بعد تقلص ساحة الوادى والدلتا.. "الأراضى الزراعية" خط أحمر

بعد تقلص ساحة الوادى والدلتا.. "الأراضى الزراعية" خط أحمر

فقدنا مليون فدان منذ الخمسينيات ..ومحافظتا المنيا والبحيرة الأعلى تعديا


رئيس الإدارة المركزية لحماية الأراضى بالزراعة:


لجان للمتابعة ومراقبة بالأقمار الصناعية وإزالة فورية ..وإحالة المخالفين الجدد للمحاكمة


وكيل مجلس النواب: الانتهاكات عمرها 70 عاماً ..والإدارة المحلية فرطت فى أهم ثروة للأمن الغذائي


نقيب الزراعيين: مطلوب حملات توعية ..وعلى الجميع التكاتف لوقف البناء المخالف على الزراعات


د. جمال صيام: خسائرنا تريليون جنيه أصولا زراعية .. والحل الجذرى يستلزم توفير البديل السكنى لأبناء الريف


 


برغم سخونة أزمة قانون المخالفات الذى استغلته جماعات الشر فى الترويج ونشر الشائعات فإن الحكومة والدولة المصرية بكامل أجهزتها كانت حاسمة وواضحة، فقد انحازت الدولة إلى المواطن للتخفيف عنه وفى الوقت نفسه أكد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء موقف الحكومة المتشدد فى منع التعديات على الأراضى الزراعية وأنه لن يسمح بإهدار قيراط واحد من الرقعة الزراعية .


تحقيقات «الأهرام» تطرح السؤال المهم حول كيفية الحفاظ على الرقعة الزراعية خلال المرحلة المقبلة، وكذلك ما يتعلق بالإجراءات التى ستقوم بها وزارة الزراعة متمثلة فى قطاع حماية الأراضى... وتفاصيل أخرى فى سطور التحقيق التالى..


بداية نشير إلى أن الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء خلال اجتماعه بالقليوبية كشف الستار عن كارثة مخالفات البناء على الأراضى الزراعية ، وضرب مثالاً حياً بمنطقة الخصوص التى تحولت إلى غابات خرسانية بُنيت بشكل عشوائى على أراض زراعية خصبة لدرجة أن الدخول إليها أصبح أمراً صعباً، حيث ان عرض الشوارع لا يتجاوز 4 أمتار.


ما ورد على لسان رئيس الحكومة فتح النقاش حول ملف التعديات على الأراضى الزراعية بجميع محافظات الجمهورية، وهو ما دعانا إلى مقابلة المسئول الأول عن هذا الملف بوزارة الزراعة المصرية الدكتور أنور عيسى رئيس الإدارة المركزية لحماية الأراضى الذى سألناه عن مساحة مصر المزروعة الآن وعما تم إهداره فقال: لدينا حالياً قرابة 6 ملايين فدان من أجود الأراضى الزراعية بالوادى والدلتا وهى مساحة غالية جدا يجب أن نحافظ عليها بكل إصرار ونمنع الاقتراب منها، ويكفى أننا فقدنا منذ عام 1980 حوالى 400 ألف فدان منها 90 ألف فدان منذ أحداث 25 يناير وهى ارقام كبيرة تدعو للإنزعاج، وهى المبرر الرئيسى لوقفة الدولة بكامل أجهزتها لمنع التعديات.


سألناه: وماذا عن مساحة كل الأراضى الزراعية على مستوى البلاد؟


أجاب: تمتلك مصر قرابة 9.5 مليون فدان وهى مساحة جيدة لكننا نحتاج إلى المزيد لكى نعوض الاحتياجات الإستراتيجية من السلع والأغذية وفرص العمل وكذلك توفير العملة الصعبة وغير ذلك، لكن المهم الآن أن نحافظ على المساحة القديمة ونمنع البناء على الأراضى الزراعية، مشيرا إلى أن اعتقاد المواطن خاطئ فيما يخص تحقيق المكسب المادى من البناء على الأراضى الزراعية لأن ربع فدان زراعى يمكن أن تنفق منه أسرة صغيرة، وإذا قمت ببيعه أو البناء عليه فسوف تفقد العائد منه ولذلك نحن نقوم بتوعية المواطنين بأهمية وقيمة الأراضى الزراعية فى حياتنا ومستقبل أولادنا.


