قبل حصاده الثالث سنويًا.. شجر الليمون «طارح» على أرضه

قبل حصاده الثالث سنويًا.. شجر الليمون «طارح» على أرضه

المصريون يفضلونه طوال العام.. والمحصول الجديد خلال الشهر المقبل.. وارتفاع أسعاره «حدث عارض» «البحيرة والقليوبية والمنوفية والشرقية» على رأس المحافظات المنتجة 477 ألف فدان المساحة المزروعة على مستوى مصر.. و«الظهير الصحراوى» و«الوادى الجديد» يستقبلان مساحات جديدة سنويًا «التغيرات المناخية والتصمغ ودودة أزهار الليمون» أبرز مشاكله.. ويجب الاستفادة من كثرة الإنتاج بـ«التصنيع الزراعى».. أصحاب مزارع: لا نحدد أسعارًا للإنتاج.. ومطلوب تقليص حلقات النقل.

ارتفاع سعره بشكل غير مسبوق منذ نحو شهر، وبين انتظار العروة الجديدة والتى تعرف بـ«السلطانى»، يقف «الليمون».. صديق جميع البيوت المصرية، الثمرة التي استخدمها المصريون للأكل والشرب والتداوى، لدرجة وصلت إلى رفض الكثير استخدام العقاقير حال الإصابة بنزلات البرد، لصالح استخدام الليمون، حتى «قشره» لم يستغن عنه المصريون، ومع نهاية شهرى مايو وبداية يونيو الماضيين شهدت أسواق التجزئة ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الليمون، حيث وصل سعر كيلو الليمون إلى 100 جنيه. وبرر التجار وقتها هذا الارتفاع بضعف الإنتاج خلال شهرى مارس وإبريل بسبب التغيرات المناخية، ومع بداية شهر يوليو- وهو قبل الموعد المحدد لجنى محصول الليمون البلدى أو ما يعرف بـ«البنزهير» بنحو الشهر- لايزال المصريون يترقبون أسعار «ثمرتهم المفضلة» للعودة إلى الأسواق مجددا بأسعار في متناول أيديهم. «المصرى اليوم» ترصد زراعة الليمون والمعوقات التي قد يقابلها المزارعون بسبب نقص الإشراف من قبل وزارة الزراعة، خاصة أن هناك الكثير أكدوا أن ارتفاع أسعاره كان «حدثا عارضا»، بجانب اعتماد العديد من المزارع على تصديره «طازجا» أو «مجففا».. لكن دائما يظل «شجر الليمون ثابتا على أرضه».

130 كيلو مترا.. تلك المسافة الممتدة على الطريق الصحراوى الواصل بين القاهرة ومدينة النوبارية التابعة لمحافظة البحيرة وهى أكثر المحافظات انتاجاً للموالح، تمتد أشجار الموالح على الجانبين والتى تتنوع بين البرتقال والليمون، بالإضافة إلى أشجار التفاح والتين الشوكى والمانجو وغيرها، تلك الأشجار التي حولت الطريق الصحراوى من اللون الأصفر إلى الأخضر، وأصبحت خلال 10 سنوات مضت من أهم مراكز إنتاج الموالح بشكل عام والليمون بشكل خاص على مستوى الجمهورية، حيث تسهم في الأسواق المحلية والتصدير بحوالى 796 ألف طن من الموالح، وذلك بعد زراعة 79 ألفا و56 فدانا بأشجار الموالح وفق الأرقام الرسمية لوزارة الزراعة لعام 2017. داخل إحدى المزارع بالنوبارية تمتد على جانبى المزرعة زراعات مختلفة من الموالح، والعنب ويفصل بينها شريط من أشجار الليمون كبيرة الحجم والطويلة، مما يشير إلى ارتفاع أعمارها حيث تجاوزت العشرة أعوام، يتدلى منها عدد لا بأس به من حبات الليمون التي تنتظر موعد قطفها خلال الأسابيع المقبلة. رغم أن أشجار الليمون من الأشجار المثمرة طوال العام إلا أن للتغير المناخى تأثيرا على زراعات الموالح بشكل عام، وخصوصا الليمون، ففى أيام ارتفاع درجات الحرارة التي شهدها فصل الربيع الماضى، أضر ببعض الأشجار، وكان لذلك دور في حجم إنتاجية هذه الأشجار خلال شهرى مارس وإبريل، وهذا ما أكده عبدالحكيم جبر، أحد المهندسين الزراعيين، والمشرف على إحدى المزارع، مضيفا: «يصعب تفادى آثار التغير المناخى، وقد بدأت بعض المزارع استخدام مبيدات خاصة تقلل من آثار الحر على الثمار، ولكنها لا تمنع تأثره بشكل كامل». الدكتور رمضان أبوسريع، رئيس قسم الموالح بمعهد بحوث البساتين السابق التابع لوزارة الزراعة، اصطحب «المصرى اليوم» في جولة ببعض مزارع الليمون، للوقوف على المشكلات التي تقابل المزارعين ومحاولة للبحث عن «أسرار الليمون» في مصر، وخلال جولتنا معه في البداية أكد أن غلاء الأسعار الأخيرة يعود إلى نقص الإنتاج خلال شهرى مارس وإبريل لأنهما ليسا شهرى الرسمية للمحصول الأكبر عددا في مصر، وأن المحصول الذي تواجد في الأسواق بأسعار مرتفعة كان نتيجة (تصويم) الأشجار.

