الحلول البحثية وحدها لا تكفى.. ومطالب بتدخل الدولة.. الأعلاف .. فى «جفاف»

الحلول البحثية وحدها لا تكفى.. ومطالب بتدخل الدولة.. الأعلاف .. فى «جفاف»

ارتفاع تكاليف "الأعلاف المركزة" بات يمثل عبئاً اقتصادياً على مربى الماشية, وهو ما أدى إلى آثار سلبية على ذلك القطاع، وباتت الأعلاف تتعرض لأزمة شديدة تشبه مواسم الجفاف، وقد رصدنا عزوف كثيرين منهم عن تربية المواشى والتوقف عن الاستثمار فى هذا القطاع, وتعرض المستهلك لأعباء جراء ارتفاع تكلفة إنتاج اللحوم وبالتالى زيادة أسعارها.




هذا الوضع دفع عددا من المعاهد البحثية للعمل على ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺑﺪﺍﺋﻞ تسهم فى ﺧﻔﺾ ﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﺘﻐﺬﻳﺔ وفى الوقت نفسه تفى بالاحتياجات المطلوبة لتربية الماشية، لتحقيق أعلى إنتاجية سواء فى اللحوم أو الألبان, وهو ما دعا المركز الإقليمى للأغذية والأعلاف إلى وضع مواصفات ثابتة لتلك البدائل, وتقنينها كإحلال جزئى للمواد الأولية (الذرة الصفراء ــ فول الصويا), كما أن إدارات الإرشاد الزراعى بمديريات الزراعة تعمل على توعية المزارعين بكيفية تقليل تكاليف تغذية الماشية من خلال عدة بدائل من بينها «السيلاج» وتخطى الأمر كل ذلك بتغيير الخريطة الزراعية للذرة الصفراء والبرسيم الحجازى.. إلا أن البعض لا يرى حلا لهذه المشكلة إلا بتدخل الدولة من خلال مشروع قومى لزراعة الذرة الصفراء وفول الصويا, وهما المكونان الأساسيان لصناعة الأعلاف, ويرى آخرون أن الحل يكمن فى رفع إنتاجية الفدان من الذرة الصفراء مع الاستغلال الأمثل لما يتم استخدامه فى بدائل الأعلاف.




فى هذا التحقيق نستعرض مشكلة ارتفاع تكاليف الأعلاف والبدائل المطروحة لحلها وما يتم بالفعل منها على أرض الواقع. الدكتور حسام سلام, عضو لجنة الدعم الفنى بقطاع الثروة الحيوانية بوزارة الزراعة, يؤكد أن الأعلاف فى الأساس تمثل 70% من تكاليف الإنتاج, فأى توفير فى الأعلاف يؤدى لزيادة ربحية المربى وانخفاض سعر اللحوم، وقد بدأنا فعليا فى استخدام إضافات غذائية غير تقليدية كالخمائر وبعض المضادات الحيوية لزيادة كفاءة التحويل الغذائى, وبالتالى تقل كمية الغذاء المستهلك، مما يؤدى لزيادة ربحية المربى, وهناك اهتمام متزايد بتلك الاضافات فى ظل زيادة أسعار الأعلاف خاصة أن تحديد سعرها يرجع للسياسات السعرية العالمية لأسعار (الذرة الصفراء وفول الصويا) وهما المكونان الأساسيان للأعلاف, ويتحكم فى تحديد سعرهما العرض والطلب.




فتش عن البدائل




مع الزيادة المفرطة فى أسعار الأعلاف نستخدم الآن بدائل لها.. يشير الدكتور حسام سلام إلى أنه على سبيل المثال نستخدم الأزولة (نبات يطفو فوق المياه) ويمثل الأعلاف الخضراء, ويتم تجفيفه واستخدامه بنسب معينة, ونستخدم مستنبت الشعير بالصوب للماشية, بالإضافة إلى التوسع فى زراعة البرسيم الحجازى وحشيشة السودان وعلف الفيل وحشيشة البنكم فى الأراضى المستصلحة. ويضيف: البدائل إحلال جزئى يمثل نسبة 30 % لبعض حالات الماشية حسب نوعها وطبيعة تأقلمها والحالة الإنتاجية" ويشير إلى أن البدائل كصناعة تحويلية بدأت بعمل السيلاج, وهو عبارة عن ذرة خضراء يتم فرمها وتحتوى على الألياف والبروتين والكربوهيدرات, ويقول إنها الاحتياجات الأساسية للحيوان, ويتناولها مباشرة وفى بعض الأوقات يتم تجفيفها.. ويؤكد أنه لتوفير احتياجات اللحوم والبروتين بشكل عام, ولعلاج مشكلة ارتفاع أسعار اللحوم, نعمل الآن على تحسين وراثى للسلالات الموجودة وتأصيل سلالات عالية الإنتاجية للألبان واللحوم .




