«بايظة يا طماطم».. والكيلو بـ«13 جنيه»

«بايظة يا طماطم».. والكيلو بـ«13 جنيه»

فى طريقه اليومى إلى الأرض التى يستأجرها مقابل 12 ألف جنيه فى العام، كانت مخاوف وآمال متضاربة تدور فى ذهن أحمد الصفطاوى، أثناء غرس «شتلة» الطماطم على مساحة فدان كامل، بداية من الخوف من تلف المحصول حال الإصابة بحشرة «السوسة»، أو نجاة المزروعات ما يمكنه من سداد ديونه والحصول على أرباح.

يومياً كان الصفطاوى، 54 عاماً، يرتدى جلبابه ويُحكم ربط كوفية من القطن على رأسه، ويركب حماره ليسيرا مسافة 4 كيلومترات فى طريق ترابى على يمينه ترعة غطتها نباتات ورد النيل، بينما تمتد على يساره مساحات شاسعة من الأراضى الخضراء، وعندما يصل إلى الأرض يربط الحيوان فى عمود خشبى، ثم يحمل «قفة» تضم «شتلة» طماطم.

لم يكن يعلم الصفطاوى أن الشتلة التى اشتراها من أحد التجار مغشوشة، وأنها تسببت فى تلف كمية كبيرة من المحصول، مثل كثيرين من المزارعين الذين وقعوا ضحية عملية غش من جانب إحدى الشركات الخاصة، والمسؤولة عن توزيع البذور على المتخصصين فى زراعة الشتلات، والذين يقومون بدورهم ببيعها للفلاحين، وهو ما أدى فى النهاية لتلف محصول الطماطم فى هذه «العروة» وانخفاض الإنتاج، ما أدى لارتفاع سعر الكيلو الواحد لـ13 جنيها.

تنقلت «المصرى اليوم» بين بعض المشاتل بمنطقة «الصالحية»، وتحدثت إلى مجموعة من أصحابها بعدما تقدم عدد من الفلاحين بشكاوى وحرروا 400 بلاغ فى 5 محافظات مختلفة ضد الشركة المستوردة لبذور الطماطم، لتعرضهم لغش تجارى وخسائر فادحة بسبب تلف الشتلات، لأن البذور غير صالحة، فيما لم تفلح المبيدات الحشرية التى يشتريها المزارعون فى مواجهة الفيروسات التى أصابت الطماطم.

قال أحمد عبدالمعين، أحد المزارعين، إنه تتم زراعة الطماطم فى 4 عروات رئيسية، هى الصيفية المبكرة والعادية والنيلية والشتوية، بالإضافة للعروة المحيرة، وتتم زراعتها بين العروتين الشتوية والصيفية المبكرة، وتحتاج كل عروة لصنف يناسبها، مع ملاحظة أن المحصول يتعرض خلال الفترة الحالية سنوياً لانتشار السوسة والذبابة البيضاء وتعدد عوائلها، ما يؤدى إلى تلف الإنتاج.

وأشار عبدالمعين إلى أن جهل بعض المزارعين بالأصناف المناسبة واحتياجات كل صنف من الأسمدة، وعدم معرفتهم بأعراض الإصابة بالأمراض والآفات وكيفية مقاومتها من أسباب تلف الإنتاج، خصوصاً مع تخلى وزارة الزراعة عن دورها، رغم أن مصر بلد زراعى يتميز بإنتاج العديد من المحاصيل ومنها الطماطم، ورغم ذلك لم يعد الإنتاج كافيا لتغطية احتياجات السوق المحلية.

فى الساعة السادسة من صباح كل يوم، يخرج أحمد محفوظ، 63 عاماً، أحد المزارعين بمحافظة الإسماعيلية، متجها إلى أرضه ويدعو: «اللهم اكفنى شر الذبابة»، يجلس فى أرضه وسط ارتفاع درجة الحرارة، لمحاولة العناية بمحصول الطماطم، متمنياً أن يكون سليماً وتقل فيه نسبة التالف، حتى يكون عائد المحصول كافياً لسداد ديونه للبنك الزراعى المصرى «التنمية والائتمان سابقاً»، وسداد مصروفات المدارس لأبنائه ونفقات المعيشة، إلا أنه لم يكن يعلم أن بذور الطماطم كانت تالفة من الأصل وأن فرحته بنمو النباتات فى بداية الموسم ستتحول إلى حزن وترقب وخوف من حجم الخسارة عند جنى المحصول.

