جولة جديدة لـ«المصرى اليوم» فى «توشكى الخير»

جولة جديدة لـ«المصرى اليوم» فى «توشكى الخير»

قطعت «المصرى اليوم» بالطائرة نحو ١٠٠٠ كيلومتر من القاهرة حتى مشروع «توشكى»، تلك هى الزيارة الثانية بعد مرور شهر ونصف الشهر من الزيارة الأولى، لتقضى يومًا كاملًا مع العاملين داخل مشروع «توشكى»، فى محاولة لمعرفة مدى استفادة مصر والشعب المصرى من هذا المشروع، ونقل صورة حية من الواقع حول ما تم إنجازه خلال هذه الفترة القصيرة بين الزيارتين.

هنا تجددت التساؤلات مرة أخرى: هل أصبح الحلم حقيقة؟، وما نسبة ما تم إنجازه خلال هذه الفترة الوجيزة؟، وماذا عن انطباع العاملين بهذا المشروع التنموى الضخم؟.

يمثل مشروع توشكى أهمية استراتيجية لمصر فى المستقبل القريب، وتحقيق الأمن الغذائى، فعندما وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى عام 2014 بإعادة إحياء هذا المشروع، واستغلال المساحات التى تصلح للزراعة، وتحويل المناطق التى لا تصلح إلى مناطق خدمية، تُقام بها أماكن السكن، والطرق، والمصانع، والمنشآت، ثم وفرت الدولة الاعتماد المالى المناسب ليستمر المشروع بقوة على أرض الواقع حتى تتحقق الاستفادة المأمولة منه.

هنا فى توشكى، حيث النقطة الأخيرة، التى وصلت إليها المياه عبر مسار الفرع رقم «4» من ترعة الشيخ زايد، الممتدة بطول 50 كم من بحيرة ناصر فى السد العالى إلى مشروع توشكى، حيث كانت العقبة الكبرى أمام استمرار حفر الترعة وجريان المياه لاستكمال زراعة 300 ألف فدان جبلًا ضخمًا من الجرانيت يحتاج إلى اختراقه، وقد بلغ عرضه 20 مترًا بطول 9 كيلومترات، ما احتاج إلى أطنان من المتفجرات ليتم التمكن من اختراق الجبل الرخامى، وتمرير المياه، وهو الأمر الذى أشار الرئيس السيسى إليه دومًا بأنه كان أحد أسباب توقف المشروع فى الماضى، وبعد إنجاز كبير، تم تشغيل محطتى الرفع الأولى والثانية، وهما اللتان بدورهما تنقلان المياه إلى أراضى توشكى، ومن ثَمَّ يبدأ الموسم الزراعى.

وبعد جولة استمرت يومًا كاملًا، للمرة الثانية بأراضى توشكى، وبعد الانتهاء من محطتى رفع (1 و2)، تابعنا كيف يتم توصيل المياه إلى الأراضى التى تم استصلاحها فى توشكى، وكيف حرص العاملون بها على الانتهاء من تنفيذ محطتى الرفع فى مدة أقل مما كان مخططًا له.

«المصرى اليوم» التقت بالمهندسين والعمال والفنيين ممن يواصلون الليل بالنهار، وتأكدت أن هناك فرقًا كبيرًا بين الكلام والبناء، خاصة بعدما التقينا بأحد شباب المهندسين بالشركات العاملة فى محطتى رفع المياه لأعلى لتوصيلها لزراعة 100 ألف فدان، حيث كانت حبات العرق تتقاطر من جسده، فسألناه عما يتم هناك، فقال إن ما يحدث فى توشكى يشبه المعجزة، وإنهم ينحتون الصخر بالمعنى الحرفى للكلمة، متكاتفين جميعًا سواء الشركات أو ضباط الهيئة الهندسية، مستطردًا: «إحنا بنعمل حاجة كبيرة للبلد»، كان المفروض على الأقل تنتهى خلال 4 سنين، لكن بمتابعة دقيقة من القيادة السياسية والقوات المسلحة ومواصلة ساعات العمل ليلًا ونهارًا، تم الانتهاء من محطتى رفع (1 و2)، على الرغم من أنه كان يُفترض أن يتم الانتهاء منها نهاية العام الجارى.

وقال تامر عبدالمجيد، أحد العاملين فى محطة رفع المياه، إنهم هنا، وبجهود وإشراف القوات المسلحة على الشركات المنفذة، نسفوا المناطق الجبلية والصخرية لشق ترعة مسار المياه لتروى الزراعات المخطط لها، مشيرًا إلى أنهم هنا يعملون ويعملون فقط، لا يملكون التباهى على السوشيال ميديا ولا تصوير ما يفعلونه ولا يزايدون بوطنيتهم وبما يفعلونه على أحد، يقينًا منه هو وزملائه، وخلفهم الدولة بأجهزتها، بأن هناك فرقًا بين الكلام والعمل الفعلى، موضحًا: «كلنا تركنا منازلنا وأسرنا لنبنى بلدنا بصدق وبدون زيف أو مواربة»، لافتًا إلى أن حديث الرئيس السيسى بأن ما يجرى فى توشكى يضاهى إنشاء السد العالى كان دقيقًا، وليس مجازًا، خاصة مع حجم المجهود المبذول والنتائج المتحققة على أرض الواقع.

وعلى هامش التجول بمحطتى رفع المياه فى توشكى، التقت «المصرى اليوم» بـ3 مهندسين شباب من العاملين بالشركات المنفذة للمشروع تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، المهندسة رانيا فايز، مدير العمليات فى مشروع محطة الرفع الرئيسية فى توشكى، والمهندس حسام سيد، مدير المشروع، والمهندس مصطفى فهمى، مدير الكهرباء فى شركة السويدى، والذين أفادوا بأن محطة الرفع الرئيسية تنفذها شركة أوراسكوم، والثانية شركة سياج، وهما المحطتان اللتان ستدعمان 59 محطة فرعية، لافتين إلى أنهم متخصصون فى عمل شبكات الضغط المتوسط والمنخفض الكهربائية، ضمن البنية التحتية لزراعة 100 ألف فدان، وأكدوا أن الشركات الثلاث فى المرحلتين عمل بها نحو 30 ألف عامل وفنى ومهندس.

وأكدت «رانيا» أنه تم تفجير جبل جرانيت لكى يتم تنفيذ المشروع على الأرض، حيث يوجد فى توشكى بازلت وجرانيت صلب جدًّا، مشيدة بنجاح القوات المسلحة فى تهيئة الأرض لدخول الشركات لتنفيذ المشروع، قائلة: «تم تسليمنا الأرض جاهزة لتنفيذ المشروع».

وأكدت أنه تم تسلم الأرض فى 29 يناير 2023، وفى سبتمبر تم بدء التشغيل التجريبى، موضحة: «ما تم ليس أمرًا طبيعيًّا.. هو إنجاز وإعجاز»، لافتة إلى أن محطة رفع المياه الرئيسية ترفع المياه من ترعة الشيخ زايد لزراعة 180 ألف فدان بالكامل من القمح، مضيفة: «كان هناك توجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن المشروع ينتهى فى أسرع وقت، وتم بالفعل إنجاز المشروع فى مدة 8 شهور بدلًا من 24 شهرًا، رغم كل الظروف الصعبة فى منطقة نائية، حيث لا يوجد إنترنت أو اتصالات.. ولكن اشتغلنا بكل المتاح من الصناعات المصرية، بنسبة 95% من مواد المشروع، و100% عمالة مصرية».

وأضافت: «جميع العاملين حرصوا على مواصلة العمل ليلًا ونهارًا، رغم الظروف الجوية والبيئية الصعبة، حيث تصل درجة الحرارة إلى 55 و60 درجة، وهناك أحيانًا عواصف رملية وترابية، لكن العاملين يشعرون أنهم بصدد مشروع قومى».

وتابعت قائلة: «عدد كلمات الله أكبر التى قيلت وكمية الفرحة تعبر عن نصر وعبور جديد لمصر».

من ناحيته، أضاف المهندس حسام سيد، مدير المشروع: «تم تنفيذ 70% من الأعمال، والفترة من أغسطس حتى الوقت الحالى هى مرحلة إنهاء الأعمال»، موضحًا أن محطتى الرفع بدأتا التشغيل ورفع المياه لتغطية استصلاح وزراعة 100 ألف فدان لندخل موسم الزراعة الحالى الذى يبدأ فى شهر أكتوبر الماضى.

وأوضح أن هناك استراتيجية للتنفيذ وتوقيتًا زمنيًّا محددًا، حيث تم الالتزام بالمخطط والاستراتيجية المتفق عليها لتنفيذ محطة بهذا الحجم، والتشغيل كان مخططًا بدؤه فى أول 2024، لكن كانت البداية 25 سبتمبر 2023.

وانتقلنا بعد ذلك إلى محطة الرفع الثانية، والتقينا بالمهندس تامر عبدالمجيد، الذى أوضح أنهم واصلوا الليل بالنهار لإنجاز وإنهاء محطة رفع المياه الثانية لكى يتم الانتهاء من تنفيذ المشروع فى وقت أقل من المخطط له، معربًا عن سعادته وسعادة العاملين فى المحطة بإسهامهم فى تنفيذ مشروع قومى لتنمية مصر وتوفير الأمن الغذائى للمصريين، وهو ما لا يُقدر بثمن.

وكشف رئيس الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية أن مهمتهم الأساسية هى زراعة الأراضى التى لم تُزرع من قبل، وهى مغامرة خطيرة، لافتًا إلى «أن يجعلك الله ترسًا فى ماكينة لتخضير أرض كانت صفراء هو متعة لا تضاهيها أى متعة»، وأوضح أن مهمتهم هى الإشراف ومتابعة التنفيذ فقط لأن هناك متخصصين فى الزراعة وآخرين فى البنية التحتية، لكن مهمتهم الدقيقة هى متابعة المخطط تنفيذه بدقة وباهتمام وجهد.

وشدد على أن الشركة الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضى الصحراوية باعتبارها المسؤولة عن مشروع توشكى ليست فوق القانون، كما يزعم البعض، لكنها تخضع للمراجعة من قِبَل الجهاز المركزى للمحاسبات، ويعمل بالشركة نحو 4 آلاف مدنى.

وطمأن المصريين بشأن المياه المستخدمة فى توشكى، مؤكدًا أنهم يسيطرون على المياه بشكل جيد، وهى القادمة عبر ترعة الشيخ زايد، مشددًا على أنهم يحافظون على نقطة المياه خلال الرى حفاظًا على الأمانة، ولاسيما مع الفقر المائى لمصر.

ولفت إلى أنهم يخططون لزراعة ما يزيد على 500 ألف فدان قمح فى الموسم الجديد، بعدما كان 300 ألف، معتبرًا أن الزيادة السنوية هى شهادة النجاح بالنسبة لهم، وهى زيادة بمتوسط 150 ألف فدان سنويًّا، وأضاف أنه إلى جانب القمح والتمور، هناك زراعات عديدة كالذرة والنباتات العطرية وبنجر السكر.

ولفت إلى أن الجهات المعنية تشارك فى الخطط والدراسات اللازمة، من خلال المراكز البحثية التابعة للدولة، خاصة فى مجال الموارد المائية، وتقييم استخدام مصادر الطاقة المتجددة وجودة التربة (حوالى 3.30 مليون فدان) لتحديد صلاحية المساحات المناسبة للزراعة، كما قامت الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية والهيئة القومية للاستشعار عن بُعد بتقييم المخاطر البيئية لحركة الكثبان الرملية والفوالق الأرضية باستمرار لتحسين الأداء، ورفع الكفاءة لزيادة الإنتاجية، من خلال استخدام النظم الحديثة، وتطبيق الأبحاث العلمية، الخاصة بزيادة الإنتاجية، وتحسين السلالات.

ويقع مشروع «توشكى الخير» فى جنوب مصر، وكانت فكرة إنشاء المشروع بهدف خلق وادٍ جديد فى الصحراء الغربية على مساحة 540 ألف فدان، تصل فى المستقبل إلى مليون فدان، موازٍ لوادى النيل، وبلغت تكلفة المشروع 6.4 مليار جنيه، وتم البدء فيه فى أكتوبر 2020 وتمت زراعة 30 ألف فدان قمح خلال أول 3 أشهر من بداية المرحلة الأولى، إضافة إلى إنهاء تجهيز حوالى 100 ألف فدان قابلة للزراعة، وجارٍ تجهيز 100 ألف فدان أخرى نهاية العام الجارى.

ويوضح المسؤولون أنه فى إطار إعادة إحياء المشروع، تم حفر وتبطين ترع بإجمالى طول 19.8 كم، وجارٍ حفر ترع بطول 18.2 كم، وتم إنشاء «52» محطة طلمبات تضم «219» طلمبة لضخ المياه لأجهزة الرى المحورى، وجارٍ إنشاء العديد من المحطات الأخرى، كما تم مد شبكات رى بإجمالى أطوال 420 كم «بأقطار تتراوح بين 180 مم و1200 مم»، إضافة إلى 670 كم جارٍ تنفيذها لتصل أطوال شبكة الرى إلى 1090 كم، إلى جانب توريد وتركيب وتشغيل «497» جهاز رى محورى بمناطق الأسبقية العاجلة، واستكمالها لتصل إلى نحو «800» جهاز للمرحلة الأولى، كما تم إنهاء 415 كم من شبكات الطرق الرئيسية والمدقات، ويتم حاليًا تنفيذ 677 كم أخرى من إجمالى 1092 كم المستهدفة، كما تم الانتهاء من تنفيذ جميع أعمال الكهرباء لتغذية محطات الطلمبات وأجهزة الرى المحورى، متمثلة فى «2907» أبراج هوائية بإجمالى 650 كم هوائيات، وأيضًا وصول شبكات السكة الحديد.

ووفق وزارة التخطيط، فإن جهود مصر خلال عامى 2022 و2023 تستهدف زيادة الرقعة الزراعية بنحو نصف مليون فدان، فى نطاق مشروعات التوسّع الأفقى، وبخاصة مشروع مستقبل مصر والدلتا الجديدة على محور الضبعة بالساحل الشمالى الغربى، ومشروع تنمية توشكى جنوب الوادى الجديد، ومشروع شرق العوينات بالجزء الجنوبى الغربى من الصحراء الغربية، وزيادة الاعتماد على الذات فى الزراعة المصرية لتوفير الأمن الغذائى.

وتوضح وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى أن المستهدف رفع نسب الاكتفاء الذاتى من القمح من 45% عام 2020 إلى 65% بحلول عام 2025، ومن الذرة الصفراء من 24% إلى 32% خلال الفترة ذاتها، ومن الفول البلدى من 30% إلى نحو 80%، ومن العدس من 12% إلى 16%، ومن المحاصيل الزيتية من 3% إلى 10%، ومن اللحوم الحمراء من 57% إلى 65%، ومن الأسماك من 82% إلى 85%.

المشاركة على منصات التواصل: