عند التقاء طريق العلمين مع مدينة الحمام فى مرسى مطروح، وداخل «كرافان» فى موقع لإحدى الشركات الهندسية الوطنية، بدأنا رحلتنا فى عالم الإنجازات التى تتحقق فى صمت، بعيدا عن صخب الزحام، نحن هنا على أرض هى إحدى بقاع الوطن الواعدة. هنا على أرض الواقع نرى ونسمع كيف يحقق شباب فى العشرينيات والثلاثينيات معجزة مشروع القرن المصرى - الدلتا الجديدة - لاستصلاح وزراعة 2٫2 مليون فدان باستخدام المياه المعالجة. تركنا خلفنا طريقا يزيد طوله على 220 كم تقريبا، منذ اللحظة التى خرجنا فيها من مبنى «الأهرام» وقطعنا المسافة من خلال مدينتى أكتوبر والسادات. ومررنا بمزارع ومصانع وأراض فضاء، لكل منها قصة، وخلف كل منها عشرات الحكايات. شباب وفتيات ورجال كل ميسر لما خلق له، ما بين باحث عن عمل ومشتغل بعمل شاق وما إلى ذلك.
فى موقع لشق الأرض وتركيب المواسير الناقلة للمياه غير المعالجة يقود العمل فيه شاب ثلاثينى وخمسة من زملائه المهندسين أبديت دهشتى وعبرت عن فرحتى بهم وبالمشروع، وبدأت استفساراتى التى أجاب عنها المهندس محمد صلاح فقال: إن الموقع الذى نحن فيه مسئول عن تركيب المواسير الناقلة لمياه الصرف الزراعى والصحى القادمة من مصارف الفيوم وغرب النوبارية الخيرى والإسكندرية، لتوصيلها بالمواسير والترع المكشوفة لمحطة المعالجة قبل استخدامها للرى فى مساحة 362 ألف فدان جنوب محور الضبعة، وهذه المساحة هى إحدى مراحل مشروع الدلتا الجديدة.
أما المهندس محمد عاشور فيوضح أن مسار خطوط المواسير سيمتد إلى 114 كيلو مترا بأقطار تتراوح بين 2٫20 متر و3 أمتار، مؤكدا أن 6 شركات مصرية - من بينها شركتهم - تتولى هذا العمل الجبار، وأنهم جميعا بدأوا العمل فى 1/6/2012، وانه سيتم تسليم المشروع قبل 30/6/2023.
أحمد هيكل خريج حديث يقول: العمل فى هذا المشروع شرف لأنه مشروع قومى وطنى، سيضيف رقعة زراعية وعمرانية كبيرة لأرض مصر، ويوفر الآلاف من فرص العمل، ويسهم فى إنشاء مجتمعات عمرانية تجارية وصناعية.
ويضيف المهندس محمد صلاح: نقوم بكل الأعمال وفقا للكود المصرى، وتوصيات المكتب الاستشاري، كما أننا مسئولون عن أعمال حفر وإنشاء الترع والطرق الخدمية، بالإضافة لتركيب المواسير. ويختتم المهندس محمد شاهين بالإشارة إلى أنهم يستعينون بعمالة من المحافظات، ومقاولين وعمالة مؤقتة من مطروح، مع توفير المسكن وسبل الإعاشة المناسبة.
الأحدث فى العالم
بالتأكيد فإن إضافة 2٫2 مليون فدان للرقعة الزراعية المصرية التى لم تزد عبر التاريخ على 8 ملايين فدان ليست عملية سهلة، خاصة أنها ستتم باستخدام مياه صرف كانت تمثل عبئا على الدلتا القديمة، ليمثل المشروع قفزة أوسع وتجسيدا أكثر وضوحا لإستراتيجية الدولة الجديدة فى الزراعة، ونجاحها غير المسبوق، ما يجعل الدلتا الجديدة هى مشروع القرن، والخطوة الأهم والأكبر فى تاريخ الزراعة المصرية على مدى السنين.
تركنا موقع تركيب المواسير وتوجهنا نحو موقع إنشاء إحدى محطات الرفع . هناك قال المهندس حسام عبد ربه استشارى المشروع إنها محطة رفع رقم 4، وستعمل بطاقة 6,5 مليون متر مكعب/ يوم باستخدام 12 مضخة سعة 8 متر/ ثانية، وهى الأحدث فى العالم. كما سيتم استخدام 3 أنواع من المواسيرلأول مرة فى أى مشروع فى مصر.
المهندس حسام وبروح وطنية عالية يحفظ عن ظهر قلب أن المحطة التى التقينا فيها هى واحدة من 13 محطة رفع ، خمسة منها بنفس السعة، أما محطة التحكم المركزى الرئيسية رقم 6 فهى الأضخم والأحدث فى العالم، ويضيف أنها المرة الأولى التى يتم فيها نقل مياه بالمواسير لمسافة 200 كم، مشيرا إلى أن أكبر3 شركات أمريكية ويابانية وألمانية تتعاون معنا لإنجاز المشروع.
وأكد المهندس حسام قرب انتهاء العمل بجميع المحطات وبالمشروع بالكامل ليوفر 7٫5 مليون متر مكعب من المياه المعالجة خلال أسابيع.
المشروع ــ كما عرفنا ــ مكون من 3 قطاعات عمل، هى مد المواسير، وشق الترع المكشوفة، وتركيب محطات الرفع على امتداده، قبل أن تصل المياه لتعالج فى المحطة النهائية، ويتم توزيعها على مساحة 152 ألف فدان بمحور الضبعة كمرحلة أولى، ضمن المشروع الأكبر، وهو استصلاح وزراعة وتنمية 2٫2 مليون فدان هى مساحة الدلتا الجديدة التى لا يقل حجم الإنجاز فى تجهيزها للزراعة عن حجم إنجاز الشركات الهندسية فى توصيل المياه لها.
الكهرباء
توفير الكهرباء اللازمة للمشروع الآن وفيما بعد، تتولاه شركة مصرية مهمتها تغذية محطات الرفع والمعالجة والرى، وبالفعل تكاد تكون قد أنهت أعمالها وجاهزة للتشغيل.
ويقول المهندس نبيل محمد: نحن المسئولون الوحيدون عن توفير طاقة كهرباء مستدامة لكل مراحل المشروع . بينما يؤكد زميله عز الدين سلام انه تم الانتهاء من تركيب شبكات الكهرباء جهد متوسط وجهد منخفض، وأنها جاهزة بالفعل للافتتاح والتشغيل قبل 30 / 6.
ويشرح المهندس نبيل موقف قطاع الكهرباء فيقول: نطاق عملنا هو 37 محطة ضخ مياه، ومسئوليتنا هى تشغيلها وتغذيتها بالكهرباء، بحيث تصل إلى مواسير الرى المحورى من خلال 5 موزعات بإجمالى خطوط هوائية تبلغ 700 كيلو متر شبكات.
= هنا يبدو الحلم جميلا وكبيرا، حلم يتحقق بأيدى وعقول شباب فى مقتبل حياتهم، يعيشون أجمل سنوات العمر فى الصحراء ليعمروها، جاءوا إلى هنا ليتنفسوا حلمهم الذى التقى مع حلم قيادتهم، فى وطن ما زال غده حلما.