الزراعات الملحية.. غذاء المستقبل

الزراعات الملحية.. غذاء المستقبل

تأثيرات عديدة تواجه مصر نتيجة التغيرات المناخية كالتصحر ونقص المياه العذبة، لذلك اتجه البحث العلمى لإجراء عديد من الأبحاث لاستخدام المياه المالحة والمخلوطة بمياه معالجة بهدف إنتاج مزروعات بديلة للمحاصيل المستهلكة للمياه العذبة، حيث ركزت على زراعات النباتات الملحية، وهى نباتات بعضها يعتمد فى نموه على الرى بالمياه المالحة مثل الكينوا، وبعضها أنواع من نباتات تقليدية استحدثت لتلائم الأراضى المالحة أو المياه المالحة مثل القمح والأرز والشعير والنخيل والزيتون والرمان، فى السطور التالية نستعرض إمكانية زراعة  هذه النوعية من النباتات فى مصر لتحقيق أعلى استفادة من المياه المالحة فى إنتاج محاصيل تلبى حاجات السوق المحلى والتصدير.


 


فى البداية يوضح الدكتور حسن محمد الشاعر مدير مركز التميز المصرى للزراعات الملحية التابع لمركز بحوث الصحراء بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضى أنه تماشيا مع خطة الدولة لزراعة المناطق الهامشية اشترك المركز من خلال 50 خبيرا فى مختلف التخصصات الزراعية والمياه والأعلاف لتنفيذ عدة مشروعات متكاملة فى محافظات كفر الشيخ وشمال وجنوب سيناء والوادى الجديد ومطروح وبنى سويف، على مساحات وصلت إلى 320 ألف فدان لتطبيق نظم الزراعـة الملحية، بهدف تحسين كفاءة الإنتاج لبعض المحاصيل الزراعية المتحملة للملوحة، وزيـادة كـفـاءة استخدام المـوارد المائية وتوفير فرص أفضل للاستفادة من الأراضــى عـالـيـة المـلـوحـة بما يساعد على الاستفادة مـن المياه والأراضى المالحة وتحقيق الأمن الغـذائـى والـتـنـمـيـة المتكاملة والمستدامة فى المناطق الصحراوية، لذلك تم تحـديـد 4 نماذج على حسب معيار ملوحة المياه مع الأخذ فى الاعتبار الأنشطة المصاحبة لـكـل نمـوذج لتحقيق التكامل بين الأنشطة المختلفة كالتصنيع الزراعى والقيمة المضافة مثل استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة البيوجاز، وإنشاء وحـدات صغيرة لتحلية المياه للاستخدام الآدمى والحيوانى بجانب إعادة تدويـر المخلـفات.


أعلاف غير تقليدية


واستعرض الدكتور محرم فؤاد أستاذ المحاصيل العلفية للإنتاج الحيوانى بمعهد بحوث الصحراء سبل تعظيم إنتاج الأعلاف غير التقليدية من خلال مشروع الاستغلال الأمثل للأراضى المتأثرة بالملوحة، لتحسين مستوى معيشة صغار المزارعين فى بعض القرى التى تتصف بمستويات ملوحة تتراوح بين متوسطة إلى عالية جدا، والتى تناولت إدخال التقنيات المتكاملة والمستدامة لنظم الزراعة الملحية والتكامل بين الإنتاج النباتى والحيوانى فى المجال الزراعى والتنمية الريفية المستدامة والتى حظيت بمشاركة مجتمعية واسعة، وأكد ضرورة مجابهة تدهور الأراضى الزراعية المتأثرة بدرجات مختلفة من الملوحة مثل أراضى كفر الشيخ، وإدخالها فى منظومة الإدارة الزراعية الحديثة وحل المشكلات البيئية المتعلقة بظاهرة التملح.


وأضاف محرم أن الكينوا وهى نوع من الحبوب يمكن تناولها كحبوب وتناول أوراقها الخضراء كخضراوات، وتعتبر من النباتات الملحية الواعدة حيث تستهلك 50% من المياه مقارنة بالقمح ويمكن إضافتها بنسبة 25% من الدقيق لصناعة المخبوزات.


