«المصري اليوم» ترصد تأثيرها على الإنتاج الزراعى.. التغيرات المناخية تهدد الأمن الغذائى

«المصري اليوم» ترصد تأثيرها على الإنتاج الزراعى.. التغيرات المناخية تهدد الأمن الغذائى

خطر التغيرات المناخية أصبح واقعا يهدد مصر، ويقلل من النمو فى قطاعات إنتاجية مهمة، وعلى رأسها الزراعة.


«المصرى اليوم» تفتح هذا الملف الخطير المهدد للأمن القومى، وتحذر من عدم التحرك السريع للمواجهة، خصوصا مع انخفاض إنتاج محاصيل المانجو والزيتون بنسبة 25%، بجانب زيادة استهلاك المياه 8%، ومرشحة للزيادة.


وفى وسط زراعات المانجو والزيتون كانت «المصرى اليوم» شاهدا على الكارثة، حيث ضرب مرض العفن الأسود المحصول وانتشرت فيه الحشرات، ما يؤدى لانخفاض الإنتاج وخسارة الفلاحين العائد المنتظر.


خطر التغيرات المناخية لم يعد مجرد ملف مستقبلى على طاولة المفاوضات الدولية، التى تسهم فيها مصر بنصيب وافر وفاعلية، لكنه تحول إلى واقع، الفلاحون أول الخاسرين فيه، خصوصا مع تأكيد الخبراء أن البلاد ستفقد 15% من أجود أراضى الدلتا.


«المانجا» أولى الضحايا.. والفلاح الخاسر الوحيد


على بعد 15 كم من مدينة الإسماعيلية باتجاه الجنوب اعتاد أهالى قرية «عين غصين»، فى شهر أغسطس من كل عام، الخروج من منازلهم إلى أراضيهم لجمع محصول المانجو، ترى المزارعين ما بين كهل تخطى الستين عاما وفتاة عشرينية وشاب ثلاثينى وأطفال دون العاشرة، يتنقلون بخفة بين أشجار المانجو، يقطفون ثمار الفاكهة بحرص ويجمعونها داخل أقفاص خشبية، لم تفارقهم فرحتهم طوال الأعوام الماضية، إلا أن المشهد تغير منذ الخمسة أعوام الماضية فلم تعد تستقبلك روائح المانجو من داخل المزارع الخضراء وانخفضت إنتاجية المحصول بسبب التقلبات المناخية.


زراعة أشجار المانجو مهنة توارثها أبناء قرية «عين غصين»، أبا عن جد، وطوال الأعوام الماضية اعتمد الأهالى على جمع محصول المانجو باعتباره مصدر دخلهم الوحيد، فينتظرون جمع المحصول كل عام، لتسديد ديونهم وتدبير نفقات زواج أبنائهم.. «المصرى اليوم» انتقلت إلى القرية المشهورة بزراعة المانجو وتحدثت مع عدد من المزارعين، الذين أكدوا غياب دور الإرشاد الزراعى فى توعية المزارعين بالتقلبات المناخية والتوصيات اللازمة لحماية محصولهم من التلف، وانتشار فطر العفن الأسود أو الهبابى الذى تسبب فى قلة الازدهار وتدهور الأشجار وانخفاض كمية الإنتاج إلى 70%.


إبراهيم درويش، مزارع، من أبناء قرية عين غصين، طالما لاحقته الأزمات المستمرة من محصول المانجو كل عام، إلا أن هذا العام وصفه بـ«الأسوأ» على الإطلاق بسبب انخفاض إنتاجية محصوله ما يقارب من 70%، الأمر الذى تسبب له فى خسائر فادحة.


قال إبراهيم: «بزرع المانجو من 50 سنة فى قرية عين غصين التى يقطنها ما يقارب من 50 ألف نسمة، جميعهم يشتغل فى زراعة المحصول الأشهر بالمحافظة، كانت الدنيا كويسة لغاية من 5 سنين فاتت وبدأت الأحوال الجوية تتغير وارتفعت حرارة الجو فى شهرى فبراير ومارس، والمزارع راجل بسيط ميعرفش يعنى إيه تغيرات مناخية ورغم وجود أكثر من جمعية زراعية بالقرب من الجناين إلا أنه مفيش مرشد زراعى واحد كان بيعدى علينا وهما شايفينا غرقانين ومش لاقيين حد يساعدنا».


المانجو من المحاصيل الزراعية التى تتطلب عددا كبيرا من العمالة بأجرة يومية تفوق قدرات المزارعين فى «عين غصين»، الأمر الذى دفع أصحاب المزارع إلى العمل بأيديهم فى محاولة للاستغناء عن العمالة وتوفير يوميتهم، فهناك ترى الشباب والأطفال والشيوخ والسيدات كتفا بكتف لا يشغلهم سوى إنقاذ محصولهم من التلف.


لم يقف عدم استكمال تعليمها حائلا أمام منى فتح الله حسين، السيدة الخمسينية، فهى تحرص طول الوقت على مشاهدة فيديوهات على السوشيال ميديا تخص المجال الزراعى تساعدها فى الحصول على معلومة عن التغير المناخى وطرق التصدى له.


قالت منى: «موجة الحر الشديدة التى تعرضنا لها فى شهر مارس والصقيع فى شهر يناير من العام الماضى أضر محصولنا كثيرا، فبدأنا نسأل عن سبب تغير الفصول والعوامل الجوية، وطلبت من ابنى إنه يخلينى أتفرج على فيديوهات زراعية، رغم أن ده دور وزارة الزراعة إنها توعى المزارع بتأثير البرودة القارسة أو الحر الشديد على المحاصيل، وتصرف له الأدوية من خلال الجمعيات الزراعية، إلا أن ذلك لا يحدث وأصبحت محاصيلنا فريسة سهلة للتغير المناخى».


حالة من الحيرة والمتاهة يقع فيها مزارعو المانجو، بسبب العشوائية فى رش المبيدات الحشرية فلا يعلم أحد منهم المبيد الأنسب لمكافحة الحشرة القشرية التى تهاجم محصولهم، وتحدث عنها الحاج عبدالرحمن درويش، صاحب مزرعة مانجو قائلا: «تعد الحشرة القشرية من أخطر الأمراض التى تصيب المحصول، وهى تمتص العصارة من الورقة، ومن المعروف أن ورق المانجو مصنع الغذاء للثمرة، وتفرز طبقة تغطى الورقة بأكملها وتتسبب فى موت جنين المانجو وتقضى على المحصول، وبسبب العشوائية فى رش المبيدات داخل المزارع لمحاربة الحشرة القشرية فإن جميع محاولاتنا باءت بالفشل وسيطرت الحشرة على المحصول».


والتقط أحمد بدر مزارع، طرف الحديث قائلا: «كل مزارع يجتهد من نفسه ويرش مزرعته بأكثر من نوع على أمل القضاء على الحشرات والآفات، الأمر الذى يكلفه عشرات الآلاف من الجنيهات، ولدينا أكثر من مزارع تعرض للحبس بسبب الديون التى تراكمت عليهم واضطروا لبيع أرضهم منعا للحبس، ويوجد فى السوق العشرات من المبيدات المختومة ومكتوب عليها تحت إشراف وزارة الزراعة ولا ندرى الأنسب منها».


وناشد بدر وزير الزراعة بمساندة المزارعين والرفق بحالهم وتقديم يد العون لهم، من خلال توفير مرشدين زراعيين يوفرون المعلومة للمزارع ويتابعون مراحل نمو المحاصيل وتحديد المبيدات اللازمة مثلما كان يحدث فى الماضى، فمحصول المانجو من المحاصيل الهامة الذى يصدر إلى 50 دولة.


ولفت عبدالرحمن درويش، مزارع، إلى انتشار الأسمدة المغشوشة فى الأسواق التى ساهمت فى تراجع المحصول، فتجد لون قشرة المانجو الخارجية أصفر إلا أنها لم تنضج من الداخل، مشيرا إلى أن غياب الرقابة من وزارة الزراعة والتفتيش على الأسواق ساعد على الغش وانخفاض إنتاجية المحصول.


