كلمـة السـر "هيدروبونيك".. الزراعة المائية توفر 95% من مياه الرى وتتحدى «الآفات» بدون مبيدات

كلمـة السـر "هيدروبونيك".. الزراعة المائية توفر 95% من مياه الرى وتتحدى «الآفات» بدون مبيدات

لم يعد الزمان صالحا للإبقاء على كل أفكار الزراعة التقليدية فى حياتنا، إن لم يكن من أجل الحفاظ على مواردنا المائية ــ رغم كونه مطلبا مهما وضروريا – فليكن من أجل تقنين استخدام الأسمدة، والتخلص من المبيدات الزراعية بمشكلاتها وآثارها الجانبية، وفتح باب جديد للرزق أمام شباب لا يريد أن يقف فى طابور انتظار الوظيفة، أو فرصة عمل منزلية لفتاة أو امرأة لا تساعدها ظروفها على الكفاح داخل البيت وخارجه.


كل هذا وأكثر من إيجابيات التخلى الجزئى عن الحرث والغرس فى التربة الزراعية، إلى الزراعة المائية أو«الهيدروبونيك» التى لا تحتاج تربة ولا مبيدات، فقط القليل من المغذيات فى الماء الذى سيقل استهلاكه بنسبة تقارب الـ95%، ووقتها نفسح المجال أكثر للمحاصيل الحقلية التى تتطلب تربة زراعية، وندخل سوق التصدير بمنتجات آمنة على الصحة.


ونرصد فى سطور تحقيقنا بعضا من التجارب الناجحة لفريقين؛ أحدهما استخدم «الصوبات»، والثانى استفاد من أى مساحات فوق الأسطح أو داخل البيوت.





م. أشرف صالح - د.هشام حجاج - م. عمر الحداد

انتشرت فى مصر، خلال السنوات القليلة الماضية فكرة الزراعة المائية أو الزراعة بدون تربة «هيدروبونيك» على نطاق محدود فى العديد من المدن والقرى بالمحافظات فى مناطق هرم سيتى بمدينة السادس من أكتوبر، والكيلو 4٫5 بطريق السويس، والإسماعيلية، ووادى النطرون، ومدينة السادات، وجمعية عرابي، وبرج العرب بالإسكندرية، فضلا عن إنشاء 36 مزرعة بتمويل من منظمة الإيفاد وبالتعاون مع منظومة تطوير الريف المصري، بدءا من وادى النقرة فى أسوان، ووادى الصعايدة، وادفو، إلى جانب محافظات بنى سويف والمنيا والبحيرة، ومطوبس بكفر الشيخ ، فضلا عن العديد من المزارع الصغيرة التى أقامها بعض الشباب، وهناك نحو ١٠ مزارع تجارية كبيرة على مستوى الجمهورية.


وربما لا يعرف الكثيرون أن «الزراعة بدون تربة (Hydroponic System)» هى أحد نظم الزراعة المائية، لإنتاج الخضر الورقية، الخالية من الأمراض والمبيدات، ويقصد بها زراعة النباتات فى أوساط زراعية لا تكون التربة أحد مكوناتها، وتتم تغذيتها باستخدام محاليل خاصة تحتوى على العناصر الغذائية اللازمة لنمو النبات، سواء كان هذا الوسط داخل المنازل أو المكاتب والصالات والمداخل وغيرها، أو فى الشرفات وحدائق الأسطح والمساحات المكشوفة، وهى طريقة متطورة فى الزراعة تساعد على التخلص من المشاكل المتعلقة بانخفاض خصوبة التربة وعدم ملاءمتها لنمو النبات، والظروف المناخية القاسية، وقلة الموارد المائية، وغيرها من المشاكل التى تواجه الزراعة التقليدية، وكذلك تقليل كمية الأسمدة، فضلا عن إمكانية الاستغناء عن العمليات المختلفة التى تتطلبها الزراعة العادية، مثل عمليات تحضير التربة، وإضافة الأسمدة العضوية والدورة الزراعية كما أنها تساعد على استغلال الأراضى غير الصالحة للزراعة وتقلل من تكلفة الأيدى العاملة، بالإضافة إلى إنتاج المحاصيل فى غير مواسمها، وكذلك توفير العوامل البيئية المناسبة لمختلف أنواع المحاصيل، وإمكانية الإنتاج الزراعى فى المناطق غير الصالحة للزراعة، خاصة التربة المتأثرة بالملوحة، كما تسهم فى حل مشكلة نقص العناصر فى التربة، وتقلل من الأمراض الفطرية وتملح التربة، وتوفر التهوية اللازمة للنباتات بصورة أفضل مقارنة بالزراعات التقليدية، دون الحاجة إلى تجهيز التربة وإزالة الحشائش، كما فى الزراعات التقليدية، إلى جانب تبكير النضج، وزيادة انتاجية وحدة المساحة.


