عالم خاص ومجتمع لا تعرف ما بداخله ما لم تدخله ورغم بساطة مظهره الخارجى إلا أن تفاصيله الكثيرة تحتاج إلى كتب ومدونات لتسرد كل تفاصيله إنه عالم السوق بشكل عام وسوق العبور بشكل خاص، فمجرد تجولك بين أروقته لا يمر مرور الكرام, يتم اكتشافك من الوهلة الأولى باعتبارك من الغرباء ولن تستطيع أن تكمل به إلا إذا كنت مؤمنا بأحد التجار المعروفين بالسوق وأنك رجل تؤتمن لأن الأمانة أساس العمل لديهم أو داخل تلك العنابر التى لا تمتلئ فقط بالخضراوات والفاكهة ولكن تمتلئ أيضا بالكثير من التفاصيل والأسرار، خبرتهم اليومية تجعل من السهل عليهم تحديد أى نوع أنت من الغرباء سواء كنت من جهات الرقابة أو المتابعة أو الضرائب أو الحى أو غيرها من الجهات الأخرى المتعلقة بطبيعة عملهم، علاوة على أن مظهرك كزبون من عدمه أمر سهل اكتشافه بالنسبة لهم.
أما سبب الجولة فهو محاولة كشف أسباب الفارق الكبير بين سعر المنتجات الزراعية عند شرائها من المزارع بأسعار زهيدة ووصولا إلى المستهلك بأسعار مُبالغ فيها .. ومحاولة فك تلك الحلقات الوسيطة..
البداية لابد أن تكون من على هامش السوق، حيث تجد هذه المهنة التى قد تراها لا فائدة منها وهى مهنة «القفاص» ولكن هى مهنة ذات قيمة عالية ومهمة حيث أن من يقوم بامتهانها رغم بساطته فهو الوحيد الذى يضمن وصول السلع إلينا بأمان تام فلا يتلف القفص وبالتبعية يتلف ما بداخله .. كما أنه يتعامل مع كل التجار الصغير منهم والكبير، ورغم أن أجره ربما يكون محدودا أو معدوما أى أنه بالكاد يحصل على قوت يومه إلا أنك تجد بعض الصبيان أو مساعدى التجار يغالطونه فى أعداد الأقفاص التى يقوم بترميمها، ولكن عمله يجعل عالم السوق بأكمله مكشوف أمامه فهو يعلم البخيل من الكريم والتاجر الشريف من المخادع لأنه اكتوى بنار البعض وذاق جدعنه الآخرين..
وعلى الجانب الآخر تجد مهنة «قهوجى النصبة» وهو الرجل الذى يقوم بإعداد المشروبات للتجار داخل السوق ويدخل كل فرش أو عنبر صغيرا كان أو كبيرا، ولتكشف مسرح السوق لابد أن تبدأ من هاتين المهنتين الهامشيتين لتعلم كل ما يدور بالعالم الخاص وتكشف أسراره .
معا فى السوق
البداية الفعلية من محل رقم ١ عنبر ١ وتحديدا فى ضيافة الحاج إسماعيل رشوان والذى وصف نفسه بأن مهنته هى تاجر وقومسيونجى خضر وفاكهة، كما أكد أن التاجر الوسيط أو تاجر التجزئة مدان لأنه يبيع بضعف السعر الذى يشترى به منا كتجار جملة، ووفقا للمكان أو المنطقة التى يبيع فيها، فالجميع يشترى منا بسعر محدود ويضع لنفسه ربحا مضاعفا قبل أن يصل إلى أيدى المستهلك.. كانت تلك الكلمات خلال مزاد الفاكهة الذى بدأ وانتهى فى دقائق معدودة..
وشرح لى الحاج إسماعيل أن هذا المزاد يعد إحدى حلقات مسلسل البيع الذى يتم فى موسم هجوم الفاكهة والذى يبدأ بالمزارع أو المستثمر الزراعى الذى يبيع له القومسيونجى محصوله مقابل نسبة من المكسب، وبعد ذلك تباع الفاكهة بالسعر المعروض، موضحا أن هناك نسبة ركود كبيرة طالت السوق منذ عدة أشهر ولم تنته حتى الآن، نظرا لضعف السيولة لدى التاجر والمستهلك على السواء..
وأضاف الحاج إسماعيل رشوان أن الفلاح يأتى بالزرع إلى السوق أو نتفق على شراء منتج مزرعة بالكامل ثم يتم البيع لصالح الفلاح أو المنتج الزراعى ونحصل على نسبتنا منه أو ما يسمى بالعمولة أما المشترى وهم تجار القطاعى والتجزئة فيحصل عليها بأسعار زهيدة ويضيف الكثير عليها لتصل إلى يد المستهلك، وهذا يؤثر علينا فى رفع السعر، نظرا لأن بعض المستثمرين الزراعيين من سكان الأحياء الراقية ويريدون بيع المحصول بأسعار أغلى لأنهم يرونه بسعر مبالغ فيه بالقطاعى لديهم، فمثلا يقولون «تشترون منا بـ«جنيه واحد» ويباع أمامنا بـ«١٠ جنيهات»، وهنا قد يتسبب لنا هذا الأمر فى الخسارة بسبب طمع التاجر الوسيط الذى تركن عنده البضاعة ولا تباع باستمرار، لأنه يغالى فى ثمنها رغم أنه إذا قلل هامش الربح فستباع أسرع وسيبيع كميات أكبر.
