فى ظل الارتفاع الجنوبى لأسعار الشحن البحرى، طالب المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية، وزارة المالية ببتبنى مقترح لإنشاء أسطول نقل بحرى لخدمة القطاعات التصديرية للنفاذ لأسواق أوروبا، وذلك لدعم الصادرات سريعة التلف فى قطاعى الحاصلات الزراعية والغذائية، والتى يبلغ إجمالى صادراتها نحو 7 ملايين طن سنويا.
وأثار ذلك عدة تساؤلات داخل المجتمع الملاحى حول مقدرة الحكومة على إحياء الأسطول فى ظل عدة تشريعات معوقة وارتفاع تكاليف بناء سفن جديدة، وارتباك سلاسل الإمداد العالمية بسبب تداعيات جائحة كورونا، وهل تلك المطالبة مجدية اقتصاديا فى ظل حاصلات موسمية؟
محفوظ طه: غير مفيد اقتصاديا.. يذهب محملا ويعود فارغا
من ناحيته، قال اللواء بحرى محفوظ طه، الخبير البحرى، إن المطالبة بشراء سفن لنقل الصادرات المصرية من الحاصلات الزراعية فكر غير واقعى، موضحا أن الحاصلات الزراعية سريعة التلف كالخضار والفواكة لها حدود سرعة فى نقلها عالميا بدءا من قطف المحصول إلى تعبئته وتغليفه ونقله من المزراع إلى الموانئ حتى نقله للسفينة ومنها إلى ميناء الدولة الأخرى، وصولا إلى منطقة التوزيع، وتصل إلى 15 يوما.
وأكد أن تنفيذ تلك الفترة يعد صعبا على الكثير من الخطوط الملاحية، موضحا أنه فى عام 2009 تم إنشاء ما يسمى «الجسر الأخضر» لنقل البضائع من الحاصلات الزراعية حتى أوروبا، ولكنه تعرض للخسارة بسبب أنه أبحر محملا وعاد فارغا مما يعكس عدم اقتصادية ذلك الجسر.
وأضاف محفوظ أن الحاصلات الزراعية سلع موسمية تصل مدتها إلى 3 أسابيع فى السنة، متسائلا: ماذا عن باقى شهور السنة؟! مما يعد غير مجدٍ اقتصاديا أيضا، موضحا أن مع تطوير الطرق والبنية التحتية أصبح النقل الداخلى لتلك الحاصلات أقل مما يتطلب التعامل مع الخطوط المنتظمة والتى تتواجد بشكل دائم فى ميناء الإسكندرية على سبيل المثال، ويعد أوفر تكلفة من شراء سفن لأنه فى تلك الحالة يتم نقل البضائع فى دورة تصل إلى 5 أيام بدلا من 15 يوما وبجانب استخدام النقل الجوى فى حالة ضرورى نقل المنتجات بأقصى سرعة ولكنه أغلى سعرا.
وطالب بضرورة إعادة النظر فى دعم الصادرات المصرية بحيث لا توجه فقط إلى المصدرين بينما توزع بدءا من المزراعين والنقل الداخلى والتخزين وصولا إلى المستفيد الأخير وهو المصدر.
العضو المنتدب لشركة «لاند مارك»: النشاط لا يقف على الصادرات الزراعية وهناك احتياجات لكل وزارة
من ناحيته، أكد الربان عمرو قطايا، العضو المنتدب لشركة لاند مارك للاستشارات والخدمات البحرية، أن بناء أسطول بحرى، لا يقف على نقل الصادرات الزراعية فقط ولكن هناك عدة وزارات لها وارداتها وصادراتها لابد من تحديد احتياجاتها وعلى رأسها «الزراعة» و«التجارة» و«البترول” و«التموين».
وقال إنه لابد من تحديد مكونات الأسطول التجارى المصرى الحالى، كخطوة أولى وهو عبارة عن سفن بضائع بمختلف أنواعها من صب وجاف وسائل والركاب والحاويات والوحدات البحرية المساعدة فى عمليات البحث والاستكشاف لحقول الغاز والنفط والقاطرات بالموانئ، ضاربا مثالا بأنه يتطلب سفن للحاويات المبردة لنقل الحاصلات الزراعية سريعة التلف، وأخرى صب جاف لنقل الحبوب، وسفن غاز لتصدير الغاز المصرى، وناقلات بترول ونقل المنتجات البترولية طبقا لاحتياجات الدولة.
وأوضح أنه بعد تحديد احتياجات كل الوزارات تأتى الخطوة الثانية وهى عرض تلك النتائج على لجنة مشكلة من وزارة التخطيط والمالية والنقل لدراسة جدوى وتحديد حجم تكاليف بناء سفن أو شراؤها وعوائد نقل البضائع على مراكب وطنية مقارنة بنقلها على مراكب الغير، وذلك فى ظل خطة الدولة لعام 2030.
قال إن الأسطول التجارى المصرى لا يتعدى %0.1 من حجم الأساطيل فى الدول المتقدمة، موضحا أن الأسطول الحالى ينقل نحو 3.5 إلى %4 من حجم التجارة ما بين نقل صادرات وواردات.
ويرى أن وجود الأسطول التجارى يحقق عائدا اقتصاديا كبيرا ومردودا ضخما فى الدخل القومى مع زيادة الفائض فى ميزان المدفوعات، خاصة أن مصر تستورد %80 من احتياجاتها السلعية، لافتا إلى زيادة عدد الوحدات البحرية المستخدمة فى حقول الغاز يرفع درجة الأمان فى المناطق الاستراتيجية.
ويرى قطايا أن الخطوة الثالثة هى تحديد كيفية التمويل، والتى قد تكون شركات مساهمة أسوة بشركات الخطوط الملاحية وتفعيل الاكتتاب على الأسهم من قبل البنوك والشركات الكبرى، أو مشاركة القطاع الحكومى والبنوك فى أعمال التمويل أو تقديم تسهيلات للمستثمرين لشراء تلك السفن، مشيرا إلى أهمية التأجير التمويلى فى شراء السفن المستعملة فى مواجهة عدم قدرة مصادر التمويل المتاحة فى تغطية احتياجات تطوير الأسطول، خاصة أن هناك ارتفاعا كبيرا فى أسعار شراء السفن ومكونات بنائها خاصة «الحديد».
وطالب قطايا باعتبار بناء أسطول وطنى لنقل احتياجات الدولة مشروعا قوميا، أسوة بمشروع تطوير الموانئ وقناة السويس الجديدة، على أن تتم دراسته وفقا لأحدث التكنولوجيات التى تتوافق مع المعاهدات الدولية وتعديلاتها، التى تتعلق بالسلامة والأمان والحفاظ على البيئة بمختلف أنواعها.
وفى دراسة تحليلية بجامعة الإسكندرية تحت عنوان: المعوقات الاقتصادية للأسطول التجارى المصرى، أكدت أن %71 من سفن الأسطول المصرى تتراوح أعماره بين 15 و25 عاما مما يعجز عن نقل التجارة الخارجية، ويتنوع بين البضائع العامة والصب، مما يدل على عدم توافق الهيكل السلعى للتجارة الخارجية مع تلك الأنواع.
وطالبت بالمرونة فى تشريعات القانون المصرى خاصة التسجيل والبيع والتى تسببت فى تراجع الاستثمارات، لافتة إلى أهمية التأجير التمويلى فى مواجهة عدم قدرة مصادر التمويل المتاحة فى تغطية احتياجات تطوير الأسطول والتى تتجاوز الأكثر من 50 مليار جنيه.
من ناحيته، قال الدكتور أحمد الشامى، خبير النقل واللوجيستيات، إن الأسطول البحرى المصرى حلم لن يتحقق بجهود الدولة فقط وفى ظل البيئة التشريعية الحالية وغياب الصناعة البحرية ذات الكفاءة موضحا أن الأسطول البحرى المصرى أغلبه سفن صب جاف ذات أعمار كبيرة ولم تتم إدارتها بالكفاءة المطلوبة.
وأضاف أن حصر الأسطول فى الصادرات الزراعية هو تجاهل للاتجاه العالمى فى اقتصاديات الحجم، حيث يقوم النقل البحرى بنقل تجارته على سفن عملاقة، وأن السفينة الواحدة لا تقل عن 200 مليون دولار سواء حاويات أو صب أو ناقلات غاز مسال، موضحا أن البضائع المصرية متنوعة الحاصلات الزراعية تحتاج إلى سفن حاويات مبردة، متسائلا: هل لدينا كميات حاصلات تشغل ما بين 18 أو 24 ألف حاوية، بشكل منتظم كل 22 يوما لمدة 11 شهرا، مما يتطلب استثمارا قدره 150 مليون دولار لشراء سفينة حاويات بحمولة 18 ألف حاويه، عمرها 5 سنوات.
وتابع الشامى أن طن الفاكهة يباع داخليا فى مصر بحد أدنى 4000 جنيه، وحد أقصى 20 ألفا، متسائلا: هل لدينا المساحة من الأراضى الزراعية التى لديها القدرة على إنتاج ملايين الأطنان للتصدير تكفى حمولة سفينة حاويات تشغيل لمدة عام بين مصر وأوروبا.
وقال إن المطالبين بالأسطول البحرى المصرى هل يستهدفون تقليل أسعار الشحن فى ظل الارتباك الواضح فى النقل البحرى وسلاسل الامداد، موضحا أن مصر تحتاج ما يقرب من 20 سفينة يديرها محترفون ومتدربون فى الشركات العالمية حتى يكون لدينا أسطول بحرى حقيقى.