وشرح رمضان مراحل إنتاج المحصول، وقال: «إن تزهير الموالح بشكل عام يبدأ من شهر مارس حيث تنمو الأزهار وتتحول إلى الثمار في شهرى أغسطس وسبتمبر، وأشجار الليمون من الأشجار التي يتم فيها التزهير على دفعات، مما يضمن الإنتاج طوال العام، ولكن بنسب متفاوتة».

ووفقا لرئيس قسم الموالح السابق، فإن عملية التصويم تتم في المزارع الطينية في شهر مارس، وهى تعتمد على تعطيش الأشجار، وذلك بمنع الرى عنها لمدة شهر أو شهرين ما يؤدى إلى سقوط الأزهار من الشجر، وفى شهر مايو يتم رى الأشجار بدفعة كبيرة من المياه مع تسميد عضوى مما ينتج أزهار في شهر مايو التي تتحول إلى ثمار بشكل سريع، ولكن بكميات أقل، وهذا المحصول يقتصر على المحصول الموجود بالأراضى الطينية (والتى تضم الدلتا والصعيد المطل على النيل) لقدرتها على الاحتفاظ بالمياه، وهو ما يفسر مبدئيا ارتفاع الأسعار التي جرت الشهر الماضى، في الوقت نفسه حذر أبوسريع من عمليات تصويم الأشجار المزروعة في الأراضى الصحراوية نظرا لعدم احتفاظها بالمياه.

وعن تأثير التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، أكد أن ارتفاع درجات الحرارة خلال شهرى إبريل ومايو هذا العام أثر على محاصيل الموالح فبعض الثمار تأثرت بارتفاع درجات الحرارة خاصة الواقعة في مواجهة مباشرة لأشعة الشمس، ما أثر على محصول الموالح حيث كانت الثمار في مرحلة العقد فتساقط العقد، وهذا يؤثر على كمية المحصول الناتج نهاية الموسم، وأضاف: «حاول بعض الباحثين زراعة الموالح في الصوب ولكن لم تنجح لأن أشجار الموالح من الأشجار المعمرة والكبيرة والصوب تعيق نمو الشجر».

توصيات الخبراء في ارتفاع درجات الحرارة، انصبت على زيادة الرى لمعادلة الفقد في المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة أو وضع خراطيم الرى بالرشاشات التي تفوق مستوى الأشجار وخاصة المتقزمة، ولكن يؤكدون أن هذه العملية مكلفة جدا ولا يلجأ لها إلا بعض المستثمرين، وفى حال نقص درجة الحرارة يتم خفض الرى.

