دعم ومساندة جديدة يترقبهما ملف الصادرات والاستثمارات الخارجية للكيانات المصرية، عبر السماح للبنك المركزى بالاستحواذ على شركة ضمان الصادرات «إى جى إى» وتحويلها إلى «الوكالة المصرية لضمان الصادرات والاستثمار» مع تعزيز رأسمالها المدفوع ليصل إلى 50 مليون دولار.
خطة إطلاق الوكالة أقرها البرلمان، الأسبوع الماضى، ونصت على استحواذ البنك المركزى على أسهم الشركة المصرية لضمان الصادرات بالقيمة التي يتفق عليها الأطراف خلال مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ بدء العمل بهذا القانون، على أن يبلغ رأس المال المرخص 600 مليون دولار والمدفوع 50 مليونًا.
وتستهدف الوكالة إزالة المعوقات التي كانت تواجه «شركة ضمان الصادرات» بما يعمل على توسيع قاعدة المصدرين المصريين وتعزيز مساهمتهم في سلاسل الإمداد الدولية ودخول أسواق جديدة، وزيادة موارد النقد الأجنبى، وتحقيق فائض بالميزان التجارى لمصر.
في هذا السياق، قال ماجد فهمى، الخبير المصرفى، رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية السابق، إن إنشاء الوكالة المصرية لضمان الصادرات والاستثمار سيتيح للمُصدرين المصريين التوسع في أسواق خارجية جديدة وزيادة حجم صادراتهم في الأسواق الموجودين فيها بالفعل، مؤكدًا أن وجود البنك المركزى على رأس الوكالة يضمن التنسيق القوى بين البنوك والمصدرين.
فهمى أضاف أن رأس المال القوى المرخص به للوكالة، والذى يًقدر بـ 600 مليون دولار، هو عنصر قوة يوضح مدى قدراتها لتنفيذ دورها لتدعيم القطاع التصديرى، علاوة على وجود مراكز أبحاث داخل الوكالة لدراسة احتياجات الأسواق الخارجية المستهدفة وأبعادها، وفهم احتياجات العملاء المستهدفين من قبل المصدرين المصريين، فضلا عن وجود إدارة وفريق عمل محترف، لافتًا إلى أن كيانًا بهذا الحجم يستطيع التوسع مستقبلًا نحو إقامة مراكز تسويقية في الخارج.
وأكد أن هيكلة الشركة وتحويلها إلى وكالة يؤكدان جدية الحكومة واهتمامها الكبير بملف التصدير كأحد أهم موارد توفير العملة الصعبة بشكل مستدام، مشيرا إلى أن الوكالة ليست مجرد بديل للشركة المصرية لضمان الصادرات، بل هي كيان أوسع وأشمل بإمكانيات أقوى تحت قيادة البنك المركزى.
وأوضح أن الشركة السابقة- التابعة لبنك تنمية الصادرات- كانت تهدف لدعم المصدرين المصريين وتمكينهم من إتمام عملية التصدير داخل الأسواق وضمان توريد حاصلاتهم، خاصة في حالة المتعاملين بمستندات التحصيل، لكنها رغم ذلك لم تكن بالقوة الكافية ولم تكن ذات طابع حكومى، لذا كان من الضرورى إنشاء كيان أكبر متمثلا في الوكالة، والتى لها صبغة قوية نظرًا لكونها مملوكة للدولة، ما يتيح ضمانات أكثر للمصدرين وتعزيز القدرات التنافسية لشركات التصدير المصرية إقليميًّا ودوليًّا..
محسن رشاد، الخبير المصرفي، من جانبه أشاد بقرار مجلس النواب الموافقة على قانون الوكالة المصرية لضمان الصادرات والاستثمار، موضحًا أنها خطوة إيجابية لدعم الصادرات المصرية، التي تعد الحل الأمثل لتعزيز موارد النقد الأجنبى من العملة الصعبة ودعم النمو الاقتصادى، وهو ما يجب أن تعمل عليه الوكالة من خلال أدواتها.
