«المصري اليوم» ترصد معاناة «سيدات الأسماك» في مصائد كفر الشيخ (فيديو وصور)

«المصري اليوم» ترصد معاناة «سيدات الأسماك» في مصائد كفر الشيخ (فيديو وصور)

فى الساعات الأولى من الصباح، على جانبى الطريق الدولى الساحلى الرابط بين مراكز محافظة كفرالشيخ، والمطل على مداخل القرى، تقف السيدات من مختلف الأعمار، حاملات جراكن وأقفاصًا بلاستيكية، يرتدين ملابس ثقيلة لتحميهن من لسعة برد الشتاء، يخفين وجوههن عسى أن ينتقل دفء وحرارة الجسد إلى الوجه، كلهن يقفن فى انتظار سيارات «الربع نقل» وسيلة النقل الأساسية، التى تنتشر ذهابًا وإيابًا على الطريق لتوصيل السيدات إلى أقرب مصرف أو ترعة أو بحيرة.


«المصرى اليوم» كانت هناك، لترصد رحلة كفاح العاملات فى مهن متعلقة بالأسماك بكفر الشيخ، من الصيد مرورًا بالبيع وأخيرًا التصنيع والعقبات اليومية التى تواجههن، وسعيهن للحصول على مصدر دخل ثابت أو تأسيس جمعية أو شبكة للمطالبة بحقوقهن.



كانت البداية من قرية (معزور) واحدة من القرى التى تعمل سيداتها فى مجالات متعلقة بالأسماك، حيث تبدأ رحلة الصيد اليدوى اليومية (التطبيش) غالبا من الساعه ٦ صباحًا قبل أن يستيقظ المواطنون والأسماك وحتى قرب غروب الشمس على أمل الفوز بمكسب ٥٠ جنيهًا يوميًّا.


وعقب الانتهاء من رحلة الصيد، يبدأن فى حمل «رزق اليوم» ويتوجهن إلى بورصة الأسماك فى كفر الشيخ لبيع « برنيكة» إلى تجار الجملة أو الباعة المتجولين، فمنها ما يذهب إلى المستهلك مباشرة، والآخر إلى مصانع الأسماك وهنا يلتقى مصنعو ومصنعات الأسماك، ورحلة صيد السمك «البلطى والبورى والقراميط» من الترع والمصارف إلى المستهلك بكل مراحلها، تمثل فيها سيدات كفر الشيخ حجر الأساس.


تعتبر محافظة كفر الشيخ من المحافظات الأكثر إنتاجًا للأسماك، حيث تمتلك أكثر من 100 ألف فدان من المزارع السمكية، وفقًا لبيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وإنتاجها يغطى حوالى 60% من إنتاج مصر من الأسماك وذلك وفق بيانات بورصة كفر الشيخ لأسماك، بالإضافة إلى تميز تلك المحافظة بتنوع الإنتاج السمكى بها، فهى تقع بين فرعى النيل، وعلى امتداد (100كم) ساحل البحر المتوسط ويحدها غربًا فرع رشيد بطول (85كم )، وبها بحيرة البرلس الغنية بالأسماك، ونظرًا لأن المهن المتعلقة بالأسماك من الأنشطة الرئيسية بالمحافظة تم افتتاح فى عام 2014 كلية علوم الثروة السمكية والمصايد بجامعة كفرالشيخ.


فى قرية «معزور» التابعة لمركز الرياض بكفرالشيخ، تقف يوميًّا السيدات فى مجموعات لا تتجاوز 10 أفراد، ويتجمعن فى شارع رئيسى أمام منازلهن، يجلسن فى سيارة ربع نقل كل مجموعة لها قائد وهى صائدة أكبر سنًّا، يطلق على الصائدات «أنفار».


بعد الجلوس فى السيارة تتناول كل واحدة منهن الإفطار من «خبز وأجبان»، كى يبدأن رحلتهن اليومية بالسيارة المؤجرة، فينطلقن بحثًا عن ترعة أو مصرف، يتوقعن فيها «خيرًا»، مشكلاتهن الحياتية هى محور حديثهن طوال طريق البحث عن «ترعة»، لا يكسر أشجانهن سوى دندنة واحدة منهن فيرددن بعض الأغانى.


من السادسة صباحًا وحتى الخامسة مساء هى تلك الفترة التى تستغرقها رباب وزميلاتها فى الصيد، أملًا فى الحصول على يومية قد تصل إلى 50 جنيهًا، دون بدلة غطس أو أى غطاء تأمينى.


«رباب بسيونى» صيادة أسماك من قرية معزور، سيدة أربعينية، وأم لطفلين، تعمل فى صيد الأسماك منذ 15 عامًا وهو يمثل مصدر الدخل الوحيد لها ولعائلتها، تذهب للصيد يوميًّا حتى فى الأيام ذات الطقس المتقلب، رغم إصابتها بأمراض فى عمودها الفقرى وكسور فى يديها.


قالت «رباب» لـ «المصرى اليوم» «الشغلانة دى كلها صعبة إحنا بنقرص فى المياه، إيدينا هى مصدر رزقنا لأنها هى اللى بندور بيها على السمك ونمسكه، وأول ما أحس السمكة جت تحت إيدى أمسكها بسرعة وأحبسها فى الجركن البلاستيك وممكن ييجى فى إيدينا أى حاجة زجاج أو غيره خصوصًا إننا نصطاد بهدومنا من غير بدلة غطس».


ليس لديها أى مصدر دخل ثابت وقدمت أوراقها أكثر من مرة للحصول على معاش تكافل وكرامة، خاصة أن زوجها مريض وغير قادر على العمل ولكن تم رفض طلبها دون سبب.


على الطريق الدولى الساحلى المؤدى من وإلى بورصة الأسماك، وعلى مدخل القرى، تقف السيدات بجوارهن أقفاص بلاستيكية تحمل كميات من الأسماك، يقف بها من الصباح حتى الغروب لبيعها.


«سارة سعد»، تاجرة أسماك، تسكن قرية معزور التابعة لمركز الرياض، كانت تعمل صيادة ومنذ أربع سنوات قررت العمل فى بيع الأسماك، بعد أن عانت من مشكلات صحية، فتضطر إلى حمل أقفاص الأسماك والسير بها مسافة تتجاوز الأربعة كيلومترات حتى تصل إلى مكان بجوار القرية للبيع.


قالت «سارة»، لـ«المصرى اليوم»، إنها تضطر إلى البيع بدون تصريح لأنها بائعة متجولة وحاولت البحث عن جهة لإصدار تصريح للبيع ولكن لم تنجح فى ذلك، وبالتالى تتعرض يوميًّا على حد قولها لمضايقات «البلدية».


وفقًا للجلسات التى استمعت فيها مسؤولة من المجلس القومى للمرأة بكفر الشيخ- طلبت عدم ذكر اسمها- للصيادات وبائعات السمك اللاتى أكدن تعرضهن لأنماط مختلفة من العنف فى هذه المراكز مثل سرقة السمك، والضرب أحيانًا من بعض العاملين فى المزارع السمكية خاصة فى حالة صيدهن الأسماك بجوار مزرعة سمكية، فيخشى صاحب المزرعة من سرقة السمك، بالإضافة إلى أنه لا يوجد حصر لأعدادهن أو جهة خاصة تجمعهن، وأيضًا ليس لديهن مصدر دخل ثابت ولم يحصلن على أى دعم من أى جهة رسمية باستثناء دعم قليل من وزارة التضامن.


فى تمام الساعة الثانية ظهرًا، فى محيط بورصة أسماك كفر الشيخ الواقعة على الطريق الدولى الساحلى، وعلى بواباتها الرئيسية تصطف سيارات نقل ثلاجة (سيارات مخصصة لنقل المواد الغذائية التى تحتاج إلى الحفظ فى درجات حرارة منخفضة) فى انتظار الدخول إلى ساحة المزاد للاستعداد لتفريغ حمولتها وتجهيزها لجلسة المزاد اليومية والخاصة بتحديد سعر السمك.


ساحة طويلة مفتوحة من الجانبين مقسمة إلى عدة محال على الجانبين، ويطلق على كل محل (حلقة السمك) أمام كل محل مكاتب ومقاعد خشبية مرصوصة خلف بعضها، ويتم ترتيب أقفاص الأسماك (بوكسة الأسماك) رأسيًّا فوق بعضها استعدادًا لجلسة المزاد.


فور الانتهاء من أداء صلاة العصر جماعة، يهرع العمال فى تفريغ أقفاص السمك المحملة بإنتاج المزارع السمكية من الأسماك وسحبها وجرها إلى ساحة المزاد، حيث يلتقى تجار التجزئة والجملة بمندوبى المزارع السمكية فى منتصف البورصة، وتبدأ جلسة المزاد التى تستغرق ساعة وتتحول البورصة فيها إلى زحام شديد، وفور الانتهاء من الجلسة تبدأ السيارات فى تحميل الأسماك لنقلها إلى أسواق التجزئة.


عبيد حجازى، رئيس مجلس إدارة بورصة كفر الشيخ للأسماك، قال لـ «المصرى اليوم » إن التاجرات متواجدات ومرحب بهن سواء فى أسواق الجملة أو التجزئة وجميع مهن الأسماك، ويرى أن السيدات يقعن تحت ضغوط مضاعفة، خاصة أن أغلبهن من السيدات المعيلات، وأغلب تجار الأسماك الكبار «بيتوصوا بالسيدات شوية»، على حد قوله؛ مراعاة للضغوط المتراكمة عليهن.


«صعب نشغل بنت عندنا.. الأولوية للذكور» هذه أبرز الجمل التى تسمعها خريجات كليات الاستزراع السمكى عند التقدم للعمل بمصانع الأسماك والأعلاف والمزارع السمكية، فرغم حصولهن على درجة البكالوريوس من كليات الاستزراع السمكى، وبعضهن حصلت على الماجستير والدكتوراه ولكن ليس لديهن سوق عمل يقبلهن، وبالتالى أغلبهن تركن المجال وعملن فى مجالات أخرى.


منذ عام 2014 تم افتتاح ثلاث كليات ومعاهد متخصصة للاستزراع السمكى والمصايد فى جامعات أسوان وكفر الشيخ والسويس، وكل عام تتخرج دفعات من الذكور والإناث متخصصين فى الاستزراع السمكى، وتصنيع الأسماك، وعلوم المصايد، ولكن الخريجات ليس لديهن سوق عمل خاصة فى كفر الشيخ، وبعضهن اضطر إلى تغيير مجاله، وفق ما قالت شيماء أبوبكر خريجة علوم ثروة سمكية من جامعة كفر الشيخ.


عام 2018 تخرجت شيماء فى الكلية قسم تصنيع أسماك، ومنذ هذا التاريخ لم تحصل على فرصة عمل أو تدريب، والسبب رفض تشغيل الإناث.


أوضحت شيماء أن خريجى أقسام تصنيع الأسماك لديهم إمكانية للعمل فى مصانع الأعلاف وأقسام الجودة ومصانع الأسماك، ونظرًا لعدم تقبل أصحاب هذه المصانع تشغيل البنات، فليس لديهن فرصة عمل. «أنا اتخرجت بتقديرعالى مشتغلتش ولا اتدربت ولو خدت دراسات عليا، المصانع بتعتبر قدراتى أعلى من المطلوب، ولو قدمت بشهادة التخرج إدارات المصانع تفضل الرجال على النساء».


كثير من الخريجات تركن المجال وتوجهن إلى العمل فى مجالات أخرى مثل تسويق الأدوية سواء البشرية أو البيطرية، والبعض الآخر توجه إلى مجالات عمل أخرى مثل التدريس أو التسويق الإلكترونى وبعضهن قرر عدم العمل والاكتفاء بالزواج.


وأوضحت أن مصانع قليلة بدأت تسمح بتدريب البنات وهى مراكز بعيدة عن المدينة، وأضافت أن العاملين أنفسهم داخل المصانع لا يتقبلون التعامل مع البنات.


شبكة لحقوق سيدات السمك


نظرًا لما تتعرض له السيدات العاملات فى مجال الأسماك من صعوبات فأسسن شبكة تضم الصيادات والتاجرات ومصنعات الأسماك، بهدف دعم بعضهن البعض وتوفير منصة تتحدث باسمهن أمام المؤسسات الرسمية، وأيضًا توفير مشاريع لتمكين السيدات اقتصاديًّا واجتماعيًّا.


