المبيدات الزراعية سيف ذو حدين، فإذا كانت منتجة وفقا للمواصفات وتم استخدامها بشكل آمن فإنها تزيد الانتاج، وإذا جرى غشها أوانتاجها دون المواصفات فإنها تزيد تكاليف الزراعة وتعوق التصدير وتضر صحة الفلاح والمواطن.لهذا اتخذت الجهات الحكومية المعنية إجراءات لزيادة الاستفادة من المبيدات المعتمدة وللحد من مخاطر المبيدات المغشوشة ، وهومايتضح فى التحقيق التالي.
ففى الآونة الاخيرة شهدت الأسواق انتشارا كبيرا للمبيدات الزراعية المغشوشة بشكل يهدد صحة المواطنين بمخاطر شديدة، وكذلك صحة الفلاحين، كما يهدد استراتيجية الدولة فى التوسع بالصادرات الزراعية، حيث تقوم وزارة الزراعة ب حملات تفتيشية واسعة لضبط المبيدات غير المصرح بها، وكان آخرها ما أعلنته لجنة المبيدات بالوزارة من أن إجمال ما تم ضبطه من مبيدات غير مسموح بتداولها خلال يوليو الماضى نحو 461076 عبوة مختلفة الأحجام والسعات غير مصرح بتداولها بما يوازى 230٫54 طن مبيدات.
وبجانب الحملات الرقابية التى تنفذها وزارة الزراعة، تبذل الدولة جهودا تجاه توعية الفلاح لمواجهة مخاطر الاستخدام الخاطئ للمبيدات، وكان من أهمها ما أطلقته وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، ممثلة فى لجنة مبيدات الآفات الزراعية بالتعاون مع مشروع حياة الذى تنفذه منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «يونيدو»، من حملة توعوية مصورة لتعزيز مفهوم مخاطر التطبيق والتداول الآمن للمبيدات فى المزارع والمنازل وتشجيع الأسر الريفية المصرية على تبنى ممارسات أكثر أمنا، من خلال 20 فيديو رسوم متحركة تتناول هذا الموضوع إعلانها خلال يوليو الماضي. كما أعلنت لجنة المبيدات والآفات الزراعية، التابعة لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، مطلع العام الحالي، أول تطبيق، لتأهيل مستخدمى المبيدات فى الحقول، للعمل فى القطاع الزراعي، والاستفادة من برامج مستخدمى المبيدات التى تنفذها لجنة مبيدات الآفات الزراعية بالوزارة، للحد من مخاطر سوء استخدام المبيدات على الصحة العامة والبيئة.
الاستخدام الآمن
أصدرت الإدارة المركزية للبساتين والمحاصيل الزراعية التابعة لوزارة الزراعة، عددا من الإرشادات الفنية الخاصة ب الاستخدام الآمن للمبيدات وكيفية التخلص منها بطرق تحافظ على سلامة الفلاح وسلامة بيئته فى صورة رسوم توضيحية، وأوصت الإدارة بأهمية استخدام المكافحة الحيوية لكونها نموذج مكافحة آمنا لصحة المنتج الزراعى ومطابقته مواصفات التصدير، وأيضا كونه نموذجا يحقق التنمية الزراعية المستدامة، بينما واصلت وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي، ممثلة فى لجنة مبيدات الآفات الزراعية، حملات تفتيشية مفاجئة على أسواق ومنافذ ومحال بيع المبيدات الزراعية للتأكد من المنتج المطروح وتتبع المنتجات المصنعة لمواجهة تصنيع بير السلم ، وحظر المبيدات غير المسجلة من قبل وزارة الزراعة، وضبط المجهولة المصدر، وضبط المغشوش وتحويل جميع المخالفات لجهات التحقيق لاتخاذ ما يلزم تجاه المخالفة، حفاظ على الصحة العامة وجودة الإنتاج الزراعي.
يقول الدكتور مصطفى عبدالستار نائب رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية :إن المبيدات المغشوشة أو المهربة أو الاتجار غير الشرعى فى المبيدات تعد ظاهرة عالمية موجودة بجميع الدول، فهى فى الاساس حرب بين الخير والشر، فتجد فى اوروبا -ورغم القيود والرقابة الشديدة بها- أن الاتجار غير الشرعى فى المبيدات يصل إلى 20 % وفى الصين والهند قد تصل إلى 30 %، وفى مصر كانت نسبة الاتجار غير الشرعى فى المبيدات منذ 5 سنوات نحو 17 %، والآن وصلنا إلى 14 %.
وأكد الدكتور مصطفى عبدالستار أن السبب فى انتشار المبيدات المغشوشة يرجع أولا إلى سهولة غش تلك المبيدات وتركيبها وتعبئتها وبيعها بالاسواق. وخلال السنوات الأخيرة، يتم ضبط نحو نصف مليون عبوة كل عام، وخلال العام الماضى تمكن مفتشو الوزارة من تنفيذ نحو 50 ألف زيارة تفتيشية سواء على المحال أو المصانع ونحاول زيادة تلك الزيارات طبقا لإمكانات الوزارة فى هذا الصدد. وقد وضعت مصر شروطا محددة لتسجيل المبيدات للتأكد من صلاحية تلك المبيدات ودقة الاختبارات التى أجريت عليها والدول المصنعة لتلك المبيدات ومدى تطبيقها المعايير الدولية خلال التصنيع.
«مطبق مبيدات»
وأكد نائب رئيس لجنة مبيدات الآفات الزراعية أن اللجنة تقوم ببحث الحلول الممكنة لمواجهة انتشار المبيدات المغشوشة ومنها وضع نظام يلزم محال بيع المبيدات وجود مدير مسئول حاصل على دورة تدريبية من خلال لجنة المبيدات بالوزارة تمكنه من إدارة المحل. وبالفعل تم تفعيل هذا النظام بجميع المحال الزراعية فى مصر والبالغ عددها نحو 5700 محل، كما تم انشاء نظام استحداث مهنة زراعية جديدة تسمى «مطبق مبيدات» وهو الشخص الذى يقوم برش المبيدات ويتم تدريبه على كل سبل الاستخدام الأمثل للمبيدات بالاشتراطات الصحيحة. ونجحنا حاليا فى اعتماد نحو 12 ألف مطبق مبيدات وخلال السنوات القادمة سوف نصل لمرحلة عدم رش المبيدات الا من خلال مطبقى المبيدات لضمان التعامل الصحيح معها والوصول لأفضل نتائج ممكنة من استخدامها. كما تم إطلاق برنامج لتدريب المرأة الريفية وزيادة توعيتها بالثقافة الزراعية السليمة وكيفية التعامل الآمن مع المبيدات، وقد حقق هذا البرنامج نجاحا كبيرا وشهد تجاوبا شديدا من السيدات خاصة بمحافظات الصعيد.
من جانبه، أكد الدكتور علاء عزوز رئيس قطاع الارشاد بوزارة الزراعة أن الوزارة تهتم اهتماما شديدا بنشر ثقافة ومفهوم الاستخدام الآمن والامثل لمبيدات الآفات الزراعية من خلال نشر التوصيات الفنية الخاصة باستخدام كل مبيد لأن هناك أنواعا مختلفة من المبيدات تستخدم لأغراض المكافحة التى تظهر خلال عمليات الانتاج الزراعي، وطبعا كل مبيد له جرعات محددة ويجب على الفلاح الالتزام بتلك الجرعات حسب توقيتاتها، مع مراعاة كل ما يتعلق بإجراءات الأمن والوقاية خلال استخدام تلك المبيدات لحماية الفلاح من الآثار الضارة لتلك المبيدات على صحته. كما تجب مراعاة استخدام الجرعات المحددة والفترة المناسبة بين الرش والحصاد لأن توقيت الحصاد الزراعى يختلف تبعا لنوع المبيد وتبعا لنوع المحصول لأن المبيد يبدأ بالتكسر خلال فترة معينة ولا يمكن استخدام هذا المحصول الا بعد التأكد من تكسر هذا المبيد بشكل كامل.
والمح الدكتور علاء عزوز إلى أن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضى تقوم بالتوسع فى نشر المفهوم التطبيقى لاستخدام المبيدات، من خلال لجنة مبيدات الآفات الزراعية بالوزارة، التى تقوم بتدريب وإعداد «مطبقى المبيدات» الذين يتولون عملية الرش واستخدام المبيدات بصورة آمنة طبقا للمواصفات والمعايير المحددة من قبل الوزارة. وتتولى جهات الإرشاد الزراعى إطلاق حملات التوعية للفلاحين وإعداد نشرات .
مستشارك الزراعى
وذكر أنه يتم إصدار النشرات الزراعية المطبوعة بشكل دورى كل شهر، كما يوجد على النايل سات بث دائم لقناة مصر الزراعية التى تقوم بتوصيل كل الخدمات الارشادية للمزارعين فى كل المجالات الزراعية والانتاجية بكل الاقسام، كما يوجد برنامج مستشارك الزراعى والعديد من البرامج الأخرى التى تستضيف المتخصصين بالمجالات الزراعية لتوضيح كل المعلومات والارشادات الخاصة بها، وكل محصول له توصياته الخاصة سواء فيما يخص سبل الزيادة الانتاجية لتلك المحاصيل أو طرق الاستخدام الأمثل للمبيدات ونوعية المبيدات المستخدمة لهذا المحصول والتوقيتات المناسبة لها للوصول إلى أفضل النتائج الممكنة من خلال تلك المبيدات بأقل الأضرار. وأشار إلى وجود المدارس الحقلية التى تستضيف المزارعين فى مجموعات لتعريفهم بكل ما يتعلق بالتعامل مع المحاصيل المختلفة.
تأثيرات سرطانية
وحول المشكلات التى تسببها المبيدات المغشوشة سواء على صحة المواطن أو على الانتاجية الزراعية، اكد الدكتور شكر عبدالسلام مدير المعمل المركزى للمبيدات بوزارة الزراعة أن هناك عدة مشكلات تكمن فى استخدام مبيدات الافات الزراعية المغشوشة أو غير المصرح باستخدامها وتتمثل فى أن تلك المبيدات قد تكون معدومة الكفاءة والفائدة أو لم يتم اختبارها على الآفة التى تستخدم من أجلها، وهى تأثيرات تؤدى إلى خسائر مادية وضعف الانتاجية الزراعية للفلاح، كما تؤدى تلك المبيدات إلى أضرار كبيرة على صحة الانسان.
وأكد ان لكل مبيد توصيات خاصة توضح طرق استخدامه والجرعات المحددة له طبقا لكل محصول على حدة، ويتم تحديد تلك الجرعات من قبل هيئة الكودكس الدولية والاتحاد الأوروبى ووكالة حماية البيئة الأمريكية، وهى توصيات تحدد طبيعة استخدام كل مبيد لكل محصول والنسب التى تؤدى إلى أفضل النتائج الزراعية دون إحداث أضرار للبيئة، والجرعات المناسبة ومواعيد حصاد كل محصول بعد رشه بالمبيدات. وحذر من أن عدم الالتزام بتلك التوصيات يؤدى إلى نتائج سلبية على الانتاجية الزراعية.
حملات تفتيشية
وطالب بتغليظ عقوبة الاتجار فى المبيدات غير المصرح بها من جنحة إلى جناية، وتوقيع عقوبة مالية مغلظة وفى حالة تكرار الاتجار غير الشرعى فى المبيدات توقيع عقوبات تصل إلى السجن بمدة لا تقل عن عام، للحد من انتشار المبيدات غير الشرعية والتى يتم ضبطها بكميات كبيرة، ففى 2017 تم ضبط نحو 249 طن مبيدات غير شرعية، وفى 2018 تم ضبط 171 طنا، وفى 2019 تم ضبط 112 طنا وتم ضبط نحو 282 طنا خلال عام 2020 حتى الان.وتم تحرير 981 محضر غش للمبيدات خلال عام 2017و 615 محضرا عام 2018، وفى 2019 بلغ إجمال المحاضر 731 محضرا، وحتى الان تم تحرير نحو 280 محضرا خلال 2020.
تهريب مستمر
أما حسين أبوصدام نقيب الفلاحين فأكد أن الدولة قامت بدور كبير فى الحد من انتشار مبيدات الآفات الزراعية المغشوشة وغير المسجلة ولكن نحتاج إلى مزيد من الجهود لضبط كل المبيدات المغشوشة خاصة فى محافظات الصعيد، وأشار إلى أن ضبط كميات كبيرة من المبيدات المغشوشة .
ونوه إلى أنه يتم استخدام أكثر من 10 آلاف طن مبيدات سنويا وتلك كميات كبيرة جدا، وتتطلب البدء بتعزيز مفهوم الحد من استخدام تلك المبيدات ونشر ثقافة استخدام المبيدات الطبيعية بدلا من الصناعية، وأكد أهمية تعزيز مفهوم التداول الآمن لاستخدام مبيدات الآفات الزراعية عند الفلاح المصرى عن طريق تقنين استخدام المبيدات المعتمدة، ونشر ثقافة كيفية رش تلك المبيدات واستخدامها فضلا عن التوسع فى الإرشاد الزراعى على أوسع نطاق بجميع انحاء الجمهورية للتوعية بخطورة استخدام المبيدات بكميات غير مناسبة أو فى غير مواعيدها، كما يمكن نشر سبل التعرف على المبيدات الآمنة والتعامل مع الجهات المرخصة لتداول المبيدات، من خلال التدريبات المختلفة والندوات والمؤتمرات ووسائل الاعلام والمواقع الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
قانون الزراعة الموحد
من جانبه، قال اللواء هشام الحصري ، عضو مجلس النواب ورئيس لجنة الزراعة بالمجلس، إن انتشار المبيدات المغشوشة فى مصر أصبح ظاهرة خطيرة وله أضراره البالغة على صحة المواطن وعلى قطاع تصدير المنتجات الزراعية، مشيرا إلى أن أسباب الظاهرة ترجع إلى عدم توافر الوعى المطلوب لدى المزارع والذى يمكنه من التفرقة بين المبيد المصرح به وبين المبيد المخالف، إضافة إلى عدم وجود رقابة كافية على محال ومنافذ بيع المبيدات والمصانع أيضا وذلك نظرا لقلة عدد العاملين فى مجال الرقابة وعدم منحهم الضبطية القضائية، كما أن المزارع ونظرا لظروف ارتفاع الاسعار وتكاليف الزراعة يلجأ إلى الاعتماد على المبيدات الأقل سعرا دون النظر إلى جودة المبيد. ويرى رئيس لجنة الزراعة أنه لمعالجة هذه القضية بشكل مثالي، يجب تشديد العقوبات على متداولى المبيدات المغشوشة وهو ما يتم تداركه فى تعديل قانون الزراعة الموحد الجديد حيث إن إعداد القانون قد بلغ مراحله النهائية للعرض على البرلمان قريبا، ولابد من زيادة اعداد القائمين بالرقابة على المبيدات ومنحهم صفة الضبطية القضائية، كما يجب أيضا توفير التوعية الكاملة للمزارعين ليتمكنوا من التفرقة بين المنتج المغشوش وبين المصرح به.
وكشف عن أنه تم مؤخرا إصدار قانون الزراعة العضوية وتم إقراره بمجلس النواب حيث يسهم فى إنتاج زراعات خالية من المبيدات مما يساعد فى زيادة الصادرات الزراعية، وحماية المجتمع من الآثار المدمرة للاستخدام الخاطئ للمبيدات، مؤكدا أن الحل الأهم للحد من انتشار المبيدات المغشوشة يكمن فى تشديد العقوبات وتفعيل الدور الرقابي، ودعمه بما يمكنه من أداء دوره الرقابى بشكل قادر على ضبط أداء سوق المبيدات وحماية الفلاحين من الغش التجارى للمبيدات.