ويضيف رئيس الإدارة المركزية لحماية الأراضى أن المرحلة القادمة سوف تشهد تعاملاً مختلفاً مع هذا الملف وتطبيقاً للقانون ومتابعة فورية وإلكترونية وذلك من خلال الوحدة المركزية للمتغيرات المكانية وهذه الوحدة سوف يتم عمل فروع لها بالمحافظات وبها حالياً فرعان بالمنيا والقليوبية وسوف تعتمد على الوسائل الحديثة والاقمار الصناعية وكذلك المتابعات الميدانية ولجان حماية الأراضى والمهندسين المتخصصين، فعندما توجد أى مخالفة سوف نتعامل معها على الفور وسوف يُحال من يرتكب المخالفة إلى المحاكمة العسكرية ولن يُسمح بما كان يحدث فى الماضى.


قلنا له: ماذا عن المناطق الأكثر فى المخالفات ولماذا الزراعة وجهاز حماية الأراضى كانت متهمة بالتراخى فى التعامل مع هذا الملف؟


أوضح أن الزراعة تتحرك وتتعاون مع كل الأجهزة فى الدولة وليس هناك أى تراخ، وهناك بعض المناطق شهدت تعدياً كبيراً وأخرى أقل، فمثلاً محافظة المنيا تعد الأعلى من حيث التعديات وتليها البحيرة والغربية والقليوبية والمنوفية وأسيوط وهكذا، وأظن أن التعديات سوف تتوقف لأن الدولة تنفذ الآن مخططاً كبيراً للتوسع الأفقى والرأسى وتوفير المساكن البديلة فى أراضى الظهير الصحراوي، فهناك جهود كبيرة لوزارة الإسكان هذه الجهود تخفف من الضغوط على الأراضى القديمة.


دور الجمعيات الزراعية


وحول دور الجمعيات الزراعية أكد عيسى أن التنسيق بين الجمعيات الزراعية وجهاز حماية الأراضى بالمديريات والإرشاد وغيره سوف يتم على كل المستويات لتحقيق الهدف وتطبيق القانون على الكبير والصغير، وطالما أن أعلى السلطات فى الدولة تتصدى لهذا الملف فسوف يتم غلقه ولن يتجاوز أحد الحيز العمرانى لأى منطقة زراعية، ولفت عيسى النظر إلى خطة الدولة فى استصلاح ال 1.5 مليون فدان ومشروع الصوب الزراعية وغيرها، ولك أن تتخيل أن الفدان الواحد يتكلف من 150 إلى 200 ألف جنيه للاستصلاح، ولذلك ففقد 400 ألف فدان خلال 40 عاماً يعد خسارة لا تعوض فى ظل الاحتياج لتوفير الغذاء لأكثر من 110 ملايين نسمة.


عمر طويل من الانتهاكات


أما السيد الشريف وكيل مجلس النواب فيشير إلى أن تعليمات الرئيس وتصريحات رئيس الحكومة حول المصالحات فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية تؤكد استشعار الدولة بكل ما يخدم المواطن، كما أنه الهدف الأساسى لكل السياسات التى تصب فى مصلحة المواطن، وهو ما يجعلها تقدم القوانين والقرارات التى تخدم المواطنين، ولكن للأسف الشديد ما تم خلال السبعين عاما الماضية منذ عام 1952 وهو عمر طويل من الانتهاكات لحرمات ما نملكه من مقومات فى قطاع الزراعة وبالتالى كان من الواجب علينا اتخاذ القرار الصعب لعودة المنظومة الطبيعية والحفاظ على ما تبقى من الرقعة الزراعية ، لذلك الدولة لديها توجه لوقف ذلك الأمر وكان ذلك هو أحد أسباب إصدار قانون التصالح فى مخالفات البناء الذى اتخذ وقتا طويلا من المناقشة، وكل هذه القرارات هدفها تخفيف الحمل عن المواطن وأنه ليس الوحيد متحمل المسئولية ولكن الإدارات المحلية المتعاقبة طوال الفترات السابقة وما كان يحدث من مجاملات انتخابية فى لحظات فاصلة كانت تؤدى إلى قناعة المواطن بارتكاب المخالفة ثم يأتى بعد فترة للتصالح، هذا الأمر كان لابد ان يقف عند نقطة انطلاق جديدة ولذلك فإن مشروعات الدولة فى التوسع الأفقى ستكون احد المكملات الرئيسية لإنشاء مشروعات زراعية ومجتمعات منظمة أيضا خارج هذا النطاق سواء فى الجزء الشرقى أو الغربى فيما تعمره مصر من أراضى وسيتبع هذا الأمر إنشاء مشروعات رى حديثة ومجتمعات عمرانية جديدة منظمة بشكل يكفي، ويعمل على امتصاص الزيادة السكانية بمعنى الاعتماد على الحلول الجذرية للمشاكل التى نعانى منها منذ عشرات السنين.


وأضاف وكيل مجلس النواب أن التجمعات العشوائية الحالية المفزعة تمثل تحديا رئيسيا لتقديم الخدمات لسكانها، خاصة مشروعات الصرف الصحى ومياه الشرب النقية فى القرى والتوابع التى زاد عددها خلال السنوات الأخيرة منذ أحداث يناير حتى الآن قرابة 5 آلاف تابع وعزبة كلها كانت على حساب الرقعة الزراعية ، وأن الحديث عما تقوم به الدولة من مشروعات فى الطرق والصرف الصحى ومياه الشرب والكهرباء تحتاج إلى دولة منظمة، والمفروض أن يتم الاستمرار فى تلك الإصلاحات وإيقاف التعديات وكل ذلك يصب فى مصلحة المواطن وبناء الدولة الحديثة بمفهومها الشامل.


توفير أراض للسكن


وطالب السيد الشريف بضرورة الإسراع فى إعداد المخططات التفصيلية لاستخدامات الأراضى بالمحافظات والمدن لوضع حد لتلك العشوائية وتطبيق عقوبات مشددة على من يتعدى على الأراضى الزراعية بالتوازى مع توفير أراض صالحة للسكن بديلة للمواطنين بأسعار معقولة، كما يجب الإسراع فى تطهير وإصلاح المحليات بنفس الجرأة التى تم اتباعها فى مواجهة التعديات على الأراضى الزراعية فى عدة خطوات رئيسية تبدأ بالحوكمة أو الدولة الرقمية بمعنى أن المواطن يستطيع أن يستخرج جميع الأوراق المطلوبة والتصاريح الخاصة من خلال المكاتب الاستشارية باتصالاتها بأجهزة الحاسب الآلى وان يكون هناك كود ملزم لكل عمل وهو ما يخفف الاحتكاك المباشر بالموظفين مع المواطنين، ثم إحلال وتجديد قيادات المحليات بتدريب كوادر على درجة علمية لقيادة المحليات على مستوى القرى والنجوع حتى على مستوى المدن والمحافظة، وأيضا القضاء على العشوائية فى اتخاذ القرارات فى المحليات ولذلك فنحن فى أمس الحاجة إلى إصدار قانون المحليات وانتخابات المحليات لدورها الاصلاحى على أن يكون لها دور رقابى فالمحليات تستطيع ان تعلم احتياجات كل منطقة وكل قرية بعينها بناء على الخطة القومية الموضوعة وكذلك العمل على إنهاء ما يعرف بمركزية القرارات فما يصلح فى منطقة او قرية لا يصلح فى منطقة أخري، ولك أن تعلم أن المحافظ لا يستطيع أن يقوم بتعيين أو نقل وكيل وزارة داخل محافظته، وبالتالى نجد أن عملية الإصلاح تشهد بطئا شديدا وتحتاج إلى تقوية صلاحيات المحافظين وهو ما تمت مراعاته فى مناقشة مشروع القانون خلال تلك الدورة والذى نأمل أن يكون فى مقدمة أجندة المجلس المقبل والذى تم فيه مراعاة عدم اعتماد مركزية الموازنات فنحن نريد ان نعطى دفعة قوية لبعض المناطق لتكون مناطق جذب.


قضية أمن قومي


اما الدكتور سيد خليفة نقيب الزراعيين فيرى أن وقف التعديات ليس مجرد قرار عادي، ولكنها قضية أمن قومى وأمن غذائى ويجب على الجميع التكاتف لوقفها وقد بدأت منذ الثمانينيات، وقد جاء عرض رئيس الوزراء واضحاً وبالأرقام وهو مؤشر خطير، وكذلك الأحوزة العمرانية أضافت 160 ألف فدان منذ عام 2009 حتى الآن.