لا يجد محفوظ سوى وزارة الزراعة لتحميلها المسؤولية عما وصفها بالمصيبة التى يعانى من نتائجها عشرات الألوف من صغار الفلاحين، بالإضافة إلى المستهلكين الذين سيشترون الطماطم بأضعاف ثمنها المتوقع فى هذه الفترة من العام.

ويأتى اتهام وزارة الزراعة بالمسؤولية، بحسب محفوظ، لأنها لم تقم بدورها فى الرقابة على المحصول فى مرحلة استيراد البذور الصالحة للزراعة، وتركت المزارعين فريسة سهلة للتجار الذين يتحكمون وحدهم فى السوق، ويضيف: «لكى ننتج محصولاً جيداً يجب الحصول على شتلات قوية، خالية من الحشرات وغير مصابة بالأمراض، خصوصاً الأمراض الفيروسية التى تعتبر أحد أسباب تدمير محصول الطماطم».

وبسبب تلف المحصول ستشهد الأسواق، خلال الفترة المقبلة، انخفاضاً كبيراً فى الكميات المطروحة، ما يؤدى بالطبع لارتفاع الأسعار بسبب زيادة الطلب مع قلة العرض، ويرجع الأمر كله إلى بذور الطماطم الفاسدة التى تم استيرادها، ووقوع الفلاحين فريسة عملية غش قامت بها إحدى الشركات الخاصة، وسط غفلة من وزارة الزراعة.

وقال إسماعيل السيد محمد، أحد المزارعين، إن الطماطم مثل أى سلعة مرتبطة بالعرض والطلب، لأن إنتاجية هذا العام من محصول الطماطم أقل من مستوى العام السابق بسبب الآفات وضعف البذور، وتغير العوامل الجوية فى مصر خلال السنوات الأخيرة، والرابح الوحيد رغم تلف المحصول هو تاجر البذور، الذى لن يمثل انخفاض الإنتاج بالنسبة له أى مشكلة، لأنه اشترى البذور من الشركات، سواء كانت مضمونة أو مشبوهة، وباعها إلى الفلاحين محققاً الربح الذى حدده، ثم يشترى الإنتاج من المزارع مقابل 7 جنيهات للكيلو الواحد، ثم يبيعها لتاجر التجزئة مقابل 10 جنيهات، أى أنه خارج دائرة الخسارة فى جميع الأحوال.

خفض المساحة المزروعة من شتلة الطماطم كان الحل الأمثل أمام عادل العمدة، لتقليل خسارته بقدر الإمكان، ويرى أنه اتخذ الخطوة المثالية بعد تلف مساحات كبيرة من أراضى المزارعين المجاورين للمشتل، فيقول: «خلال شهور الصيف نزرع بذور الشتلة فى التربة الرملية، وفى الشتاء من الأفضل أن تكون التربة حمراء، والشتلات تحتاج 40 يوماً لتنمو ونقوم بريها بالماء كل يومين، ومن الأفضل للفلاحين أن يعلموا مصدر البذور لضمان سلامتها، حتى يستطيعوا محاسبة صاحب المشتل أو الشركة فى حال تلف المحصول، لأن مستوى سلامة البذور هو المتحكم الأول فى الإنتاجية، فليس من المعقول أن تصل تكلفة زراعة المحصول لـ2 مليون جنيه بالنسبة لأصحاب المساحات الكبيرة ويشترون بذورًا مغشوشة تتسبب فى ضياع المحصول، كما يجب على أصحاب المشاتل الالتزام بالشفافية وكشف حقيقة البذور، ليمكن لبقية المزارعين الابتعاد عنها حتى لا يزيد عدد الضحايا وينخفض الإنتاج بدرجة أكبر».

