مسابقات ومبادرات وفرص عديدة للدعم تقدمها الدولة لدفع الشباب نحو ريادة الأعمال، فتنشأ حاضنات ومسرعات الأعمال، وتقدم المنح للتدريب، بل تسهم فى تأسيس وتمويل بعض الشركات الناشئة وليست الحكومة وحدها ولكن بات للجامعات والقطاع الخاص وللجمعيات الأهلية أيضا دور فى دعم هذا الفكر الجديد، فهى ليست مجرد عملية إنشاء شركة أو عمل تجارى ولكن أهم ما يميزها هو ارتباطها بحل المشكلات أو إنشاء منتج مبتكر.
ورغم ما حققته العديد من الشركات الناشئة من نجاحات كبيرة حول العالم وقدر بعضها بمليارات الدولارات، ورغم فرض ريادة الأعمال نفسها على الاقتصاد الدولي، لكنها مازالت تشكل لدى البعض مفهوما غير واضح يختلط فى كثير من الأحيان بالمشروعات الصغيرة، ومازالت تعانى تحديات ــ رغم من كل ما تلقاه من دعم ــ فى السطور المقبلة نلقى الضوء على مفهوم ريادة الأعمال ودور الدولة فى دعمها ونضع أيدينا على الصعوبات التى تواجه رواد الأعمال، ويعرض الخبراء التصور الأمثل لنجاح هذا الفكر الجديد.
كانت البداية مع مجموعة من رواد الأعمال الذين شاركوا مؤخرا فى منتدى شباب العالم، والذين اجمعوا على اهتمام الدولة بتهيئة المناخ، ليتعرف الشباب على ثقافة ريادة الأعمال، وهو ما اتضح من خلال التكليفات التى أصدرها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى نهاية المنتدى، حيث كلف إدارة المنتدى بتفعيل مبادرتها لإنشاء حاضنة لرواد الأعمال والمشروعات الصغيرة، بالتنسيق مع الحكومة وإشراك القطاع الخاص وشركاء التنمية، وكذلك تكليف الأكاديمية الوطنية للتدريب بإعداد برامج متخصصة للشباب العربى والافريقي، لتطوير قدراتهم فى التكنولوجيا وريادة الأعمال.
تحدث الشباب أيضا عن التحديات الحالية وطرحوا الحلول الفعالة لها ومنهم «أخلد الأبحر» الذى ابتكر ورفاقه روبوتا اعتمد على الذكاء الاصطناعى لخدمة المزارعين، حيث يربط بين كل الوحدات المزروعة ويتعامل معها كوحدة كاملة للتعرف على احتياجاتها من المياه والسماد، ما يسهم فى الأستخدام الأمثل، حيث يتم جمع البيانات من كل شجرة بالمزرعة، ثم تبدأ عملية التحليل عن طريق الذكاء الاصطناعى لتحديد الاحتياجات عن طريق الروبوت، ويقول أخلد: «نقدم تقريراً مفصلاً لصاحب المزرعة وننشئ كوداً لكل شجرة، وبالتالى نستطيع تحديد الأمراض التى قد تصيبها، عن طريق نموذج عمل مبتكر وتقديم رؤى دقيقة ومتكاملة. ويؤكد أبحر أن الدعم الحكومى الذى تقدمه هيئة الاستثمار وغيرها من الجهات لهم كرواد أعمال أسهم بشكل أساسى فى دفع شركاتهم، ولكن مازالت بعض التحديات تؤرقهم، منها ما واجهه بشكل شخصي، مثل صعوبة الإجراءات الخاصة بإدخال بعض المكونات الإلكترونية المهمة الحديثة، حيث تتطلب عملية الاستيراد وقتاً وجهداً وأموالاً كثيرة، لذلك لابد أن تعيد الدولة النظر من أجل تسهيل تلك الإجراءات، أما التحدى الثانى من وجهة نظره، فهو أن الاستثمار فى مجال التكنولوجيا توجه نحو شركات «السوفت وير» أو البرامج، بينما تتطلب مجالات مثل الروبوتكس والذكاء الاصطناعى استثمارات كبيرة ولا تجد من يدعمها بسهولة.