أحمد الجزار، مهندس زراعى، صاحب إحد مزارع الليمون بقرية الشجاعة بالنوبارية، خصص جانبًا كبيرًا من مزرعته لزراعة الليمون البنزهير والليمون اليوركا، وبرر التوسع في زراعات الليمون، لأنها أكثر الأشجار المثمرة في الموالح والتى تعطى محصولا طوال العام، لأنه ينتج ثلاث عروات في العام وهى (الرجيعة – السلطانى – المحيرة) وذلك من خلال «الصيام والفطار» وهى مراحل الزراعة لليمون. ينتظر الجزار تزهير العروة الجديدة وهى العروة السلطانى والتى يتوقع أن تنخفض فيها الأسعار بالأسواق بشكل كبير، نظرا لزيادة الإنتاج والذى يستخدم أيضا في التصدير، حيث تفضله الدول العربية، في الوقت نفسه يحذر من استغلال بعض التجار خلال المرحلة المقبلة، حيث يؤكد أن الأسعار ستكون أقل كثيرا عن المحصول الموجود حاليا في أسواق التجزئة، وقد يصل سعره للمستهلك إلى 10 جنيهات، ولكن دون رقابة على التجار، وقد يزيد هذا السعر بسبب ارتفاع سعر المحصول الحالى. في عروة «الرجيعة» ارتفعت الأسعار بسبب نقص الإنتاج- هكذا يؤكد الجزار- حيث أنتجت مزرعته في عروة الرجيعة الماضية 10 أطنان فقط من أصل 25 فدانًا تم زراعتها، ولكنه يتوقع زيادة الإنتاج في موسم عروة السلطانى، لأنها العروة الرئيسية.

ارتفاع «يومية» الأيدى العاملة في مزارع الليمون أحد أسباب رفع أسعاره في بعض الأوقات، هذا ما أكده الجزار قائلا: «أشجار الليمون من الأشجار التي تحتاج إلى عمالة خاصة ومدربة، لكى تتمكن من جمع المحصول، وتفادى الأشواك التي تنشر على أفرع أشجار الليمون، خاصة مع صغر حجم حبة الليمون، وبالتالى ارتفاع أسعار العمالة أثر على السعر النهائى، نظرا، لأن يومية العامل تتراوح بين 70 و100 جنيه يوميًا. يحاول الجزار زراعة أنواع جديدة من الليمون في مزرعته لتناسب سوق التصدير، مثل الليمون اليوركا، الذي تتجه العديد من الشركات الكبرى لزراعته لأنه يطرح طوال العام دون تصويم، وبالتالى يعد من الأنواع التي تتناسب مع التصدير، مشيرا إلى أن هذا النوع كان يعد من الشتلات المستوردة، وتم تهجينه ليصبح من الزراعات المصرية، وكل عام أصحاب المزارع تزرع منه شتلات جديدة خاصة أنه يستخدم في العديد من الصناعات مثل الأدوية والعطور بجانب بعض الاستخدامات الأخرى المطلوبة للأسواق الأوروبية تحديدا. ويرى الجزار أن استخدام الليمون خلال الأعوام الثلاثة الماضية في صناعات مختلفة، مثل الأدوية والعطور بجانب مصانع التجفيف لتصديره، أسهم في رفع أسعاره نسبيا، ولكنه يتوقع أن سعر المحصول الجديد سيكون مناسبًا. واستطرد الجزار: الذي يساهم في زيادة السعر هو دورة الليمون من المزارع للتاجر، فالمطلوب تقليص هذه الحلقات حتى يكون السعر مناسبا للجميع، وهناك عدة أسباب أخرى تساهم في رفع الأسعار منها ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وخاصة الأسمدة والمبيدات بأنواعها. ليست التغيرات المناخية هي المشكلة الوحيدة التي تواجه أصحاب مزارع الليمون، بل إن هناك عددا من الآفات والإصابات التي تهدد المحصول أبرزها مرض «التصمغ» الذي يقضى على أشجار كاملة ويحتاج إلى مكافحة دائمة، بالإضافة إلى ذبابة الفاكهة وآفة صانعة الأنفاق، والتى كلفت الجزار ما يزيد على 100 ألف جنيه للحفاظ على المحصول، وقال: «هناك أمراض الأعفان التي تصيب أشجار الليمون بكثرة مؤخرا، حيث تتنوع الآفات والحشرات كل عام، وهناك آفات تنشط في الحر وتتكاثر بشكل أسرع وتحتاج إلى دورة مكافحة كل 15 يوما».

أما مرض التصمغ فاستطاع أصحاب المزارع السيطرة عليه، وكان ذلك باستخدام محلول «بردور» وهو جير حى وكبريتات النحاس وبعد إذابتهما يتم دهانهما على الشجر، عقب إزالة مكان الإصابة، لوقف نشاط الفطر. تحتاج المزارع الموجودة بالأراضى الصحراوية إلى مراحل تجهيز تختلف عن الأراضى الطينية لاستقبال أشجار الموالح، حسبما قال الجزار: «مزرعتى لم يتعد عمرها 3 سنوات، ومراحل تجهيز الأرض تعتمد على إعداد شبكة الرى واستخدام المواد العضوية لتجهيز التربة ثم جلب الشتلات وخاصة شتلات الأمهات التي يفضلها بعض أصحاب المزارع فهى الشتلات التي يتم تجهيزها في المشتل قبل الزراعة لمدة عام». وفق بيانات وزارة الزراعة فإن المساحة المزروعة بالموالح على مستوى الجمهورية، تمثل 477 ألف فدان، منها 444 ألف فدان مساحة مثمرة، وتتنوع الزراعات بين الطينية والصحراوية وتنتج هذه المساحة حوالى 4 ملايين ونصف المليون طن موالح (برتقال صيفى- بلدى- سكرى- يوسفى- ليمون- جريب فروت)، للإنتاج المحلى والتصدير، وتعد محافظة البحيرة وخاصة النوبارية أحد المراكز الرئيسية لزراعة الموالح يليها القليوبية والمنوفية والشرقية. وهو ما جعل الدكتور رمضان أبوسريع رئيس قسم الموالح السابق بمعهد بحوث البساتين، يطالب الدولة بضرورة الاهتمام بالتصنيع الزراعى وقبلها الإرشاد الزراعى، والذى من شأنه المساهمة في زيادة الإنتاج والتصدير، مشيرا إلى أن أنواع الليمون المتواجدة في مصر هي ليمون البنزهير البلدى وهذا المفضل للسوق المصرية، والأضاليا وهذا غير محبب لدى الشعب المصرى ويتم تصدير النوعين أيضا. وأكد أبوسريع أنه لا يوجد تناقص للمساحات المزروعة من الليمون بشكل خاص والموالح بشكل عام، ولكن المساحات المزروعة تزداد وخاصة في الظهير الصحراوى والوادى الجديد، إلا أنه في عامى 2011 و2012 توقف التصدير وأصبح الإنتاج الموجود أكثر من حاجة السوق وتسبب هذا في خسارة أصحاب المزارع، وبالتالى توقفوا عن زراعة الليمون والموالح لفترة، ولكن كانت فترة استثنائية وعادت الزراعات مرة أخرى بل زادت مؤخرا خاصة في المزارع الخاصة. «أى مساحة جديدة يتم زراعتها نوصى بأن يكون الرى بالتنقيط حسب احتياجات الشجرة وعمرها».. هكذا يشدد الدكتور رمضان، لمواجهة نقص المياه المتوقع خاصة في الظهير الصحراوى.

وفى الوقت الذي توقع فيه البعض أن ارتفاع أسعار الليمون خلال الفترة الماضية، بسبب ارتفاع التصدير، نفى أبوسريع ذلك، مؤكدا أن الإنتاج من أشجار التصويم قليل ولا يكفى للتصدير والسوق المحلية، وبالتالى ترتفع الأسعار نتيجة قلة المعروض في ظل تزايد الطلب عليه، وبالتالى انخفاض أسعار الليمون أو عودتها للمعدل الطبيعى مرهون بالإنتاج في المواعيد الطبيعية والتى تبدأ من شهر أغسطس وحتى يناير المقبلين.