الفول داخل المنافسة

الفول داخل المنافسة

من الممكن أن تطلب إفطارا لك ولصديقك، دون أن تتكلف أكثر من بضعة جنيهات، ثمن طبق فول أو عدة ساندوتشات.. لكن هذا كان قبل سنوات .. أما الآن فالفول يقفز فى اتجاه الأعلى عاما بعد آخر، وعندما يأتى موسم رمضان نشعر وكأننا نبحث عن عملة نادرة! لن نتحدث هنا عن الفول كوجبة أساسية لا تخلو منها مائدة مصرية، ولكن سنناقش أسباب الغلاء، ولماذا أصبح هذا المحصول مجبرا على الدخول فى منافسة صعبة؛ من حيث السعر مع مثيله المستورد من ناحية، ومن حيث توقيت وموسم الزراعة مع المحاصيل الشتوية الأخرى، وذلك فى الوقت الذى يخوض فيه القمح، ــ وهو محصول يرتبط ارتباطا وثيقا بغذائنا أيضا ــ معارك زيادة الإنتاجية، رغم عدم إمكانية التوسع أفقيا، بينما يعود «القطن» بالألوان للمنافسة عالميا .. كل هذا ما استحق إلقاء الضوء عليه من خلال المعاهد والمراكز الزراعية البحثية، ما بين نظرة تفاؤلية بأصناف وسلالات جديدة تواجه التحديات الحالية ومابين طرح لمشكلات ومقترحات تخص ثلاثة من أهم المحاصيل الزراعية .


ما أسباب ارتفاع سعر الفول أهم المحاصيل البقولية الغذائية الشتوية فى مصر .. ولماذا أصبح لدينا فجوة بين الإنتاج والاستهلاك؟ الدكتور علاء عزمى رئيس قسم بحوث المحاصيل البقولية بمعهد المحاصيل الحقلية التابع لمركز البحوث الزراعية ، يعقد مقارنة بسيطة بالأرقام، بين المساحة المنزرعة بالفول فى مصر فترة الثمانينيات والتى كانت تتجاوز 360 ألف فدان، وظلت تتناقص تدريجيا لتصبح نحو 125 ألف فدان فقط فى موسم 2020/2021، ويوضح أن السوق المصرى يطلب مالا يقل عن 450 ألف طن سنويا، فى حين أن إنتاج الموسم الأخير كان نحو 190 ألف طن، وبالتالى هناك فجوة كبيرة بين الإنتاج والاستهلاك تصل إلى 60% جعلت نسبة الاكتفاء الذاتى لا تتجاوز 40% على الرغم من حدوث زيادة فى متوسط إنتاجية الفدان تقدر بالضعف تقريبا 0.868 طن/ فدان إلى 1.6 طن /فدان.


أسباب كثيرة تفسر لنا تراجع مساحات الفول البلدى - وفقا لما قاله دكتور عزمى - منها محدودية المساحة القابلة للزراعة فى الوادى والمنافسة الشديدة مع المحاصيل الشتوية الأخرى مثل القمح والذى يُعد المصدر الرئيسى لرغيف الخبز وكذلك مع محصول البرسيم الذى يمثل مصدراً مهما فى تغذية الحيوان مما يؤدى الى النقص الحاد فى المساحة المنزرعة من الفول البلدى من موسم لآخر.


المشاكل التسويقية التى تواجه مزارعى الفول البلدى فى بيع المحصول وعدم وجود سعر ضمان للمزارع، فنجد أن الأسعار تتضارب من موسم لآخر مما يجبر المزارع على البيع بأقل الأسعار عدم تطبيق مبدأ الزراعة التعاقدية والذى يساعد فى زيادة نسبة التغطية بالتقاوى المعتمدة والتى تؤدى بدورها إلى زيادة الإنتاج. واستيراد الفول بأسعار أقل من المنتج المحلى فى أثناء فترة الحصاد وبداية تداول المحصول الجديد مما يؤثر على سعر السوق ويؤدى الى عزوف بعض المزارعين عن زراعة الفول البلدى، بالإضافة إلى انتشار الآفات الزراعية المؤثرة على محصول الفول ومنها؛ الهالوك وكذلك عدم التزام بعض المزارعين بحزمة التوصيات والإرشادات الزراعية رغم توافر الأصناف المتحملة للهالوك مثل جيزة 843 ومصر 1.