مُغذيات النباتات الملحية


ويوضح الدكتور عمر فتحى أستاذ علم الوراثة بكلية الزراعة بجامعة المنيا أنه من أجل الوصول لسلالات بكتيرية لتثبيت النيتروجين أو إذابة الفوسفور أو البوتاسيوم، تم عزل سلالات متحملة للملوحة من مياه البحرين المتوسط والأحمر وبعض البحيرات مثل البرلس وقارون، واتضح أنها نمت على تركيزات من الملح أعلى من درجة تشبع المحلول الملحى وتسمى هذه البكتيريا (بالهالو بكتيريا) أى متحملة الملوحة العالية, وكانت الفكرة هى كيف ننقل هذه الصفة من (الهالو بكتيريا) إلى بكتيريا تثبيت النيتروجين الجوى بأنواعها المختلفة، وبكتيريا الفوسفور والبوتاسيوم والتى تستخدم كبدائل للأسمدة النيتروجينية وبالفعل بدأ إنتاجها، وتم إنتاج البيوجين S الذى يصلح للأراضى الملحية ويجعل إنتاج النباتات فيها لا يتأثر بالملوحة.


نوع من الفطريات 


ويضيف الدكتور عمرو محمود عبدالجواد أستاذ ميكروبيولوجيا الأراضى بمركز بحوث الصحراء أنه يوجد نوع من الفطريات يسمى الميكوريزا تساعد فى نقل العناصر من التربة إلى المجموع الجذرى، حيث ثبتت قدرتها على مساعدة النبات فى امتصاص المياه وتنشيط امتصاص النيتروجين بما يساعد على حماية النباتات من بعض أمراض التربة، بجانب رفع قدرتها على تحمل الملوحة ودرجات الحرارة العالية، وبكتيريا الميكوريزا تلعب دورا مهما كسماد حيوى لتحقيق مكافحة حيوية بجانب تحسين خواص التربة وخاصة فى الأراضى الجيرية عالية الملوحة ذات الحبيبات الرملية.


محراث عميق 


ويوصى الدكتور صبحى فهمى منصور الأستاذ بمعهد الأراضى والمياه والبيئة بمركز البحوث الزراعية بضرورة حرث التربة بمحراث عميق (تحت التربة) لتكسير طبقات الملح المتراكمة فى الطبقات تحت السطحية ليسهل إذابتها وتكسير الطبقات المندمجة لزيادة تهوية التربة، وإضافة الجبس الزراعى أو بدائله كمصدر للكالسيوم خاصة فى الأراضى الملحية، وتزويد التربة بشبكة من المصارف المكشوفة وإضافة الأسمدة العضوية الناتجة من مزارع الدواجن، ويفضل التسميد بسماد نتراتى لتحسين الحالة الغذائية للنبات، والتقصير بين الفترات لرى الأرض مع مراعاة عدم ترك الأرض للجفاف على أن تكون كميات المياه وفق نوعية المحصول المزروع، وترشيد استخدام الأسمدة المعدنية الكيميائية وزراعة الأصناف المتحملة نوعا ما للملوحة.


المحطات البحثية


وأشار الدكتور خالد شعبان المنسق بين وزارتى الزراعة والرى إلى أنه يتم إجراء العديد من التجارب فى المحطات البحثية التابعة للمركز القومى لبحوث المياه ومركز البحوث الزراعية وجامعتى قناة السويس وعين شمس وشركة الريف المصرى، بهدف إجراء مجموعة من التجارب الحقلية لبحث الآثار البيئية لمستويات ملوحة مياه الرى فى الأراضى الهامشية بما يفتح الآفاق لزراعة سيناء بالكامل، والتجربة تتم فى الأراضى الهامشية بمناطق الطور ورأس سدر والإسماعيلية.