يقول عطية البدوى ــ مربى ماشية ــ قبل عيد الأضحى الماضى، كانت الأعلاف هى السبب فى زيادة أسعار اللحوم, بينما سبب الزيادة الآن هو قلة المعروض من اللحوم فى السوق, لأننا خرجنا من موسم العيد دون رصيد لحوم كاف, ويرجع السبب فى ذلك أيضا إلى عزوف بعض المربين عن تربية المواشى لارتفاع أسعار الأعلاف .. فمنذ حوالى 5 أشهر اللحوم الحية البقرى كانت بـ 60 جنيها والآن وصلت إلى نحو 67 جنيها, واللحوم الحية الجاموسى كانت بـ 50 جنيها والآن تتجاوز 57 جنيها .




ويوضح أنه نظرا لارتفاع أسعار الأعلاف فدائما ما يلجأ لعمل «سيلاج» ليحل جزءا من مشكلة الأعلاف كبديل جزئى فبدلا من أن يعطى للعجل 8 كيلو علف يعطيه 6 كيلو علف و 2 كيلو سيلاج،ولأن مشكلة الأعلاف ليس لها حل عند المربين، كما يقول فإنه يطالب بأن تتدخل الدولة ممثلة فى وزارة الزراعة بالطريقة المناسبة بدعم المربين أو المستوردين للحفاظ على سعر مناسب للذرة الصفراء لأنها الأساس فى تحديد أسعار الأعلاف، ورحب بأى بديل للأعلاف توفره الدولة بطريقة علمية لأنه سيكون له مردود اقتصادى يهدف لخفض سعر الأعلاف, لأن مربى الماشية يحاولون الآن تقليل الخسائر.




ويقترح زراعة مساحات كبيرة من الذرة الصفراء وفول الصويا من خلال مشروع قومى تتبناه الدولة لحل مشكلة ارتفاع أسعار الأعلاف, قائلا "نريد أن نشترى علفنا من إنتاج بلدنا بدلا من استيراده من الخارج".




توعية المربين




«إدارة الإرشاد الزراعى تعمل على كيفية تقليل تكاليف تغذية الحيوانات من خلال عدة بدائل» قالها المهندس حسن زايد وكيل وزارة الزراعة وهو يوضح أن من بين تلك البدائل «السيلاج» ويشرح: عبارة عن تقطيع وفرم مساحات الذرة الشامية الخضراء، والتى تتميز بارتفاع القيمة الغذائية بها, ويتم تقديمه طوال الموسم كعلف أخضر, كما يتم تقطيع وفرم الحطب الشامى بعد تجفيفه ويُقدم عليقة (تبن) للماشية لتقليل تكاليف التغذية, بالإضافة إلى ذلك يستعمل قش الأرز المفروم أو المكبوس للماشية,و كلها بدائل لمربى الثروة الحيوانية لتقليل تكلفة التغذية .




ويوضح أن من طرق التغذية البديلة معاملة قش الأرز أو التبن باليوريا 3% لرفع نسبة البروتين إلى 7% بروتين تقريبا, ليعادل كل 2 كيلو قش أرز أو تبن معامل باليوريا كيلو علف مركز . يضيف أن إدارة الإرشاد تقوم أيضا بتدريب مربى الثروة الحيوانية على كيفية التغذية بالتدريج للحيوانات على قش الأرز المعامل أو التبن المعامل, وهناك مخلفات إنتاج لمصانع البسكويت والحلويات بصفة عامة, ومخلفات عصر الفواكه والموالح كلها تدخل كبدائل لعلف الحيوانات نظرا لنسبة السكريات العالية الموجودة فيها.