واستكمل قائلا: «اشترينا دواء بـ60 ألف جنيه وفى الآخر طلع مغشوش، إحنا بسبب مصاريف الأودية والمبيدات وناس باعت أراضيها عشان تسدد المعلمين فى السوق، بسبب الآفات المنتشرة، وكل سنة بنرش ونبيدها ونلاقيها رجعت تانى، كل ما يطلع دوا نجيبه لدرجة إننا استنفدنا فلوسنا على الرش، ومحدش سأل الفلاحين ده خسر محصول المانجو ليه».


وتساءل: «هنصرف منين بعد ما خسرنا فلوسنا فى المحصول، الفلاح آخر شخص المسؤول يبحث عن مشاكله، إحنا اكتسبنا خبراتنا بالفطرة، حياتنا وروحنا فى الأرض ورثناها عن أهلنا، وفهمنا الفلاحة منذ نعومة أظافرنا، ولو هنبيع الأرض هنروح فين وهى مصدر رزقنا ورزق ولادنا».


من جانبه أوضح المهندس الزراعى محمد جاد أن ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى «إجهاد حرارى»، بمعنى زيادة البخر من سطح التربة والنتح من الأشجار، وهو ما يؤدى إلى فقد الرطوبة من داخل النبات وسقوط الثمار، بجانب أن الأصناف الجديدة مثل الكيت والكنت والنعومى التى تم استيرادها من جنوب إفريقيا وأمريكا جلبت معها بعض الأمراض التى لم تكن موجودة من قبل.


وأشار جاد إلى أن الحشرات القشرية تنتشر على أوراق شجر المانجو، وتركز ضررها فى إفرازها لكميات كبيرة من الندوة العسلية والتى تؤدى إلى انتشار فطر العفن الأسود أو الهبابى على المناطق المصابة، وتؤدى إلى تقليل القدرة على التمثيل الضوئى، وبالتالى قلة الإزهار وتدهور الأشجار، ومن الممكن أن تغطى كل الشجرة بالسواد والحشرة تمتص عصارة النبات وتؤدى إلى اصفرار الأوراق وسقوطها قبل الأوان، مؤكدا أن الحشرة تتسبب فى العديد من الأمراض الكفيلة بمنع الإنتاج وعدم قدرة الأشجار على التزهير والقيمة التسويقية للثمار. ونصح المزارعون بالالتزام بعدة نصائح، أهمها التقليم وتفتيح الأشجار وعمل تهوية، ودخول الشمس قدر الإمكان بالأشجار، والرش بالمركبات الحشرية الجهازية، والعمل بالحسبان مكافحة البيض وتوقيت الفقس.


من جانبه علق الدكتور محمد القرش، معاون وزير الزراعة، خلال تصريحات صحفية، أن شهر مارس شهد ارتفاعا كبيرا فى درجات الحرارة خلال شهر مارس على غير المتوقع بسبب التغيرات المناخية والذى كان له تأثير على المحصول، مشيرا إلى أن إصابة بعض أشجار المانجو بـ«العفن الهبابى» تعود إلى إهمال أشجار المانجو لوقت طويل.


«داود»: ارتفاع الحرارة يهدد ١٥٪ من أراضى الدلتا


قال الدكتور محمد داود، الخبير الدولى ومستشار الموارد المائية بهيئة البيئة- أبوظبى، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، إن الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أن الارتفاع فى درجات الحرارة وانخفاض معدلات الهطول المطرى وزيادة معدلات التصحر وتملُّح الأراضى والجفاف وزيادة الاستهلاك المائى للمحاصيل المتوقعة نتيجة التغيرات المناخية، سوف تؤثر على المساحة الزراعية والإنتاجية للمحاصيل الزراعية فى مصر.


وأشار داود إلى أن الارتفاع فى درجة الحرارة سوف يتسبب فى زيادة الآفات وأمراض النبات والتأثير على إنتاج الغذاء، بجانب نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل، وكذلك إلى تغيرات فى النطاقات الزراعية البيئية، إذ سيؤدى ارتفاع درجة الحرارة إلى تحرُّك إنتاج الحبوب الشتوية إلى الشمال، حيث تتفق هذه المناطق فى درجة حرارتها مع الاحتياجات الفسيولوجية لتلك المحاصيل.


وتابع داود: «أشار أحد النماذج لتقييم تأثير التغيرات المناخية على الزراعة فى مصر إلى أن إنتاجية محصول القمح ستقل بنسبة 9% إذا ارتفعت درجة الحرارة درجتين مئويتين، وسيزداد الاستهلاك المائى لهذا المحصول حوالى 6.2% بالمقارنة بالاستهلاك المائى له تحت الظروف الجوية الحالية، فى حين سيصل معدل النقص إلى 18% إذا ارتفعت درجة الحرارة 4 درجات مئوية، ينما ستقل إنتاجية الذرة الشامية بنسبة 19% بحلول منتصف هذا القرن إذا ارتفعت درجة الحرارة 3.5 درجة مئوية، وذلك بالمقارنة بالإنتاجية تحت الظروف الجوية الحالية، وسيزداد استهلاكها المائى بنحو 8%».


والتغييرات المناخية تمس العديد من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بالإضافة للتأثير على مجالات الموارد المائية والزراعة، الأمن الغذائى والطاقة والصحة، والمناطق الساحلية والبحيرات الشمالية، بالإضافة إلى مخاطر تواجهها ١٢ - ١٥ % من أراضى الدلتا الأكثر خصوبة، نتيجة الارتفاع المتوقع لمنسوب سطح البحر، وتداخل المياه المالحة، الذى يؤثر على جودة المياه الجوفية.


«علام»: تدريب الفلاحين على الزراعة الذكية «ضرورة»


أكد الدكتور مجدى علام، مستشار برنامج المناخ العالمى وأمين عام اتحاد خبراء البيئة العرب، أن التغيرات المناخية تهدد بانخفاض كبير فى نظم الإنتاج الزراعى وتدهور النظم البيئية، مع عواقب مباشرة على الأمن الغذائى، وعلى سبل عيش الأجيال القادمة، مشيرا، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، إلى ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث عن المنتجات الغذائية المعروفة والابتكار فى طرق استخدامها لمواجهة آثارها السلبية على الأمن الغذائى.


وشدد علام على أهمية وضع برنامج للتكيف مع التغيرات المناخية لأن الأبحاث أكدت أنها أصبحت ضيفا مستداما معنا، ويجب أن تلتفت إليها الجهات المسؤولة وأصحاب القرار والمزارعون والمصدرون، وتغيير الممارسات الزراعية التقليدية من خلال وسائل الإعلام وإرسال رسائل نصية على مدار الساعة للمزارعين توجههم بالإجراءات الواجب اتبعاها مع محاصيلهم الزراعية.


الاتجاه إلى الزراعة الذكية مناخيا إحدى التوصيات الهامة التى أشار لها الدكتور مجدى علام، لأنها النهج الذى يساعد على توجيه الإجراءات اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية، لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائى فى وجود مناخ متغير.


وتابع: «الاتجاه إلى الزراعة الذكية مناخيا يهدف لمعالجة الثلاثة أهداف الرئيسية وهى: زيادة مستدامة فى الإنتاجية الزراعية والدخل، التكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ، وخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى، حيثما كان ذلك ممكنا، وهو ما أكد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى من خلال زراعة الصوب لأن زراعة 100 ألف صوبة نحصل منها على إنتاج 600 ألف فدان».


وأكد علام أهمية تعريف المزارعين بالممارسات الجديدة للتكيف مع تغير المناخ وتدريبهم وإقناعهم بهذه التقنيات الحديثة من خلال تجارب ميدانية حقيقية على أرض الواقع، بحيث يشاهدون تطبيق النظام بالفعل ويتحققون من جدواه وسهولة تطبيقه، فهذه التجارب الميدانية يمكن أن تجرى فى مواقع إنتاجية تختار بالتنسيق بين الجهات المعنية، ودعوة أكبر عدد ممكن من الشركات والمزارعين لصقل خبراتهم فى هذا المجال.


289


ألف فدان مساحة الأراضى المزروعة من المانجو


2


مليون طن إنتاجية مصر


من المانجو سنوياً


53


ألف فدان صادرات مصر


من المانجو سنويًا


٩٠


ألف فدان مساحة المانجو المزروعة


فى الإسماعيلية