حقق القطن المصرى طفرة فى الاسواق العالمية والمحلية، وبدأ يستعيد عافيته بشكل ملحوظ وتعلقت الامال فى عودته بقوة فى أسواق الأقطان طويلة وفائقة التيلة بعد تقهقر القطن لسنوات، وكان لاهتمام الرئيس بالقطن وتحسين أوضاعه دور كبير فى زيادة الانتاج وتحقيق مكاسب سعرية فى العام الماضي، مما جعل الفلاح يقبل على زراعته ومن المتوقع زيادة الانتاج هذا العام بصورة ملحوظة..
لكن هناك حربا خفية لكى يظل القطن المصرى عاجزا أمام الأنواع المماثلة فى السوق العالمية، فكانت بداية هذا الموسم مخيبة للآمال سعريا، حيث تراجع سعر أقطان الصعيد والتى تمثل نحو 10% من الأقطان المصرية بنحو ألف جنيه فى بداية الموسم، لأن أقطان الصعيد يتم جمعها مبكرا فتراجع سعر القنطار ليصل إلى 2500 جنيه فقط، مما سيكون له أثر سلبى على أسعار أقطان الوجه البحري، التى وصلت العام الماضى لنحو 3700، وفى حالة استمرار انخفاض السعر سيمتنع الفلاح عن زراعته العام المقبل، لأن زراعة القطن أصبحت مكلفة نتيجة التكلفة العالية.
والقطن المصرى «الذهب الأبيض» لا مثيل له فى العالم بمواصفاته القياسية عالميا، لكن هناك حربا خفية ضده فكان يحتل 70% من السوق العالمية بين الأقطان طويلة وفائقة التيلة، وللأسف الثلاثة عقود الأخيرة تسبب بعض المسئولين فى تراجعه وسقوطه ليصل لأقل من 20%، ولفت نظر الرئيس هذا الوضع المأساوى للقطن المصرى الذى لم يفقد شهرته وسمعته عالميا، فكان هناك دعم وخطة فى العام الماضي، فبدأ القطن المصرى يعود لحركته وصعوده محليا وعالميا..، والمطلوب فورا وبشكل عاجل دعم سعر القطن بحوالى 300 جنيه للقنطار من الدولة موزعة بين الفلاح والصانع، مما سيكون عائدها مضاعفا فى خزينة الدولة، لأن هذا الدعم سيعمل على زيادة الاقبال على الأقطان المصرية عالميا ومحليا من شركات الغزل، وتحقيق مركز متقدم فى السوق العالمية.
الغزل والمنسوجات
بعض الخبراء فى هذا المجال كانت لهم آراء متعددة فى تطوير المحالج وصناعة الغزل والمنسوجات، حيث يقول المهندس محمد خضر رئيس الهيئة العامة للتحكيم واختبارات القطن: هناك خطة شاملة يرعاها الرئيس السيسى للوصول بزراعة القطن لنصف مليون فدان، ورفع الانتاجية والجودة والنهوض بصناعة الحليج والغزل والنسيج والملابس، وتم العام الماضى وضع سعر الضمان من الدولة فزاد الطلب والسعر وتخطى سعر الضمان، لكن المطلوب حاليا تدخل الدولة وبشكل عاجل لا يحتمل التأخير.. فماذا يقول الخبراء؟!
التنافس التجارى فى مجال القطن طويل التيلة ـ كما يوضح المهندس نبيل السنتريسى رئيس اتحاد مصدرى القطن ـ بين أمريكا ومصر، وكانت مصر تستحوذ على 70% من التنافس الدولي، لكن للأسف انقلب الموقف خلال ربع القرن الأخير، وتراجعت مصر لتستحوذ على أقل من 20% من التجارة الخارجية لطويل التيلة، أما القطن المصرى طويل التيلة الممتاز والفائق الطول فليس لهما منافس، ونستورد أقطانا متوسطة وقصيرة التيلة، حيث تعمل معظم المغازل المصرية عليها خاصة لتغذية الصناعة المحلية للمنسوجات، كما نستورد غزلا قيمته 200 ألف قنطار، وهناك بعض المغازل فى برج العرب تعمل على القطن المصري.
عدم وجود السيولة
ويؤكد أن سبب عدم شراء المغازل المصرية للقطن المصرى هو ارتفاع أسعاره، والمصانع لها دعم صادرات لم تحصل عليه منذ سنتين، ولابد من دعم مصانع الغزل بشكل عاجل لشراء القطن المحلى طويل التيلة، لأنه يتم تصدير الغزل بأضعاف تكلفته وبالعملة الصعبة، ويتم تشغيل فنيين وعمالة مصرية ودفع ضرائب وقيمة مضافة، ونقل وغيرها وكل ذلك يدر دخلا وينشط السوق المحلية، ويحذر من توقف السوق الهندية عن استيراد القطن طويل التيلة من مصر، فيتسبب فى انهيار الاسعار، وتتراكم « الفضلة» التى تصل إلى نصف مليون قنطار، مما يخفض الاسعار ويترتب عليه هروب الفلاح من زراعة القطن، ويطالب بضرورة دفع مستحقات المغازل بسرعة لانقاذ الموقف وبالتالى يتم الاقبال المحلى على الأقطان المصرية، فتتنافس السوق العالمية لشراء أقطاننا وبالتالى يحقق ارتفاعا فى الأسعار.
محالج بجوار المزارع
وينادى المهندس السنتريسى بالحل مستقبلا من خلال زراعة القطن وجمعه آليا فى الأراضى الجديدة المستصلحة غرب المنيا وتوشكي، والجنى الآلى يتطلب محالج بجوار المزارع وعرض دراسة جدوى لزراعة 300 ألف فدان، تعطى 3 ملايين قنطار فتنخفض التكلفة مع وجود ادارة تسويق قوية ودعم من الدولة معلن، مما يقوى سوق القطن أمام المنافسة الشرسة والحرب على أقطاننا عالميا، وللعلم القطن المصرى بأنواعه نعمة من الله وغير موجود فى أى من دول العالم، ويقول السنتريسى إنه يوجد مليون فدان لا نعرف تسويق انتاجها، ولابد أن تقوم الدولة بالشراء بسعر الضمان.
وشدد المهندس وليد السعدنى رئيس لجنة تنظيم تجارة القطن بالداخل، ورئيس الجمعية العامة لمنتجى القطن، على أننا نطالب بتدخل الدولة ويكون معلنا وبقوة وبسرعة للقضاء على الارتباك فى السوق وطمأنة الفلاح والمنتج، ودعم الدولة سيرفع أسعار أقطاننا عالميا والتوسع فى زراعته لأن خطة الدولة التى يحث عليها الرئيس السيسى بالوصول لزراعة نصف مليون فدان بالأقطان طويلة التيلة وفائقة الطول والممتازة، لكن ما تمت زراعته حتى الآن أقل من 350 ألف فدان، ونقابل حربا شرسة حيث توجد مشكلات فى التسويق وانخفاض السعر حوالى 20% عن العام الماضي، الذى شهد طفرة فى سعر القطن المصرى وكميته، ولابد من الاستمرار، ويتأكد ذلك من خلال الالتزام بسعر الضمان للفلاح ووضع آلية سريعة لإنهاء المشكلة، لما له من أبعاد اقتصادية واجتماعية.
وزارة مستقلة للقطن
وينادى الدكتور محمود الباجورى بإنشاء وزارة مستقلة للقطن ومنتجاته، ابتداء من الحلج والغزل والملابس والبذرة ومستخرجاتها، فهو سلعة استراتيجية ومنتج عالمى مطلوب وللأسف هناك 5 وزارات معنية بزراعة وتجارة القطن، و باكستان تنتج 20 مليون قنطار وتستورد القطن المصرى لأن هناك وزارة قائمة للقطن، ويطالب بوقف المغازل الأهلية وتشديد العقوبات على اصحابها لأنها تؤثر على الانتاج والتسويق محليا وعالميا، ولابد من السيطرة على زراعات القطن ومنع تهريب بذور أجنبية، كما يحدث حاليا والخوف من اختلاط البذور بأصنافنا المتميزة، ولابد أن تتسلم الدولة كامل المحصول وتضع آليات وتدخل جميع الجهات فى عملية الشراء، وهناك منتجات جانبية للقطن لها قيمتها وتضيف دخلا اضافيا منها البذور التى تدخل فى صناعة الزيوت، وصناعة أعلاف الماشية وهذا دعم غير منظور.
ويلخص المهندس وليد السعدنى الحلول السريعة لانقاذ القطن فى مصر..، أولا : تخفيض الفائدة مقابل عقود لبيع القطن بسرعة لتفادى المزيد، ولابد من توحيد الفائدة لتكون المنافسة شريفة وهذه الاجراءات تضمن التعامل مع العالم بصورة متكافئة، فالفائدة فى الخارج متدنية وأحيانا تصل لصفر، ولابد من ايجاد طلب داخلى على القطن وضرورة أن تعلن الدولة عن حمايتها للانتاج، وتصرف الدولة مستحقات الغزل من دعم الصادرات، ويناشد رئيس الوزراء اصدار قرارات منظمة ونحن كجمعيات ولجنة القطن على استعداد للتعاون.
أقطان الصعيد المبكرة
ويضيف المهندس محمد خضر، أن الصعيد يمثل 10% من انتاج القطن فى مصر والباقى ينتجه وجه بحري، وقد بدأ شراء أقطان الصعيد المبكرة بأسعار أقل من العام الماضى بألف جنيه، فبلغ 2500 جنيه للقنطار مقابل 3500 العام الماضي، رغم أن معامل القطن المصرى تستخدمه كغزل عال حيث تنخفض العوادم والفواقد، التى تتراوح بين 12% و15%، وجار خفض النسبة والسيطرة عليها بمجموعة من الاجراءات، أما المستورد فتصل نسبة العوادم والفواقد فى القطن لنحو 30%، كما أن استطالة الاصناف المصرية أعلى من مثيلتها عالميا حوالى 4% بالاضافة لسمعته، ولذلك على الدولة وضع سعر ضمان مثل العام الماضى وقدره 2500 جنيه للوجه القبلي، الذى ينتج 200ألف قنطار، و2700 للوجه البحرى الذى ينتج نحو 2 مليون قنطار، وقد تم تسويق 160 ألف قنطار العام الماضى وتبقى كمية بسيطة، وهو عليه طلب عالمى لنموه السريع بسبب ارتفاع الحرارة، وفى العام الماضى تم البيع للسوق أعلى من سعر الضمان، وتم بيع القطن بسعر مجز، فلمجرد تدخل الدولة بالدعم واعلان سعر الضمان يرتفع سعر القطن، ويتم تشجيع الفلاح وتصنيع جزء من الحليج فى مصانع الغزل، وتدفع الدولة المبالغ المتأخرة تجاه مصانع الغزل، وهى تقترب من مليار جنيه فتتمكن الشركات من شراء القطن دون قروض، لكن ما حدث هذا العام سيزيد المحصول بنحو 900 ألف قنطار اضافي، ولجأ العملاء الخارجيون بواسطة الوكالات الموجودة فى مصر بضغط على السوق المحلية وخفض الاسعار، بأقل من سعر الضمان 900 جنيه، وهو فرق شاسع مما سيتسبب فى انهيار سوق الأقطان المصرية، بعد أن بدأ العام الماضى التحسن الملحوظ، فالتدخل العاجل لابديل له لأنها حرب.
وهناك العديد من المكاتبات للجهات الرقابية والحكومية تتناول بعض المشكلات التى تواجه شركات تصدير الأقطان المصرية التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، فيشير لها محمد شاهين عضو مجلس إدارة النقابة العامة لعمال التجارة ورئيس شعبة القطن، إلى عقبة التمويل، حيث ترفض البنوك تمويل الشركات التى تعانى من خسائر أو مكاسب ضعيفة، وتعانى مديونيات تاريخية معلقة، ومعاناة الشركات المحلية للغزل من توفير السيولة، وتسبب نقل تبعية شركات تصدير الاقطان من وزارة التجارة الخارجية لوزارة قطاع الأعمال، فى أتاحة الفرصة لشركات القطاع الخاص للسيطرة على السوق وعدم الالتزام بالاسعار الاسترشادية بالبيع أقل منها دون رقابة، وتبع نقل ملكية أصول الشركات للشركة القابضة، والتى قامت بنقل ملكية وبيع كثير من أصول الشركات، تدخل الشركة القابضة فى سياسات عمل شركات تصدير الأقطان بطريقة غير مباشرة.
ونأتى لنقطة مهمة وهى تحمل شركات الأقطان مديونيات تاريخية للبنوك، وتقابلها مديونيات تاريخية مستحقة لها على شركات الغزل نتيجة سياسات الدولة فى الماضي، إلى جانب الضرائب الكبيرة على الشركات من المبالغ المستحقة لها، وفى حالة تسويتها ستتوافر مبالغ كبيرة لشركات الاقطان تسمح بتغطية جزء من نشاطها.
ويؤكد محمد شاهين أن السياسة العامة تجاه محصول القطن، تؤثر على شركات التصدير، ونأمل فى أن محصول القطن يكون تحت يد الدولة، مما يحافظ على الاسعار والاسواق الداخلية والخارجية، وبالتالى سمعة الأقطان المصرية التى توفر العملات الصعبة، وتتم اثارة هذا الوضع فى هذا التوقيت وهو موسم شراء القطن، ونتيجة اهتمام الدولة العام الماضى ارتفعت الاسعار، واتجه الفلاح لزيادة زراعة القطن ونتيجة لعدم تدخل الدولة بقوة، تراجعت أسعار هذا العام، مما يفقد الفلاح الثقة فى المواسم القادمة، وتراجع أسواق الأقطان محليا وعالميا، لذلك نرجو سرعة تدخل الحكومة وتمويل شركات الغزل والتغلب على العقبات، واعلان ذلك مما يعطى القطن المصرى قوة، للوقوف أمام الحرب الشرسة ضده بقوة.
أما قضية بيع محالج الدولة، وهى قضية مهمة، فيقول المهندس محمد خضر: لقد تصور البعض أن البيع سوف يكون لجميع المحالج، لكن ستبقى الدولة على 11 محلجا، وستعمل على زيادة قدراتها الانتاجية وتطويرها.
هذه القضية سنتناولها مع الخبراء لاستكمال قضايا القطن فى مصر، والعوائق وعرض حلول مختلفة ومتعددة للتغلب عليها بشكل صحيح وعلمي.