رشاد أوضح أن تأسيس وكالة ضمان الصادرات يأتى لمواكبة ما تقدمه هيئات دعم الصادرات الموجودة في الدول المتقدمة، المتمثلة في وكالات ائتمان التصدير، والتى تتيح الكثير من الخدمات تشمل ضمانات للمصدرين، إذ إن بعضها يوفر ضمانات للمخاطر تصل لـ100٪، بجانب إتاحة تسهيلات للمستوردين وفقًا لمناخ الدول المستوردة وطبيعة السوق.
لفت إلى أن الوكالة المصرية لضمان الصادرات ومثيلاتها حول العالم هي جهات شبه حكومية وتكون لها سيادة تعطى لها موثوقية خارجيًا وداخليًا، وتدشين الوكالة يهدف لتشجيع المصدرين وإعطائهم ضمانات تشمل حماية مستحقاته حتى في حال حدوث تخلف عن السداد بنسب قد تصل إلى 90٪.
وتابع: «من ناحية أخرى تبحث الوكالة المشكلات التي تواجه المستوردين في الأسواق الخارجية المستهدفة، من خلال عمل تقييم للأسواق وتحديد المخاطرالائتمانية والسوقية، وبناءً عليه تحديد الطريقة الصحيحة لتقديم التسهيلات المناسبة، وهو دور يقوم به المصرفيون بشكل محترف خاصة العاملين في العلاقات الخارجية بالبنوك المصرية».
أكد «رشاد» أنه لتحقيق الهدف من تدشين هذه الوكالة يجب أن تكون هناك أسس مرجعية يتم العمل وفقًا لها، والتى يأتى في مقدمتها العنصر البشرى المتمثل في القائمين على الشركة، بجانب المنتج والخدمات التي توفرها في شكل ضمانات مخاطر الصادرات، وقواعد البيانات التي يجب أن تتوافر لدى هيئات التمويل.
وأشار إلى وجود عدد من البنوك المصرية الحكومية والخاصة النشطة في هذا السياق والتى تتواجد في عدد من الدول من خلال مكاتب تمثيل وفروع، مثل البنك التجارى الدولى في كينيا، والبنك الأهلى في السودان وجنوب أفريقيا، وبنك القاهرة في أوغندا، وغيرها من البنوك، مشيرًا إلى أن التواجد بشكل رسمى وليس فرديا من خلال الوكالة سيعزز من تنفيذ مستهدفات الدولة فيما يتعلق بزيادة العلاقات التجارية مع الدول الأخرى وزيادة الصادرات.
وحول «المصرية لضمان الصادرات»، قال رشاد إن الشركة تتمتع بكفاءة على صعيد الموظفين القائمين عليها، إلا أن دورها كان محدودًا، نظرًا لكون الأسس المرجعية التي قام عليها الكيان لم تكن كافية.
وأشار إلى أن قيادة البنك المركزى للوكالة يُضفى مصداقية كبيرة على الشركة ستنعكس على ثقة المصدرين، وتوفير الدعم المطلوب على صعيد إزالة المعوقات أمام المصدرين المصريين، وهو ما يؤكده النجاح الكبير الذي حققه البنك المركزى بالفعل عبر وجوده على رأس شركة ضمان مخاطر الائتمان.
«رشاد» يرى أن جزءا كبيرا من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد ناجم عن محدودية سوق الصادرات المصرية، وعدم وجود ترشيد للاستيراد الذي دخل في حالة من الضعف بسبب عدم توفر العملة الأجنبية، ما أحدث نقصًا في احتياجات الأسواق من السلع.
وشدد على أن ضمان نجاح الوكالة في تحقيق أهدافها يحتاج إلى تقويمها بمعايير عالية الجودة، ومدعمة بمراكز أبحاث توفر دراسات ميدانية للأسواق يمكن من خلالها تكوين قاعدة بيانات كبيرة للأسواق الخارجية المستهدفة، وهو ما يتوافق بطبيعة الحال مع منظومة عمل القطاع المصرفى وعلى رأسه البنك المركزى، والتى تقوم بشكل أساسى على توافر المعلومات الكافية والبيانات، بجانب توافر الضمانات.
