65 ألف فدان فى قرى قطاع مريوط الزراعى غرب الإسكندرية مُهدَّدة بالبوار والتصحر وتلف الزراعات بسبب العطش، نتيجة تباعد مناوبات الرى، التى تصل فى بعض الأحيان إلى 30 و40 يومًا بدلًا من 15 يومًا، مقابل 5 أيام فى المعتاد، إلى جانب مياه الصرف الزراعى التى يتم رى الزراعات بها، والتى تتسبب بدورها فى تلف المحاصيل وضياع إنتاجية الأفدنة، خاصة من محاصيل «القمح والأناناس والطماطم والباذنجان والبطاطس والبرسيم».
«المصرى اليوم» أجرت تحقيقًا ميدانيًا فى قرية «البصرة» التابعة لزمام هندسة مريوط، والتى يعانى أهلها تلف محاصيلهم وبوار أراضيهم نتيجة قلة مياه الرى وتباعد المناوبات، والتقت بعدد من المزارعين لرصد المشكلة واستطلاع آرائهم حول الأزمة.
يقول صبحى الطنطاوى، أحد المزارعين بالقرية، إن المزارعين يعانون عدم توافر المياه العذبة لاستخدامها فى رى أراضيهم لأن المياه المالحة «الصرف الزراعى» هى المتوفرة فقط، والتى تسبب تلف الزراعات، ويضيف: «بقالنا 6 سنين لا بنزرع ولا بنقلع بسبب المياه المالحة، وبقينا محرومين من زراعة الأناناس والطماطم والبطاطس والبرسيم، حتى زراعة الذرة أصابها الشلل التام بسبب عدم وجود مياه رى للزراعات».
ويتفق معه محمد شعبان، مزارع، ويستكمل: «جئنا إلى القطاع من محافظة البحيرة فى 1997 بهدف الزراعة، وكنا ننتج جميع الخيرات ونحقق اكتفاء ذاتيًا للإسكندرية كلها من أرض قطاع مريوط الزراعى، وذلك من خلال توفير القمح والخضروات والكوسة والطماطم وجميع أنواع المحاصيل التى تكفى للاستهلاك الآدمى لأهالى المحافظة، إلا أنه منذ سنوات انقلبت الآية وبدأت الزراعات فى الاختفاء، فضلًا عن إلحاق الضرر بالمواشى، خاصة أنها تتغذى على محاصيل تفتقر إلى العناصر الغذائية المطلوبة نتيجة ريها بالمياه المالحة».
ويتابع: «مافيش حد بيزرع ولا بيقلع دلوقتى فى مريوط، فالأمور ساءت كثيرًا، وأصبح مَن يمتلك فدانًا كمَن يملك 100 فدان، واضطر الشباب إلى العمل فى الشركات والمصانع أفضل للإنفاق على أسرهم بدلًا من أراضيهم التى لم تعد تنفع ولا تضر.. اللى بيشتغل فى شركة أو مصنع وضعه بقى أحسن من اللى عنده أرض وحاله مايل بسبب ندرة المياه، فضلًا عن ضياع واختفاء مشروع تسمين وتربية المواشى فى مريوط».
ويشير «شعبان» إلى أن الجميع استبشروا خيرًا بحديث الرئيس عبدالفتاح السيسى عن إعادة الحياة إلى قطاع مريوط الزراعى من جديد، متمنيًا أن يتم تنفيذ تعليمات وتوجيهات الرئيس على الأرض سريعًا لإنقاذ قبلة الزراعة فى الإسكندرية نظرًا لأهميتها بالنسبة للمحافظة، خاصة أن هذا القطاع كان يسهم فى إنتاج ما يقرب من 6 ملايين طن قمح سنويًا، لكن فى الوقت الحالى لا زراعة ولا قمح ولا محاصيل.
محمد عبدالسلام، أحد الفلاحين، يؤكد أن المشكلة الرئيسة تكمن فى توفير مياه الرى العذبة لأن المياه المالحة دمرت الزراعة والمواشى بشكل كامل، والبذور كما هى فى الأرض منذ زراعتها، حيث يجب تقليل فترات مناوبات الرى، وتقليصها إلى 15 يومًا، بدلًا من 30 و40 يومًا، ويضيف: «بعد سنوات من الحرمان من زراعة الأناناس والطماطم، قمنا بإعادة زراعتها مرة أخرى للتجربة، إلا أن عرش المحصول تلف وذبل وهو فى مكانه».
وناشد عزت عبدالعزيز، أحد المزارعين، رئيس الجمهورية التدخل لحل المشكلة وعودة الحياة إلى قرى مريوط من جديد، بعد أن أسهم العطش فى خفض إنتاجية الفدان لمحصول القمح إلى 8 و10 أرادب بدلًا من 20 و28 إردبًا فى السنوات السابقة، فيما يوضح محمد عبدالله الشرقاوى أنه مزارع بشركة مريوط منذ 22 عامًا، وكان يتم توريد الإنتاجية من الخضروات والمحاصيل إلى الإسكندرية، إلا أنه فى الوقت الحالى نتيجة العطش والمياه المالحة اللذين يضربان الأراضى الزراعية، التى تُعتبر من أجود الأراضى الخصبة، منذ أكثر من 5 سنوات، تم الحكم على الزراعات بالإعدام، منوهًا بأنه رغم مرور أكثر من 50 يومًا على زراعة نبات الذرة، وهو ما يعادل ثلث عمره، فإنه لم يظهر فى الأرض.
وردًا على مطالب مزارعى قطاع مريوط، أكد مصطفى مشعل، مدير عام رى النوبارية، لـ«المصرى اليوم»، أن الإدارة تبذل قصارى جهدها لحل جميع مشكلات المنتفعين والمزارعين فى زمام جميع القرى والقطاعات، ومنها قطاع مريوط الزراعى، البالغة مساحته 65 ألف فدان.
وقال «مشعل» إن إدارة رى النوبارية تشرف على زمام مساحته 500 ألف فدان، وذلك من خلال 7 هندسات رى، بينها هندسة رى مريوط، وزمامها 65 ألف فدان، حيث إن منطقة قطاع مريوط الزراعى تقع فى نهايات شبكة الرى الآخذة من نهر النيل، وتُعتبر آخر منطقة على مستوى الجمهورية تنتفع بمياه النيل، مشددًا على ابتكار آليات علمية وعملية فى وزارة الموارد المائية والرى لمواجهة العجز بين الموارد والاستخدامات، فى ضوء ثبات حصة مصر من مياه نهر النيل، ونتيجة مضاعفة الزيادات السكانية والاحتياجات المائية والتوسعات فى الأغراض الصناعية والزراعية.
وأضاف «مشعل»: «يتم تعويض العجز الكبير فى مياه الرى من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى، بعد خلطها مع مياه النيل بالنسب المقررة والمسموح بها، وتتم متابعتها من خلال المعامل المركزية فى وزارة الرى، ومن ثَمَّ تحليلها للتأكد من مدى ملاءمتها وصلاحيتها للأغراض الزراعية، وهو ما يسرى على معظم قرى مريوط، البالغ عددها 10 قرى، بينها البصرة»، لافتًا إلى أنه سيتم تحسين حالة الرى فى القطاع بشكل كبير بنهاية العام الجارى، وذلك من خلال نقل مأخذ محطة مياه الشرب فى برج العرب عند الكيلو 40 على الطريق الصحراوى إلى المأخذ الجديد على ترعة النوبارية بدلًا من دليل ترعة مريوط، وهو ما يسهم فى تحسين نوعية المياه المستخدمة فى الأغراض الزراعية وتقليل فترة مناوبات الرى التى يشكو منها المنتفعون والمزارعون، بتكلفة 400 مليون جنيه.
وتابع: «يجرى فى الوقت الحالى التشغيل التجريبى للمحطة، التى سيتم تسلمها رسميًا بنهاية 2021، وسيتم نقل المياه إلى محطة مياه الشرب من محطة رفع بواسطة 3 خطوط مواسير بقطر 2 متر، وحتى محطة مياه الشرب الكيلو 40 الصحراوى، فقطاع مريوط الزراعى يخدم مجموعة من القرى، تضم أبوسمبل وفلسطين والجزائر وعرابى واليمن والعراق والبصرة والجلاء ومصطفى كامل».
وأشار طارق زكى صالح، وكيل وزارة الزراعة فى الإسكندرية، لـ«المصرى اليوم»، إلى أن محطة مريوط بالكيلو 40 هى محطة مياه الشرب الرئيسية، ولها مأخذان، الأول من ترعة النوبارية مباشر الكيلو 40، والثانى من دليل مصرف محطة طلمبات مريوط 2، الذى يأخذ من ترعة النوبارية الكيلو 95، مؤكدًا أنه تتم إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى بالخلط مع مياه النيل لمواجهة الاحتياجات المائية المتزايدة.
وأوضح «صالح» أنه للتغلب على مشكلات الرى بمناطق النهضة والتحرير وقطاع مريوط الزراعى، تم البدء فى عمل مأخذ بديل لمحطة مياه الشرب من ترعة النوبارية الكيلو 83.5 بمعرفة الجهاز التنفيذى لمياه الشرب والصرف الصحى بالإسكندرية، إلا أن معدلات الإنجاز بهذه الأعمال منخفضة.