مواجهة بالأبحاث والتدريب




«معظم أبحاث معهد تغذية الحيوان تعمل على إيجاد أعلاف بديلة لارتفاع أسعار الأعلاف" كلمات مهمة يؤكدها الدكتور علاء الطحان أستاذ تغذية الحيوان ومدير المعهد ويضيف: "لأننا لسنا جهة إنتاج لنتبنى منتجا معينا كبديل للأعلاف التقليدية, فإننا ننظم دورات تدريبية للمربين فى القرى على الطرق الحديثة سواء للتسمين أو للألبان, من خلال 14 محطة بحثية تنتشر فى جميع المناطق الإقليمية بالجمهورية, ونعمل على استغلال مخلفات تصنيع الأغذية والعصائر والمخلفات البستانية كمخلفات ناتج تقليم الأشجار ومخلفات الخضراوات كالفاصوليا واللوبيا, بالإضافة إلى المخلفات الجافة كالقش وسفير القصب ويتم إعادة تأهيلها لاستخدامها فى تغذية الحيوان".




ويوضح أن المخلفات الجافة تشترك فى 4 صفات، حيث تتسم بالحجم الكبير, وقيمتها الغذائية الفقيرة, وطعمها غير المستساغ, وقلة البروتين والأملاح المعدنية، ومن خلال الدراسات والأبحاث يتم معالجة تلك السمات المشتركة، فنتغلب على زيادة حجم المخلفات الجافة بتقطيعها أو جرشها, ونرفع القيمة الغذائية لها عن طريق التدخل الكيماوى بالمعاملة باليوريا والأمونيا أو بالتدخل البيولوجى بمعاملة المخلفات بالفطريات الصالحة, ولتحسين الطعم نضيف إليها المولاس الناتج عن صناعة السكر, ولرفع القيمة الغذائية نضيف بعض الفيتامينات والأملاح المعدنية. ويؤكد أن زراعة "البونيكام" فى الأراضى المستصلحة الجديدة يُستفاد منه كأعلاف خضراء موجودة طوال العام، وذلك لإنتاجيته العالية عن البرسيم الحجازى واستهلاكه القليل للمياه, وهو يصلح زراعته فى أراضى الاستصلاح الجديدة خاصة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان . يضيف: "وصلنا الآن فى الاعتماد على بدائل الأعلاف المحسنة للحيوانات كالأبقار والجاموس والأغنام لنسبة 70% من إجمالى عليقة الحيوان و 30% أعلافا تقليدية, وهى نسبة عالية تساعد بقدر كبير على تقليل التكلفة, فكلما كان هناك زيادة فى بديل للأعلاف قلت تكلفة إنتاج اللحوم والألبان .




تحويل خريطة الذرة




يقول الدكتور كميل متياس نائب رئيس مركز البحوث الزراعية السابق : "لدينا بالمركز 16 معهد أبحاث و 12 معملا مركزيا, بينهم المركز الإقليمى للأغذية والأعلاف, ومعهد بحوث صحة الحيوان, ومعهد بحوث الانتاج الحيوانى, ومعهد بحوث الأمصال واللقاحات, ومعهد بحوث المحاصيل الحقلية, وكل هذه المعاهد تعمل على صحة الحيوان وتغذيته .




يشير إلى أن معهد بحوث المحاصيل الحقلية عمل خلال الفترة الماضية على تحويل خريطة زراعة الذرة من أن تكون أغلبها الذرة البيضاء للاستهلاك الآدمى إلى الذرة الصفراء لاستهلاك الحيوان, ويتم حصدها فى وقت مبكر بعيدانها ليتم تحويلها لمادة السيلاج وتخزينها طوال العام فى ظروف خاصة، بالإضافة إلى تغيير خريطة زراعة البرسيم أيضا وتحويل الجزء الأكبر من زراعته للبرسيم الحجازى, وهو يتواجد فى الأرض لمدة 3 سنوات، ويتم استهلاكه خلال هذه المدة, وقيمته الغذائية أعلى من البرسيم البلدى،ومن خلال تربية تقاوى البرسيم الحجازى تم رفع إنتاجية الفدان من 25 طنا إلى 45 طنا . ويشير إلى أن الخريطة الزراعية تتضمن محاصيل شتوية وأخرى صيفية وكلها تتنافس مع بعضها, ويرى أن الحل الأمثل ليس كما يرى البعض بالتوسع فى زراعة الذرة الصفراء ( المكون الأساسى للعلف ) لأن هذا التوسع يتعارض مع زراعة الأرز كمحصول رئيسى أو يكون على حساب محاصيل أخرى, إنما الحل الأمثل هو رفع إنتاجية الفدان من الذرة الصفراء والاستغلال الأمثل لبدائل الأعلاف.


المشاركة على منصات التواصل: