يكتسب محصول القطن أهمية خاصة, فهو محصول استراتيجى يُشكل المادة الخام التى تقوم عليها صناعات الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز والملابس فى مصر، والتى تعد منذ عقود صناعات رائدة وكانت فى بعض الفترات قاطرة للاقتصاد المصرى، تراجعت تلك الصناعات كثيرا بتراجع القطن المصرى بعد تحرير تجارة القطن بالقانون رقم 210 لسنة 1994، وأصبح الاعتماد الكلى على التجارة الحرة فى تسويق الأقطان وإلغاء نظام التسويق التعاونى بعد أن كانت الدولة مسئولة عن القطن المصرى من حيث الجمع والتصنيع والتصدير، مما أدى لظهور عدد كبير من المشاكل أهمها انخفاض انتاج القطن لتراجع المساحة المزروعة من 1.9 مليون فدان فى منتصف الستينيات إلى 884 ألف فدان فى موسم 1994، بالإضافة لذلك ظهرت مشكلة الخلط فى القطن والتى لم تكن موجودة من قبل نظرا لوجود الدولة كراعية وضامنة لتسويقه، إضافة إلى ذلك تقادم المغازل المحلية مما جعلها غير قادرة على المنافسة والاستفادة من ميزة مواصفات القطن المصرى واعتمادها على أقطان رخيصة الثمن..
عقود طويلة عانى خلالها القطن المصرى وفقد سمعته وتصدره عالميا حتى جاءت بداية الانطلاق لعودة الذهب الأبيض لسابق عهده بعد توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بالنهوض بمنظومة القطن المصرى واستعادة مكانته العالمية ، من خلال التطوير المتكامل للمنظومة بجميع محاورها الزراعية والتجارية والصناعية، إلى جانب زيادة المساحات المزروعة لتلبية الاحتياجات الصناعية وتعظيم القيمة المضافة للقطن المصرى على المستوى الدولى، وكذلك لإقامة صناعات وطنية تعتمد على القطن المصرى توفر منتجات قطنية عالية الجودة بأسعار ملائمة للمواطنين .
أشار الدكتور هشام مسعد، مدير معهد بحوث القطن، إلى أن قمة الانخفاض فى زراعة القطن بعد القانون رقم 210 لسنة 1994 وتحرير تجارة القطن، حيث فقدنا أسواقا عالمية لأن المساحة المزروعة انخفضت، إنما من حيث الجودة فإن القطن المصرى بمواصفاته هو أفضل أنواع القطن، بما حبانا الله بمميزات غير موجودة فى مكان آخر، فالظروف الجوية من حرارة، وإضاءة، ورطوبة كلها ظروف جيدة لنمو شعرة القطن إلى جانب وجود برنامج قوى للتربية وللإنتاج وللمحافظة على الأصناف الجديدة .
وأوضح أن الدولة بدأت تعيد النظر فى منظومة القطن من حيث زراعته وصناعته وتجارته ففى مجال الزراعة بعد ظهور مشكلة السيطرة على التقاوى فى مصر صدر القانون 4 لسنة 2015، إلى جانب ذلك قامت وزارة الزراعة بعملية إحلال وتجديد لكل الأصناف المزروعة وتم إنتاج مجموعة جديدة من أصناف القطن طويل التيلة وهى جيزة 94 و95 و97 بالإضافة إلى أصناف القطن فائق الطول وهى جيزة 92 و96، وفى مجال الصناعة وجهت الدولة بإعادة تأهيل صناعة الغزل والنسيج من خلال مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فكان بداية النهوض افتتاح الشركة الوطنية للتنمية الصناعية فى مجال الغزل والصباغة والنسيج إلى جانب العديد من الافتتاحات المنتظرة خلال الفترة المقبلة . وفى مجال التجارة شكل رئيس الوزراء لجنة تشمل وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى ووزارة التجارة والصناعة ووزارة قطاع الأعمال للنهوض بمحصول القطن واعتماد منظومة جديدة للتسويق .
وأوضح أن معهد بحوث القطن يقوم بعملية إحلال وتجديد الأصناف الجديدة من القطن والتى لا تقل إنتاجيتها عن 10 قناطير للفدان، وإنتاج تقاوى بذرة وتحسين السلالات والمحافظة عليها من الخلط بالتعاون مع شركائنا فى منظومة تطوير القطن المصرى، بالاضافة لتنفيذ الحملات القومية الخاصة بالدور الارشادى بالتنسيق مع أكاديمية البحث العلمى ومجلس القطن والألياف والمحاصيل الزيتية، ويرعى معهد بحوث القطن مبادرة الـ BCI لإنتاج القطن الأفضل بالتعاون مع «اليونيدو» منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية وهى المبادرة التى أخذت فيها مصر الرخصة الدولية عام 2020 وبدأنا بمساحة 2000 فدان إلى أن بلغت المساحة هذا الموسم لـ 8000 فدان، بالإضافة إلى تعاون معهد بحوث القطن مع منظمة العمل الدولية لمكافحة عمالة الأطفال وإيجاد حلول لها من خلال ميكنة الزراعة وجنى القطن، وجار وضع برنامج لزراعة وجنى القطن آليا بماكينات حديثة للعمل على التوسع فى زراعة القطن مستقبلا بتقليل تكاليف إنتاجه .