قوة شبابية
يقول الدكتور أمير برسوم، الرئيس التنفيذى لاحدى الشركات التى تهدف لربط المرضى والأطباء من مختلف التخصصات معا، إن هناك تحديا يواجه الشركات فى توفير الكوادر المتخصصة، حيث يشهد العالم تصاعداً كبيراً جدا لفكر ريادة الأعمال، خاصة الشركات التى تقدم خدماتها عبر الإنترنت والتى من المتوقع أن ترتفع نسبتها من 50 إلى 60% بحلول عام ٢٠٣٠، ما يسهم فى زيادة عدد الوظائف المتاحة بمجالات التكنولوجيا وفى المقابل لا يوجد العدد الكافى من الكفاءات. ويرى أن هذا التحدى يمثل فى واقع الأمر فرصة، حيث تستطيع مصر أن تكون رائدة فى هذه المجالات بما تتمتع به من قوة شبابية يمكن الاستفادة منها، وضبطها وفقًا لاحتياجات الدولة بل العالم، حيث يمكن أداء العديد من تلك الوظائف «أون لاين»، مشددا على ضرورة التعاون والتكامل بين القطاعين الحكومى والخاص للتعرف على احتياجات السوق الفعلية، ثم تحديد الوقت المطلوب لإعداد الشباب لسوق العمل.
قوانين مرنة
أما مصطفى عجمى فقد أسس مع آخرين شركة لتحويل المخلفات الطبية إلى طاقة، مثل اقنعة الوجه واكياس الدم وغيرها بنسبة 95٪ إلى غاز بدرجة حرارة عالية جدا يمكن استخدامها فى عمليات التشغيل داخل المستشفى، وذلك من خلال جهاز يعمل بتكنولوجيا التحلل الحراري، ويتبقى 5% مخلفات كربون يمكن إعادة استخدامها فى بعض الصناعات مثل الطوب، وهو ما يسهم فى الحفاظ على البيئة كون المخلفات الطبية يتم التخلص منها بالدفن أو الحرق كما يتم استخدامها فى بعض الأحيان بشكل غير شرعى فى صناعة لعب أطفال أو غيرها من الأدوات، مشيرا إلى أن كمية المخلفات الطبية فى مصر تصل إلى 300 طن.
ويتحدث عجمى عن التحديات التى تواجه رواد الاعمال يقسمها الى فئتين، الأولى داخل الشركات مثل عدم توافر رأس المال الكافى أو عدم وضوح التخطيط ونقص الخبرات، والثانية تحديات بيئة الأعمال والمقصود هنا هو فكرة التواصل مع المسئولين لعرض الأفكار وهو ما يتطلب علاقات كثيرة ووقتاً وجهداً ليتوصل رائد الأعمال لمسئول يستمع لفكرته. ويقترح عجمى أن يتم إنشاء لجنة موحدة أو مركز ليستقبل افكار الشركات الناشئة ليعرضها على المسئولين لاتخاذ قرارات تساعد على تسريع الشركات.
وفيما يتعلق بالقوانين يرى عجمي، أنها تحتاج لمرونة وسرعة لتتماشى مع فكر ريادة الأعمال ويقترح أيضا تشكيل لجان استماع للشركات الناشئة مع المشرعين ليتعرفوا على التحديات التى تواجه رواد الأعمال، موضحا أن بعض الشركات تجد صعوبة فى التعرف على خطوات التأسيس وكذلك ارتفاع تكلفة بعض المتطلبات، مثل ضرورة الاستعانة بمحام من أجل العقود وبمحاسب قانونى وغيرهما من المتطلبات التى تدفع البعض إلى تأسيس شركات فى الخارج أو العمل دون أوراق، ما يسبب خسائر للاقتصاد المصرى عندما تخرج من السوق شركات وتؤسس فى دول مجاورة.
ويشير عجمى إلى أن التحدى الأخير من وجهة نظره والمتعلق بفكر القطاع الخاص الذى يخشى كثيرا المخاطرة، ما يتسبب فى صعوبة حصول الشركات الناشئة على تمويل.
تكامل مع الحكومة
اتفق مع الرأى السابق محمد السنباطي، أحد مؤسسى شركة ناشئة، لتوفير فرص تعليمية لكل المستويات الدراسية، التى تضم الآن أكثر من 120 ألف فرصة فى نحو 400 مؤسسة تعليمية على مستوى العالم، حيث يعد الطالب ملفا شخصيا، ومن خلاله يستطيع التقدم لعدة منح أو دورات تدريبية، ويقسم السنباطى التحديات التى تواجه رواد الأعمال إلى ثلاثة محاور، أولها الوصول إلى المواهب وأصحاب المهارات خاصة فى مجال التكنولوجيا، حيث تتنافس الشركات الناشئة والكبرى على تلك الخبرات وفى معظم الأحيان تكون للشركات الكبرى الأفضلية لدى المهندسين والمبرمجين بسبب توفير رواتب تنافسية، وهذا التحدى يعوق شركات ناشئة كثيرة من الانطلاق، والثانى مشكلة التمويل، حيث تبدأ معظم الشركات الناشئة بتكاليف عالية لا توازى هامش الربح المنتظر، وهو ما يقلل من رغبة المستثمرين فى تمويل هذه الشركات، مشيرا إلى أن بعض المشاريع تحصل على تمويل من الحكومة، حيث شهدت عملية التمويل تطوراً كبيراً فى السوق المصرية ولكنها مازالت فى حاجة إلى المزيد من ثقة المستثمرين، وثالث الصعوبات التى تواجه الشركات الناشئة كونها تعمل على توفير حلول لتحديات ومشاكل داخل المجتمع منها ما يواجه الحكومات، لذلك من المهم تحقيق التكامل بينهما من خلال ما يعرف بـ»مسرعات الأعمال» التى تسهل من عملية التواصل بين الشركات الناشئة والقطاعات الرسمية المختلفة، مما يسهم فى عملية نقل الخبرات وتحقيق تلك الشركات نمو سريع وفى الوقت نفسه يوفر للحكومة حلولاً للتحديات التى تواجه المجتمع.