السؤال المهم الآن .. أهالينا فى الريف الذين يحتاجون إلى مساكن.. كيف نوفرها لهم؟


أجاب خليفة أن الدولة قد وعدت بالبناء لهم والاهتمام بمشاكلهم وتوفير البدائل وهو الحل.. ولذلك أى شخص سوف يتعدى على الأراضى سنقف له بالمرصاد، وأتوقع أن يلتزم الجميع بهذا القرار لأن هذه الأراضى تكونت على مدى مئات السنين وهذا ليس أمراً سهلاً فى ظل تكاليف الاستصلاح، مضيفاً أن مصر تستورد حالياً حوالى 55% من السلع الغذائية تكلف الموازنة العامة للدولة مبالغ طائلة، ومع استمرار التعدى على الأراضى ستزداد قيمة الفاتورة، والدولة أطلقت حزمة من المشروعات الكبرى لتوفير الغذاء فمن الأولى أن نتوقف عن التعدى.


قرى الظهير


ويرى خليفة أن مصر تحتاج إلى توعية إعلامية وزراعية بهذا الملف وأن يكون هناك دور مجتمعى وأن تعقد ندوات فى القرى والريف من خلال جمعيات المجتمع المدنى ووسائل الاعلام، ويجب أن تفكر فى حلول لمناطق الدلتا خاصة تلك التى ليس لها ظهير صحراوي، وتحتاج إلى مراجعة كل هذه الملفات وكذلك محافظات الصعيد وما سبق طرحه من خلال مشروع قرى الظهير منذ عام 2004.


وحول حجم خسائر الاقتصاد القومى الناتج عن التعديات على الأراضى الزراعية، يقول الدكتور جمال صيام استاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة القاهرة: إننا بشكل عام نجنى ثمار إهمال عشرات السنين وقد كبدتنا خسائر ضخمة مؤكدة والمشكلة الأساسية تتمثل فى التكدس السكانى على الرقعة الزراعية المعروفة بالأراضى القديمة والتى يعيش عليها قرابة 57 مليون نسمة وسيزيد عددهم فى السنوات العشر المقبلة ليصل إلى 72 مليون نسمة بحلول عام 2030 على نفس الرقعة الزراعية الحالية، خاصة أن الأراضى الجديدة لم تستوعب أى زيادة سكانية وهو ما يجب على الحكومة أن تقوم بعمل مزيد من عوامل الجذب لتستوعب المزيد من السكان خارج الوادي، ولمعرفة حجم الخسائر جراء التعديات لابد من معرفة الحجم الحقيقى لتلك التعديات فالتقديرات الرسمية أشارت إلى أنه تم تبوير 400 ألف فدان خلال الـ 40 سنة الماضية، إلا أن التقديرات الأخرى وهى الأقرب إلى الحقيقة والواقعية لدى الخبراء ترى أنه تم تبوير ما لا يقل عن مليون فدان خلال نفس الفترة وهو ما يشير إلى غياب بيان دقيق يوضح حجم التعديات على الرقعة الزراعية وان خسائر الفدان فى الأراضى القديمة يعادل 5 أفدنة فى الأراضى الجديدة من حيث السعر والانتاج، بل إن الخصوبة التى تشكلت خلال آلاف السنين بالأراضى القديمة لا يمكن تعويضها، أى أن خسائر المليون فدان تتطلب استصلاح مالا يقل عن 5 ملايين فدان من الأراضى الجديدة، وإذا كان سعر الفدان مليون جنيه فهذا يعنى أننا خسرنا أصولا زراعية قيمتها تريليون جنيه، وأيضاً فقدنا 20% من الأمن الغذائى وهو ما زاد من الفجوة الغذائية، وأصبحنا نستورد حوالى 55% من الغذاء، خاصة أن الأراضى المستصلحة لا يمكن أن نزرع فيها محاصيل أساسية كالقمح بإنتاجية عالية.


مواجهة الأزمة


وأضاف الدكتور جمال صيام أن مواجهة الأزمة بشكل جذرى يستلزم توفير مساكن بديلة لسكان الريف لأن قرار منع البناء &