الأوقاف آخر من تعلم: مزارعو «وقف قها الخيرى» مهددون بالطرد!

الأوقاف آخر من تعلم: مزارعو «وقف قها الخيرى» مهددون بالطرد!

على جانبى الطريق تمتد الأراضى الزراعية بمدينة قها التابعة لمحافظة القليوبية يزرعها الفلاحون منذ سبعين عاما بعدما استأجروها من هيئة الاوقاف وفقا لقانون «52 لاستئجار الأراضى الزراعية»، وقد توارثوها عن أبنائهم وأجدادهم وعاشوا من خيرها أعوامًا طويلة، هذه الأرض الخصبة تجود بأفضل المحاصيل الزراعية، وتعود ملكيتها إلى السيدة «بمبا قادن» من أسرة محمد على والتى أوقفت هذه الأرض لله بعدها قام الرئيس عبد الناصر إبان ثورة يوليو بتوزيع هذه الرقعة الزراعية على عدد كبير من المزارعين فى إطار قانون الاصلاح الزراعى ، ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك الأراضى حقاً مكتسبا للمزارعين يرعونها بكل إخلاص وتفان ويدفعون إيجارها السنوى ل هيئة الأوقاف بانتظام وظلت هذه الأرض مصدر الرزق لعشرات الاسر وأبنائهم


ورغم تعبهم وعمرهم الذى أفنوه فى الأرض ظهر من يدعى أنه مالكها وأنه قام بشرائها بموجب توكيل من مالك والذى بدوره هو الآخر اشتراها من مالك قبله بتوكيل آخر وهكذا، أى أن هذه الأرض (القطعة المتنازع عليها) لها عدة توكيلات حتى وصولها للمستحق الأصلى، وتقدر مساحة الأرض المتنازع عليها بنحو 12 فدانا يعيش منها 300 فرد، واستغاث عدد من المزارعين بـ« الاهرام » حيث توجهت إلى مدينة قها لسماع شكاواهم ورصدت كيف يحافظ الفلاح على الرقعة الزراعية والتى كثيرا ما تحدث عنها الرئيس ودعا للاهتمام بها ومعاقبة من يتعدى عليها.


فى البداية يقول سيد إبراهيم عربى «مزارع» عمره 70 سنة: ورثت من والدى أنا وأشقائى 2.5 فدان تبقى منها فدان بعد أن تم تسليم فدان ونصف الفدان لأحد ملاك الأرض منذ 30 عاماً وذلك بعد صدور حكم المحكمة لصالحه، ويقول إن المالك وقتها عندما استلمها قام ببيع جزء منها لأشخاص جرفوها ولم يهتموا بزراعتها مثلنا، مما يجعلنى أشعر بضيق وحسرة شديدة، مضيفا أن هذه ارض منحها الرئيس جمال عبد الناصر لوالده بعد مشاركته فى حرب اليمن ، واختار والدى زراعة الأرض وترك الوظيفة لإيمانه أن الأرض ستجلب الخير كله وأن الزراعة أفضل من الجلوس على مكتب، لكن الموظف ضمن المعاش له ولأولاده، اما الفلاح الذى اختار الأرض فمصيره الآن التهديد بالطرد، وليس له معاش ولا مكافأة، أهذه مكافأة نهاية الخدمة؛ الطرد؟!


محسن الزيبق مزارع 49 سنة يقول: حالى كحال كل المزارعين هنا ورثت أنا وأشقائى الأرض عن والدى وتعتبر هى المصدر الوحيد لدخلنا، ونحن ملتزمون بدفع الإيجار السنوى للأوقاف والذى وصل إلى 7500 جنيه للفدان، ويكمل: إننا نعيش فى قلق ولا نستطيع النوم منذ أن حاول الشخص الذى يدعى ملكيته للارض مساومتنا ثم تهديدنا بالطرد عندما رفضنا تسليم الأرض له.


عبد السميع نصر صابر 60 عاماً «مزارع» يقول بصوت يملؤه الحزن والقهر: ليست هذه المرة الأولى التى تنزع منا أرض زراعية بعد ان كانت تطرح خيرات الله وكنا نراها جنة الله على الأرض، فمنذ 30 عاما سلمنا جزءاً من الأرض لمستحقيها، لكن للأسف لم يحافظوا عليها وباعوها لأشخاص جرفوها.


وفى وسط الزراعات كان يجلس أحدهم وعندما علم أننا من «الأهرام» ظل يصرخ قائلا: «لو تم انتزاع أرضى منى سأموت وسيموت أولادى»، وأشار إلى حوض يقوم بزراعته وهو قطعة مستطيلة بطول بضعة أمتار، موضحا أن هذه المساحة الصغيرة تخصه ويأكل منها أولاده ويتعلمون منها، متسائلا ماذا افعل وأنا على مشارف الخمسين وأستغاث بكل من يهمه الأمر ودعا الله أن ينتهى هذا الكابوس.


مزارع آخر ظل يصرخ قائلا يريدون أخذ أرض موقعها مميز «على الطريق» مباشرة، لتجريفها والبناء عليها.


التقينا بأكبر المزارعين سنا الحاج أحمد مصطفى البنا 81 سنة والذى يزرع فى هذه الأرض منذ كان عمره 15 عاما، فيحكى عن شبابه وعمره اللذين أفناهما فى هذه الأرض، وحتى بعد أن بلغ سن الشيخوخة ولكنه مازال يشرف على زراعتها، يحكى أنه يعيش على خير هذه الأرض هو و 30 فرداً من أسرته، وإذا انتزعت منهم سيشردون جميعا.


جلال عزت نقيب الفلاحين بالقليوبية يقول إن الفلاحين كانوا قد استأجروا الأرض من هيئة الأوقاف وفقا لقانون 52 لسنة 1966لاستئجار الأراضى الزراعية، مضيفًا أنهم ظلوا سنوات طويلة مستأجرين لأراضيهم بعقود مفتوحة تجدد تلقائيا ومنذ سنوات قليلة تم استبدال هذه العقود بعقود سنوية تجدد سنويًا ما جعل الفلاح يشعر بعدم الأمان على أكل عيشه ومصدر رزقه، فمن حق الهيئة فسخ العقد السنوى فى نهاية مدته، فهؤلاء الفلاحون لم يريدوا شيئاً غير تركهم يزرعون ويرعون أرضهم، ورغم الزيادة السنوية للإيجار التى وصلت إلى 7500 جنيه سنويًا للفدان والتى يعانى البعض عند سدادها لكنهم راضون بما قسمه الله لهم، ولكن سحب أراضيهم منهم يعنى لهم انتهاء الحياة.


عبد الوهاب المنسى المحامى يوضح أن هؤلاء المزارعين للأسف الشديد ليس لهم صفة فى أوراق الملكية فهم يستأجرون هذه الأرض من هيئة الأوقاف ، مشيرًا إلى أن جزءاً من هذه الأرض تم تسليمها عام 87 لمستحقيها بعد تقديم ما يثبت ملكيتها، وأوضح أن السند القانونى الوحيد الذى نعمل عليه الآن لإثبات أحقيتهم فى الأرض أن هؤلاء المزارعين سيضارون فى حال صدور قرار بتسليم الأرض، هذا إلى جانب أن الشخص الذى أدعى ملكيته للأرض ليس هو المستحق الاصلى، أى أنه ليس من ورثة «بمبا قادن»، فهو قام بشراء الأرض بموجب عدة توكيلات تحرر عند كل بيعة، وبالتأكيد هناك توكيلات توفى وكيلها.


وبالتالى يعتبر التوكيل لاغيا تلقائيا، ويوضح أن هذا الشخص يدعى أنه مالك للأرض ويتوقع تسليمها بسهولة فى حين أن مستحقيها فشلوا فى استلامها من الحكومة قبل ذلك نظرا لخيرية الوقف الذى لم يستطع مستحقوه الأصليون استلامه وقد عانوا قبل سنوات طويلة بالفعل ولم يستطيعوا الحصول عليه.


وأكد مصدر فى هيئة الأوقاف أن الهيئة لم تتسلم أى حكم محكمة وعند أى تهديد يتعرض له المزارعون يتوجهون على الفور بتحرير محضر ضده، قائلا حتى الآن تخوفات المزارعين ليس لها مبرر على الإطلاق، ويشير إلى أن هذا الوقف طالما أن هيئة الأوقاف تديره فهو يعد وقفا خيريا.


ويقول فى حالة صدور حكم قضائى بتسليم الأرض لابد أن نحترم جميعا حكم القضاء. تلك القضية الشائكة التى يعانى منها هؤلاء الفلاحون نضعها أمام كل من يهمه الأمر وكل من يحرص على بقاء تلك الرقعة الزراعية الخصبة التى تخرج منها أجود المحاصيل وعدم التعدى عليها من قبل البعض وتحويلها لكتل خرسانيه صماء.