الاستصلاح الجديد


ليس معنى وجود مشكلات أدت إلى تراجع إنتاج مصر من الفول وعدم قدرته على إشباع احتياجات السوق المحلى أنه لا توجد حلول يتم طرحها من خلال معهد المحاصيل الحقلية – كما يؤكد د. عزمى – تعتمد على التوسع الأفقى بتفعيل دور الحملات القومية لنشر زراعة محصول الفول البلدى محملا على محاصيل أخرى مثل القصب فى الوجه القبلى والطماطم والبنجر وبعض الخضراوات فى الوجه البحرى وبين الأشجار حديثة العمر بالأراضى الجديدة وذلك من خلال زيادة التجميعات والحقول الإرشادية، ونشر زراعة الفول البلدى فى الأراضى حديثة الاستصلاح والخروج من الوادى الضيق ضمن خطة الدولة الطموح باستصلاح وزراعة 1٫5 مليون فدان. وكذلك التوسع الرأسى من خلال الاستمرار فى استنباط أصناف جديدة من الفول البلدى والتى تتميز بالمحصول العالى والتبكير فى النضج بالإضافة لقدرتها على مقاومة الأمراض الورقية، مشيرا إلى الجهود البحثية التى بذلت خلال السنوات الماضية والتى أسفرت عن استنباط عدد 12 صنفا للفول البلدى عالية الإنتاج والمقاومة للأمراض (التبقع البنى والصدأ) مثل (جيزة 716، سخا 1، سخا 4) وأصناف أخرى تتحمل الإصابة بالهالوك مثل (جيزة 843، مصر1) وأصناف قصيرة العمر وذات استهلاك مائى قليل مثل (نوبارية 1، 2 و3 و4 و5، وسخا1، 4، وجيزة 716، جيزة 843، مصر1)،


التوسع فى عمل الدورات التدريبية التنشيطية والندوات الإرشادية وايام الحقل وايام الحصاد وكذلك إعداد المطويات والنشرات الارشادية الخاصة بتعليمات الزراعة حتى الحصاد وتوزيعها على المزارعين. والتوصل إلى حزم التوصيات الفنية التى من شأنها تعظيم الإنتاجية من وحدة المساحة لهذه الأصناف. من الفول البلدى سنويا لتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك وبالتالى تحقيق الاكتفاء الذاتى. الذى يستلزم زراعة نحو 350 الف فدان تقريبا.


طعمية وبصارة


الفول نوع من البقول لا يتم استخدامه كوجبة مستقلة فقط، بل إنه يدخل فى تصنيع وجبات أخرى لا تقل شعبية وانتشارا عن طبق الفول المدمس، لذا كما يقول حسين أبو صدام - نقيب الفلاحين - فنحن بحاجة لوجود إنتاج يغطى استهلاك الفول المدمس بالإضافة للوجبات الأخرى مثل الطعمية، والبصارة، والفول النابت، ويعود بالذاكرة لحقبة التسعينيات حيث كان سعر الكيلو جرام من الفول البلدى لا يتجاوز نصف الجنيه، وذلك قبل أن تنتشر الأمراض التى أصابت الفول كفيروس تبرقش الفول البلدى، وحشيشة الهالوك، مما أحدث ضررا بالغا بالمحصول فى أغلب المحافظات، وجعل هناك عزوفا تدريجيا لدى البعض عن زراعته فى الأعوام التالية، ليلجأوا إلى المحاصيل الشتوية المضمونة كالقمح والبرسيم ، ويتم تغطية الفارق بالاستيراد، الغريب أنه ورغم احتياج السوق المحلى، فإن بعض التجار يقومون بتصدير الفول البلدى للخارج للاستفادة من عوائده الاقتصادية العالية واستيراد فول بدلا من ذلك أقل جودة وسعرا، ويطالب نقيب الفلاحين بوقف تصدير الفول فى فترة الحصاد والتى تبدأ فى شهر أبريل لحين إشباع السوق المحلى والتأكد من استقرار أسعاره، مشيرا إلى أن مصر كانت تكتفى ذاتيا من الفول البلدى فى التسعينيات، ومثمنا القرار الخاص بمنع التصدير والذى يتم تمديده حسب مدى استقرار الأسعار فى السوق المحلى، وبشرط موافقة وزارة التموين والتجارة، مشيرا إلى أن الدولة تحرص أخيرا على توفير مخزون استراتيجى من الفول يكفى لستة أشهر على الأقل، وذلك بعد حدوث موجات ارتفاع مغالى فيها لسعر الكيلو، خاصة مع زيادة الاستهلاك فى المواسم كشهر رمضان، ويشير إلى أن رمضان القادم من المتوقع أن يشهد استقرارا فى السعر، لا يختلف كثيرا عن الأسعار الحالية التى تتراوح بين 17 و21 جنيها للكيلو، مشيدا بجهود الكوادر البحثية المصرية التى استنبطت أصنافا جديدة من الفول البلدى كصنف «مريوط 2» تنتج فى المتوسط 18 إردبا بدلا من 9 أرادب للأصناف القديمة، وبتوفير الحكومة تقاوى الفول البلدى بعبوات تزن 35 كيلو بمبلغ 500جنيه.


الميزان التجارى


فى ظل غلاء أسعار منتجات البروتين الحيوانى خاصة اللحوم، لا يمكن السماح بأن يصبح الفول وهو بروتين نباتى مهم بعيدا عن متناول المواطن المحدود الدخل، وكما يقول أحمد محمد إبراهيم، المهندس بقسم المحاصيل الزراعية بوزارة الزراعة، إننا نتحدث عن محصول ذى قيمة غذائية عالية، من البروتينات والكربوهيدرات والفيتامينات والعناصر الغذائية الأخرى، فالإنسان يحصل على حصة من البروتين توازى 75% مما يحصل عليه من البروتين الحيوانى من كمية لحوم تقدر بـ 50 جراما، موضحا أن زراعة الفول تساعد فى خصوبة التربة الزراعية، وتستخدم قشور الفول البلدى كأعلاف لتغذية الماشية، ويشير إلى أنه وفقا للإحصائيات فإن المساحة المزروعة من الفول البلدى فى مصر تناقصت بشكل كبير فى عام 2005 من 221 ألف فدان تنتج 413 ألف طن إلى 88 ألف فدان فى عام 2015 تنتج 153 ألف طن ولذلك نعانى فجوة غذائية من محصول الفول البلدى، الذى يفضله المواطن عن المستورد لجودته العالية، إضافة إلى ارتفاع أسعار السماد الذى يقاوم الحشائش والفطريات الضارة فى التربة، وبسبب هذه الفجوة تلجأ الدولة إلى حل الاستيراد من الخارج وبلغت قيمة الواردات من الفول البلدى 222 مليون دولار عام 2015 وهذا يمثل عبئا على الميزان التجارى ، ومن أسباب نقص محصول الفول البلدى كذلك – يضيف مهندس إبراهيم -دخوله فى منافسة مع أهم محصولين يتم زراعتهما فى نفس التوقيت فى مصر وهما القمح الذى يمثل محصولا استراتيجيا للدولة، والبرسيم الذى يعتبر أهم المحاصيل للفلاح ولماشيته.


ويوضح أن الحكومة الآن تسعى بكل جدية للحد من انفلات أسعار الفول البلدى، حيث أصدرت وزارة التجارة والصناعة مؤخرا القرار 154 لسنة 2021 الذى ينص على أنه لا يسمح بتصدير الفول بنوعيه الحصى والمدشوش إلا للكميات الفائضة عن احتياجات السوق المحلى، والتى تقدرها وزارة التموين والتجارة الداخلية وبعد موافقة وزيرة التجارة ولمدة ثلاثة أشهر،مطالبا بزيادة التوعية والإرشاد بالطرق الحديثة لزراعة الفول والتى تناسب الأصناف الجديدة، ونشر ثقافة زراعة الفول وأهميته بالنسبة للتربة.