القاهرة – انضم محصول الزيتون في مصر إلى المحاصيل الزراعية التي انخفض إنتاجها بشكل حاد، وتراجعت جودتها على نحو مثير للدهشة، على غرار محصول المانغو الصيف الماضي، الذي جاء مخيبا لآمال المزارعين والمستهلكين معا.
مع نهاية موسم جني محصول الزيتون في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، يتكشف حجم الضرر البالغ الذي تعرض له المحصول، ولكن كانت النسبة الكبرى من الخسارة من نصيب المزارعين الذين تكبدوا خسائر فادحة.
وقد انعكس تراجع وضعف الإنتاج على أسعار زيتون المائدة (المخلل) بأنواعه المختلفة، وزيت الزيتون في الأسواق بنسب تجاوزت 25%، وسط توقعات بزيادتها مجددا، وتحذيرات من التوسع في غش زيت الزيتون للاستفادة من ارتفاع أسعاره.
وعلى مدار العقود الأربعة الأخيرة، شهدت زراعة الزيتون توسعا وتطورا كبيرا، جعل مصر على رأس قائمة الدول المنتجة للزيتون على مستوى العالم، خلال موسم 2019-2020، وفق بيانات رسمية مصرية اعتمدت على أرقام التقرير الرسمي الذي أصدره المجلس الدولي للزيتون "آي أو سي" (IOC) حول الإنتاج العالمي لزيتون المائدة في موسم 2019-2020.
وأرجع وزير الزراعة المصري السيد القصير السبب إلى المبادرة التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015 بزراعة 100 مليون شجرة زيتون، بالإضافة إلى التعاون البناء بين وزارته، والمجلس المصري للزيتون، وأيضا المجلس الدولي للزيتون الذي كانت ترأسه مصر خلال الدورة 2019-2020.
وتوقع التقرير حينها أن تحتل مصر زمام المبادرة من إسبانيا بمحصول يبلغ 690 ألف طن من الزيتون مقارنة بـ497 ألف طن في موسم 2018-2019، في حين سوف تتراجع إسبانيا إلى المركز الثاني بـ500 ألف طن مقابل 580 ألف طن.
يشار إلى أن بيانات المجلس الدولي للزيتون كانت تتوقع أن يستمر إنتاج مصر من الزيتون في التزايد ليصل خلال موسم 2020/2021 إلى 800 ألف طن، قبل أن ينخفض الإنتاج الفعلي بشكل مفاجئ، حسب مراقبين.
وقفزت المساحة المزروعة بالزيتون في مصر من 5 آلاف فدان بنهاية سبعينيات القرن الماضي إلى أكثر من 100 ألف فدان في نهاية التسعينيات، وارتفعت عام 2000 إلى نحو 108 آلاف فدان وتجاوزت أكثر من 240 ألف فدان في 2019، بحسب وزارة الزراعة.
انهيار موسم الزيتون
تجاوزت خسائر محصول الزيتون لهذا الموسم 50% وفق بعض التقديرات و25% على أقل تقدير، وقال أحمد يوسف وكيل وزارة الزراعة في مطروح -بمداخلة عبر التلفزيون المصري- إن "التغيرات المناخية أدت لانخفاض محصول الزيتون بالمحافظة بمقدار 25% عن السنوات الماضية".
هذه الخسارة الكبيرة كانت متوقعة، لكنه لم يكن من الممكن تجنبها، بحسب نقيب الفلاحين حسين أبو صدام؛ لأنها تتعلق بالتغيرات المناخية التي حدثت في مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين، حيث يحتاج الزيتون أثناء موسم التزهير والعقد إلى درجات حرارة منخفضة؛ لكن ما حدث هو أن الحرارة كانت مرتفعة فجاء الإنتاج ضعيفا.
ووصف -في تصريحات للجزيرة نت- ما حدث لمحصول الزيتون بالضربة الموجعة للمزارع، لافتا إلى أن هناك بعض المزارع لم تنتج سوى 25% من طاقتها، والبعض الآخر أنتج 50% على أحسن تقدير، ما أدى إلى تعرض المزارعين إلى خسائر كبيرة.