تطوير مطلوب
قامت فكرة محمد تيسير، شاب من الـذين شاركوا فى منتدى ريادة الأعمال، على تقديم حلول مالية فى السوق المصرية، وأطلق منصة لتكون بديلا عن إدارة المشتريات للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر ، حيث يقوم صاحب الشركة بطلب المنتجات عن طريق المنصة مباشرة، كما يمكن أن يقدم طلب تمويل للبضائع المطلوبة، وأوضح تيسير أن الفكرة اشبه بـ»ماركت بليس» للشركات الصغيرة التى لا تملك إدارة مشتريات،كما أطلق أيضا «برنامجاً لنقاط الدفع « التى تعزز من فكرة السداد الإلكترونى فى المحال الصغيرة. ويوضح الفكرة قائلا: «نقدم تطبيقا على الهاتف كحل اسهل وارخص من الماكينات المتوفرة حاليا التى قد تكلف البائع نحو 300 دولار لشرائها، ومن خلال التطبيق يستطيع المشترى أن يمرر بطاقته على الهاتف ويخصم المدفوعات من خلال التطبيق بدون الحاجة لمكينة خاصة، ويرى أن تلك الفكرة تدعم أهداف الدولة فى الشمول المالي، لافتا إلى أن ريادة الأعمال فى مصر تشهد تطوراً كبيراً خلال السنوات القليلة الماضية وهو ما يتوقع استمراره خلال الفترة المقبلة، خاصة مع صدور تشريعات جديدة مرتبطة بالمجال الرقمى سوف تسهم فى تسريع عملية تأسيس الشركات وهى الخطوة التى ربما كانت تدفع البعض لاتخاذها خارج مصر، ويرى تيسير أنه من الضرورى توضيح المسار الذى تتجه إليه الدولة فى بعض التشريعات فمثلا يطرح رواد الأعمال تساؤلات حول كيفية محاسبة الشركات الناشئة على الضرائب، هل ستحاسب مثل الشركات الكبيرة أم ستتعامل الحكومة معها على أنها تحتاج للدعم فتحصل على بعض الإعفاءات حتى يمكنها النمو؟
دعم حكومي
جهود كبيرة تبذلها الدولة لنشر ثقافة ريادة الأعمال ودعم مادى وعلمى أيضا تمنحه للشباب من خلال دورات تدريبية ومشاريع فى مختلف الوزارات، منها مشروع رواد 2030 بوزارة التخطيط، وحاضنة أعمال وزارة الاتصالات وأخرى تم إنشاؤها فى معظم الجامعات المصرية، ومن أشكال هذا الاهتمام ما أوضحه دكتور عمرو سكر، أستاذ مساعد إدارة الأعمال بالاكاديمية البحرية واستشارى المشروعات الصغيرة والمتوسطة، من إدراج ريادة الأعمال كمادة من متطلبات الجامعات بما فيها الكليات العملية، أى أنها لم تعد تدرس فقط لطلاب كليات التجارة، ولكن أيضا لكليات الطب والهندسة وغيرهما، مما يسهم فى إيجاد فرص واعدة للطلاب ليتعلموا كيف يحول الأفكار إلى مشاريع وخاصة مشاريع التخرج التى كانت تحفظ فى الأدراج طول الوقت، والآن أصبح لدى الشباب الوعى والعلم ووفرت بعض الجامعات مكاتب نقل تكنولوجيا المعلومات لتكون وظيفتها تسجيل أفكار الطلاب كبراءة اختراع ومساعدتهم فى تحويلها لمنتج أو خدمة تنفع الناس، كذلك أطلقت بعض الجامعات برامج الماجستير ودبلومات فى مجال ريادة الأعمال.