الإجهادات البيئية 


وتقول الدكتورة شيرين عادل أستاذ الفاكهة بمركز بحوث الصحراء ورئيس فريق مشروع التنمية المستدامة لزراعة الفاكهة المتأثرة ببعض الإجهادات البيئية فى مرسى مطروح وهو مشروع تحت رعاية أكاديمية البحث العلمى وينفذه مركز بحوث الصحراء، إن التربة عادة تتكون من عناصر يستفيد منها النبات مثل الصوديوم والماغنسيوم والكلور والبوتاسيوم، وعند ارتفاع نسبتهم فى المياه تعتبر ملحية وخاصة عنصرى الكلور والصوديوم وتزداد خطورتهم إذا اجتمعوا معا، والملح الزائد يجعل النبات لا يمتص أى عنصر غذائى وينتج عن ذلك موت النبات، وفى مصر بعض الأراضى بطبيعتها مالحة وبعضها لم تكن مالحة لكن الإسراف فى استخدام الأسمدة الكيماوية، مع عدم وجود شبكة صرف زراعى أو رى الأرض بمياه آبار مالحة أدى لتفاقم مشكلة الأراضى الملحية.


صناعات


ولتعظيم الاستفادة من النباتات الملحية أوضح الدكتور خالد عياد الأستاذ بمركز البحوث الزراعية أن هناك نباتات وأشجار تتحمل درجات الملوحة العالية، بجانب توافر أصناف من القمح والأرز التى تم استنباطها لكى تتحمل درجات ملوحة تصل إلى 5000 جزء فى المليون، وهناك صناعات يمكن أن تقام على زراعة تلك الأنواع من الأشجار التى لديها القدرة على تحمل الدرجات العالية من الإجهاد الملحى مثل أشجار الجاتروفا.


ويقول المهندس اسماعيل محمد مدير إحدى الشركات المتخصصة فى زراعة الجوجوبا إنه يتم زراعة نبات الجوجوبا فى مساحات تصل إلى 3000 فدان فى المُغرة و7500 فدان فى واحة باريس بالوادى الجديد، وهو نبات يتحمل نسبة الملوحة لحوالى 3000 جزء فى المليون ويتم استخلاص الزيوت منه، حيث يعطى الفدان أكثر من نصف طن زيت ويصب إيراد الفدان من الجوجوبا 7500 دولار سنوياً ويتكلف نحو 8000 جنيه سنويا.


غذاء مثالي


ويقول حسين أبو صدام نقيب الفلاحين إن الفدان ينتج من محصول الكينوا نحو 1.5 طن بذرة مما يوفر نحو نصف طن من الزيت، وهو محصول تصلح زراعته فى معظم أنواع الأراضى ويتحمل الملوحة والعطش ويزرع عادة فى شهر نوفمبر ويعد غذاء مثاليا للإنسان وبديلا مناسبا للقمح والأرز، كما يعد محصول البونيكام من المحاصيل التى تتحمل الملوحة العالية تصل إلى 12000 جزء فى المليون، ويعتبر من أفضل الأعلاف الخضراء ويصل إنتاج الفدان منه إلى 10 أطنان سنوياً، ومن النباتات الملحية المهمة نبات الساليكورنيا التى تروى بماء البحر ويمكن استخدام الزيوت المستخرجة منها كوقود حيوى وعلف للحيوان، لأنها غنية بالأملاح المعدنية والسكريات بالإضافة إلى احتوائها على الكالسيوم والماغنيسيوم.


نتيجة إيجابية


ويقول محمد محمد الأصلابى - مزارع من قرية سيدى سالم بكفر الشيخ - إنه يشارك فى جمعية زراعية قامت بتجريب زراعة النباتات الملحية فى مساحة تقرب من 40 فدانا حيث اختيرت أنواع من القمح تتحمل ملوحة الأرض والمياه، وكانت النتيجة ايجابية، حيث اعتدنا أن فدان القمح ينتج 18 إردبا لكن هذا النوع أنتج 22 إردبا، أيضاً تم زراعة نبات الكينوا ونبات الدُخل حيث تم إضافتهما لدقيق القمح بنسبة 25% لتصنيع المخبوزات، بالإضافة إلى زراعة بنجر العلف وهو نبات يروى بالمياه المالحة وأعطى الفدان إنتاجية وصلت إلى 170 طنا حيث يصل وزن الثمرة إلى 15 كيلوجراما، وتم إطعام الحيوانات منه مما أعطى زيادة فى إنتاج الألبان بنسبة وصلت إلى 30%.