الثروة الزراعية والحيوانية فى مواجهة التغييرات المناخية

الثروة الزراعية والحيوانية فى مواجهة التغييرات المناخية

التغيرات المناخية، التى يمر بها العالم حاليا من موجات سقيع وثلوج وأمطار، أصبحت حديث العالم لما لها من تأثير كبير على الزراعات والحيوانات والدواجن والأسماك وموارد المياه، وانطلاقا من هذه الأهمية المطلقة تنظم مصر مؤتمر التغيرات المناخية نهاية العام الحالى لأننا مضارون حتى ولو كان التأثير ضئيلا مقارنة بدول وأماكن أخرى.


تحقيقات «الأهرام» رصدت بعض التأثيرات المناخية على الفلاحين وزراعاتهم وتأثيره على المعروض من الخضر والفاكهة وأسعارها، وفتحت الباب للنقاش مع العلماء والباحثين لمعرفة آرائهم العلمية حول تلك الظواهر ومحاولة التخفيف من آثارها.. والتفاصيل فى السطور التالية..


 


البداية كانت مع وليد نافع ـ أحد تجار سوق الجملة بأكتوبر ـ يقول إن الظروف الجوية تؤثر بشكل كبير على الزراعات والمحاصيل بدرجات متفاوتة، فمثلا انخفاض درجات الحرارة يؤدى لسرعة إنضاج الموالح على العكس فى الخضراوات، مثل الطماطم والكوسة والخيار وغيرها الذى يؤخر نضوجها لأنه يؤثر سلبيا على النمو الخضري، مما يؤخر النضج وبموعد الحصاد بما له من أعباء مالية على المزارع من ناحية وتقليل المعروض من المنتجات فى الاسواق وارتفاع أسعارها، يضاف لذلك ان الامطار تؤدى الى تلف جزء من الزراعات والذى قد تصل نسبته فى الامطار الشديدة الى ٥٠٪ وقد تزيد على ذلك.


وتابع: ناهيك عن أصحاب وسائقى سيارات النقل الذين يمتنعون عن العمل فى الأجواء الممطرة خوفا من مخاطر انقلاب سياراتهم او جنوحها خاصة فى الطرق الفرعية الترابية وغير الممهدة وصعوبة ومخاطر نقل جزء لا يستهان به من المحاصيل التى تجد صعوبة أساسا فى جمعها من الحقول بسبب كثرة الوحل وصعوبة الحركة فيها، بما يعنى قلة المعروض من الخضر والفاكهة وزيادة أزمة قلة إقبال تجار التجزئة على الشراء من سوق الجملة بسبب علمهم بالصعوبات التى ذكرتها فتقل الى حد كبير حركة البيع والشراء وتداول المحاصيل بشكل عام.


أما الحاج إبراهيم سليمان أحد تجار الجملة بالسوق، فيقول إن الفلاح ليس عنده مصنع أو مصدر دخل غير الأرض اذا كان يملكها والتى غالبا ما يؤجرها ٧٠٪ من الفلاحين والمحصول، فالفلاح لا يملك حرفة غير هذه ويضطر لسداد نصف الإيجار مقدما لصاحب الارض ويؤجل النصف الآخر لوقت الحصاد، ولكى يزرع يشترى تقاوى وأسمدة ويستأجر ماكينات رى وآلات لحرث ورش الأرض ويستأجر عمالة يدوية طوال فترة الزراعة والتى تتراوح بين ٣ و ١٢ شهرا منتظرا الفرج مع الحصاد لسداد كل هذه الديون والحصول على عائد يعيش منه وينفق على نفسه وأسرته، لذلك ينزعج المزارع المسكين عندما يقل محصوله نتيجة العوامل الخارجية مثل اضطرابات الاحوال الجوية وأمراض النبات او سوء حالة التقاوى او اى عامل آخر وتكون الكارثة عند الانخفاض او الارتفاع الكبيرين فى درجة الحرارة يقضى على المحصول فى الحقل.





الصوب الزراعية حل لمواجهة تغيرات الطقس

 


خسائر الخضر


بينما يقول الحاج مصطفى مرسي، من سوهاج، إن فدان الفلفل الرومى أو الباذنجان فى المناخ الجيد المعتدل ينتج ٤٠٠ جوال فى درجة الحرارة من ١٦ الى ٣٥ خلال ١٥ يوما أى ما يوازى نحو ٧ أطنان، لكن مع انخفاض درجات الحرارة عن معدلاتها، كما فى هذه الايام ينخفض الإنتاج بشدة إلى طن واحد مع العلم بأن الفدان الواحد يتكلف ما بين ٥٠ و ٦٠ ألف جنيه حتى موعد الحصاد. وتختلف مدة الزراعة حسب نوع المحصول ففى الفلفل بنوعيه الحامى والرومى يستغرق ٤ أشهر، وكذلك الباذنجان الذى يجمع الفدان الواحد منه الآن ٦٠ جوالا بمتوسط ٣٠ كجم للجوال الواحد أى ما يوازى ١٨٠٠ كجم للفدان، فى حين كان ينتج ٣٠٠ جوال فى الأجواء المعتدلة اى الانخفاض نسبته ٨٠٪ لأنه يؤخر التزهير ويضعف المحصول حجما وجودة وكمية، فدرجات الحرارة هذه الأيام تنخفض ليلا الى نحو ٣ درجات وهذا يكاد يجمد المحصول فى الحقول ويقضى على التزهير ولا تكاد تنجو من هذه الكارثة إلا الصوب الزراعية التى تحد من التغير الحرارى لأنها تحمى الزراعات منه.


وعن الأضرار فى المحاصيل الأخرى، قال إنها كثيرة ومنها البصل لانخفاض الصادرات منه للعام الثانى على التوالى بسبب جائحة كورونا وباتت كمياته كبيرة فى الحقول لا تجد من يحملها لأن المصدرين الذين كانوا يشترون المحصول الجيد، أعرض غالبيتهم عن شرائه لتوقف التصدير فكثر المعروض منه واضطررنا لبيعه بثمن بخس وهو ١٠٠٠ جنيه للطن بعد أن كان يباع بأكثر من ٣٥٠٠ جنيه، رغم أن الطن يكلف الفلاح أكثر من ٢٠٠٠ جنيه حتى الحصاد، كما أن كميات أخرى منه فسدت فى الأرض قبل نضجها بسبب الأمطار الغزيرة التى هطلت فى عدة مناطق، وكل تلك العوامل تمثل عبئا على الفلاح البسيط الذى يقترض من التجار تحت حساب المحصول.


مخاطر لا تحتمل


الدكتور محمد فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة، يقول: إن قضية تغير المناخ وجودية وتمثل تحديا كبيرا لكل دول العالم الآن، ولعل المؤتمر الأخير الذى عقد فى اسكتلندا وحضره قيادات 190 دولة يظهر مدى جدية التعامل معها لأنها أصبحت عامل هدم لكل جهود التنمية والتى ينفق عليها مليارات الدولارات سنويا، حيث إن اختلال الظروف المناخية يؤدى إلى تجريف وإتلاف جزء كبير من هذه الجهود، لذا فلابد من دراسة هذه الظاهرة بدقة والتعامل بجدية وإن كانت السنوات القريبة الماضية شهدت تعاملا غير منضبط من الدول الصناعية وهى المسئول الأول عن هذه الظاهرة والاحتباس الحراري، ورغم كوننا فى مصر وفى الدول النامية بشكل عام غير مؤثرين بدرجة تذكر فى أسباب التغير المناخي، لكننا مضارون منه لأن آثاره تطول الجميع بلا استثناء وفى قطاع الزراعة فاقت الآثار قدرة الأفراد والمؤسسات على مواجهتها.


 


خطوات مصرية


ومن هنا، وضعت الدولة المصرية خطوطا عريضة للسير فى مواجهتها، الخط الأول تمثل فى أن كل المشروعات التى ستمول من الدولة ستكون مشروعات خضراء بحلول عام 2030، وفى جميع القطاعات بمعنى أن تكون أقل ما يكون فى انبعاث الغازات إن لم يكن صفرا وكل مشروعات إنتاج الطاقة ستكون نظيفة وليست مبنية على أى نوع من الوقود الأحفورى بما فيه الغاز الطبيعي، كما أعلنت الدولة ذلك وتعهدت به أمام العالم رغم كون إسهامها لا يذكر، كما أن الطرح الأول للسندات الخضراء المصرية بلغ 750 مليون دولار بما يعنى الأهمية الكبيرة لها، أما عن مركز رصد التغيرات المناخية فهو معنى بالدرجة الأولى بجمع المعلومات والبيانات عن التغير المناخى سواء المناخ الحالى أو المتوقع على مدار 20 سنة مقبلة، مع تحديد الفجوات البحثية للمؤسسات والمعاهد البحثية المختلفة فيما يخص تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج النباتى ومنها المحاصيل والحبوب لتوجيه هذه المراكز للأولويات وعلاقة تغير المناخ بإنتاج اللبن وبمعدل إنتاج اللحوم وتركيبة الأعلاف والتذبذبات الحرارية وتوزيع الأمطار.


 


نصائح مهمة


وأضاف الدكتور محمد فهيم أنه يجب توجيه توصيات مباشرة للمزارع والمربى المصرى لإنذاره مبكرا بتغيرات الطقس وتقلباته والتى هى جزء من تغير المناخ كما جرى منذ أيام من هطول أمطار على بعض أنحاء الجمهورية، فأصدرنا توصيات للمزارعين والمربين بوقف رى المحاصيل والرش ضد الحشرات والآفات لأن تشبع التربة بالماء مشكلة وكذلك جفاف الأرض، مع توفير مياه الرى فى الأوقات الممطرة لوقت آخر.


بعد نظر


وأشار رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة إلى أنه على سبيل المثال فى اتجاه إعادة بناء البنية التحتية ومنه إنشاء محاور جديدة وطرق والتى قد يكون من وجهة نظر البعض لا داعى لها الآن، وهذا مرجعه لعامل مهم يسمى تكلفة الإجراء وملخصه أى أن ما لا يسدد الآن للحد من آثار التغيرات المناخية أو غيرها سيتم إنفاق أضعافه فيما بعد ولن يؤدى الغرض ذاته، فمثلا محطة تنقية مياه بحر البقر التى تنتج 5.6 مليون متر مكعب يوميا والتى تتكلف 20 مليار جنيه إذا تم تأجيل تنفيذها لسنتين أو ثلاث فستسدد 100 مليار مع آثار وتراكمات لا يمكن احتواؤها لاستصلاح 400 ألف فدان فى سيناء وهى أكبر مساحة تستصلح فى سيناء وهذا على مستوى الدولة التى أصبحت أكثر ذكاء فى التعامل مع هذه القضية على المستوى القومى، كما أن هناك مشروعا مهما فيما يخص الرى فى الأراضى القديمة كلها بمساحة نحو 7.3 مليون فدان وسيتم تطوير وتحديث الرى بها بقرض بدون فائدة يسدد على 10 سنوات، أما الأراضى الجديدة فهى بحكم القانون يشترط ريها بوسائل الرى الحديثة وهناك أراض قديمة حديثة أى جديدة لكن منذ فترة طويلة وتبلغ نحو مليون فدان تم تحديث رى 80% منها.





الثروة الحيوانية

 


المحاصيل الإستراتيجية


أما الدكتورة خديجة نجيب الباحثة بقسم بحوث أمراض القمح، فقالت: القمح يعتبر أهم محصول استراتيجى وأهم الأمراض التى تصيبه وتسبب خسائر اقتصادية كبيرة له هى الأصداء أى الصدأ الذى ينقسم لعدة أنواع أخطرها الصدأ الأصفر الذى ينشط مع انخفاض درجات الحرارة والذى سبب خسائر جسيمة فى محصول 2019 بلغت 100% فى بعض الأحيان، ووقتها لم يكن التغير المناخى هو السبب الوحيد وإنما أضيف إليه عدم اتباع السياسة الصنفية فى زراعة القمح فهناك أصناف مخصصة للزراعة فى الوجه البحرى وأخرى للوجه القبلى لكن عدم الالتزام بالتعليمات والإرشادات والانسياق وراء كلام وآراء غير المتخصصين أدى لهذه الكارثة التى نتمنى عدم تكرارها،من حيث نراعى توزيعها طبقا لطبيعة كل منطقة تبعا للاحتياجات الحرارية ومقاومة كل صنف، يضاف إلى ذلك أن التذبذبات الحرارية وزيادة فروق درجات الحرارة بين الليل والنهار أدى الى انتشار أمراض الأصداء وأدت الى خسائر بلغت نحو 70% خلال عامى 2019 و2020 لذا يجب اتباع السياسة الصنفية أى زراعة كل صنف فى منطقته الجغرافية وتوعية المزارعين بالمتابعة اليومية لحقول القمح لرصد اى بؤرة إصابة وإبلاغ المتخصصين للتعامل السريع معها بالرش وحتى الآن لا توجد أصناف مقاومة للتغير المناخى وإنما تلائم طبيعة المنطقة المزروعة بها مثل الجفاف وارتفاع الحرارة وعالية المقاومة للملوحة وغيرها.


صناعة الدواجن


التغيرات المناخية لم تؤثر فقط على المحاصيل الزراعية، وإنما تركت آثاراً كبيرة على تربية الحيوانات والطيور والماشية، حيث تؤكد الدكتورة نسرين سليم - أستاذة تغذية الدواجن ووكيلة معهد بحوث الإنتاج الحيوانى سابقا - أن تأثير التغيرات المناخية فى قطاع الدواجن من الموضوعات التى يهتم العالم بدراستها على محاور مختلفة، وتتعدد الحلول والمقترحات لمواجهة الآثار السلبية طبقا لكل محور ودرجة تأثيره، مع تأكيدها أن إنتاج الدواجن فى مصر يشكل مصدرا هاماً لإنتاج البروتين الحيوانى عالى الجودة وبأسعار جيدة ومناسبة للمستهلك إذا ما قورن بمصادر البروتين الحيوانى الأخرى، ويتميز إنتاج الدواجن بأنه نشاط زراعى منخفض جدا فى تأثيره على البيئة (صديق للبيئة) إذا ما قورن بأنشطة الإنتاج الحيوانى الأخرى كإنتاج اللحوم الحمراء والألبان ويعتبر ذلك من أهم أسباب التوسع فى إنتاج الدواجن عالميا.


 


الحلول


وترى أستاذة تغذية الدواجن أن التوسع فى استخدام المحاصيل العلفية المتنوعة وزيادة المكونات بالتركيبة العلفية يساعد على تقليل أثر نقص أحد المكونات السابقة، وتعتبر السورجم والشعير من أفضل البدائل للذرة يليهما القمح، كما يعتبر الترمس وبذور عباد الشمس من أفضل البدائل لفول الصويا وذلك من منظور تأثير إنتاج تلك المحاصيل على المناخ وزيادة التنوع العلفى لا تعنى التوقف عن استخدام محصول محدد، ولكن خفض نسب مساهمة كل محصول بالتركيبة المتزنة المطلوبة ويعد التنوع بالمحاصيل العلفية من أهم الوسائل لخفض أسعار الأعلاف لتحسين كفاءة الهضم واستفادة الدواجن من الأعلاف المقدمة لها فلابد من التوسع فى استخدام الإضافات الإنزيمية ومحسنات الهضم والامتصاص من الإضافات الميكروبية وغيرها.


 


إنتاجية الدواجن


وحول التأثيرات المحيطة بالإنتاج الداجنى تشير الدكتورة نسرين سليم إلى أن تعرض الدواجن بالعنابر المفتوحة للإجهاد الحرارى الناتج عن التغيرات المناخية من أهم العوامل المؤدية لانخفاض إنتاج الدواجن وانخفاض مناعتها ضد الأمراض وكذلك انخفاض جودة منتجاتها النهائية، حيث تحاول الطيور مواجهة تلك الزيادة بدرجة الحرارة بوسائل فسيولوجية مختلفة وتؤدى بالنهاية لإجهاد الطيور نظرا لحساسية السلالات التجارية للتغير بالبيئة المحيطة بها بدرجة كبيرة وتتوقف درجة الآثار السلبية للإجهاد الحرارى على مدة حدوثه وتكراره ودرجة الحرارة وكثير من العوامل الأخرى.


 


مقترحات


وأشارت نسرين إلى تميز الدولة فى وضع خطة لتحويل العنابر المفتوحة الى مغلقة، حيث قدمت قروضا ميسرة لذلك الغرض وأضافت برامج توعية وإرشاد للمربين خاصة صغار المربين عن اهمية ذلك وكيفية ادارة العنابر بعد التحديث لضمان الاستدامة، ووضع برنامج قومى لتحسين السلالات المحلية من الدواجن والتركيز على استخدامها بالقطاع الريفى لأغراض استهلاك الريف بالدرجة الأولى نظرا لمواءمتها للظروف البيئية بدرجة أكبر، مع تطبيق الاتجاهات الحديثة بالتغذية بالمناخ الحار وإعادة تحديث مواصفات الأعلاف ال

المشاركة على منصات التواصل: