مصر تحمى سواحلها من مخاوف الغرق.. ترويض تغيرات المناخ بـ «المصدات»

مصر تحمى سواحلها من مخاوف الغرق.. ترويض تغيرات المناخ بـ «المصدات»

تتوالى كل يوم التحذيرات على مستوى العالم من التغير المناخي بفعل السلوكيات البشرية المضرة بالبيئة، ومن حدوث فيضانات وانتشار أوبئة، وتزايد التوقعات بالتعرض لأزمة غذاء محتملة وتلوث المياه وتهديد مدن ساحلية بالغرق، وغيرها من الآثار السلبية الناتجة عن تغير المناخ وارتفاع حرارة الأرض، هذه التحذيرات جعلت كل الدول تنتفض لمجابهة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، ووضع الخطط والحلول للحد من هذه التأثيرات التى تهدد كوكب الأرض، وكانت الانطلاقة الحقيقية من خلال لجنة تغير المناخ التابعة للأمم المتحدة التى عقدت مؤخرا مؤتمر «كوب 26» بحضور رؤساء وممثلى أكثر من 190 دولة بهدف وضع الأطر اللازمة للحد من الأنبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة والوصول لحد الصفر من الانبعاثات بحلول 2050 ، والتحول للاقتصاد الأخضر، ودعم الدول الفقيرة بحوالى 100 مليار دولار سنويا لمجابهة الآثار السلبية للتغير المناخي.


وفى هذه السطور نسلط الضوء على الخطوات التى قامت بها الحكومة المصرية لحماية سواحلها من الغرق من خلال الهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء.


الدكتور محمد زهران رئيس الهيئة القومية للاستشعار من البعد يوضح أن التغير المناخى لكوكب الأرض حدث نتيجة للعديد من الإجراءات على سطح الأرض، كان للإنسان دور كبير في هذه النتيجة بسبب التطور الصناعي الكبير، خاصة في الصناعات الثقيلة، واستخراج المحروقات مثل الفحم والبترول والغاز بكميات كبيرة، وتشييد مصانع الحديد والصلب والأسمنت والمحاجر التي تخرج أول وثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة والتي تسببت في تقليص سمك طبقة الأوزون الموجودة في الفضاء الخارجي، مما أثر في وصول أشعة الشمس الضارة إلى الأرض بنسبة أعلى من المعدل، وارتفاع درجات الحرارة على الأرض، ومن ثم زيادة التبخر في البحار والمحيطات وإذابة الجليد في القطب الشمالي وبالتالى ارتفاع منسوب المياه في البحار والمحيطات، وما نتج عنه من غرق الأراضي الساحلية المتاخمة لها «المنخفضة». ومن أشهر البلاد التى تأثرت هولندا، ولهذا فهى تعمل على تشييد العديد من السدود على حدودها الساحلية لحمايتها من الغرق، باستخدام مواد أولية من الخشب، والسدود التى شيدتها هولندا عبارة عن حوائط متعاقبة من الأخشاب السميكة جدا يمكنها حماية السواحل لسنوات عديدة لأن هذا النوع يتحمل العوامل الجوية على عكس المواد الخرسانية والمعدنية التى تتآكل مع الوقت .


وعن الآثار السلبية للتغيرات المناخية على سواحلنا، يشير إلى أن مصر بطبيعتها تطل على البحر المتوسط من الشمال والبحر الأحمر من الشرق ولكن الشواطئ التي تطل على البحر الأحمر مرتفعة نسبيا عن سطح البحر، وفرصة حدوث نوع من الغرق أو تسرب مياه البحر في المدن المطلة على البحر الأحمر ضعيفة نسبيا، أما بالنسبة للشواطئ الشمالية لمصر فهي تحتاج إلى عناية خاصة .


 


دراسات بحثية وأجهزة متقدمة


ويضيف الدكتور محمد زهران أن الدولة قامت من خلال وزاراتها خاصة وزارة التعليم العالي والبحث العلمى والرى والزراعة بتشييد مجموعة من المصدات والسدود من مواد طبيعية فى الأماكن المنخفضة لمنع تسرب مياه البحر إلى الأراضى الموجودة في الدلتا، فقامت هيئة الاستشعار من البعد بعمل مجموعة من الدراسات من خلال شعبة الدراسات البيئية وقسم علوم البحار بالهيئة عن المخاطر التي يمكن أن تواجه منطقة الساحل الشمالى والحلول المقترحة لها، خاصة أن ارتفاع مستوى المياه في شواطئ المتوسط «مياه شديدة الملوحة» تسبب غرقا سطحيا للأراضي الصالحة للزراعة، كما أن تشبع الأراضي بالمياه التي بها نسبة ملوحة عالية يدمر الرقعة الزراعية في هذه المنطقة.


ويؤكد أن الهيئة تعمل حاليا على متابعة هذه الأراضي بشكل مستمر من خلال صور الأقمار الصناعية العادية والرادارية، والقيام بالزيارات الميدانية لتقديم الإرشاد الفني والتقني للقائمين على زراعة هذه الأراضي، وقمنا بعمل نوع من الغسيل للتربة من خلال غمر الأراضى التى ارتفعت بها نسبة الملوحة بالمياه العذبة من النيل وذلك لعمل «تناضح عكسى»، ويشير إلى أن هذه هى طريقة تنقية المياه بمرورها بعدد من المراحل يفصل بعدها الماء عن الأملاح والمعادن الأخرى، وتهدف لطرد المياه المالحة مرة ثانية إلى البحر، واستعادة كفاءة التربة في العملية الزراعية. ويكشف عن أن علماء الهيئة ابتكروا أجهزة ذكية لمراقبة نسبة الملوحة ودرجة الحرارة ورطوبة التربة وإرسال هذه البيانات والمعلومات من خلال الانترنت بشكل مستمر وعلى مدار اليوم إلى برنامج حاسوبي تم تنفيذه بالهيئة يقوم بتحليل هذه البيانات لاتخاذ القرار المناسب بشأنها، وسبل التعامل معها وإحاطة متخذي القرار بما تم اتخاذه من قرارات في هذا الشأن.


 


بداية الانطلاق


ويشير الدكتور إسلام أبو المجد نائب رئيس الهيئة ومستشار وزير التعليم العالى للشئون الإفريقية وتكنولوجيا الفضاء إلى أهمية مؤتمر التغير المناخى «كوب 26» الذي عقد مؤخرا في أسكتلندا ويعد امتدادا للعديد من المؤتمرات السابقة التى نظمتها الأمم المتحدة بالتعاون مع جميع الدول لمجابهة ظاهرة التغير المناخى بداية للانطلاق للبحث عن حلول حقيقية لمجابهة الأثار السلبية للتغير المناخى. ففى اتفاقية «كوب 21» والتى عقدت فى باريس 2015 تم وضع الأطر العامة التى تلزم الدول بانخفاض الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة والوصول إلى صفر من الانبعاثات بحلول عام 2050 ، وللأسف فإن الولايات المتحدة الأمريكية والصين وهما أكثر دولتين مصدرتين للانبعاثات الغازية، امتنعتا عن التوقيع على هذه الاتفاقية التى كانت تلزم جميع الدول لوضع خطة زمنية للانتهاء تماما من الانبعاثات ووصولها إلى حد الصفر. ولكن لاحقا فى العام التالى 2016 وفي قمة العشرين الاقتصادية، وقعت الدولتان على الاتفاقية قبل انعقاد مؤتمر الأطراف «كوب 22» في مراكش بالمغرب. والآن غالبية الدول وقعت على اتفاقية باريس التى تلزم الدول باتخاذ التدابير اللازمة وفق جدول زمنى لخفض الانبعاثات الغازية التى تؤثر على ارتفاع درجة حرارة الأرض لأكثر من درجة ونصف لما قبل الثورة الصناعية، خاصة وأن زيادتها على هذا المعدل تؤثر بشكل سلبى على الكرة الارضية وعلى كل مناحى الحياة في جميع المجالات من زراعة وصحة، إلى جانب زيادة الفيضانات والكوارث الطبيعية التى تهدد الحياة على الأرض.


 


دلتا النيل


ويوضح الدكتور إسلام أن دلتا النيل من المناطق المنخفضة جغرافيا على مستوى العالم ولذلك تقوم الدولة حاليا بإنشاء مصدات للأمواج بمدن الإسكندرية ورشيد ورأس البر وبورسعيد ودمياط. وهناك تكثيف للبحث العلمى لخدمة أهداف الدولة فى هذه التحديات، ويضرب مثلا بدراسة لإعادة تأهيل ورصف الطريق الدولي الساحلي بشكل هندسي وتقنى كى يكون خط الدفاع الأول للمدن المصرية للحماية من آثار ارتفاع منسوب مستوى سطح البحر.


 


الأقمار الصناعية


وأكد أبو المجد أن البيانات الفضائية عبر الأقمار الصناعية ضرورية جدا في هذا الشأن لأنها تستطيع أن تعطينا صورة عن الواقع وبشكل تفصيلى يغطى كافة السواحل والشواطئ المصرية وكل الاقليم المحيط، وبالتالى يمكن وبشكل دوري متابعة الشواطئ وكافة الأماكن المهددة بشكل مباشر، فبيانات الأقمار الصناعية تساعدنا فى تحديد الأماكن الاكثر تأثرا والتى لابد أن يتم عمل تدابير أو مصدات أو حماية سواء للأراضى الزراعية أو المناطق الصناعية أو الموانى وغيره . فالأقمار الصناعية تعد إحدى الأدوات المهمة والفعالة في متابعة التغيرات المناخية فمن خلالها يمكن أن ندرس التغيرات في درجات الحرارة والتغيرات فى التلوث على مستوى سطح الأرض خلال فترات زمنية مختلفة، وبالتالى يسمح لنا في اقتراح سيناريوهات وحلول التنبؤ بما قد يحدث، خاصة وأنها بيانات دقيقة ومتكاملة ودورية نحصل عليها بشكل مستمر مما يساعد متخذى القرار على اتخاذ قراره بشكل سليم ومبنى على قواعد وبيانات أساسية وسليمة.


وأشاد أبو المجد بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بتعظيم الفائدة من البحث العلمى لوضع الدراسات البحثية واستخدام العلوم المتقدمة، مثل بيانات الأقمار الصناعية المتطورة، في خدمة أغراض التنمية المستدامة، وخاصة خط الساحل. فالدولة منذ زمن تقوم بحماية المدن الساحلية والشواطئ من هذه التغيرات بداية من إنشاء المصدات كأحد التدابير العاجلة لمواجهة هذه المشكلة، كما أن وزارة البيئة وضعت الخطط والتدابير للتكيف مع التغيرات المناخية وأصدرت إستراتيجية مصر للتكيف المناخى حتى 2050 وكيفية إقامة مشروعات تساعد على انخفاض الانبعاثات والتكيف مع التغيرات المناخية.