وفي تغير غير مسبوق في الزراعات، أشار أبو صدام إلى أن الكثير من الزراعات -وليس الزيتون والمانغو فقط- تعرضت لأضرار جسيمة بسبب تقلبات الجو، وتغير المناخ خلال العام الماضي والجاري، وهو مؤشر خطير على مستقبل الزراعة في مصر وسلتها الغذائية.
ولأن الزيتون ليس محصولا إستراتيجيا فإن أكثر المتضررين من ضعف الإنتاج هو المزارع وليس المستهلك، الذي يمكنه الاستغناء عن زيتون المائدة أو زيت الزيتون في حال ارتفع سعرهما، لكن أين دور الحكومة في دعم الفلاح؟
الحكومة لا تدعم الفلاح في مثل هذه الحالات، وفق نقيب الفلاحين، كما حدث في العديد من المحاصيل السابقة التي تضررت بفعل التغير المناخي، على الرغم من المطالب السابقة بإنشاء صندوق التكافل الزراعي لتعويض الفلاحين في مثل هذه الظروف.
وقال تجار وبائعون -في تصريحات مختلفة للجزيرة نت- إنهم يواجهون مشاكل في شراء الزيتون وزيته، ومشاكل أخرى في بيعه نتيجة ارتفاع أسعاره بنسب تراوحت بين 25 و50% حسب النوعية والجودة.
وارتفع سعر لتر زيت الزيتون ما بين 120 و150 جنيها للتر، مقارنة بنحو 80 و120 جنيها للتر العام الماضي، وارتفع سعر زيتون المائدة (المخلل) بشكل عام أكثر من 25%، ابتداء من الشعبي وحتى الفاخر. (الدولار = 15.7 جنيها).
وحذروا من زيادة الغش وتحديدا في زيت الزيتون؛ بسبب ارتفاع سعره، وسهولة خلطه بأي زيت آخر مع الحفاظ على لزوجته ولونه وطعمه إلى حد قريب من الزيت الأصلي، ولا يفضل شراء الزيت الرخيص لأن احتمال الغش فيه أكبر.
تغير المناخ والتأثير المباشر
في سياق تعليقه، قال الدكتور علي قطب -أستاذ المناخ بجامعة الزقازيق ونائب رئيس هيئة الأرصاد الجوية السابق- إن ارتفاع درجة حرارة الأرض كان هو العنصر الأساسي التي نوهت إليه المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لما له من تأثير مباشر على باقي عناصر المناخ والظواهر الجوية المصاحبة له.
مضيفا للجزيرة نت، أنه لوحظ -منذ قيام الثورة الصناعية منتصف القرن الـ19 وحتى الآن- أن متوسط درجة الحرارة ارتفع درجتين عن المعدلات الطبيعية، وأثر ذلك على كافة العناصر والظواهر الجوية من أمطار وأتربة وعواصف وأعاصير، والذي انعكس بدوره على جميع الأنشطة الاقتصادية.
وحذر قطب من التأثيرات المناخية على الزراعة عموما، مشيرا إلى أن ارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها وزيادة سرعة الرياح خلال المواسم الانتقالية، وندرة الأمطار في بعض المناطق وغزارتها في مناطق أخرى، جميع هذه العناصر لا تخدم الزراعة بل تضرها بشدة وتؤثر على إنتاجية المحاصيل وتنوعها.
وأطلقت مصر، الأسبوع الماضي، الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، ضمن مشاركتها في فعاليات مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ "كوب 26" (COP26) في مدينة غلاسكو بأسكتلندا.
وخلال كلمته في القمة، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي -قبل أسبوع- إن إعداد هذه الإستراتيجية الوطنية تهدف إلى تحديث مصر للمساهمة المحددة وطنيا بحيث تكون السياسات والأهداف والإجراءات مكملة لجهود الدولة التنموية.
وأطلق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون تحذيرا صادما خلال كلمته بقمة المناخ العالمية، قال فيه "استعدوا لفراق أحبابكم"، محذرا من اختفاء 3 مدن على مستوى العالم، من بينها الإسكندرية (ثاني أكبر المدن المصرية)، وذلك في حال لم يتم اتخاذ إجراءات للحيلولة دون ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض.
المصدر : الجزيرة