عرض وطلب
وفى سوق الخضر تجد الأمر مشابها لسابقه، فدائرة التعامل التجارى واحدة ولكن الاختلاف فى نوع المنتج المتداول فمن بين العديد من التجار اهتم الحاج محمد إبراهيم الصاوى أن يشرح لى شكلا مهما من أشكال التجارة، حيث قال إن بعض المزارعين يأتون إلينا ويأخذون مصاريف للإنفاق على الزراعة ثم نبيع لهم المحصول مقابل عمولة متفق عليها، مضيفا أن غلاء الأسعار فى الخضر يخضع لغلاء المحصول نفسه، ووفقا لظروف العرض والطلب فإذا كان الإنتاج كثيرا قل السعر وإذا كان الإنتاج قليلا فمن المؤكد أنه سيزيد السعر، ولاشك أننا نعانى هذه الفترة نسبة ركود كبيرة فى الأسواق تصل إلى نحو ٦٠%. ولفت إلى أن هناك أسعار خضراوات ارتفعت أسعارها فعلا مثل الفاصوليا، حيث تجاوز سعرها ١٢ جنيها، نظرا لارتفاع تكلفة زراعتها، علاوة على أن محصولها قليل جدا، ولذلك يقل المزارعون من زراعتها، بعكس محصول الكوسة الذى يتراوح سعر الكيلو من ٣ إلى ٥ جنيهات.
واستكمل فاروق السيد، مزارع جاء لتوريد الخضار إلى السوق، حيث أكد أن أسعار العمالة الزراعية زادت،والمبيدات والسماد الزراعى ارتفعت أسعارها هى الأخرى بشكل كبير، نظرا لزيادتها محليا وعالميا بنسبة تتراوح بين 40 إلى 50%، كما ازداد سعر الأدوية الزراعية لأكثر من الضعف، حيث ارتفع سعر زجاجة الدواء من ٥٠ إلى ١٢٠ جنيها، والأسمدة وصل سعرها لـ١٨٠ جنيها والكيماوى وصل ٢٣٠ جنيها، مما أدى بالتبعية إلى رفع أسعار الإنتاج، مضيفا أن تجار القطاعى لا يزالون يبيعون بضعف الأسعار التى يشترون بها منا، معللين ذلك بأنهم يضيفون مصاريف جانبية، ولكن الحقيقة أنهم يضيفون أضعاف السعر حيث لا توجد رقابة عليهم.
وهنا قاطعنا صلاح مصطفى،أحد تجار القطاعى عندما وجد الحوار يتجه بأصابع الاتهام إليهم، مؤكدا أن مصاريف التحميل وعمالة النقل وإيجار المحل والكهرباء والنظافة وغيرها ، هى متطلبات أساسية مطلوبة منا، مما يضطرنا إلى إضافتها وأحيانا نجد أنفسنا أمام هامش ربح محدود جدا وربما نجمع ثمن البضاعة بالكاد.
أما الحاج الديب عدوى، تاجر خضراوات، فأكد أن هناك مصاريف عمالة وتحميل ونظافة داخل سوق العبور والتى تضاعفت قيمتها، فتحميل القفص الواحد أصبح بـ«ثلاثة جنيهات» مثلا، كما ارتفعت أجرة النقل، فداخل العبور أصبح النقل من السوق ٥٠ جنيها بدلا من ٣٠ جنيها، والنقل من السوق إلى الإسكندرية زادت من ٧٠٠ إلى ١٢٠٠ جنيه. مضيفا أن المنتجات تأتى من جميع محافظات مصر حسب نوعها وجودتها، فهناك مزارع بالإسماعيلية والشرقية والمنيا وبنى سويف، فالبصل بـ٢٫٥ يصل بـ٤٫٥ جنيهات والفلفل بـ٣ يصل بـ ٦ جنيهات، والطماطم ٣٠ جنيها للعداية، أى أن الكيلو ٢٫٥ يصل ٤ جنيهات ولكن الطماطم قد يرتفع سعرها وفقا لجودة المنتج.
الفلاح معدوم
بينما أكد الحاج محمد فتحى، مزارع أن الفلاح معدوم هذا العام وتكلفة الإنتاج مرتفعة والسعر رخيص، فنحن مطالبون بدفع الإيجار ومصاريف سولار لتشغيل المعدات الزراعية، كما أن أجرة العمالة مرتفعة، حيث كانت اليومية ٧٠ جنيها للعمالة غير المنتظمة وزادت إلى ١٢٠ جنيها فى اليوم، مضيفا أن القصة بالنسبة لبيع الإنتاج الزراعى مثلها مثل أى سوق تخضع لنظام العرض والطلب، فمثلا محصول البطاطس «انضرب» هذا العام ،نظرا لكثرة المعروض منه،مما تسبب هذا فى انهيار سعرها، وأوضح أن العمالة ومصاريف النقل ونقص الموازين جميعها أمور تؤثر سلبا على دخلنا كمزارعين .
أما فايق شنودة، من كبار تجار سوق العبور فأكد أن أسعار معظم الخضراوات خلال الفترة الحالية فى متناول الجميع ولا نستطيع أن نظلم تاجر التجزئة نظرا لكثرة المصاريف الإضافية المطلوبة منه.