وأضاف مدير معهد بحوث القطن، بعد اكتمال منظومة صناعة الغزل والنسيج، والقدرة على تصنيع القطن فى مصر سوف تزيد القيمة المضافة مما ينعكس بدوره على الاقتصاد القومى وتشجيع المزارع على الإقدام على زراعة القطن لتحقيق الربح، وبدأنا هذا الموسم فى جنى ثمار المنظومة الجديدة التى وضعتها الدولة للنهوض بمحصول القطن، حيث تمت زراعة 237 ألف فدان مقابل 182 ألف فدان الموسم الماضى بزيادة 27%، ومن ثمار المنظومة الجديدة أيضا تعاقد الشركة الوطنية للتنمية الصناعية مع وزارة الزراعة على شراء 150 ألف قنطار هذا الموسم، ونتوقع أن تزداد ثمار تصنيع القطن فى مصر ليعطى الدولة القدرة على التحكم فى تصنيعه بدلا من تصديره .
وأكد المهندس محمد خضر، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن، أن القطن المصرى مازال فى الصدارة كمواصفات وخصائص بدليل انه خلال هذا الموسم تم تصدير نحو 88 ألف طن وهو رقم كبير بالمقارنة بالأعوام السابقة، وأسعار القطن المصرى قفزت عالميا، حيث كان متوسط السعر العام الماضى 105 سنتات للرطل والآن بلغ السعر 197 سنتا للرطل، وتضاءل الفارق ما بين قطن البيما الأمريكى وهو المنافس الشرس للقطن المصرى وأصبح الفارق بينهما حوالى 5 سنتات للرطل بعدما كان 20 سنتا للرطل على الأقل، وهذا يرجع للتحسن فى مواصفات القطن المصرى وتقليل نسبة التلوث فيه، وهو ما يرجع لجهود معهد بحوث القطن والإجراءات التى تم اتخاذها للمحافظة عليه من التلوث والخلط .
وقال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن، ننتظر التصديق على تعديل أحكام القانون 106 لسنة 1973 الخاص بالمحافظة على القطن، وهو ما يسمح للهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن بمراقبة جميع المغازل لمنع استهلاكها قطنا ناتجا من المحالج غير المرخصة، مع تشديد العقوبة على المخالف لتصل الغرامة من 100 ألف جنيه إلى مليون جنيه والحبس 6 شهور أو بإحدى هاتين العقوبتين ومصادرة الأقطان موضع المخالفة، حيث إن انتشار هذه المحالج غير المرخصة يؤدى إلى ضياع جهود معهد بحوث القطن فى الحفاظ على أصناف وسلالات القطن المصرى، كما أنها تضيع موارد كبيرة على الدولة مثل ضريبة القيمة المضافة وخلافه. مضيفا أن الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن استعدت بتنظيم دورات مكثفة للأخصائيين ومأمورى الضبط القضائى لمراقبة المغازل .
وعن حافز المزارع للإقبال على زراعة القطن.. قال المهندس محمد خضر، إن السعر العالمى ينعكس مباشرة على الفلاح بدليل أنه عندما ارتفعت الأسعار العالمية انعكس ذلك على السعر محليا وزادت مساحة القطن المزروعة من 182 ألف فدان إلى 237 ألف فدان فى الموسم الحالى. مبينا أن الهيئة العامة للتحكيم وإختبارات القطن تهدف فى المقام الأول للمحافظة على القطن المصرى من الخلط والتلوث عن طريق وجود مراقبين لها فى جميع المحالج ومواقع تداول القطن على مستوى الجمهورية كما أنها تُصدر شهادات تساعد الغزال والمصدر فى تصريف منتجاتهما وهى شهادات معترف بها عالمياً مثل شهادات HVI التى تحدد المواصفات الغزلية للقطن مثل الطول ,والنعومة، والمتانة، والانتظام، والنضج، والشوائب، كما تعطى شهادة معتمدة بالوزن القياسى للقطن من خلال معامل الهيئة بالإضافة إلى إصدار شهادات الفرز وتحديد الرتبة، والهيئة لديها مركز تدريب دولى يقوم بتدريب العاملين فى مجال القطن محلياً وعالمياً .
وأكد أن الدولة فى خطة طموح لتطوير المحالج والمغازل لاستهلاك جزء كبير من القطن محلياً لزيادة القيمة المضافة وهو مايعود بالنفع على كل من المزارع والتاجر والمُصنع . مؤكدا أن جميع الإجراءات التى تم اتخاذها لتطوير منظومة القطن ومنها تطوير مغازل المحلة وافتتاح 4 محالج هذا العام، كل ذلك يحافظ على القطن ويضعه فى طريق عودته لمكانته الطبيعية .
وأشار الدكتور محمد نجم, رئيس الاتحاد العالمى لبحوث القطن، إلى أن ملف القطن شائك جداً والرئيس عبدالفتاح السيسى أولى اهتماما كبيرا بهذا الملف بداية من القرار الجمهورى رقم 4 لسنة 2015 وهو أول قرار اُتخذ لتطوير منظومة القطن المصرى وحماية منتجى القطن من التقلبات السعرية بإلزام وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى بتسويق القطن. وأكد أن اجتماع رئيس الجمهورية مع الوزارات المعنية (الزراعة واستصلاح الأراضى - التجارة والصناعة - قطاع الأعمال - المالية ) للتنسيق فيما بينهم كان بمثابة الأساس لتطوير منظومة القطن من خلال الارتقاء بزراعته وصناعته وتجارته، بداية من زيادة الرقعة الزراعية للمحصول، وصولاً لإقامة صناعات وطنية تعتمد عليه، وترويج تلك المنتجات محليا وخارج البلاد، وعودة القطن لعهده، وإعطائه الأولوية لتطوير قطاعات الحليج والغزل والنسيج على أحدث تكنولوجيا بتكلفة 21 مليار جنيه .
ويوضح الدكتور محمد نجم أن من بين الإجراءات التى اتخذت للنهوض بمنظومة القطن تسويقه عن طريق منظومة جديدة وهى إقامة « مزادات «، وهو ما أخذته على عاتقها وزارة قطاع الأعمال، وبدأ العمل بها عام 2019 بمحافظتى الفيوم وبنى سويف، وطُبقت عام 2020 فى 4 محافظات هى الشرقية والبحيرة بالإضافة للفيوم وبنى سويف، وخلال هذا الموسم سوف يتم تطبيق هذه المنظومة على مستوى محافظات الجمهورية .
موضحا أن من الخطوات المهمة للنهوض بمنظومة القطن المصرى، ما سيتم الاعلان عنه قريبا، بـ «إنشاء صندوق موازنة أسعار القطن» حيث تقوم لجنة وزارية مُشكلة من الـ 4 وزارات المعنية بالعمل على إنشائه وسوف تمول وزارة المالية جزءا منه، وهناك مصادر أخرى للتمويل، ويهدف لحماية الفلاح من التقلبات السعرية العالمية .
وأكد الدكتور محمد نجم، أن الخطوات التى تم اتخاذها ومنها تطوير المصانع، وقُرب الانتهاء من إنشاء أكبر مصنع للغزل فى الشرق الأوسط وافريقيا، كفيلة بعودة القطن المصرى لمكانته لأن تطوير المصانع سوف تسبقه زراعات تعاقدية وزيادة المساحة المنزرعة، وقد أنشأت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى مركز الزراعات التعاقدية ليحمى الفلاح والشركات من مخاطر تقلبات الأسعار، وقد شهد هذا الموسم زيادة كبيرة فى المساحات التى تم الاتفاق عليها فى الزراعات التعاقدية. مؤكداً: ننتظر نجاحا كبيرا لتطوير منظومة القطن المصرى، وعودة القطن للصدارة، وأول المؤشرات لنجاح تلك المنظومة زيادة المساحة المزروعة لإقبال المزارع على زراعة القطن نظراً لأسعاره .
وقال النائب حسن عيسى عضو مجلس النواب ووكيل لجنة الزراعة والرى: بالفعل القطن المصرى بدأ يستعيد عافيته و ينافس القطن العالمى لأن القطن المصرى أفضل قطن بمواصفاته على المستوى العالمى. وأضاف: الطلب على القطن المصرى الآن أكبر من حجم انتاجه، وهو ما يشجع الفلاحين على زراعة القطن، والدولة بكل مؤسساتها تهتم بزراعة القطن وعودته للصدارة عالميا. مطالبا بزيادة الزراعات التعاقدية وهو ما يعطى الاستقرار والأمان للفلاح، ويؤدى فى النهاية لزيادة كبيرة فى المساحة المزروعة بمحصول القطن .
وأشار إلى أن تعديل بعض أحكام القانون رقم 106 لسنة 1973 الخاصة بالقطن لفرض عقوبة على مخالفة تسجيل المغازل كميات وأصناف ورتب القطن فى السجلات المُعدة لذلك مرفقة بها بطاقة البيانات الصادرة من الهيئة، يهدف للمحافظة على أصناف القطن المصرى من الخلط، وضمان الردع لأى تجاوزات من جانب المتعاملين فى القطن، والسماح لهيئة تحكيم واختبارات القطن ببسط رقابتها على المحالج غير المرخصة. مشيرا إلى أن التشريعات الحالية تعمل على حماية الصناعة المحلية الواعدة للغزل والنسيج بعدم الاستيراد من الخارج لعدم الإضرار بالمنتج المصرى وتشجيع التصدير .