ويرى سكر، أنه بالرغم من اهتمام الدولة بريادة الأعمال منذ سنوات، فإنه من رحم الأزمات تولد الفرصة، وهو ما تحقق لريادة الأعمال خلال جائحة كورونا التى أسهمت فى تسريع العديد من المشاريع، خاصة تلك المرتبطة بالتكنولوجيا التى وجدنا أنفسنا فى حاجة اليها فى اثناء الأزمة، ومع ذلك تواجه الشركات الناشئة بعض التحديات ومنها ما يتعلق بالافراد انفسهم مثل غياب المهارات الادارية لدى القائمين على الشركة، فلا تكفى الفكرة الجيدة لتحقيق النجاح فى مجالات الإدارة والتسويق، ما يتطلب ضرورة التدريب على تلك المهارات أولا، ثم تحقيق النمو غير المدروس فيجد رائد الأعمال شركته تكبر وتنمو ولكنه لم يضع الخطط التى تساعده فى تلك المراحل المتقدمة، لذا يواجه بعض التخبط وهو ما يتطلب أيضا مهارات فى التخطيط ودراسة جدوى للإمكانات والسوق أو التعاون مع جهات داعمة مثل «مسرعات الأعمال» التى تقدم مساعدات مالية و تدريبية أو توفير مستشار.
وتحدث سكر أيضا عن مشكلة التمويل التى تواجه رواد الأعمال نتيجة غياب ثقافة تمويل الأفكار، قائلا: «القطاع المصرفى يبحث دائما عن المشاريع التى لها أصول أو ضمانات، فهو لا يخاطر وعلى النقيض ظهرت شركات يطلق عليها «شركات رأس المال المخاطر»، التى تضخ استثمارات بالشركات الناشئة، أى أنه بالرغم من وجود عوائق لتمويل رواد الأعمال يشهد المجتمع أيضا تحركات عديدة لدعمهم»
«الإيكوسيسم»
«يرتبط نجاح الشركات الناشئة فى أى دولة بتكامل عناصر بيئة الأعمال أو ما يعرف بـ«الإيكوسيسم»، هكذا بدأ الدكتور عاطف الشبراوى، الخبير الدولى فى ريادة الأعمال وتمويل التنمية، حديثه، موضحا أنه بالرغم من اهتمام الدولة بريادة الأعمال فإن معدلاتها فى مصر مازالت محدودة وهو ما يرتبط بتصميم بيئة الأعمال الموجودة حاليا والتى لا تخدم فكر ريادة الأعمال، حيث تتطلب البيئة المناسبة لتلك الشركات توفير فرص التعليم والتدريب والتأهيل ونشر ثقافة ريادة الأعمال والعمل الحر والتوسع فى إنشاء حاضنات الأعمال وهو ما تسير فيه مصر بشكل جيد ولكن مع ضرورة الاتاحة فى كل المحافظات ثم إذا نظرنا إلى عنصر وضع السياسات والتشريعات والبرامج الحكومية نجده يحتاج إلى تطوير شامل حيث وضعت معظمها لتناسب الشركات الكبيرة والمتوسطة وليس الصغيرة والناشئة، ثم يأتى عنصر توفير الاستثمارات والتمويل، وهنا يواجه رواد الأعمال نظاما بنكيا يقدم القروض التقليدية ويطالب بضمانات مادية ملموسة بينما تحتاج تلك الشركات لما يعرف بالتمويل المغامر وهنا يأتى دور الدولة فى دعم «الإيكوسيستم» فتقود الابتكار فى عمليات التمويل أو تقدم المنح لتلك المشاريع أو تضع استثمارات فى بعضها ما يشجع المستثمرين فى القطاع الخاص للمشاركة، موضحا أن العديد من الشركات الناشئة تتوقف عند مراحلها الأولى ولا تستطيع تطوير منتج تصل به إلى الأسواق وهذا ليس بسبب عيب فى الفكرة أو الخدمة المقترحة، ولكن لنقص التمويل الذى تحتاجه لتنتج نموذجا أولىا وتسمى هذه المرحلة «بوادى الموت»، حيث تنتهى فيه العديد من المشاريع، لذلك فى الكثير من الدول التى انتشرت بها ثقافة ريادة الأعمال ظهرت شركات التمويل التى تدعم الشركات الناشئة لتعبر هذه المرحلة وتستطيع دخول السوق».
وينهى الشبراوى حديثه بتأكيد ضرورة تسهيل عملية دخول الشركات إلى الأسواق التى تحتاج إلى دعم حكومى كونها واحدة من أهم عناصر «الايكوسيسم»، مشيرا إلى أن بعض الدول أطلقت مؤسسات رسمية تربط بين الشركات الصغيرة والناشئة وبين المشاريع الحكومية لتمكنهم من الوصول إلى بعض المناقصات الحكومية، بل إن بعض الدول أقرت «كوتة» محددة لتلك الشركات فى مناقصتها الرسمية لدعمها وتسهيل عملية دخولها إلى الأسواق.