢ أو ٣٣جنيها، لكن أسعارها قفزت فى الأيام العشرة الأولى من رمضان إلى ٣٩ جنيها للكيلو الحى، بينما تبيعها الحكومة فى منافذها بسعر ٣٨ جنيها مذبوحة ومعبأة، وهو ما يعنى نشاط الحلقات الوسيطة التى تسعى دائما إلى استغلال المواسم والأعياد لتحقيق طفرات سعرية كبيرة، لتحقيق هامش ربح سريع ومرتفع.
ويطالب السيد بتطبيق القانون رقم ٧٠ لسنة ٢٠٠٩، الذى يمنع تداول الدواجن الحية فى الأسواق، وضرورة بيعها مذبوحة مبردة ومعبأة فى الأكياس، حتى يتغلب أصحاب المزارع على مشكلة تراجع الطلب بشكل حاد، التى حدثت فى فترة الذروة لجائحة كورونا، وهو ما كان من نتائجه خروج أعداد من المربين وإجبارهم على بيع الدواجن بالخسارة.
كذلك طالب السيد بالتوسع فى زراعات الذرة الصفراء، حيث ننتج ٣ ملايين طن ونستورد ١٢مليوناً، وبالمثل ننتج ٣٦ ألف طن من فول الصويا ونستورد ٥ملايين طن من الخارج، وهذا ما يعنى أن مدخلات هذه الصناعة ما زالت أكثر من ٧٥٪، وتتعرض أسعارها لتذبذبات سعرية وفقاً للمتغيرات العالمية، لذلك يجب أن يكون الاكتفاء الذاتى فى هذا البروتين الداجنى وفق إستراتيجية قومية قائمة على أسس زراعية متكاملة.