تخيل معى أنك تدخل متجرا للبقالة، تملأ حقيبتك بكل ما ترغب فى شرائه، ثم تخرج مسرعا دون التوقف عند «الكاشير» للدفع، ألا تعد هذه سرقة؟، قبل أن تتسرع فى الإجابة على هذا السؤال، دعنا نأخذ جولة صغيرة داخل متجر «أمازون فريش» الذى تم افتتاحه مؤخرا فى المملكة المتحدة.
صعد عملاق البيع بالتجزئة عبر الإنترنت، منافسته مع محال السوبر ماركت التقليدية وتجار التجزئة الآخرين، وأطلق مؤخرا أول منفذ تسوق له «بدون كاشير» خارج الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اصطف العملاء فى حى إيلينج، برودواى فى غرب لندن، أمام واجهة المتجر التى كتب عليها باللونين الأسود والأخضر «أمازون فريش»، ليكون بذلك أول من يستخدم المتجر الذى لا يخضع لعمليات تسجيل الخروج. الفكرة بسيطة جدا، لدخول المتجر يتعين على العملاء تنزيل تطبيق «أمازون جو» على هاتفهم المحمول، ثم تسجيل الدخول ومسح رمز الاستجابة السريع ضوئيا على البوابة الالكترونية للمتجر، ليتم فتح البوابة التى تسمح لهم بالتسوق بحرية داخل المتجر، وشراء ما يرغبون فيه.
باستخدام الماسحات الضوئية وأجهزة الاستشعار والكاميرات عالية الحساسية، يتم تعقب كل عنصر يقوم العميل برفعه من على الأرفف ووضعه فى سلته الخضراء القماشية، وكذلك الحال فى حالة إعادة المنتج إلى الأرفف مرة أخرى، وبمجرد انتهاء عملية التسوق، يغادر العميل المتجر ببساطة، ولا يتعين عليه إظهار بطاقة ما أو إخبار أى شخص، فبعد خمس دقائق تقريبا، يرسل التطبيق إيصالا للعميل بفاتورة التسوق عبر حسابه الخاص، مرفق به الوقت الذى قضاه فى المتجر، والعدد الدقيق للعناصر التى اشتراها، وكل ذلك يتم دون تفاعل بشرى واحد!
«كان الأمر غريبا حقا، لقد شعرت بأننى مجرمة لأننى كنت آخذ الأشياء وأضعها فى حقيبتى وأخرج دون أن أدفع ثمنها»، هكذا قالت فيليبا دولفين (71 عاما) لصحيفة «ديلى ميل» البريطانية، لكن هذه الإثارة الإجرامية سرعان ما هدأت بعد أن تخطت فيليبا، طوابير الكاشير الطويلة والصرافين الغاضبين، فأصبحت التجربة «جذابة جدا»، على حد قولها.
بسبب الوباء، لدى شركة أمازون سلسلة من الإجراءات الوقائية الصارمة التى تركز على النظافة فى المتجر، والالتزام بإجراءات التباعد الاجتماعى، ونسبة إشغال لا تتعدى 20 شخصا، لذلك يرى مات بيرش، الرئيس التنفيذى للشركة، أن تجربة «أمازون فريش» تناسب طبيعة هذا العصر بشكل كبير، فهى تمنح العملاء تجربة شراء سهلة وسريعة.
وبقدر ما أثارت «أمازون فريش» ارتياح العديد من العملاء، لكنها فى الوقت نفسه سلطت الضوء على مخاوف بعض النشطاء من دعاة الخصوصية، حيث قال سيلكى كارلو، التابع لإحدى منظمات الحقوق المدنية والحريات، إن تتبع أمازون المكثف للمتسوقين، سيمكنها من الحصول على سجل كامل لبيانات العملاء الشخصية، ومن الضرورى معرفة كيف ومن يمكنه استخدام هذه السجلات والبيانات، لكن الشركة أكدت أنها ستحتفظ بهذه المعلومات لمدة لا تزيد على 30 يوما فقط، وتقوم بعد ذلك بمسحها.
«أمازون فريش» أحدثت ضجة أيضا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى، وتباينت الآراء بين مؤيد للفكرة ومعارض لها، حيث يقول أحدهم: «التجربة ستقضى على طوابير «الكاشير» المزعجة وستمنع الاحتكاك البشرى فى زمن كورونا، كما أنها ستساعد فى حل أزمة النفايات البلاستيكية، نظرا لأن المتجر استبدل أكياس التعبئة بأخرى قماش صديقة للبيئة، وهذا شىء رائع حقا».
أما المعارضون فيرون أن العالم مقبل على مستقبل مخيف، حيث يتم فيه استبدال العنصر البشرى بأجهزة وروبوتات، مما يقضى تماما على التواصل البشرى الذى نحتاجه، خاصة بعد أشهر من العزلة وما خلفته من مشكلات نفسية كبيرة.
ويشير البعض إلى أن هذه التجربة ستكون سيئة بالنسبة للعملاء المترددين، الذين يمكن أن يدفعهم إحساسهم بالمراقبة طوال الوقت، إلى مزيد من التردد وربما الارتباك، كما أن هناك بعض الأطفال والبالغين أيضا، الذين يعيدون الأشياء إلى المكان الخطأ، ومن الممكن أن يربك ذلك أجهزة الاستشعار، وبالتالى تحدث أخطاء فى مراجعة الحسابات.
وبما أن دخول «أمازون فريش» يتطلب تطبيقا الكترونيا، فقد نوه البعض إلى أن الأشخاص الأكبر سنا، أو الذين لا يملكون هاتفا ذكيا، لن يتمكنوا من الدخول، بينما علق آخر مازحا: «كل ما نحتاجه هو هاتف مسروق ومثبت عليه التطبيق، لتستمتع ببقالة مجانية»!.