لا تنحصر أسباب تلف محصول الطماطم على البذور الفاسدة فقط، ولكن المبيدات «المضروبة» المنتشرة فى الأسواق جزء مهم من الأزمة، حسبما أكد عدد من المزارعين، خصوصاً أن المبيدات التى استخدموها لم تفلح فى مقاومة الآفات ومحاربة «السوسة» و«الذبابة البيضاء».

وقال أحمد عبدالحفيظ: «اشتريت مبيدات لمقاومة الآفات ولكنها لم تكن مجدية، ولم تقضِ على السوسة، ما يؤكد أنها مغشوشة».

يجد الفلاحون أنفسهم دون سند أو مؤسسة تدافع عنهم أو ترعى مصالحهم، إذ إن موظفى الجمعيات الزراعية ليس لهم دور سوى الجلوس داخل مكاتبهم، ولا يبادرون بالمرور على الأراضى لمتابعة المحصول، رغم أنها وظيفتهم الوحيدة، كما أن مخازن كل الجمعيات خالية من المبيدات ولا توجد بها سوى الأسمدة الزراعية وعلى الحيازة فقط.

ويؤكد عبدالحفيظ أن خسارة تلف المحصول يتحملها المزارع بالكامل، خصوصاً أن أعدادا كبيرة من المواطنين انتبهوا إلى أن أسعار الطماطم ترتفع فى العروة الصيفية كل عام، ولذا لجأوا لتخزين كميات من الطماطم من إنتاج العروة الشتوية، والتى يصل سعر الكيلوجرام الواحد فيها لـ2 و3 جنيهات، تجنباً لشراء الطماطم بأسعار مرتفعة.

يشكو عبدالحفيظ من ارتفاع تكلفة زراعة وجنى محصول الطماطم، حيث وصلت يومية العامل لـ100 جنيه، «الفدان الواحد يحتاج لـ6 عمال لجمع المحصول، بجانب شهرية العامل المسؤول عن رش المحصول والتى تصل إلى 3 آلاف جنيه، ويحتاج المزارع إلى 12 عاملا للفدان الواحد.

وانتقد أحمد أمين، مزارع، غياب دور الإرشاد الزراعى منذ ما يزيد على عشرين عاما كاملة، ما جعل الفلاحين تائهين رغم أهمية الزراعة لتوفير الغذاء للمواطنين، وهو مسألة تخص الأمن القومى وليس مجرد مصلحة للمزارعين.

أحمد أصبح مهدداً بالحبس، ويقول: «مش معقول أتعب فى المحصول وأصرف عليه وأشوفه بيتلف قدام عنيا، والموضوع مش بسيط لأن فيه ناس بتزرع 50 فدان وبقوا مديونين ومهددين بالحبس، لأنهم أنفقوا ملايين على المحصول».

يرى أحمد أن الأزمة بدأت قبل زراعة العروة بسبب غياب الرقابة على المحال المتخصصة فى بيع البذور والمبيدات.

وعلق الدكتور محمد مسعود، أستاذ الزراعة، على الأزمة بقوله إن من أسباب تلف محصول الطماطم قيام بعض المزارعين بتبكير أو تأخير زراعة الطماطم عن المواعيد المحددة لها، فضلاً عن موجة الحر الشديدة التى تعرضت لها البلاد، والتى أصابت عروات زراعة الطماطم بدودة أتلفت كميات كبيرة من المحصول، وأرجع ارتفاع الأسعار خلال شهر أكتوبر الجارى إلى أن هذه الفترة تقع بين محصولى العروتين المحيرة والخريفية، علاوة على إصابتها بالذبابة البيضاء نتيجة ارتفاع درجة الحرارة.

وشدد الدكتور أحمد حسين، أستاذ المبيدات بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، على ضرورة التنسيق بين مراكز ومعاهد البحوث الزراعية والحجر الزراعى والإدارة المركزية للمكافحة والإرشاد الزراعى ولجنة المبيدات وكليات الزراعة، لوضع برامج متكاملة للمكافحة، مؤكدًا أن الحل يكمن فى وضع برامج مقاومة متكاملة للمكافحة، بداية من اختيار البذرة وحتى جنى المحصول، فضلاً عن استخدام الدورة الزراعية فى تتابع زراعة المحاصيل لزيادة الإنتاج وتحسين خصوبة التربة.