في السياق نفسه، أكد محمد عبدالعال، الخبير المصرفى، أن وجود البنك المركزى على رأس الوكالة المصرية لضمان الصادرات يضمن توافر عملية التمويل اللازمة بالنقد الأجنبى لاعتمادات وبوليصات التصدير، بجانب تمويل عملية التصدير ذاتها إلى أن تتم الصفقات، لذا فإن البنك المركزى يلعب دورا رئيسيا لضمان التمويلات، ما يعطى حافزا للبنوك التجارية للاندفاع نحو تمويل عمليات التصدير.
ولفت «عبدالعال»، إلى أن المشروع يأتى في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلى والإدارى، والذى يمثل النصف الثانى من برنامج الإصلاح الاقتصادى، والذى يتم خلاله النظر على المشكلات الإدارية، والتنظيمية، والهيكلية داخل الدولة وإعادة تنظيمها بما يتوافق مع الأوضاع، مؤكدًا أن إنشاء الوكالة يوفر القوة والمرونة لتمهيد الطريق أمام الدولة لتستطيع مواجهة الصدمات.
وأوضح أن إنشاء الوكالة يستهدف أيضًا تخليص الشركة من الروتين والقوانين التي تنطبق على شركات القطاع العام، ويتيح اختيار موظفين من نخبة عالية الاحتراف، ما يضمن كفاءة إدارية وتنظيمية جيدة، بجانب دعم رأسمالها بالدولار، وهو ما يوفر قاعدة تمويلية كبيرة حتى تسطيع ممارسة دورها كجهة تمويلية لعمليات التصدير خارج الحدود في أفريقيا وأوروبا.
عبدالعال أضاف أن تدشين الوكالة يبعث أيضًا على التفاؤل نظرًا لتزامنه مع دخول مصر في تحالفات كبيرة مثل بريكس، وهو ما يؤكد دورها القوى في مثل هذه التحالفات الدولية.
وذكر «عبدالعال»، أن مصر تستهدف إستراتيجيًا زيادة صادراتها إلى 100 مليار دولار نظرًا لوجود عجز في الميزان التجارى وميزان المدفوعات وأزمة نقص النقد الأجنبى، مشيرًا إلى أن مصر تستورد تقريبًا بنحو 95 مليار دولار، في المقابل فإن قيمة الصادرات تقدر فقط بنحو 51،6 مليار حتى نهاية 2022.
وأشار إلى أن زيادة حجم الصادرات يتطلب اتخاذ إجراءات تشمل تعميق وتوطين الصناعات المصرية، وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي توفر مستلزمات الإنتاج المستخدمة في الصناعات الكبرى المنتجة لسلع تصديرية (السلع المكملة لصناعات التصدير)، وتوفير وسائل الشحن بتكلفة تنافسية، والتوسع في الاتفاقيات التجارية السلعية، والدفع بخطط التبادل بالعملات المحلية والتى تتطلب وجود حالة من التوازن بين الميزان التجارى لمصر وموازين الدول التي تتعامل معها في ذلك النطاق.
وأضاف أنه من أهم الآليات والوسائل التي تساعد على تحقيق الأهداف الخاصة بزيادة الصادارات، توفير وسائل الحماية والضمانات من مخاطر التشغيل والائتمان وعدم سداد حاصلات التصدير، بجانب المخاطر الخاصة بدائرة الإنتاج، وهو ما يوضح أهمية وجود ضامن للمصدرين وتأثير ذلك على عمليات التصدى، ومن هذا المنطلق تسعى الدولة إلى توفير هذا الضامن من خلال الوكالة المصرية لضمان الصادرات والاستثمار بقيادة البنك المركزى المصرى.