لم يسلم المناخ من ظلم الإنسان، والاعتداءات المتكررة على البيئة بالتلوث تارة، وبالممارسات الضارة، كالنشاط الصناعى، والمبيدات، وحرق المواد البلاستيكية، وغيرها من الأنشطة البشرية التى ألقت بظلالها على المناخ، وتفاقمت ظاهرة الاحتباس الحرارى، وارتفعت درجة الحرارة، واتسع ثقب الأوزون، بفعل التلوث الصناعى، وتزايدت نسب الكربون فى الغلاف الجوى، وتصاعدت عوادم السيارات فى الهواء فأصابته بالتلوث، وأضرت بصحة البشر ودفعت نسبة لا بأس بها من المواطنين فى دول العالم المختلفة إلى الاصابة بالامراض وتلقى العلاج بالمستشفيات.. ومع المناخ لم تسلم الكرة الأرضية من غضب الطبيعة، التى أعربت عن غضبها بالأعاصير، والفيضانات، والتصحر، وحرائق الغابات!!.
من هنا، كان لابد من التحرك للتكيف مع تغيرات المناخ، والتخفيف من تداعيات التلوث ومخاطره، عن طريق التحول إلى التنمية الخضراء، ومن ثم اتجهت مصر لتنفيذ العديد من المبادرات التى تحافظ على البيئة من ناحية، وتقلل من تداعيات تأثير النشاط الإنسانى الضارعلى المناخ، والبيئة معا، ومن تلك الخطوات التى اتخذتها نحو التحول ما يسمى بمشروعات التنمية الخضراء.
ونعود إلى الوراء قليلا، فخلال السنوات الماضية – والكلام للدكتور مهندس محمد سليمان اليمانى رئيس المجلس العربى للطاقة المستدامة وعضو المجلس الأعلى لنقابة المهندسين، اتجهت مصر بقوة نحو التحول الأخضر، من خلال التوجه نحو ما يسمى بـ «الاقتصاد الأخضر»، وهو الاقتصاد الصديق للبيئة،الذى يقوم على التقليل من نسبة الكربون، وتوفير الطاقة، والحد من عوادم السيارات، والانبعاثات الضارة، والتى تؤثر بشكل سلبى على المناخ والغلاف الجوى، وحل المشكلات التى تحدث فى العالم نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، والتغير المناخى.
وكما هو معلوم، فإن المصادر المسببة للانبعاثات الكربونية الضارة تتمثل فى الطاقة، والنقل والزراعة، والتصنيع، والنفايات، فيما يسهم الاقتصاد الأخضر، والذى يمثل 6 قطاعات مختلفة منها المبانى الخضراء، والطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية،وطاقة الرياح)، والنقل المستدام، وإدارة المياه، والأراضى، والنفايات، ويمكن أن يسهم - بشكل كبير- فى ترشيد الاستهلاك، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، مع الاستفادة من الطاقة الجديدة والمتجددة، فى شتى مناحى الحياة، فضلا عن مساعدته فى تحقيق حياة أفضل للجميع.
تعمل مصر – كما يقول الدكتور محمد سليمان اليمانى - على تنفيذ مجموعة من الأهداف، للعمل على توسيع وتنويع مصادر الطاقة، لتوفير احتياجاتنا من الطاقة، وفقا لما تتمتع به مصر من ثراء واضح فى مصادر الطاقات المتجددة خاصة طاقة الرياح والشمس، وتمت مراجعة وتحديث إستراتيجية القطاع حيث تم إلغاء مشروعات الفحم واستبدالها بمشروعات توليد كهرباء من مصادر متجددة، وقد حظى القطاع الخاص المصرى بثقة كبيرة فى قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة محليا وعالميا، حيث تقدم عدد كبير من المستثمرين من القطاع الخاص الأجنبى والمحلى، للدخول فى مشروعات القطاع، وعلى رأسها مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة ونظم كفاءة الطاقة، وهناك تعاون مع شركات عالمية للبدء فى المناقشات والدراسات لتنفيذ مشروعات تجريبية لإنتاج الهيدروجين الأخضر فى مصر، كخطوة أولى نحو التوسع فى هذا المجال، وصولا إلى إمكانية التصدير، ويجرى تحديث إستراتيجية الطاقة 2035 لتشمل الهيدروجين الأخضر كمصدر للطاقة، إلى جانب اهتمام وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة بالربط الكهربائى مع دول الجوار، كالأردن، وليبيا، والسودان، بالإضافة إلى مشروعات الربط مع السعودية وقبرص واليونان، مما يعزز التوجه لتصبح مصر مركزا إقليميا لتبادل الطاقة مع أوروبا، والدول العربية، والإفريقية.
