مشروع القرن والخطوة الأكبر فى تاريخ العمران المصرى دلتا الجمهورية الثانية

مشروع القرن والخطوة الأكبر فى تاريخ العمران المصرى دلتا الجمهورية الثانية

فى يناير الماضى استقبلت الدولة المصرية عامها الحالى، بإطلاق المشروع القومى لتطوير الريف المصرى بجميع المحافظات خلال ٣ سنوات فى إطار خطة إستراتيجية حدد أسسها الرئيس عبد الفتاح السيسى، مفادها أن تبدأ عملية تنمية شاملة فى كل المجالات وبجميع اتجاهات الدولة الجغرافية الأربعة، فى نفس الوقت، وبمعدلات انجاز مخططة سلفا، وبشرط ألا يتم الإعلان عن أى مشروع إلا بعد انتهائه أو انجاز جزء منتج منه. أما فى مارس الماضى، فقد تفاجأ المصريون بالرئيس عبدالفتاح السيسى فى منطقة الضبعة، يعلن عن مشروع لاستصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان ليكون مشروع القرن والقفزة الأوسع فى تاريخ العمران المصرى، وقد أطلق الرئيس اسم «الدلتا الجديدة»، على المشروع الذى لم تتوافر عنه أى معلومة قبل زيارته المنطقة، وتفقده لما تم انجازه منه بالفعل، لتضاف إلى عمران مصر، مساحة جديدة لم يحلم بها المصريون من قبل، بهدف تأمين غذاء شعبها وتوسيع رقعتها المأهولة على أسس علمية وبحجم إنتاج وفير من مجتمعات جديدة ذات طبيعة خاصة.




ثمانية ملايين فدان هى حصاد آلاف السنين من عرق المصريين لايجاد أراض صالحة للزراعة والعمران، ومنها كانت حصيلة نشاطها الزراعى طوال تاريخها. وأمام الزيادة السكانية وتغيير مفاهيم الاستثمار الزراعى وتبدل النظرة الاجتماعية لمعان كثيرة مثل المستثمر الزراعى والفلاح والمزارع والأجير والخبير الزراعى والطبيب البيطرى، أصبحت «أم الدنيا» فى حاجة شديدة لقفزات زراعية، ليس فى المساحات فقط، ولكن وهو الأهم، فى الفكر الزراعى والفلاحى وفى نمط حياة الريف اليومية خاصة فى المناطق المستصلحة حديثا.




فى السنوات الأخيرة، انتبهت الدولة المركزية وعملت على إيجاد باقات حلول متكاملة للريف القديم، وذلك من خلال المشروع القومى لتطوير الريف المصرى. وكانت قد بدأت السيطرة على التعديات ووقف الاعتداءات على الرقعة الزراعية فى القرى القديمة، بالتزامن مع إطلاق خطط للاستصلاح والزراعة وتطوير الرى والتسويق، ضمن رؤية شاملة طرحت فيها الاستخدامات المعلوماتية والأفكار التكنولوجية، كالكارت الذكى والزراعة التعاقدية والرى الدقيق، والتى حققت نتائج مبهرة فى غضون شهور معدودة، مما أدى إلى زيادة سقف الاستثمار الزراعى الوطنى والأجنبى، وحققت ما هو أهم، وهو عودة نظرة الاحترام والتقدير لجهود المزارعين ولقيمة الأرض المزروعة معا.









وبدأ مسئولون فى الدولة يتحدثون عن اكتفاء ذاتى فى بعض المنتجات الزراعية الاسترتيجية، كالسكر مثلا واحتياجات أخرى أساسية كالخضر وغيرها وزادت معدلات التصدير من الخضراوات والفواكه، لتسجل نحو ٥ ملايين طن فى ٢٠٢٠ رغم أنه عام الجائحة وزيادة الإصابات بفيروس «كورونا». ولأول مرة نقرأ تصريحات عن تحقيق كفاية من الدواجن وبيض المائدة ومنتجات الألبان بنسبة ١٠٠٪ والوصول إلى نسبة٦٠٪ من حاجاتنا من اللحوم الحمراء، وهى أنشطة مرتبطة أساسا بالتنمية الزراعية .




مسح ٢ مليون فدان




واستمر ذلك حتى تم الإعلان عن البدء فى المشروع الذى يمثل القفزة الأوسع والتجسيد الأكثر وضوحا لإستراتيجية الدولة الجديدة فى الزراعة ونجاحها غير المسبوق، ما يجعلها دلتا موازية تضم مشروعاً آخر منتجا بالفعل، وهو مستقبل مصر مشروع القرن بدون شك، والخطوة الأهم والأكبر فى تاريخ الزراعة المصرية منذ عقود وقرون طويلة ماضية.




فاجأنى الدكتور نعيم مصيلحى مستشار وزير الزراعة لمشروعات التوسع الأفقى أكثر من مرة بالقول: لقد تفاجأ المصريون بزيارة الرئيس أرض المشروع، وقال «جديد خالص ومفيش حد يعرف عنه كتير»، ولم تكن هذه أول زيارة له ولكنه فضل ألا يتم الإعلان عنه قبل التنفيذ كما يفعل دائما فى كل المشروعات القومية الكبرى منذ توليه المسئولية.




كما فاجأنى بأن هناك عشرات الباحثين مازالوا يعملون فى بحث ودراسة نوعية الأراضى شمال مشروع مستقبل مصر من مراكز البحوث المختلفة التابعة لوزارة الزراعة وجامعتى القاهرة والإسكندرية ويدرسون التربة لتحديد أفضل الأراضى الصالحة للزراعة لإضافتها. كما يستطرد الدكتور مصيلحى: لقد مسحنا ٢ مليون فدان حتى الآن، بحيث وصل مشروع مستقبل مصر إلى ٧٥٠ ألف فدان وتمت إضافة مساحات جديدة لمناطق جهاز الخدمة الوطنية وهيئة التعمير.




أما الدكتور سيد خليفة نقيب الزراعيين، فيبدأ الكلام بالقول: إن تعرض أراضى الدلتا القديمة للزحف العمرانى، تسبب فى فقد حوالى نصف مليون فدان من أفضل الأراضى الزراعية وأكثرها خصوبة، وجاء ذلك بالتزامن مع الزيادة السكانية المطردة، موضحاً أن التحدى الرئيسى أمام مصر كان دائما تحقيق الأمن الغذائى، هو الوظيفة الأولى لأى كيان سياسى، ويضيف أنه منذ توليه المسسئولية وضع الرئيس السيسى أهمية كبرى لهذا الهدف، فقدم قدم دعما كبيراً للقطاع الزراعى، وبدأت الحكومة رحلة شاقة للبحث عن أراض جديدة، كلها أو معظمها فى المناطق الصحراوية والتى تحتاج تكاليف مالية ضخمة، ولكنها أصبحت ضرورة حتمية.




ويوضح الدكتور خليفة بقوله: «بدأنا بافتتاح الرئيس السيسى مشروع مستقبل مصر منذ شهور على مساحة نصف مليون فدان منها 375 ألف فدان بالفعل، وكلف الرئيس وزارتى الزراعة والرى لدراسة مناطق امتداد أرض مستقبل مصر فى منطقة جنوب طريق الضبعة ــ مطروح وشمال الضبعة، وخلال أربعة شهور تمت دراسة وتصنيف الأراضى، من حيث قابليتها للدراسة ونوعية المحاصيل، ومدى توافر المياه الجوفية، لمساحات وصلت إلى 688 ألف فدان، بخلاف الـ500 ألف فدان الخاصة بمستقبل مصر، مشيرا إلى أنه على مدار 40 سنة ماضية قبل 2010 لم يتجاوز كل ما تم استصلاحه 2.3 مليون فدان فقط، بخلاف الـ 6 ملايين فدان التى نعيش عليها، حيث ان مساحة الزراعة فى مصر حوالى 8.3 مليون فدان، وبالتالى تعد زراعة مليونى فدان خلال عامين إنجازا ضخما فى زمن قياسى.









وفى التفاصيل يقول خليفة: مشروع الدلتا الجديدة يدعم التوسع فى الخضراوات والفواكه، والمحاصيل الزيتية مثل فول الصويا وعباد الشمس وبعض المحاصيل الشتوية المنتجة للزيت، حيث نستورد 90% من احتياجاتنا من الزيوت، وستبدأ الزراعات فى موسم الصيف المقبل، مؤكدا أن المشروع يوفر مئات الآلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، تحقيقا للبعد الاجتماعى للمشروعات القومية التى تنفذها الدولة لتوفير فرص العمل.




مصادر الرى




فى إطار مبادرة الرئيس، تسعى أجهزة الدولة المختلفة لاستحداث الدلتا الجديدة كأكبر مشروع قومى، حيث تضمنت توجيهات الرئيس المباشرة اختصار مراحل التنفيذ لتصبح عامين بدلا من عشرة أعوام كما كان محددا من قبل، ولذا تم ضغط الجدول الزمنى مع التأكيد على توفير النظم الإدارية الحديثة لتوفير مستلزمات الإنتاج والرى الحديث والتسويق الاقتصادى، وفى ظل مشكلة الفقر المائى الذى نعانى منه، كان من الضرورى البحث عن مصادر مياه مستدامة لهذه المشروعات الكبرى، وضمان جودة استخدامها.




كما أوضح الدكتور محمد عبدالعاطى وزير الرى، فإن موارد مصر المائية لاتزيد على 60 مليار متر مكعب سنويا معظمها من مياه النيل وكميات من الأمطار والمياه الجوفية، فى حين تصل احتياجاتنا الحقيقية إلى 114 مليار متر مكعب، لذلك، فإننا مضطرون لاستخدام كل قطرة ماء خاصة مياه الصرف الزراعى المعالج بهدف تنمية مناطق صحراوية جديدة لخلق أنشطة جديدة ينتقل إليها السكان من الوادى المزدحم. إذن كيف سنستصلح مليونا ونصف المليون فدان الجديدة؟ يقول وزير الرى: إن الرئيس اتخذ هذا القرار الشجاع لأن هناك 6 ملايين متر مكعب من مياه الصرف الصحى تلقى ببحيرة مريوط، بالإضافة إلى عدة ملايين أخرى من مياه الصرف الزراعى سيتم تجميعها ومعالجتها فى محطة ثلاثية بمنطقتى العلمين والحمام، وذلك لخلق دلتا جديدة موازية للدلتا القديمة باستخدام مياه معالجة فى المشروع الجديد.




مشروع تنموى متكامل




وفى هذا السياق، يرى محمد جابر عامر أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية زراعة الزقازيق، أن من بين العناصر المهمة لنجاح المشروع توفير الطاقة وهو ما سعت إليه الدولة المصرية، موضحًا أن القيادة السياسية تعمل على أن يكون المشروع متكاملا على كل الأصعدة التنموية.









ولذلك فإن استصلاح منطقة الدلتا الجديدة لم يكن هدفه الوحيد اقتصاديا، وإنما له أهداف اجتماعية وتنموية تتمثل فى توفير فرص العمل وخلق مجتمعات متكاملة زراعية وصناعية واقتصادية وتوفير بيئة جاذبة للشباب المصرى للخروج من منطقة الوادى والدلتا. كما أن هذه المنطقة تنتظر حالة استثنائية فى التنامى، مع توطين صناعات وزراعات قائمة على الاستصلاح الزراعى مثل صناعات السماد العضوى والعلف الحيوانى وصناعة الأسماك القائمة على المزارع السمكية وصناعة الألبان القائمة على ألبان الماشية.




وقال إن استدامة المشروع مرتبطة بعوامل توفر المياه والبنية التحتية والنظرة إليه باعتباره مجتمعا جديدا متكاملا، وفقا لما ورد برؤية الرئيس السيسى، ويدعو د. عامر الى الاعتماد بشكل كبير على شباب خريجى كليات ومعاهد الزراعة بمنحهم قطع أراض ووقوف الدولة وكبار المستثمرين الزراعيين فى المنطقة بجوارهم من خلال توفير مستلزمات الإنتاج ومساعدتهم فى التسويق. ويحكى عن تجربة شخصية عندما زار مع فريق علمى من منظمة العمل الدولية لتوفير «فرص عمل خضراء» فى أسوان منطقة جرف حسين فى أسوان لقرى الخريجين لبحث أسباب نجاح قرية وفشل قرية مجاورة لها فى تحقيق أهداف التنمية، ويوضح: لقد وجدنا أن القرية التى نجحت فى تحقيق الأهداف وتحقيق الاستقرار تتجاور مع مشروع شركة استثمارية زراعية فى المنطقة فكانت تعتمد على شباب القرية كعمالة وتدعمهم بالأسمدة ومستلزمات الإنتاج ثم تسوق لهم محاصيلهم.




البعد الثالث




الدكتور محمد حلمى نوار استاذ الاجتماع الريفى والتنمية بكلية الزراعة جامعة القاهرة، يؤكد أنه لابد أن تتوافر 3 أبعاد لاستدامة أى مشروع وهى استمرار الموارد والبنى التحتية والبناء الاجتماعى الاقتصادى وذلك بالتوافق والتكامل فيما بينها، ثم تحقيق مبدأ اقتصاد المعرفة بمعنى أن الاستدامة تتم على قاعدة علمية معرفية ناجمة عن الابتكار وثالثا تحقيق مبدأ الاتصال بالمناطق المجاورة على أسس من الاستدامة.




ويضيف د. نوار: هناك دراسة علمية بعنوان «الإستراتيجية المحدثة لتنمية قطاع الزراعة 2030» قام بإعدادها علماء مصريون ضمن رؤية الدولة فى 2020 ويجب أن تؤخذ فى الحسبان حيث ورد فيها انه لابد من ايجاد تميز يرتبط بالمنطقة المراد تنميتها وفقا لمنهج مناطقى، بحيث تنتج منتجات معينة بسمات محددة تتفوق بها على إنتاج أى منطقة أخرى, ثم إبراز هوية المنتج بحيث يصل الى التنافسية عند التسويق وهو المنهج المعتمد فى منتجات الاتحاد الأوروبى .









مشروعات صغيرة ومتوسطة




وهناك نسبة تصل إلى ٩٦٪ من المشروعات فى مناطق الاستصلاح والزراعة الجديدة هى مشروعات صغيرة ومتوسطة.. هكذا بدأ ياسر السقا الرئيس التنفيذى لاتحاد مستثمرى الصناعات الصغيرة والمتوسطة كلامه، مضيفاً أننا نتعاون مع الشركات القائمة ونسعى للوصول الى المستثمرين الجدد لمعاونتهم.




ويوضح أن أغلب المشروعات فى المناطق الجديدة تتعلق بمعدات استخراج المياه الجوفية والتصنيع وإعادة التصنيع وأدوات الرى ومستلزمات الإنتاج لذلك لابد ان تكون البداية بتمهيد المنطقة بنيويا وتحتيا حتى يتيسر الوصول إليها وتجهيزها لاستقبال المشروعات، مؤكدا أننا الآن نعمل فى المرحلة الأولى من الخطة الموضوعة لهذا الغرض فعلا وقد بدأ البعض فى الإنتاج وفقا لهذا المنهج. ويرى أن دعم الرئيس السيسى بإعلانه عن ضرورة الانتهاء من مشروع الدلتا الجديدة خلال سنتين سيوفر العناء والمشقة فيما لو تم المشروع على ١٠ سنوات كما كان مخططا. ويضيف السقا : دعم الرئيس سيقضى على السلبيات التى ظهرت خلال تنفيذ المراحل الأولى للمشروع وسيدعم سرعة انجاز مشروعات التحلية وإعادة التدوير ومعالجة الصرف الزراعى ومشروعات النقل والتسويق، لأنه سيختصر كل المراحل فى عامين فقط وهذا ما يجعل مستقبل الصناعات الصغيرة والمتوسطة واعدا بهذه الدلتا الجديدة.




مشروع القرن المصرى




على محور «روض الفرج ــ الضبعة» وفى نطاق الحدود الإدارية لمحافظات مطروح والبحيرة والجيزة، بطول 350 كم، وباستخدام مياه رى غير تقليدية مثل مياه الصرف الزراعى الخاصة بمنطقة غرب الدلتا بعد تدويرها والتى سيتم توصيلها إلى ترعة الحمام ومنها إلى منطقة جنوب محور الضبعة، لخلق مجتمع زراعى صناعى جديد يستحق أن يحظى بلقب مشروع القرن المصرى وبمسمى الدلتا الثانية .




ــ دلتا جديدة: الرئيس عبد الفتاح السيسى هو الذى أطلق هذا الاسم على المشروع لضخامته، لم تكن زيارته لها فى مارس الماضى هى الأولى .




ــ الدلتا الثانية: مسمى لمشروع زراعى هو الأضخم نشأ وفقا لمخططات علمية ضمن رؤية عامة للتغييرات الإستراتيجية محليا وإقليميا ودوليا، وهو يستحق أن يطلق عليه تعريف الجمهورية الثانية لما له من آمال فى المستقبل تتحقق بتنمية متكاملة عصرية قابلة للحياة على مدى آلاف السنين.




ــ دلتا غربية: مسمى آخر لنفس المشروع الذى بفضله ستتلافى آثار 60 عامًا ضاع فيها الكثير من ثروات مصر الخضراء, وفى انتظار اليوم الذى قد يعلن فيه عن خلق لدلتا جديدة شرقية فى سيناء.