إذا كنت من محبى تناول البطيخ، فربما أصبت بحالة من القلق، بعد تداول شائعات حول وجود بطيخ مسمم أو مسرطن فى الأسواق, حيث شعر المواطنون بالخوف بعد انتشار شائعات على مواقع التواصل الاجتماعى تشكك فى البطيخ المنتشر بالأسواق وتحذر من تناوله. ورغم أن فاكهة البطيخ موسمية وخفيفة وتحظى بحب الجميع على مائدة الطعام، إلا أن الشائعات المغرضة أثرت على حركة البيع والشراء وأدت إلى خسائر مالية لدى التجار والبائعين.
«الأهرام» أجرت هذا التحقيق من قلب الحدث، لكشف حقيقة شائعات وجود بطيخ مسرطن أو مسمم فى الأسواق يسبب المغص الشديد، كما رصدت مع تجار وبائعى البطيخ والمواطنين حرب الشائعات على المحاصيل والفواكة المصرية وحجم الإقبال على شراء البطيخ.
كما نقدم نصائح اختيار النوع الجيد وتفادى السيئ منها..
والتفاصيل فى التحقيق التالى.
حرب الشائعات
البداية من داخل إحدى الأسواق الشعبية بالسيدة زينب، حيث يقف الباعة لتجهيز عرباتهم الخشبية لعرض البطيخ عليها ولسان حالهم يقول (الشائعات خربت بيوتنا) وعلى أحد الأرصفة جلس الشاب الثلاثينى عماد وهو بائع بطيخ يبدو على ملامحه أعباء الحياة، ويستعد لرص كميات كبيرة من البطيخ على عربته لبيعها فى منطقة أخرى وعندما سألته عن جودة البطيخ رد بسرعة وبتلقائية ( البطيخ سليم وآمن والله ومفيش أى تسمم خالص ونحن نواجه حرب شائعات «خربت بيوتنا وأثرت على قوت يومنا مش عارفين نبيع بسبب ما يقال عنه على الإنترنت»
وتنفى منى بائعة بطيخ بإحدى الأسواق بأكتوبر ما يتردد بشأن حقن البطيخ بهرمونات قائلة : البطيخ يستوى تلقائيا على «الفرش» وهناك أنواع كثيرة أفضلها جيزة والصحراوى، أما أفضل وقت لأكل البطيخ يكون فى شهر يونيو أما من يأكله قبل أوانه فيتحمل النتيجة، أما أجود أنواع البطيخ فهو الأخضر الفاتح، وأكدت أن أسعار البطيخ مناسبة جدا تبدأ من ٣٠ حتى٧٠ جنيها.
ويشرح حسين المنياوى بائع بطيخ بالجيزة، كيفية اختيار البطيخة السليمة، وهى تعرف من المكان الذى يتم قطع البطيخة منه فإذا كان الجزء البسيط الموجود فى العنق ما زال لونه أخضر يدل على أنها طازة وسليمة أما لو اللون غامق معناه أنها كانت فى التخزين من فترة ويفضل عدم شرائها، ومن أكثر المشاهد التى تؤكد فساد البطيخ برؤية العين، هو حجمها الذى لا بد أن يكون متناسقا مع وزنها فلا يمكن أن يكون البطيخ سليما إذا كان هناك عدم تناسق بين وزنه وحجمه.
ويلتقط زميله رضا بائع بطيخ، أطراف الحديث قائلا : بعض المزارعين يقومون برش مبيدات خطرة على المحصول، بهدف زيادة المحصول وتسريع نموه مما يضر بالفاكهة أو المحصول، وبالتالى يتسبب فى ضرر للمواطن إذا لم يقم بغسل الفاكهة جيدا، ويشير الى أن معرفة البطيخ الجيد يكون بالنقر عليه فإذا أصدر صوتا عميقا فهذا معناه أنه ناضج ولا بد أن تكون قشرته سميكة.
أما المواطنون فقد أكد عدد كبير منهم شراءهم البطيخ بصورة عادية من المحلات التى اعتادوا الشراء منها ولم يلتفتوا إلى الشائعات التى انتشرت على السوشيال ميديا.
وتقول بسمة على إنها تجاهلت الأكاذيب التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى واشترت البطيخ من محلات مضمونة، على وصف تعبيرها، ووجدت أن طعمه لذيذ، ولم تتأثر بما يقال على الإنترنت.
أما هدى عبد الله فأكدت أنها لم تلتفت إلى ما يردده أعداء الوطن ضد الفاكهة واشترت كميات كبيرة من البطيخ خلال شهر رمضان حتى الآن ولم تتعرض لأى متاعب صحية.
سوء التخزين والتداول
ويعلق د. سيد خليفة نقيب الزراعيين قائلا : إن حجم مساحة الأراضى الزراعية للبطيخ تصل إلى ١٧٠ ألف فدان ومتوسط إنتاج الفدان الواحد يصل إلى١٥ طنا مما يعكس حجم الإنتاج الكبير من البطيخ إلا أن هناك منظومة فاسدة تدار منذ عام ٢٠١٥ ضد قطاع الزراعة بهدف تدمير الاقتصاد المصرى وبث الشائعات المغرضة ضد المحاصيل والفاكهة خاصة مع بدء موسم الصيف مما يؤثر على حركة بيع السلعة وعلى التاجر والمزارع والمواطن.