مشروع ابن «الجمهود»


اختمرت فكرة الزراعة المائية فى ذهن أحد شباب قرية «الجمهود» التابعة لمركز الفشن بمحافظة بنى سويف، فإذا به ينجح فى المشروع الوحيد المقام بمحافظة بنى سويف للزراعة بدون تربة، يقول مصطفى الفيومى عن تجربته التى تحولت من مجرد فكرة إلى واقع ملموس: حرصت أولا على إجراء بحث معمق على الإنترنت للاطلاع على الأبحاث والدراسات الخاصة بهذا النوع من الزراعة سواء فى مصرأو الخارج، كما طلبت مساعدة المهندس الزراعى شعبان زين مؤسس فريق زين للزراعة المائية، موضحا أن من عوامل حماسه للمشروع توجه الدولة نحو تشجيع الاستثمار ودعم شباب المستثمرين، ودعمها كذلك المصدرين فى مختلف القطاعات، وبعدها قرر المستثمر الشاب إقامة مشروعه، على مساحة 1080 مترا ــ 7 قراريط ــ كبداية، ضمن مساحة 13 فدانا زراعيا، وبلغت تكلفة المشروع ــ وفقا لما يقول الفيومى ــ نحو مليون و250 ألف جنيه، منها 750 ألف جنيه لإنشاء الباكيات أو الصوبات الثلاث، وباقى التكلفة لمختلف مستلزمات الإنتاج المطلوبة، لخدمة المشروع، الذى حقق إنتاج نحو 26 ألف نبات، من مختلف أنواع الورقيات فى الدورة الزراعية الواحدة معتمدا على البذور الهولندية، للوصول إلى منتج آمن، ونظيف وبدون استخدام مبيدات، و منها خس الأوكليف الأحمر والأخضر، بينما تجرى الاستعدادات لزراعة السبانخ والكيل والجرجير.


مزيد من التفاصيل يوضحها الفيومى بقوله: «تبلغ مساحة الصوبة الواحدة فى المشروع نحو 9 أمتار × 40 مترا، وتتضمن خلايا تبريد فى اتجاه الهواء، وشفاطات لسحب الهواء إلى داخل الصوبة، حيث يسقط الماء على ورق النبات، وتتراوح درجة الحرارة داخل الصوبة فى المعتاد ما بين 24 و 25 درجة مئوية، ترتفع إلى 28 درجة مئوية فى الأجواء الحارة، بينما توفر الزراعة بهذه التقنية نحو 95% من كمية المياه المستخدمة فى الزراعة التقليدية، وراعينا أن تكون البذور سليمة ومضمونة، وأن يكون المشتل داخل الصوبة حرصا على انتقاء الشتلات السليمة أيضا، وتم التغلب على الأملاح المرتفعة فى التربة من خلال هذا النوع من الزراعات، اعتمادا على المواسير دون الحاجة للتربة».


ويؤكد أن مثل هذا النوع من الزراعات يصلح لزراعة الأسطح، والمساحات الأخرى غير المستخدمة فى المنازل، كما يصلح لإنتاج الثمريات كالفلفل الألوان، والطماطم والخيار، فضلا عن إمكانية زراعة الفاكهة كالبطيخ والفراولة والكنتالوب، لكن تكلفة الإنتاج وقتها ستكون مرتفعة بسبب قلة المحصول وارتفاع تكلفة إنتاجه، ومن ثم يجرى التركيز على زراعة الخضر الورقية، لكثرة المحصول مما يقلل تكلفة الإنتاج.


إيجابيات وسلبيات


صحيح أن الزراعة المائية تتطلب انفاق مبالغ مالية كبيرة، لإنشاء البنية التحتية، ومنها الصوبات، والمواسير وأنظمة التبريد، ومختلف مستلزمات الزراعة الأخرى، لكن تلك التكلفة يتحملها صاحب المشروع لمرة واحدة، كما أن العائد يصل إلى 35%، حيث تجد منتجات هذه التقنية من الزراعة فرصا كبيرة للتصدير، فضلا عن تمتعها بفوائد غذائية كبيرة، إلى جانب خلوها من الأمراض.


ويعتبر ارتفاع التكلفة الإنشائية الأولية من سلبيات «الهيدروبونيك»، إضافة إلى ارتفاع تكاليف جميع مستلزمات النمو، إلى جانب احتمال حدوث تغير فى معدل حموضة المحلول المغذى للنباتات، حيث يؤدى الخلل فى نظام المحلول المغذى إلى تدهور حالة النباتات، كما تحتاج تلك التقنية إلى عمالة ماهرة ومتابعة مستمرة لعمليات الإنتاج، فضلا عن المخاوف من إمكانية انتقال الأمراض الفطرية عن طريق خزان الرى ےخاصة فى النظام المغلق.


زراعة أسطح المنازل


شكل آخر لتطبيق الزراعة المائية لجأ إليه أهالى قرية الشيخ عون بمحافظة البحيرة، والتى تقع على الحدود بين محافظتى البحيرة والإسكندرية، حيث قررسكان القرية تغيير مسار حياتهم والتغلب على الفقر والبطالة، فاتجهوا إلى زراعة أسطح المنازل، بنظام الزراعة المائية، وهنا يروى «على أحمد» ــ من سكان القرية ــ أنه يستخدم سطح المنزل فى الزراعة، عبر أنابيب بلاستيكية، موفرا بذلك المياه وكميات كبيرة من الأسمدة، فضلا عن الاستغناء عن المبيدات، وقد أنتج من خلال مزرعته العديد من المحاصيل كالخس، والكرنب، والفول، والبصل، حيث يقوم سنويا بادخار البذور كتقاو، ويستخدمها فى الزراعة كل عام، مما يدر دخلا مناسبا له ولأسرته، مؤكدا أن نحو 20% من أهالى القرية اتجهوا لهذا النشاط.


القرى السياحية بالغردقة


ومن البحيرة إلى الأقصر والغردقة، حيث يعمل المهندس الزراعى عمر الحداد على إنشاء مزارع «هيدروبونيك»، وكانت البداية من الأقصر، ثم امتدت فكرته إلى القرى السياحية أو الفنادق بالغردقة.


ويقول إن الزراعة المائية تنقسم إلى 3 أنواع هي: الهيدروبونيك، وتقوم على زراعة النباتات باستخدام الماء والمحلول المغذى، والثانى هو الأكوابونيك، وهو زراعة النباتات باستخدام الماء والأسماك بدون تدخل الأسمدة، أما النوع الثالث فهو نظام «الأيروبونيك»، ويطلق عليه الزراعة الهوائية، حيث تنمو جذور النباتات وهى معلقه فى الهواء.


سألته: ما هى المستلزمات المطلوبة لإنشاء الزراعة المائية؟


أجابنا الحداد: نحتاج فى البداية إلى مواسير يتراوح قطرها ما بين 4 إلى 6 بوصات حسب النبات المزروع، وإلى أكواب للزراعة، بشرط أن يكون بها ثقوب من الأسفل لخروج الجذور منها وامتصاص العناصر الغذائية، فضلا عن مضخة غاطسة لسحب الماء والمحلول المغذى إلى داخل المواسير، «وتنك» مياه لوضع الماء والمحلول المغذى بداخله، إلى جانب حاملات هرمية من الحديد أو الخشب لحمل المواسير، وكذلك جهاز PH لقياس درجة حموضة الماء والمحلول المغذى، وجهاز TDS لقياس درجة الأملاح بالماء والمحلول المغذى، أما الوسط البيئى الذى يوضع داخل الكوب لتدعيم الشتلة فلابد أن يكون من المواد الخاملة حتى لا تترسب العناصر الغذائية الموجودة داخل المحلول المغذى كالبيرلايت، أو البيتموس، أو الفيرموكلايت، أو الزلط.


وللزراعة المائية إيجابيات كثيرة ــ كما يقول المهندس الزراعى عمر الحدادــ فهى توفر كمية المياه بنسبة 95% مقارنة بالزراعة التقليدية، كما تقلل من إهدار كمية الأسمدة، ولا تحتاج إلى المبيدات مقارنة بالزراعة التقليدية، لأن معظم الأمراض الفطرية والحشرية للنبات تأتى من الأرض الزراعية، إلى جانب تقليل الأيدى العاملة، فضلا عن زيادة كمية الإنتاج بالنسبة للمساحة، مشيرا إلى أن مدة دورة الزراعة، بدءا من زراعة النبات حتى الحصاد لا تتجاوز 40 يوما.


وبالنسبة لأنواع المحاصيل التى يمكن زراعتها، فتشمل ــ معظم المحاصيل الورقية والثمرية، كالخس بأنواعه الكابوتشا الأخضر والأحمر والبتافيا والبلدي، والكرفس، إلى جانب معظم المحاصيل الورقية التى تتم زراعتها بالبذور مثل الجرجير، والكزبرة، والبقدونس، والفجل.


وكما هو معلوم ــ ووفقا لما يقوله الدكتور هشام حجاج الخبير فى الزراعة المائيةــ، فإن الزراعة المائية تعنى الزراعة فى وسط مائى بدون تربة، حيث لا يحتاج النبات للتربة إلا كوسط حامل للنبات، وكذلك الماء كوسط لحمل الغذاء للنبات فى صورة مبسطة يستطيع امتصاصها، مشيرا إلى أن الزراعة المنزلية فى المساحات الفارغة، أو فوق الأسطح لا تحتاج إلى متطلبات معقدة، ويمكن أن تتم بأى خامات تصلح لهذا الغرض، ومتوفرة بالمنزل، بينما تحتاج المزارع التجارية إلى تجهيزات ضخمة ومكلفة.


وتعمل الزراعة المائية ــ بحسب حجاج ــ على توفير الماء، وتوفر نحو ٩٥٪ من استهلاك مياه الرى عن خمسة أضعاف المساحة، فمن المعلوم أن كل ١٠٠٠ متر فى الزراعة المائية ينتج ما يقارب فدانا وربع الفدان من الزراعة الأرضية من الخضر، كما أن هذا النوع من الزراعة لا يستغنى عن الأسمدة، لكنه يقنن الاحتياجات المطلوبة لكل نبات ويعطيه بالقدر المطلوب، وهو ما لا يمكن القيام به فى الأرض الزراعية التقليدية المفتوحة، لأنه يتم إهدار نحو 40% من كمية الأسمدة المستخدمة فى كل مرة فى أثناء عملية التسميد ولا يستفيد منه النبات، وبعد كل عملية رى يتم غسل التربة من السماد، ومن ثم نضطر إلى وضع المزيد من الأسمدة دائما، فضلا عن عدم استخدام المبيدات، لأن النبات لا يوجد فى تربة أصلا، وبالتالى لا يصاب بأمراض تستوجب استخدام مبيدات سامة لقتل الآفات كما فى الزراعة التقليدية، ويمكن زراعة أى نبات بهذه الطريقة حتى الأشجار، ولكن طبقا لدراسة الجدوى لكل مشروع ومناسبة الزراعة لظروف التشغيل المثالية.


ومن المؤكد أن «الهيدروبونيك» يحل مشكلة المساحة، إذ يمكن زراعة ما بين 150 و 200 نبات من الخضر الورقية، مثل البقدونس والخس والشبت فى المتر المربع الواحد. أما فى الزراعة التقليدية فيتم زراعة نحو 12 نباتًا فى المتر، أما بالنسبة للمحاصيل الثمرية، مثل الطماطم والباذنجان والفراولة والخيار والفلفل، فإنه يمكن زراعة 16 نباتًا، مقابل 4 نباتات فقط فى المتر المربع الواحد فى الزراعة التقليدية، كما أن دورة نمو النبات ونضجه تكون أقل، فمثلاً الخس فى الزراعة التقليدية يحتاج 70 يومًا، أما فى تقنية الهيدروبونيك فتنخفض دورة زراعته إلى 25 أو 30 يومًا على أقصى تقدير.


دعم رئاسى


بعد الرعاية التى أولاها الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية لهذا المشروع على المستوى القومي، من خلال مشروع إنشاء الصوب الزراعية، فإننى أتوقع ــ والكلام للخبير الزراعى الدكتور هشام حجاج ــ أن تنجح مصر خلال السنوات الخمس المقبلة فى توطين تكنولوجيا تصنيع الصوب الحديثة

المشاركة على منصات التواصل: