الذهب الأبيض.. فى انتظار خطة الدولة لاستعادة عرشه

الذهب الأبيض.. فى انتظار خطة الدولة لاستعادة عرشه

القطن المصرى من المحاصيل الزراعية التى تتمتع بجودة عالية وشهرة تاريخية على مستوى العالم، لأهميته الاقتصادية التى تؤهله للاستخدام فى صناعة المنسوجات عالية الجودة، والذى عرف عنه بذهب مصر الأبيض منذ سنوات طويلة، ويعتمد عليه آلاف المزارعين فى ظل خطة الدولة الطموحة للنهوض بصناعة الغزل والنسيج وإعادة القطن المصرى إلى سابق عهده، من خلال تصور متكامل لمنظومة القطن بجميع محاورها الزراعية والتجارية والصناعية، وذلك بهدف تعظيم الاستفادة من الإمكانات المتاحة، وكذا المردود الناتج عن القطاعات ذات الميزة النسبية بالدولة لصالح الاقتصاد الوطنى، فى إطار اهتمام الدولة المصرية وعنايتها الخاصة للمحافظة على تواجده واستمراره وتحديث أصنافه من خلال الهيئات والقطاعات المختلفة، فى ظل تنفيذ استراتيجية جديدة يعتمد جزء كبير منها على تطوير القدرات التصنيعية للمحالج والمصانع المحلية للتصدير حفاظاً على أهمية المحصول ومكانته، ورغم أن محافظة الشرقية تعد ضمن المحافظات الرائدة فى زراعة محصول القطن، إلا أن هناك عددا كبيرا من المزارعين يطالبون بضرورة الاهتمام بتسويق المحصول وزيادة سعره، نظرا لتكبدهم مبالغ مالية كبيرة فى أعمال الزراعة والإنفاق على جنى المحصول وضعف العائد منه، وترك الفلاح عرضة لجشع التجار.


رصدت «المصرى اليوم» آراء مزارعى محصول القطن بالشرقية، حول أهم المشكلات التى تواجههم وأسباب عزوف البعض منهم عن زراعة المحصول.


يقول عصام محمد، مزارع، إنه استأجر قطعة أرض من مالكها ليقتات منها هو وأسرته وقام بزراعتها بمحصول القطن حتى يتسنى له سداد قيمة الإيجار والتى تقدر بمبلغ 10 آلاف جنيه للفدان، وأنفق على المحصول مبالغ مالية كبيرة من حرث ومبيدات وأسمدة زراعية وعضوية طوال فترة الزراعة، ناهيك عن العمالة التى تقوم بجنى المحصول والتى يصعب الحصول عليها، فى ظل استدانته للإنفاق على المحصول الذى يضع عليه آمالا كبيرة هذا العام على حد وصفه لتحقيق هامش ربح، مطالباً بضرورة مساندة الفلاح وتسويق المحصول ليوازى غلاء الأسمدة والعمالة والمبيدات بعيداً عن جشع التجار.


وأضاف عبده أبوسويلم، من المزارعين، أنه قام بزراعة فدان بمحصول القطن رغم تكلفة زراعته العالية من أسمدة ومبيدات زراعية قام بشرائها بأسعار مرتفعة، نظرا لعدم كفاية حصة الجمعية الزراعية، لافتا إلى أن معدل الفدان من 5 إلى 6 قناطير فى حين يقوم 14 عاملا بجنى القنطار الواحد ويتقاضى العامل 80 جنيها فى اليوم، فى ظل عدم توافر العمالة مما يضطرهم إلى التوجه للقرى المجاورة أو جنى المحصول بأنفسهم، ورغم كل ذلك لم يتمكن من تسويق المحصول فى ظل عدم وجود سعر معلن ومناسب يفى بتكلفته ويحقق هامش ربح لسداد قيمة إيجار الأرض وما تم إنفاقه على المحصول منذ زراعته.


وقال مجدى البقرى، من المزارعين، إن محصول القطن يعد من المحاصيل الزراعية التى تتمتع بأهمية اقتصادية عالميا ومحليا، وكان يعتمد عليه المئات من المزارعين لزواج أبنائهم وسداد ديونهم، إلا أن الحال تغير كثيراً فى الآونة الأخيرة ولم يعد المحصول يفى بتكاليف إنتاجه، فى ظل ترك الدولة الفلاح عرضة لتجار السوق السوداء الأمر الذى تسبب فى بخس ثمن المحصول، لافتا إلى أن محصول القطن كان مفخرة تتباهى به مصر أمام العالم فى الآونة الأخيرة، ولابد من وضع خطة طموحة للنهوض بصناعة الغزل والنسيج وإعادة القطن المصرى إلى سابق عهده، وحل مشاكل الفلاح البسيط الذى يواجه مشقة وعناء فى أعمال الزراعة، فضلا عن ارتفاع مقومات وتكاليف الإنتاج والأيدى العاملة، وتكبده لمبالغ مالية كبيرة يتم إنفاقها على محصول كان يعد العصب الأساسى للاقتصاد المصرى، وقال إذا تحدثنا عن التوازن فى الزراعة فلابد أن يكون هناك فكر واستراتيجية فى التخطيط، ووضع آلية مناسبة لتسويق المحاصيل الزراعية، وإلزام المصانع والشركات بأن تقوم بتسلم المحصول من المزارعين بسعر عادل حتى ولو بسعر التكلفة لتحقيق هامش ربح للفلاح، مطالباً الحكومة بمراجعة قراراتها لدعم المحصول وزيادة سعره مراعاة لظروف المزارع البسيط.


وأوضح محمد عبدالستار، النقيب العام للفلاحين الزراعيين، أن القطن المصرى كان يضرب به المثل ويتم تصديره لجميع الدول وكان يتهافت المزارعون على زراعته إلا أن إهمال الجهات المعنية وتكلفة زراعة المحصول العالية وقلة الإنتاج والعائد منه، أدى إلى عزوف الكثير من الأهالى عن زراعته، لافتا إلى أن أهم مشاكل زراعة القطن فى مصر تتمثل فى عملية التسويق، وترك الحكومة للفلاح ليقع فريسة تحت أنياب التجار ممن يتلاعبون بسعر القنطار لتحقيق أرباح لهم دون النظر إلى تكلفة زراعته فهو أمر غير مقبول على حد قوله، مؤكداً أنه كان يقوم بزراعة مساحة كبيرة من أرضه بمحصول القطن، وبدأ فى تقليص تلك المساحة نظراً لعدم تحقيق عائد وتكلفة زراعة المحصول العالية من بذور وعمالة ومبيدات وأسمدة زراعية وجنى للمحصول، مطالباً الحكومة ورئيس الجمهورية بضرورة مساندة الفلاح حرصاً على مستقبل الزراعة فى مصر.


وأرجع عفيفى قادوس، رئيس مجلس إدارة جمعية المحاصيل بالشرقية وعضو لجنة تجارة القطن بالإسكندرية، مشكلة القطن فى مصر لعدم تدخل الحكومة ممثلة فى وزارتى الزراعة والتجارة لدعم الفلاح، من خلال وضع سعر عادل يشمل تكلفة القنطار بداية من إيجار الأرض وتجهيزها من حرث وعزيق، مؤكدا أن عملية جنى المحصول وحدها توازى نصف التكلفة، فى ظل عدم تفعيل المادة 29 من الدستور الخاصة بحماية الفلاح ووضع سعر معلن، فضلا عن عدم تفعيل قانون الزراعة التعاقدية فى ظل مواجهة المزارع للظروف الجوية وزيادة تكلفة مستلزمات الإنتاج، الأمر الذى لم يؤثر على محصول القطن فحسب بل يؤثر على باقى المحاصيل الزراعية.


وقال رائف تمراز، وكيل لجنة الزراعة بمجلس النواب، إن محصول القطن من المحاصيل الاستراتيجية التى تعد بمثابة ثروة قومية، إلا أنه فى الآونة الأخيرة تراجع عدد كبير من المزارعين بالمحافظة عن زراعته بسبب ترك المحصول للسوق الحرة، وتكلفته العالية وقلة العائد منه، مطالباً بضرورة الرجوع إلى التسويق مرة أخرى من خلال التعاونيات والرجوع إلى الدورة الزراعية، وأن يتم استيراد ماكينات ومعدات لجنى المحصول آلياً، أسوة بالدول الأخرى نظراً للصعوبة البالغة فى الحصول على عمالة، والتى تكبد المزارع مبالغ مالية كبيرة يذهب معها 50% من إنتاج الفدان للإنفاق على العمالة دون تحقيق هامش ربح للفلاح.


وطالب بضرورة دعم الفلاح خاصة فى زراعة محصول القطن، فى ظل ما نادى به الرئيس عبدالفتاح السيسى بزيادة مساحات القطن هذا العام، والذى يساهم بشكل كبير فى تشغيل مصانع الغزل والنسيج، ويعمل على إتاحة فرص عمل للشباب، لافتا إلى أن المزارع يعمل وحده دون مساندة سواء من مركز البحوث الزراعية، أو الإرشاد الزراعى، خاصة أننا بحاجة إلى زيادة نسبة الزيوت المستخرجة من بذرة القطن، بالإضافة إلى تفل القطن والذى يستخدم كعلف حيوانى، وزيادة المساحات المزروعة والإنتاجية العالية مما يساهم فى حل مشكلة الأعلاف التى يتم استيرادها من الخارج، مطالباً بضرورة تطبيق المادة 29 من الدستور، والتى تنص على أن تلتزم الحكومة بشراء المحاصيل الزراعية الأساسية بسعر مناسب، وتوفير مستلزمات الإنتاج بما يوفر هامش ربح للفلاح وحمايته من الاستغلال.


من جانبه قال المهندس جمال أحمد كمال، مدير عام الإرشاد الزراعى بالشرقية، أن المساحة المزروعة بمحصول القطن بالمحافظة هذا العام تقدر بـ 30 ألف و567 فدانا صنف جيزة 94، مؤكدا أنه تم إعداد وتنظيم عدد كبير من الندوات الإرشادية، والمدارس الحقلية لتوعية المزارعين للنهوض بمحصول القطن بحضور وكيل الوزارة ومدير عام الإرشاد والمكافحة والتقاوى، والمرشدين الزراعيين والمعنيين بزراعة القطن، بالإضافة إلى عمل زيارات ميدانية لحقول القطن بالتنسيق بين الإرشاد الزراعى ومعهد بحوث القطن والإدارة المركزية للإرشاد، وإخصائى القطن بالمحافظة لمناقشة أهم التوصيات الفنية من مراحل عمر النبات ومقابلة المزارعين بحقولهم، فضلا عن إصدار التوصيات الفنية والإرشادية الخاصة لعملية الجنى المحسن، بالإضافة إلى التنبيه على المزارعين بضرورة إجراء رية خفيفة بين الجنية الأولى والثانية وإعطاء رشة وقائى ضد ديدان اللوز، والمحافظة على آخر لوزة من على النبات حتى اكتمال التفتيح.


وأضاف أن الجمعية الزراعية تقوم بتوفير الأسمدة والمبيدات الزراعية للمزارعين، وأن محصول القطن محصول صيفى ولا يحتاج إلى كميات كبيرة من المياه ويستفيد منه المزارعون الكبار الذين يقومون بزراعة مساحات كبيرة، نظراً لأنه يحسن من مواصفات التربة.


فيما أكد المهندس على لاشين، وكيل وزارة الزراعة بالشرقية، أن المديرية قامت بالمتابعة المستمرة لموسم جنى محصول القطن بمختلف قرى ومدن المحافظة، للحصول على إنتاجية مرتفعة ترجمة للمجهودات التى بذلتها وزارة الزراعة، متمثلة فى الإدارة المركزية للمكافحة بالتنسيق مع مركز البحوث الزراعية خلال الموسم طبقاً للتعليمات الوزارية، وذلك فى إطار الحملة القومية للنهوض بالمحصول حيث يتم تقديم الدعم الفنى لمزارعى القطن، وعمل ندوات إرشادية للمزارعين لتوضيح أهم التوصيات الفنية من مراكز البحوث والخاصة بمحصول القطن، فضلاً عن استنباط بذور جيزة 94 من نوع القطن طويل التيلة والتى تتمتع بإنتاجية عالية، حيث تتراوح إنتاجية الفدان منها ما بين 8 و10 قناطير، مؤكداً أنه فى إطار حرص وزارة الزراعة لترغيب الفلاح على زراعة محصول القطن وزيادة المساحات المزروعة تم فتح 15 حلقة تسويق منتشرة بمختلف مراكز ومدن المحافظة تحت إشراف وزارة الزراعة لضمان حصول المزارع على أعلى سعر وتسويق المحصول، مؤكدا تقديم كافة أوجه الرعاية والدعم الفنى والبذور المنتقاة للمزارعين للوصول لأعلى إنتاجية مرجعاً سبب انخفاض المساحة المزروعة بمحصول القطن إلى التوجه العشوائى فى الزراعة، واتجاه المزارع للمحاصيل ذات السعر المرتفع بالإضافة إلى عدم توافر العمالة التى تقوم بجنى المحصول، وأنه من المتوقع زيادة المساحة العام القادم طبقا لآليات السوق، موضحا أن هناك غرفة عمليات داخل المديرية تعمل على مدار 24 ساعة، بالتنسيق مع مركز البحوث الزراعية لمتابعة جنى المحصول وإزالة أى عقبات تواجه المزارعين.


فيما أكد الدكتور ممدوح غراب، محافظ الشرقية، أن المحافظة لا تألو جهداً فى تقديم كافة أوجه الدعم والمساندة للارتقاء بقطاع الزراعة، والمساهمة فى تخفيف الأعباء عن كاهل المزارعين وتذليل كافة المشاكل والمعوقات أمامهم، مؤكداً ضرورة توافر الأسمدة للمحاصيل الزراعية الصيفية مع مراعاة العدالة فى التوزيع طبقا للحصر الفعلى، منعا للمتاجرة بالأسمدة ووصولها لمستحقيها، وكذلك تفعيل دور المرشدين الزراعيين لتحسين وزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية.