بعد أن هدأت العاصفة.. أزمـة البطاطـس .. مسئولية من؟!

بعد أن هدأت العاصفة.. أزمـة البطاطـس .. مسئولية من؟!

بعد أن هدأت العاصفة وانخفضت أسعار البطاطس بشكل ملحوظ فى أسواق التجزئة بسبب الحملات المتكررة التى قامت بها هيئة الرقابة الإدارية على مخازن وثلاجات عدد من محتكرى هذه السلعة وبيع الكميات المضبوطة بأسعار مناسبة للمواطنين فى المنافذ العامة.. كان لابد من فحص أسباب الأزمة التى تمثلت فى نقص الإنتاج نتيجة الظروف المناخية المتقلبة التى واجهتها زراعة العروة المحيرة فى شهر مايو من العام الماضي، إضافة إلى عزوف بعض الفلاحين عن زراعتها نتيجة الخسائر المادية التى أصابتهم بسبب ارتفاع أسعار مكونات الإنتاج واستغلال تجار الجملة لهم، حيث اشتروها بأسعار متدنية تتراوح بين 60 قرشا وجنيهين للكيلو.

بداية يوضح الدكتور أسامة خير الدين رئيس اتحاد منتجى المحاصيل الزراعية الأسبق أن البطاطس من المحاصيل الشتوية ومنها العروة التى تنتج فى نوفمبر، والأخرى صيفية تنتج خلال مايو أو يونيو من كل عام. وهى التى يتم تخزينها فى الثلاجات للاستهلاك فى فصل الصيف حتى نهاية أكتوبر، مشيرا إلى أن البطاطس الصيفية كانت تخزن بطريقة (النوالات) أى تجميع البطاطس على شكل أكوام كبيرة فى المخازن أو أماكن خالية فى بعض الأراضى الزراعية وتغطيتها بالقش ثم تغطيها بغطاء كبير من البلاستيك ورش البودرة المضادة للسوس والحشرات عليها، ثم تبين أن هذه البودرة ضارة جدا بالصحة فحظرت وزارة الصحة استخدامها، فلجأ بعض المزارعين والشركات المصنعة للشيبسى والبطاطس بأنواعها إلى تخزين البطاطس فى الثلاجات الكبري، وهذه البطاطس المخزنة فى الثلاجات تستخدمها المصانع لإنتاج أنواع مختلفة من البطاطس المصنعة، كما يستخدمها المزارعون كتقاو لزراعتها لإنتاج المحصول الجديد أو لبيعها فى الأسواق عندما يتوقف الإنتاج فى فصل الصيف، وهذه الزرعة يطلق عليها (العروة المحيرة)، مؤكدا أن هذه العروة تمت زراعتها بالفعل، لكنها لم تعط إنتاجا كالمعتاد، لكنها قدمت ما يقرب من 60% من حجم الإنتاج السنوى لها بسبب تقلبات المناخ فى تلك الفترة، علما بأن الإنتاج المحلى من هذه السلعة يصل إلى أربعة ملايين طن سنويا، منها 650 ألف طن للتصدير، أى 15% من حجم الإنتاج. وفترة بقاء المحصول فى الأرض تتراوح ما بين 90 و100 يوم، وإنتاج شهر يناير يكون وفيرا يغطى احتياجات السوق المحلية والتصدير، والبطاطس التى يتم تخزينها فى الثلاجة ينخفض وزنها، إضافة إلى تكلفة النقل والشحن والتفريغ، والسبب الرئيسى لارتفاع السعر هو الانخفاض الحاد فى الكميات المعروضة.

60 قرشا للكيلو

ويضيف أحمد الشربينى الأمين العام للجمعية العامة لمنتجى البطاطس أن زراعة البطاطس يعمل بها أكثر من أربعة ملايين مزارع وعامل ومصدر وتعد أكبر جمعية للمزارعين فى الشرق الأوسط وأن حصة الصادرات من البطاطس هذا العام وصلت إلى 850 ألف طن وأن المزارعين تعرضوا لنكبة ترتب عليها تراجع أسعار الطن إلى 600 جنيه للطن أى 60 قرشا للكيلو وكانت تباع فى الأسواق بجنيهين فقط للكيلو مما جعل المنتجين يتعرضون لأزمات مالية لجهات مختلفة يتعاملون معها فخرج الكثير من المزارعين هذا الموسم ورفضوا زراعتها لارتفاع تكلفة الفدان إلى أكثر من 50 ألف جنيه علاوة على أن الظروف الجوية المتقلبة أدت إلى انخفاض إنتاجية الفدان إلى 10 أطنان للفدان الواحد إضافة إلى أن تكلفة طن البطاطس عند تخزينها فى الثلاجة ألف جنيه للطن وتشمل عمليات النقل والتفريغ والتعبئة والفرز وأجرة التخزين والجفاف والهدر لتصبح تكلفة الطن 6 آلاف جنيه على الفلاح مع العلم بأن هذه البطاطس المخزنة فى الثلاجات تستخدم فى زراعة البطاطس خلال شهرى سبتمبر وأكتوبر وكذا للزراعات خلال شهرى نوفمبر وديسمبر وتوفير الكميات التى يحتاجها 21 مصنعا للشيبسى والبطاطس النصف مقلية ومساهمة من الجمعية لحل المشكلة قامت بتقديم مذكرة إلى وزير الزراعة لاستعدادها لتوفير البطاطس فى الأسواق.

40% هدراً

أما المنتجون فأكدوا أن محصول البطاطس خرب بيوت المزارعين وأصبحوا غير قادرين على سداد الأقساط المستحقة عليهم للبنك الزراعى المصرى والجمعيات الزراعية والتجار كما يقول إبراهيم العمدة (منتج ومصدر) مشيرا إلى أن العروة المحيرة الصيفية لم تعط سوى 60% فقط من حجم الإنتاج والـ 40% الباقية ذهبت فاقدا بسبب الظروف المناخية المتقلبة حيث أنتج الفدان الواحد كمية تتراوح بين 10 إلى 12 طنا فى حين أن المعدل الطبيعى للإنتاج يبلغ 20 طنا أو أكثر قليلا وكان هناك سبب آخر هو استيراد تقاوى أقل جودة أسهمت بشكل مباشر فى تراجع هذه الانتاجية فالمعروف أن تقاوى البطاطس تستورد من دول الاتحاد الأوروبى وانجلترا وأفضلها البذور الهولندية وتصنيفها (سوبر إيليت) أما البذور التى تم استيرادها فكانت (إيليت) فقط موضحا أن تكلفة تخزين البطاطس خلال موسم الصيف لحين بيع البطاطس المخزنة يبلغ 400 جنيه للطن فى الأربعة أشهر ولتحميل هذه النفقات على تكلفة البطاطس تبلغ تكلفة الكيلو داخل الثلاجة 9 جنيهات وعندما يشتريها تاجر الجملة لبيعها يضيف للكيلو جنيهين مقابل النقل والربحية ليبيعها تاجر التجزئة بـ 12 جنيها قبل اضافة نفقات النقل والفاقد وانخفاض الوزن بسبب البيع القطاعي.

يؤكد العمدة أن نظائر محصول كفر الدوار نزلت إلى الأسواق لذا فإن أسعار البطاطس داخل الثلاجات وصل من 7 إلى 8 جنيهات ومحصول محافظة المنيا يصل إلى 100 ألف طن تستقبله الأسواق المحلية فى الأسبوع الثانى من نوفمبر المقبل مما يؤكد أن البطاطس ستعود إلى رشدها فى الأسعار خلال نهاية ديسمبر وأوائل يناير القادمين

52 ألف جنيه تكلفة الفدان

يضيف خالد الجمل (منتج ومصدر) أن الكميات المنزرعة العام الماضى وصلت إلى 110 آلاف طن مقابل 160 ألفا للعام قبل الماضى مؤكدا أن كيلو البطاطس يكلف الفلاح 4.5 جنيه. حيث تصل تكلفة الفدان الواحد إلى 52 ألف جنيه، ومتوسط إنتاجية الفدان الواحد من 13 إلى 15 طنا من بطاطس العروة المحيرة، وأن طن البذور المستوردة تصل قيمتها إلى 20 ألف جنيه للطن ويعطى إنتاجية 1.4 فدان من البطاطس. حيث ينتج الفدان فى الظروف العادية 20 طنا من البطاطس ليصل سعر الكيلو على المزارع 6.5 جنيه، موضحا أن أسعار البذور ارتفعت عالميا. حيث يصل سعر الطن فى دول الاتحاد الأوروبى إلى 800 يورو بخلاف نفقات النقل البحرى.

التصدير ليس سببا

أما المستوردون فقد اصابتهم سهام العشوائية بأن أرتفاع أسعار البطاطس سببها الاحتكار من قبل المصدرين الذين يصدرونها إلى روسيا وبعض الدول الأوروبية وهو ما ينفيه تماما الدكتور سمير النجار أقدم وأكبر منتج ومصدر للبطاطس قائلا: إن بطاطس العروة المحيرة لا تصلح للتصدير وأنها تستخدم فقط للبيع فى الصيف أو كتقاو للزراع موضحا أن تراجع المزارعين عن زراعة المحصول كان السبب الرئيسى للأزمة وهذا بسبب الخسائر الكبيرة التى اصابتهم ونفى أن يكون هناك شبهة احتكار لهذه السلعة التى تعانى من ضألة الكميات المنتجة منها بسبب الخسائر التى اصابت المزارعين وارتفاع قيمة مدخلات الإنتاج فى الزراعة، إضافة إلى تعدد حلقات الوساطة فى تداول السلعة حتى وصولها إلى المستهلك.

ارتفاع أسعار التخزين

من اصحاب الثلاجات، يقول محمد سعيد هاشم خضر نائب نقيب الفلاحين وصاحب ثلاجة لحفظ الخضراوات والفاكهة، موضحا ان ثلاجته تستوعب ألف طن من البطاطس، وانه لا يبيع البطاطس لكنه يخزن لمصلحة الغير وأنه يحصل على 330 جنيها أجرة حفظ الطن خلال فصل الصيف، وهى أجرة مؤقتة ويحرر عقد اتفاق مع المزارع صاحب البطاطس ويدون فى العقد شرطا اساسيا بأن القيمة التى يتفق عليها قابلة للزيادة حال زيادة أسعار الكهرباء، مشيرا إلى أن أسعار الكهرباء ارتفعت إلى جنيهين للكيلووات بدلا من 145 قرشا، إضافة إلى ضريبة المبيعات وضريبة القيمة المضافة التى تصل إلى 15% ، مؤكدا أنه لا توجد لديه أى كميات مخزنة للتجار حاليا، وان كل ما لديه هى كميات من البطاطس للشركات المنتجة للمواد الغذائية وهى الشيبسي(والفارم فريتس).

لكن تجار الجملة كان لهم تفسير آخر لأسباب المشكلة كما يقول حاتم نجيب نائب رئيس رابطة تجار سوق الجملة بالعبور إن النقص الواضح فى الكميات الموردة دفع بتجار الأسواق العشوائية إلى شراء البطاطس من أصحاب الثلاجات والمزارعين بأسعار مرتفعة تفوق أسعار البطاطس الموردة لأسواق الجملة فى العبور وأكتوبر حيث وصل سعر الكيلو فى الجملة العشوائية إلى 10 جنيهات بينما فى أسواق العبور وأكتوبر وصل السعر إلى 8 أو 9 جنيهات مما ترتب على ذلك ضآلة الكميات الموردة لسوقى العبور وأكتوبر بينما هى متوفرة فى الأسواق العشوائية.

وفى سوق التجزئة يقول حسام عبد الفتاح (بائع خضراوات وبطاطس) إن أسعار البطاطس فى الجملة بسوق العبور بلغت 9 جنيهات يضاف إليها تكاليف النقل والهالك ليصبح اجمالى السعر عشرة جنيهات ويقوم ببيعها بـ 12 جنيها للكيلو مؤكدا ان الطلب على البطاطس انخفض بعد الارتفاع الصاروخى فى أسعارها.