«دعاء الجبالى» عملت لعدد من السنوات لدى منظمات المجتمع المدنى الدولية التى عملت فى مجال تمكين السيدات العاملات فى مجالات الصيد وتجارة وتصنيع الأسماك فى محافظات مختلفة من بينها كفرالشيخ، وحاليًّا تشغل منصب رئيس مجلس إدارة شبكة منتجى ومصنعى الأسماك المصرية.


تم تأسيس الشبكة فى نهاية 2021 لضم الصيادات ومنتجى مصنعات وتجارات الأسماك فى مصر، وهى شبكة تابعة للاتحاد الإفريقى، ودورها العمل على زيادة دخل العاملات فى مجال الأسماك وتمكينهن اقتصاديًّا واجتماعيًّا.


وفقًا لدعاء الجبالى فإن الشبكة تعمل فى محافظات وفقًا لأعداد السيدات من الصيادات والمصنعات والتاجرات بها، فمثلًا كفر الشيخ هى من أعلى المحافظات إنتاجًا للأسماك ومشروعات الاستزارع السمكى، وأيضًا بها نسبة كبيرة من الصيادات والتاجرات، خاصة أن هذه المهن موروثة لديهم والسيدات جزء أصيل من هذه المهن.


ورصدت الشبكة عددًا من المشكلات التى تقابل هذه الفئة، فقالت عنها دعاء الجبالى إن السيدات يتعرضن للعنف، فمعظم بائعات الأسماك المتجولات يشترط عليها تاجر الجملة دفع أرضية مضاعفة عن باقى البائعين فى الأسواق نظرًا لأن الأسماك تحتاج إلى مياه ومعاملة خاصة وثلج وهذا يحتاج إلى مساحة أكبر، بالإضافة إلى مضايقات يتعرضن لها من قبل بعض تجار الجملة. وترى أن فئة صيادات الأسماك من أكثر الفئات المهمشة؛ فليس لديهن أى تأمين أو مصدر ثابت للدخل، فيضطررن إلى النزول فى الفجر للصيد بملابسهن، وبدون بدل للغوص وأحيانًا يضطررن إلى بيع السمك على الطريق وهى بنفس ملابسهن المبللة بعد صيده مباشرة، وهذا يعرضهن للأمراض وخاصة أمراض الجهاز التنفسى، والسرطانات وفيروسات الالتهاب الكبدى، وهذه أبرز الأمراض التى تصيب سيدات هذا القطاع.


وأكدت أن فئة مصنعات الأسماك خاصة من خريجى كليات الثروة السمكية ليس لديهم فرصة عمل فالأولوية لعمل الرجال فى مصانع الأسماك.


وأشارت إلى أنه لا توجد بيانات ترصد أعداد صيادات الأسماك أو تاجرات الأسماك، وذلك لأنه لا يوجد أى كيان رسمى يجمعهن أو يعملن وفقًا لمظلة رسمية فهم صيادات غير رسميات وبائعات جائلات فى نظر الجهات الرسمية، على حد قولها «الفئة دى مهمشة جدًّا حتى فى مشاريع التنمية».


تهدف الشبكة إلى إعداد قاعدة بيانات لجميع العاملات فى مجال الأسماك ورصد المشكلات التى يتعرضن لها ثم البحث عن داعمين لمشروعات خاصة بتمكين السيدات من السيدات أنفسهن. وأكدت أنه جار تفعيل الشبكة فى مصر فى بداية 2022، وهى الشبكة رقم 38 بالاتحاد الإفريقى وحاليًّا يتم رصد المشكلات الموجودة بالمحافظات (الفيوم والشرقية وكفرالشيخ وأسوان والسويس) ورصد المشكلات من خلال مجلس إدارة الشبكة، وتهدف الشبكة لإعداد مشروعات للسيدات بهدف تحقيق التمكين الاقتصادى والاجتماعى لهن. الشبكة لديها مجلس إدارة يضم تاجرات أسماك ومصنعات أسماك سواء خريجة جامعية أو ليست من خريجات الجامعة، وأكدت أن لوزارة الزراعة دورًا أصيلًا فى الشبكة فكان لديها تواجد فى بداية التأسيس، وجميع مشاريع التنمية شريك أساسى وتقدم دعمًا كاملًا للشبكة.


المصدر: بيانات هيئة الثروة السمكية