واتساقا مع مبادئ وأهداف الإستراتيجية الوطنية للتغير المناخى، وبما يؤكد عزم الدولة على تحقيق التحول الأخضر فى مختلف المجالات، أصدرت وزارة المالية – كما يوضح الخبير المصرفى الدكتور أحمد نعماني- أول طرح للسندات الخضراء السيادية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا فى سبتمبر 2020 بقيمة تبلغ 750 مليون دولار، وبأجل 5 سنوات، وعائد تصل قيمته إلى 5.25%،، وللعلم فإن السندات الخضراء هى سندات تهدف إلى توفير تمويل المشروعات الصديقة للبيئة، وخفض تكلفة التمويل على الأوراق الحكومية، وتشجيع الاستثمارات النظيفة بالمنطقة، مما يسهم فى وضع مصر على مسار التمويل المستدام، مشيرا إلى أن الحكومة اتجهت للتوسع فى تنفيذ المشروعات الصديقة للبيئة فى قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة، والمياه، والنقل، كما اتجهت إلى إصدار شهادات النجمة الخضراء للفنادق التى تطبق سياسات التوافق مع البيئة، فيما بلغت نسبة مشروعات الاقتصاد الأخضر فى مصر فى الخطة الاستثمارية للدولة فى العام المالى 2020 - 2021 نحو 15%، وصولا إلى نسبة 30% خلال العام المالى الحالى 2021 - 2022، ومن المقرر أن تصل نسبة مشروعات الاقتصاد الأخضر فى الخطة الاستثمارية للدولة إلى نحو 50% بحلول عام 2024 – 2025، فضلا عن استهداف تنفيذ مشروعات فى مجال المياه النظيفة والنظافة الصحية بتمويل قدره 5.3 مليار دولار، وبما يمثل نحو 20.3% من المحفظة الجارية بواقع 37 مشروعًا فى 88 موقعًا بمحافظات الجمهورية، وكذلك تنفيذ مشروعات للطاقة النظيفة بقيمة 5.9 مليار دولار، وتشمل 32 مشروعًا فى 61 موقعًا بمحافظات الجمهورية، وبما يمثل نحو 23.2% من إجمالى التمويلات التنموية، كما تم الإعلان عن إطلاق 32 مشروعا بقيمة 5.1 مليار دولار للمساهمة فى إقامة مدن ومجتمعات محلية مستدامة، إلى جانب إطلاق 12 مشروعا فى مجال المناخ بقيمة 365 مليون دولار، وكذلك إقامة نحو 120 مشروعاً للحد من التلوث الصناعى، عن طريق تشجيع الإنتاج الصناعى الأنظف، والتوسع فى دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة فى مجال البيئة،.
وإلى جانب السندات الخضراء التى أصدرتها الدولة لتمويل المشروعات الخضراء خاصة فى مجال النقل النظيف، شارك الصندوق السيادى المصرى، – كما يقول الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادى- فى استثمارات مشروعات تعزز الطاقة المتجددة، خاصة الهيدروجين الأخضر، وإدارة الموارد المائية، وإدارة النفايات، وبما يتسق مع مبادرة صناديق الثروة السيادية «الكوكب الواحد»، فضلًا عن تشكيل لجنة وزارية لصياغة مجموعة من «الحوافز الاقتصادية» لتعزيز التحول الأخضر للقطاع الخاص فى مصر، فيما يستعد القطاع الخاص المصرى لإطلاق «سندات خضراء خاصة» بقيمة تتراوح بين 120-200 مليون دولار، مؤكدا أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر يمثل توجها عالميا.