وأوضح نقيب الزراعيين أن سوء تخزين أو تداول أى سلعة أو فاكهة يؤدى إلى فسادها وبالتالى، فإن ما يتردد بشأن وجود بطيخ فاسد أو مسمم مجرد شائعات مغرضة تسعى لهدم قطاع الزراعة وبث البلبلة والقلق فى نفوس المواطنين، كما أن بعض تجار وبائعى البطيخ يقومون بعرضه فى أماكن مفتوحة تحت الشمس الشديدة مع درجة الحرارة المرتفعة مما يسبب تلف كميات كبيرة من البطيخ وفسادها قبل أن يصل إلى المواطن.
وينصح نقيب الزراعيين المواطنين بضرورة الشراء من بائعين يحافظون على منتجاتهم ولا يعرضونها فى الشمس لفترات طويلة ويتأكدون من أن البطيخ طازج وقادم من المزارع مباشرة وليس مخزنا لأيام وأسابيع قبل أن يشتريه المواطن لأن مدة التخزين تؤثر على جودة البطيخ وطعمه وصلاحيته.
الأولى فى تصدير الموالح
وأكد نقيب الزراعيين أن الصادرات الزراعية المصرية لها اسم عالمى ونتلقى طلبات كثيرة من دول أوروبا على السلع الزراعية، كما أن مصر تحتل المركز الأول عالميا فى تصدير الموالح بـ ١.٨ مليون طن، والفراولة بـ ٢٠ألف طن، كما أن موسم صادرات الخضراوات والفاكهة شهد زيادة ملحوظة وسط إجراءات مشددة على جميع الصادرات الزراعية.
سلوكيات مرفوضة
ويشكو حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، من قيام بعض المزارعين برش مبيدات وأسمدة ضارة لزيادة حجم الفاكهة خاصة فى بداية المحصول والبشاير لأن الأسعار تكون مرتفعة فى هذا التوقيت وهذا يحدث فى ثمار العنب والخوخ والبطيخ فى نطاق ضيق ببعض الأراضى الزراعية.
وأكد أن مصر تحتل المرتبة السادسة عالميا فى إنتاج البطيخ حيث تزرع ١٦٠ ألف فدان بقيمة إنتاجية تصل إلى مليون و٦٠٠ ألف طن سنويا، ومتوسط نصيب الفرد هو ٩ كيلو جرامات سنويا.
ويكشف نقيب الفلاحين، عن الأسباب التى تؤدى إلى حدوث تسمم أو مغص وهى أن بعض الأشخاص يأكلون ثمار الفاكهة مباشرة من البائع دون غسلها جيدا أو إتباع إجراءات احترازية للوقاية من أى أمراض، كما أن بعض التقاوى معالجة وراثيا وليس كل المبيدات تختفى مع جنى المحصول فهناك محاصيل تبقى فى الثمار بعد جنى المحصول، وهناك بعض المبيدات غير مصرح بها وتدخل عن طريق التهريب ويتم استخدامها على نطاق ضيق، ويدخل إلى مصر ١٠ آلاف طن مبيدات سنويا تستخدم للرش فى الزراعة، ولدينا دقة شديدة فى متابعة الصادرات والواردات الزراعية ولا بد أن تكون مطابقة للمواصفات القياسية، لذلك أطالب بتطبيقها على المنتجات المحلية حتى لا تسبب خسائر مباشرة وغير مباشرة على المواطن.
معدومو الضمير
وأوضح أبو صدام، أن طريقة عرض البطيخ فى الشارع فى ظل ارتفاع درجات الحرارة يؤدى إلى فساده وإصابة من يتناوله بتسمم أو مغص شديد ولا بد من توعية التجار بالحفاظ على البطيخ وعدم عرضه بطريقة غير لائقة فى الشارع تحت لهيب الحر الشديد، والكارثة أن عدد كبير من تجار البطيخ لا يرمون أى بطيخة فسدت لديهم وإنما يبيعونها بأسعار أقل من الجيدة.
ويدق نقيب الفلاحين ناقوس الخطر قائلا : بعض المزارعين معدومى الضمير يستخدمون سمادا عضويا (روث البهائم) ومياه الصرف الصحى فى رى الأراضى الزراعية مما يضر بالمحصول ومن يأكله بعد ذلك وهذا يحدث فى أماكن معينة.
المواصفات القياسية للبطيخ
أما المواصفات القياسية للبطيخ المناسب للأكل، فيحدد نقيب الفلاحين سمات محددة، وهى أن تكون البطيخة سليمة من الخارج وصوتها يكون أجوف عميق عندما نطرق عليها باليد ووزنها يتراوح من ٣ إلى ٥ كيلو جرامات ولا بد أن تكون البقعة الصفراء الموجودة فى البطيخة داكنة اللون، كما يجب أن تكون بلا خدوش أو نتوءات ويجب أن تكون من الداخل بدون ألوان غريبة عن شكلها. وهناك أنواع للبطيخ بحسب نقيب الفلاحين، منه الأخضر الغامق وهو صحى لكن طعمه ليس مثل النوع الأخضر الفاتح البلدى وأنواعه هى عياش وجيزة والنمس وسكاته وشيلى ويزرع البطيخ فى ٣ عروات هم الشتوية وتزرع فى نوفمبر وديسمبر والصيفية فى يناير وفبراير والخريفية وتزرع فى مايو ويونيو.
أما أغلى أنواع البطيخ فهو «الشيلى» كما يقول أبو صدام، وموجود فى محلات معينة وله زبون خاص أما التاجر العادى فيكون لديه كل الأنواع، أما البطيخ الأقرع الذى يكون أبيض من الداخل ليس مضرا بالصحة لكن طعمه لم يصل إلى حلاوة البطيخ الأحمر، وسعر البطيخ يتراوح بين ١٠ جنيهات و٤٠ جنيها للواحدة وأتوقع أن تنخفض أسعاره الشهر القادم ليبدأ السعر من ٥ جنيهات إلى ٢٠ جنيها بسبب زيادة الإنتاج كما أن الشائعات كان لها تأثير سلبى على حركة البيع والشراء.
أما فوائد البطيخ فكثيرة ومتعددة كما يقول نقيب الفلاحين، وأنه يستعمل كمفتت للحصى ومدر للبول ومهدئ للأعصاب ولتسهيل عملية الهضم ويحتوى على كثير من الأحماض الأمينية لبناء الأجسام ورغم أنه من الخضراوات إلا أن أغلب المواطنين يعدونه فاكهتهم المفضلة.
جودة عالية
د. السيد القصير وزير الزراعة، أكد أن درجة الجودة فى البطيخ عالية هذا الموسم ونصدر إلى أكثر من ١٧ دولة منها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وروسيا والسعودية والكويت ولا توجد أى شحنة بطيخ مرفوضة من هذه الدول، وبالتالى فإن البطيخ فى الأسواق آمن ولا توجد أى شكاوى من التجار وما يتردد مجرد شائعات مغرضة على السوشيال ميديا لا أساس لها من الصحة.
رقابة وإجراءات صارمة
وتحدى وزير الزراعة أى شخص لديه واقعة واحدة بشأن وجود بطيخ مسرطن أو مسمم على الطبيعة عند التجار أو فى الأسواق لدى البائعين، محذرا من الانسياق وراء الأكاذيب التى تسعى إلى إثارة الرأى العام وبث البلبلة فى نفوس المواطنين البسطاء.
وأضاف وزير الزراعة، أن هناك إجراءات صارمة يتم اتخاذها للحفاظ على جودة المحاصيل الزراعية والفواكه حيث يتم فرض رقابة على كل مراحل الزراعة مثل المبيدات والتقاوى والتصدير والإنتاج من خلال الأجهزة المعنية بالوزارة، كما أن لدينا معامل متميزة ومتخصصة ذات مرجعية دولية وحاصلة على شهادات دولية معتمدة وتعد الأولى على مستوى الشرق الأوسط، وتقوم بدورها على أكمل وجه فى تأمين حياة المواطنين.
عينات عشوائية
وأشار وزير الزراعة، إلى أنه تم أخذ عينات عشوائية من ١٨ موقعا على مستوى الجمهورية مثل : أسواق العبور وأكتوبر والدقهلية وبنى سويف والجيزة والإسكندرية ومن التجار والباعة الجائلين للتأكد من عدم وجود أى مواد مسرطنة فى البطيخ وثبت خلوها تماما من متبقيات المبيدات أو ملوثات ميكروبية، وتم التأكد بعد الكشف على العينات من صحتها وعدم وجود أى مشكلات للاستخدام الآدمى لها، لكن من الوارد أن تكون هناك حالة فردية ملوثة من البطيخ ولكنها لا تمثل ظاهرة أو مشكلة بشكل عام، كما أن المبيدات التى تستخدم فى الزراعة تكون للوقاية من حدوث أى مشكلات ولا يتبقى لها أى آثار عند جنى المحصول.
محاصيل زراعية آمنة
وشدد د. السيد القصير على أنه لا توجد حالة تصدير مرفوضة من شحنات تصدير البطيخ على الدول العربية أو دول الاتحاد الأوروبى ولا توجد أى شكاوى من البطيخ المصدر إلى الدول، حيث تم تصدير أكثر من مليون ونصف مليون طن من الموالح، مما يعكس جودة المنتج المصرى فى الأسواق العالمية، مشيرا إلى مصر تسير فى الطريق الصحيح نحو زراعة متقدمة وتصدير محاصيل زراعية آمنة وجيدة، لأن من أولويات الدولة المصرية الحفاظ على صحة المواطن من الأمراض.